"السدّ يا فاطنة.. فتح عيني ع الدنيا زي ما كون طلّعني للنور من بير. ده أنا حتى ساعات بأحدث نفسي وأقول يكونشي السد ده عاملينه عشاني؟ عشان يا حراجي تعرف قيمتك وتفتح ع الكون والناس، رغم المُر اللي بتشربه فيه؟". عندما كتب الشاعر المصري عبد الرحمن الأبنودي هذه الأبيات في ستينيات القرن الماضي، كان بناة السد العالي يثابرون من أجل إنهائه، ليصبح رمزاً ضد تقلبات النيل وفيضانه. في قصيدته "جوابات حَراجي القط"، جسّد الأبنودي صوت الفلاح المصري، حراجي، الذي كان رئيساً للعمال من بناة السد، يحاور زوجته ويروي قصته. في مطلع تشرين الأول/أكتوبر الجاري، وبحسب المعْلَن، غرق حوالي 1124 فداناً من أفدنة طرح النهر (وهي أراضٍ في حرم مجرى النيل) في قرى محافظة المنوفية - إحدى محافظات دلتا النيل في مصر - تحت وطأة فيضان جديد، وصفته القاهرة بـ"الصناعي"، بسبب إجراءات أديس أبابا في سد النهضة، ليعود صدى كلمات "الأبنودي"، ويذكِّر المصريين بــ معركتهم الأبدية مع النيل. لكن هذه المرة، السد العالي وحده قد لا يكفي.
في تشرين الأول/أكتوبر الجاري، يعود فيضان النيل ليثير القلق في القاهرة، كتهديد مصطنع ينبع من تصرفات أحادية الجانب في إدارة سد النهضة الإثيوبي. مع ارتفاع منسوب المياه بنسبة تفوق المتوسط بحوالي 25 في المئة - بحسب وزارة الري المصرية، غمرت الفيضانات أراضيَ زراعية ومنازل في دلتا النيل، ما أثار تساؤلات عن جاهزية القاهرة لمثل هذه السيناريوهات. وعلى الرغم من المجهودات الاستباقية التي أعلنت عنها مثل: مفيض توشكي، والنهر الصناعي، يبقى السؤال: هل يكفي ذلك للحماية، أو أن سكان "طرح النيل" على طول مجرى النهر وفرعيه، هم الضحايا الأوائل في أية كارثة محتملة؟
طرح المنوفية تحت الماء
شهدت مناطق طرح النيل في بعض مراكز محافظة المنوفية، غرقًا واسعاً لأراضٍ زراعية ومنازل خلال الأيام الماضية، جراء ارتفاع منسوب النيل إلى مستويات غير مسبوقة. وفقاً للتقارير الرسمية، غمرت المياه أفدنة موزعة على مراكز أشمون، منوف، السادات، الشهداء، وجزيرة داوود، مع وصول المياه إلى أبواب المنازل في قرى مثل "دلهمو". وفي مشهد يعيد إلى الأذهان كوارث الفيضانات التاريخية، اضطر الأهالي إلى استخدام المراكب للتنقل، بينما غرقت مئات الأفدنة من المحاصيل (بحسب تصريحات مديرية الزراعة المحلية بالمحافظة، فإن أغلب هذه المساحات تقع في فواصل زراعية عقب رفع محصول الذرة)، ما يهدد الأسر الزراعية بأضرار اقتصادية فادحة.
لم تحصل هذه الفيضانات صدفة، بل هي امتداد لتصريفات مفاجئة تخص سد النهضة، الذي أطلقت إثيوبيا بواباته مؤخراً (عقب الافتتاح الرسمي في 9 أيلول/ سبتمبر الماضي)، ما أدى إلى فيضانات كثيفة في السودان أولاً، وصلت إلى مصر. وأكدت وزارة الموارد المائية والري المصرية في بيان لها، أن "التصرفات الأحادية المتهورة" من إثيوبيا، مثل خفض التصريفات فجأة من 280 مليون متر مكعب يومياً إلى 110 ملايين في أيلول/سبتمبر الماضي، ألحقت أضراراً بالسودان، وألقت عبئاً إضافياً على القاهرة.
في مصر: إزاء سد يهدد السيادة.. وعي وبلادة!
27-06-2021
تعليمات للإعلام بعدم الحديث عن اكتمال سد النهضة
29-08-2024
ولم تكن هذه المرة الأولى خلال العام الجاري التي تتعرض فيها أراضي طرح النهر في محافظة المنوفية للغرق، إذ أعلنت مديرية الزراعة في المحافظة في نيسان/ إبريل الماضي عن غرق حوالي 648 فداناً، ما استدعى تساؤلات من خبراء المياه عن كيفية غرق مثل تلك الأراضي في موسم الجفاف المعتاد. وعلق عباس شراقي، خبير الموارد المائية والجيولوجيا، قائلاً: "فوجئنا بخبر غرق بعض أراضي طرح النهر، وهذا معتاد في أوقات الفيضان (غالباً أيلول/سبتمبر – تشرين الأول/أكتوبر) عند ارتفاع منسوب بحيرة ناصر إلى الحد الأقصى، وليس في الربع الأخير من نهاية السنة المائية". ما يدلل - بحسب البيانات الرسمية - على أن إثيوبيا لا تريد بتلك التصرفات سوى "لقطة إعلامية" واستعراض سياسي.
الفيضانات تثير اتهامات متبادلة
اتهمت تصريحات رسمية للقاهرة، أديس أبابا بممارسات تفتقر إلى المسؤولية أدت إلى حدوث فيضان مصطنع، ما يهدد حياة وأمن شعوب دولتي المصب. غير أن الصحافة الإثيوبية شنت حملة مضادة للدفاع عن مشروع السد الإثيوبي، مؤكدة أنه منقذ إقليمي وليس مصدر تهديد، معتبرة التصريحات المصرية "كذباً ملفقاً وتشويهاً سياسياً".
لم تحصل هذه الفيضانات صدفة، بل هي امتداد لتصريفات مفاجئة تخص سد النهضة، الذي أطلقت إثيوبيا بواباته مؤخراً، ما أدى إلى فيضانات كثيفة في السودان أولاً، وصلت إلى مصر. وأكدت وزارة الموارد المائية والري المصرية في بيان لها، أن "التصرفات الأحادية المتهورة" من إثيوبيا، مثل خفض التصريفات فجأة من 280 مليون متر مكعب يومياً إلى 110 ملايين في أيلول/سبتمبر الماضي، ألحقت أضراراً بالسودان، وألقت عبئاً إضافياً على القاهرة.
بدأت الصحيفة البارزة "أديس ستاندرد"، في تقريرها، بنقل بيان رسمي من وزارة الموارد المائية والطاقة الإثيوبية. وفقاً للتقرير، نفت الوزارة الاتهامات المصرية بأن تصريفات المياه (حوالي 2 مليار متر مكعب في أيلول/سبتمبر) كان "مفاجئاً وغير منسق"، مشيرة إلى أن الأمطار الغزيرة في المرتفعات الإثيوبية كانت ستؤدي إلى "دمار تاريخي" في السودان ومصر لولا تنظيم السد للتدفق. وأن ذروة الفيضانات المعتادة في شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر، تتجاوز في كثير من الأحيان 800 مليون متر مكعب يومياً. وبالمقارنة، بلغ متوسط الإطلاق اليومي من سد النهضة في الأشهر نفسها من هذا العام 154.7 مليون متر مكعب و 472 مليون متر مكعب على التوالي. مشيرة إلى تصريحات رسمية من الحكومة السودانية، تحيل فيها الفيضانات التي جرت في السودان على تدفقات هائلة في النيل الأبيض نتيجة الأمطار، وليس بسبب السد الإثيوبي. ما يدحض بحسب روايتها، اتهامات القاهرة. وفي سياق مشابه، أكدت هيئة الإذاعة الإثيوبية، أن أديس أبابا لا تقبل ما وصفته بـ "الاتهامات الكاذبة وتصريحات التشهير المصرية"، وأنه سيكون من الجيد للقاهرة أن تتخلى عن الاعتقاد الخاطئ بأنها مهيمنة في حوض النيل، مشيرة إلى أن مسيرة التنمية الإفريقية لن تُقيَّد بالفكرة الخاطئة عن "الحقوق التاريخية"، التي تعد مظهراً من مظاهر العقلية الاستعمارية، و"قد حان الوقت لمصر أن تتخلى عن ذلك".
أما "إثيوبيان ريبورتر"، فقد ركزت على افتتاح السد في 9 أيلول/سبتمبر كـ"رمز للوحدة". ووصفت فتح البوابات كخطوة طبيعية لتوليد 5 آلاف ميغاواط من الكهرباء، مع الإشارة إلى أن السد يحمي السودان من الفيضانات السنوية، ويوفر كهرباء رخيصة للمنطقة. ونفت أي "تهديد" للجيران. وهو ما أكدته صحيفة "فانا بودكاستنج" التي أشارت إلى تعاون يومي مع الخرطوم، وتبادل لبيانات تاريخية من وزارة الري السودانية تمتد لحوالي 93 عاماً، تؤكد أن السد عمل العام الجاري على إنقاذ دولتي المصب من فيضان تاريخي محتمل.
التاريخ السياسي لمياه نهر النيل
05-08-2021
ورداً على نفي إثيوبيا المستمر لاتهامات القاهرة، استمرت الصحف المصرية في توجيه الاتهامات لأديس أبابا، وكشف الباحث المصري المتخصص في الشؤون الإفريقية وحوض النيل، هاني إبراهيم، عن أن الغرق الحالي ليس مرتبطاً بـ"الفيضان الطبيعي"، بل بـ"متغير جديد" هو سد النهضة، الذي أدى إلى تمرير كميات هائلة من المياه (تجاوزت 750 مليون متر مكعب يومياً) بعد اكتمال ملئه إلى 74 مليار متر مكعب. وأدى إطلاق مياه من سد مروي السوداني إلى تمرير تدفقات الفيضان من نهر عطبرة (بعد تشغيل سد تيكيزي الإثيوبي)، ومن النيل الأزرق (عقب ملء سد النهضة)، إلى ارتفاع نوعي في منسوب السد العالي بجنوب مصر، خاصة مع تراجع الاحتياجات المائية المصرية بعد انتهاء العروة الصيفية.
نفت وزارة الموارد المائية والطاقة الإثيوبية الاتهامات المصرية بأن تصريفات المياه (حوالي 2 مليار متر مكعب في أيلول/سبتمبر) كان "مفاجئاً وغير منسّق"، مشيرة إلى أن الأمطار الغزيرة في المرتفعات الإثيوبية كانت ستؤدي إلى "دمار تاريخي" في السودان ومصر لولا تنظيم السد للتدفق. وأن ذروة الفيضانات المعتادة في شهري آب/ أغسطس وأيلول/ سبتمبر، تتجاوز في كثير من الأحيان 800 مليون متر مكعب يومياً.
هذا الارتفاع أجبر مصر على تمرير المياه إلى المجرى الرئيسي للنهر، ما غمر آلاف الأفدنة، بما في ذلك ما حدث في محافظتي المنوفية والبحيرة. مضيفاً أن قدرة تصريف فرع رشيد لا تتجاوز 90-100 مليون متر مكعب يومياً، وأية زيادة تؤدي إلى غمر هذه الأراضي المنخفِضة... مطالباً بـ"توثيق الأضرار في مصر والسودان" لتقديمها إلى محكمة العدل الدولية، والحصول على تعويضات من إثيوبيا عن الخسائر الناتجة عن "الإدارة الأحادية" للسد. ولكن بعد تبادل الاتهامات بين القاهرة وأديس أبابا، هل استعدت السلطة المصرية بالفعل لأخطار الفيضان؟
القاهرة تستعد: من السد العالي إلى النهر الصناعي
في كانون الثاني/يناير من العام 1971، افتتحت الحكومة المصرية رسمياً السد العالي في أقصى جنوب مصر، ومن أمامه بحيرة ناصر التي تُحتجز فيها المياه القادمة من السودان، وهي أكبر بحيرة صناعية في البلاد، طولها 500 كيلو متراً ومتوسط عرضها 12 كيلو متراً، وتغطي النوبة المصرية بأكملها وجزءاً من النوبة السودانية. صُمِّم السد ليكون أقصى منسوب للمياه المحجوزة أمامه على ارتفاع 183 متراً، وتبلغ سعة البحيرة التخزينية عند هذا المنسوب 169 مليار متر مكعب. وفي العام 1981، تم الانتهاء من تنفيذ مفيض توشكى، وهو منشأة مائية تُستخدم لتصريف مياه بحيرة ناصر عندما يتجاوز منسوبها الحد الأقصى لارتفاع المياه المقررة للتخزين، ويقع على بعد 2 كيلو متراً غرب السد العالي، في منطقة منخفضة طبيعية تتجه إلى مجرى النيل، بطاقة تصريف تصل إلى 200 مليون متر مكعب يومياً. يمنع المفيض تصريف كميات كبيرة في مجرى النهر قد تتسبب في نحر المنشآت المائية وتدميرها. ويبدأ تشغيله عندما يتجاوز ارتفاع منسوب المياه أمام السد العالي 178 متراً، ليوجه المياه إلى منخفض توشكى في الصحراء الغربية، على بعد 250 كيلو متراً جنوب السد. وقد دخلت المياه المفيض أول مرة في العام 1996، عندما بلغ ارتفاع المنسوب 178.55 متراً.
هذا الارتفاع أجبر مصر على تمرير المياه إلى المجرى الرئيسي للنهر، ما غمر آلاف الأفدنة، بما في ذلك ما حدث في محافظتي المنوفية والبحيرة. وطالبت القاهرة بـ"توثيق الأضرار في مصر والسودان"، لتقديمها إلى محكمة العدل الدولية، والحصول على تعويضات من إثيوبيا عن الخسائر الناتجة عن "الإدارة الأحادية" للسد. ولكن بعد تبادل الاتهامات بين القاهرة وأديس أبابا، هل استعدت السلطة المصرية بالفعل لأخطار الفيضان؟
وقد تابع المصريون وسط حال من الجدل والترقب، ما يحدث من غمر أراضٍ في منطقة الدلتا (محافظتي المنوفية والبحيرة وجزيرة نيلية في مركز البداري بمحافظة أسيوط في صعيد مصر)، بعد زيادة تدفقات المياه الواردة من السودان، منذ مطلع الشهر الجاري. وتساءل المواطنون، الذين تعرضت أراضيهم ومنازلهم للغرق، عن كيفية مواجهة الحكومة للأزمة، خاصة وأنهم اتهموا الإدارات المحلية بأنها أطلقت تحذيراتها بعد أن غمرت المياه أراضي طرح النيل التي يستثمرونها بالفعل. لكن البيانات تشير إلى تحذيرات من وزارة الري منذ 7 أيلول/ سبتمبر المنصرم، وتوقعات باستمرار ارتفاع منسوب المياه إلى منتصف الشهر الجاري. ووصفت حكومة القاهرة سكان أراضي طرح النهر بـ" المتعدِّين"، فيما أكدوا أنهم مستأجرون لتلك الأراضي منذ عشرات السنوات (تقوم وزارة الري المصرية بتأجير تلك المساحات للمزارعين بنظام حق الانتفاع، لزراعتها خلال موسم العروة الشتوية فقط).
على الرغم من أن الحكومة المصرية تطلق دوماً رسائلها التي تعزز من فكرة استعدادها الجيد - من خلال جاهزية السد العالي وبحيرته، ومفيض توشكى - لاستقبال أية تدفقات مائية زائدة، إلا أن جدلاً انتشر في أوساط المصريين وبين الخبراء مطلع الشهر الجاري، حول وضع مفيض توشكى، ليتصاعد التساؤل: هل المفيض مغلق أو مفتوح؟
الخبير المائي عباس شراقي، نفى في تصريحات صحافية مطلع الشهر الجاري فتح مفيض توشكى، قائلاً إن: "بحيرة السد العالي لا تزال تستقبل المياه القادمة من السودان ولم تمتلئ بمقدار يستوجب فتح بوابات مفيض توشكى والواحات، وأن الفيديوهات المتداولة لبوابات السد العالي تشير إلى أنها لتفريغ المياه من بحيرة السد إلى داخل مخرّات المياه"، بينما أكد الخبير المائي نادر نور الدين، عبر صفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أنه "تم إطلاق كميات كبيرة في المفيض وصلت إلى بعض الزراعات في توشكي وبعضها تضرر كثيراً"، مرجحاً أن بحيرة ناصر كانت في كامل سعتها التخزينية، ما أدى إلى فتح المفيض، لكنه تساءل عن كيفية ملء البحيرة في وقت لم تستقبل فيه مصر مياهاً من إثيوبيا منذ تموز/ يوليو الماضي، وفقاً للرسم البياني الصادر من بيان وزارة الرى المصرية؟ ما صعّد المطالبات بضرورة عودة البيانات الرسمية، التي توضح حجم المياه المخزنة دورياً، لخلق مزيد من الشفافية حول الموقف المصري.
وفي خضم الجدل الدائر، عادت القاهرة لتؤكد إجراءاتها الاستباقية، من خلال تطوير قناطر أسيوط ومفيض توشكى، والنهر الصناعي العظيم، مؤكدة أن إجراءاتها ساعدت في تقليل حجم الخسائر المتوقعة للفيضان الحالي وانحساره في بعض أراضي طرح النهر في 3 محافظات فقط.
مصر وإثيوبيا.. حرب على المياه وعلى الكنيسة؟
13-06-2021
وبحسب البيانات الرسمية، فإنه في العام 2018، افتتح الرئيس عبد الفتاح السيسي، قناطر أسيوط الجديدة، بهدف تحسين حالة الرّي في إقليم مصر الوسطى في 5 محافظات: (الجيزة - الفيوم - بني سويف - المنيا - أسيوط)، لخدمة مليون و650 ألف فدان، أي ما يعادل حوالي 20 في المئة من المساحة المزروعة بمصر. إضافة إلى ذلك، يظهر الموقع الرسمي لـ خريطة مشروعات مصر أن الحكومة أطلقت منذ العام 2014، ما سمي بمشروع توشكى الذي يقع في منطقة المفيض، بهدف تأسيس دلتا جديدة جنوب الصحراء الغربية موازية للنيل، تُسهِم في إضافة مساحة إلى الرقعة الزراعية، تصل إلى 540 ألف فدان، يتم ريها بمياه النيل، عبر ترعة الشيخ زايد التي تبلغ حصتها من المياه حوالي 5.5 مليار متر مكعب سنوياً، إلى جانب بناء القاهرة لحوالي 1600 منشأة، للحماية من الأمطار والسيول في مختلف المحافظات.
على الرغم من أن الحكومة المصرية تطلق دوماً رسائلها التي تعزز من فكرة استعدادها الجيد - من خلال جاهزية السد العالي وبحيرته، ومفيض توشكى - لاستقبال أية تدفقات مائية زائدة، إلا أن جدلاً انتشر في أوساط المصريين وبين الخبراء مطلع الشهر الجاري، حول وضع مفيض توشكى، ليتصاعد التساؤل: هل المفيض مغلق أو مفتوح؟
هل الإجراءات الحالية كافية لمواجهة "القنبلة المائية" الناتجة عن سد النهضة، أو أن مصر بحاجة إلى اتفاق دولي يُلزِم إثيوبيا بالشفافية وإعادة التفاوض؟ وماذا عن سكان طرح النيل، الذين يدفعون ثمن النزاعات الإقليمية؟ هل ستكون هناك تعويضات عادلة للخسائر الزراعية، وخطط تنموية تحول هذه الأراضي من "مناطق خطر" إلى "مناطق آمنة"؟
وفي الوقت الذي تصاعدت فيه الانتقادات ضد غمر أراضٍ في الدلتا، تحدّث المسؤولون عن تنفيذ القاهرة لمشروع النهر الجديد (النهر الصناعي العظيم، الذي يعد أكبر نهر اصطناعي في العالم) في الصحراء الغربية، ويهدف إلى نقل المياه المعالَجة من محطات كبرى (بحر البقر والمحسمة) عبر مسار هندسي، يمتد إلى أكثر من 170 كيلو متراً (يتكون من ثلاث قنوات، وينقل المياه إلى مناطق صحراوية مرتفعة عن نهر النيل بأكثر من 100 متر)، لري مناطق التوسع الزراعي في الدلتا الجديدة وشرق العوينات، وتغذية التجمعات العمرانية في الشيخ زايد و6 أكتوبر.
إلا أنه على الرغم من الجهود الحكومية المعلنة، يبرز تساؤل: هل الإجراءات الحالية كافية لمواجهة "القنبلة المائية" الناتجة عن سد النهضة، أو أن مصر بحاجة إلى اتفاق دولي يلزم إثيوبيا بالشفافية وإعادة التفاوض؟ وماذا عن سكان طرح النيل، الذين يدفعون ثمن النزاعات الإقليمية؟ هل ستكون هناك تعويضات عادلة للخسائر الزراعية، وخطط تنموية تحول هذه الأراضي من "مناطق خطر" إلى "مناطق آمنة"؟.