حركة مغادرة الاسرائيليين لفلسطين المحتلة، ليست جديدة أو طارئة. ومعظم من غادر طوال العقود الثلاثة الماضية، سعى للحصول على جواز سفر غير اسرائيلي، سواء بطلب استعادة الجنسيات السابقة التي كانت لديهم أو لدى أهاليهم، أو بشراء جنسيات جديدة حين يكون الأمر ممكناً. كما أن ظاهرة "البيت الثاني"، التي لجأ إليها الاسرائيليون الميسورون بكثرة، في قبرص واليونان والبرتغال خصوصاً، وغيرها أيضاً ولو بنسب أقل، حيث يمكن الحصول على إقامة دائمة مقابل توظيف مقدار من الأموال في عقارات، ليست جديدة هي الأخرى، ولكنها كانت تُمارَس على سبيل "الاحتياط"، منذ بدأت انتفاضة الحجارة في 1987، ولم تتوقف مذاك، وتكثفت مع "الطوفان".
وفي حين يُحاصَر أكثر من مليوني فلسطيني في قطاع غزة خلف جدران وأسلاك شائكة منذ ما يقرب من عامين، في حرب إبادة نشطة، رافضين كل سيناريوهات التهجير، وتمنع عنهم سلطات الاحتلال وصول المساعدات الطبية والغذائية، فضلاً عن صعوبة نقل المصابين خارج القطاع، في ما وصفته منظمة العفو الدولية بانتهاج سياسة تجويع "متعمَّدة"، وأعلنتْ مؤخراً الأمم المتحدة أن المجاعة في غزة وصلت لأعلى مستوياتها... يتمتع المستوطنون الإسرائيليون بحرية التنقل، عبر منظومة علاقات دولية تحرص على توفير ممرات "برية" آمنة، وسفن إجلاء في أوقات الأزمات، فضلاً عن الرحلات الترفيهية والسياحية التي لم تنقطع منذ بداية الحرب، حتى مع ما تواجهه وفود المستوطِنين من رفضٍ شعبيِ في عدد من الدول الأوروبية.
وها هي السفينة الإسرائيلية السياحية الفاخرة "Crown Iris" التي تحمل على متنها حوالي 1700 مستوطناً، تُمنع من الرسو على جزيرة سيروس اليونانية، في 22 تموز/ يوليو من العام الحالي، بسبب احتجاجات مؤيدة لفلسطين من قبل سكان الجزيرة. السفينة التي تحمل علم دولة بنما، ذاع صيتها بعد أن وُصِفت في الصحف الاسرائيلية كسفينة إنقاذ، مخصَّصة لاستعادة المستوطِنين العالقين خارج اسرائيل خلال الضربات الإيرانية، فضلاً عن إجلاء الأجانب من الأراضي المحتلة، بعد توقف حركة الطيران، والتي استمرت في الفترة ما بين 13 إلى 24 حزيران/ يونيو من العام الجاري.
لماذا يدعمُ الغرب جرائم إسرائيل في غزّة؟
18-10-2023
رفض استقبال السفينة "Crown Iris" في جزيرة سيروس اليونانية، دفع طاقمها إلى الاتجاه إلى جزيرة قبرص، واحدة من الوجهات المفضلة للفرار والسياحة للمستوطِنين الاسرائيليين منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة نهاية عام 2023. والسبب هو القرب الجغرافي للجزيرة. فالرحلة البحرية ما بين موانئ الاراضي المحتلة (مثل حيفا أو أشدود) وجزيرة قبرص (ليماسول أو لارنكا) قصيرة نسبياً: حوالي 200–250 كم (110–135 ميل بحري) حسب الميناء.
سفينة الإنقاذ
في شهر تموز/ يوليو الفائت، أبحرت سفينة حنظلة من ميناء سرقوسة الإيطالي، ضمن أنشطة تحالف "أسطول الحرية" الهادف إلى كسر الحصار البحري المفروض على غزة منذ عام 2010. حملت السفينة اسم الشخصية الشهيرة لفنان الكاريكاتير ناجي العلي، وحنظلة يمثل طفل في العاشرة من عمره، حافي القدمين، بملابس رثة، في سن الفنان الفلسطيني عند تهجيره عام 1948 من فلسطين الى مخيم عين الحلوة، فيبقى الطفل مجمداً في الزمن كرمز للاجئ الذي لن يكبر لحين العودة إلى وطنه، ورمز للصمود الفلسطيني التاريخي لحين تحرير الأرض.
حركة مغادرة الاسرائيليين لفلسطين المحتلة، ليست جديدة أو طارئة. ومعظم من غادر طوال العقود الثلاثة الماضية، سعى للحصول على جواز سفر غير اسرائيلي، سواء عبر طلب استعادة الجنسيات السابقة التي كانت لديهم أو لدى أهاليهم، أو بشراء جنسيات جديدة حين يكون الأمر ممكناً. كما أن ظاهرة "البيت الثاني"، في قبرص واليونان والبرتغال خصوصاً، حيث يمكن الحصول على إقامة دائمة مقابل توظيف مقدار من الأموال في عقارات، ليست جديدة هي الأخرى.
كانت السفينة حنظلة محملة بشحنة رمزية من المساعدات الإنسانية، تضمنت حليب أطفال، إضافة إلى مواد غذائية وأدوية. حمولتها لا تكفي لسد حاجة بضعة عشرات من أهلنا الصامدين في غزة، لكن الهدف الرئيسي من إبحارها كان كسر الحصار المفروض على القطاع. حملت السفينة على متنها نحو 21 ناشطاً دولياً ومدافعاً عن حقوق الإنسان، بينهم نقابيون وبرلمانيون وصحافيون، أرادوا توجيه رسالة سياسية وإنسانية للعالم.
بعد أكثر من عشرة أيام في البحر، وصلت حنظلة إلى مسافة ما يقرب من 70 ميلاً بحرياً من شواطئ غزة، متفوقة بذلك على سفينة مادلين التي أبحرت خلال شهر أيار/ مايو من العام الحالي، قبل أن يوقفها الاحتلال على بعد 110 ميل عن سواحل غزة. سفينة حنظلة لاقت المصير نفسه، اعتقلت قوات الاحتلال جميع من كانوا على متنها، وصادرت حمولتها، ما أثار إدانات واسعة واتهامات لإسرائيل بانتهاك القانون الدولي، فيما أعادت الرحلة رغم كل شىء تسليط الضوء على مأساة غزة ومعاناة سكانها تحت الحصار.
فإذا ما قارنا ما حدث لسفينة حنظلة من تضييقات من قبل جيش الاحتلال مقابل الدعم الشعبي العالمي، نجد أن سفينة "Crown Iris" الإسرائيلية حظيت بكل الدعم والحرية من قبل الحكومة القبرصية خلال رحلاتها منذ بداية الغارات الإيرانية على إسرائيل منتصف العام، حين توقفت حركة الطيران وإغلق المجال الجوي، ما ترك آلاف المستوطنين عالقين خارج الأراضي المحتلة، فاستعانت الحكومة الإسرائيلية بالسفينة المشار إليها لنقل ألفي مستوطن إلى ميناء حيفا، عبر رحلتين إلى جزيرة قبرص، علماً بأن رحلات العودة لم تكن مجانية!
يعود بناء السفينة إلى عام 1992، وكانت مملوكة لشركة فرنسية الى أن نُقلت ملكيتها الى شركة إسرائيلية عام 2018 . تعد السفينة واحدة من أبرز سفن الرحلات السياحية في شرق البحر المتوسط، وتبحر عادة بين موانئ: اليونان، قبرص، تركيا، وإيطاليا. ومنذ حرب الإبادة على غزة، اصبحت السفينة وسيلة لهرب أغنياء المستوطنين خارج الأراضي المحتلة، خوفاً من أجواء الحرب.
وبعكس سفينة حنظلة الشراعية المتواضعة، نجد سفينة الإنقاذ الاسرائيلية تتمتع بكل سبل الرفاهية المخصصة لأغنياء المستوطنين، فتضم السفينة 5 مطاعم تقدم قوائم طعام متنوعة، ومساحات للترفيه: 9 صالات وبارات، بالإضافة إلى كازينو Monte Carlo وصالات للعب، ألعاب فيديو، ومنطقة مخصصة للمراهقين. وتشمل السفينة مركزاً للياقة البدنية، وصالون تجميل، وصالة ألعاب رياضية، وساونا، وجلسات استرخاء، وهي أمور ما عادت تتوفر في مدينة كاملة مثل غزة عقب الحرب.
رفض استقبال السفينة "Crown Iris" في جزيرة سيروس اليونانية، دفع طاقمها إلى الاتجاه إلى جزيرة قبرص، واحدة من الوجهات المفضلة للفرار والسياحة للمستوطِنين الاسرائيليين منذ اندلاع حرب الإبادة على غزة نهاية عام 2023. والسبب هو القرب الجغرافي للجزيرة. فالرحلة البحرية ما بين موانئ الاراضي المحتلة (مثل حيفا أو أشدود) وجزيرة قبرص (ليماسول أو لارنكا) قصيرة نسبياً: حوالي 200–250 كم (110–135 ميل بحري) حسب الميناء.
نقارن بين ما حدث لسفينة حنظلة من تضييقات وعدوان من قبل جيش الاحتلال، على الرغم من الدعم الشعبي العالمي المحيط بها، بينما سفينة "Crown Iris" الإسرائيلية حظيت بالترحيب من الحكومة القبرصية، خلال رحلاتها منذ بداية الغارات الإيرانية على إسرائيل منتصف العام الجاري، حين توقفت حركة الطيران وإغلق المجال الجوي، ما ترك آلاف المستوطنين عالقين خارج الأراضي المحتلة، فنقلت ألفي مستوطِن إلى ميناء حيفا.
يصل عدد الكبائن بالسفينة الى حوالي 750 غرفة: تشمل أسرة نوم، تلفاز، خزائن ذات مرايا، حمام داخلي مع دوش، مكيفات، وغيرها من وسائل الرفاهية.
وبالطبع السفينة لا تواجه أي تضييقات أمنية في الموانئ التي تتنقل عبرها، وإن واجهتْ رفضاً شعبياً، ليس فقط في جزيرة سيروس اليونانية، مما منعها من الرسو ومن انزال ركابها لزيارة الجزيرة، وأجبرها على تغيير وجهتها. وهي واجهت كذلك احتجاجات في عدد من الموانئ اليونانية، ففي 28 تموز/ يوليو 2025، وقعت اشتباكات بين الشرطة والمتظاهرين في جزيرة رودس اليونانية. يومها فوجئ 600 مستوطن من ركاب السفينة باستقبال غاضب من قبل أهل الجزيرة ، رافعين شعارات "الحرية لفلسطين". وبعد يوم واحد من الحادث ، رفع المتظاهرون الأعلام الفلسطينية ضد السفينة في جزيرة كريت، ما دفع الشرطة لاستخدام رذاذ الفلفل واحتجاز أربعة أشخاص.
خلال الشهر الماضي تجمّع مئات المتظاهرين مدعومون من النقابات العمالية في ميناء بيرايوس اليوناني، حاملين شعارات داعمة لفلسطين. وأكد منظِّمو التظاهرة أن بعض الركاب هم جنود إسرائيليون خارج الخدمة، معتبرين أن وجودهم غير مرحب به في اليونان.
"مادلين" تتحدى الحصار
07-06-2025
مقاوَمات.. لإنهاء الحصار والإبادة
22-05-2025
وبتتبع تاريخ الرحلات البحرية للسفينة وفقا لموقع "MarineTraffic"، ضمن برنامح "مجتمع التحقق العربي" للصحافيين المستقلين، والذي يتيح الوصول إلى البيانات اللازمة لإنتاج مواد صحافية مدعومة بالمصادر، وخاصة تلك المعتمِدة على تقنيات المعلومات مفتوحة المصدر (OSINT)، تم رصد قيام السفينة "CROWN IRIS" ب32 رحلة ما بين موانئ إسرائيل وقبرص خلال شهر تموز/ يونيو الفائت، بالتزامن مع الضربات الايرانية، وتوقف مطار بن جوريون، إضافة إلى 13 رحلة إلى موانئ اليونان في الفترة نفسها، و448 رحلة ما بين شهر آب/ أغسطس من عام 2024 إلى شهر آب/ أغسطس من العام الحالي، من بينهم 238 ما بين موانئ قبرص والأراضي المحتلة.

الحليف الجيوسياسي
تتعدد مجالات العلاقات بين قبرص ودولة الاحتلال الصهيوني. فصفحة سفارة الكيان في قبرص تذكر أن تاريخ العلاقات يعود الى عام 1960، عقب إعلان استقلال الجزيرة، كما افتتحت قبرص سفارتها الأولى في تل أبيب عام 1994، وهو ما يشير الى وجود فترة طويلة من الجفاء من قبل قبرص تجاه اسرائيل، انتهت حينذاك مع التغييرات السياسية في قبرص نفسها وفي المنطقة والعالم. ثم تطورت العلاقات خلال العقد الأخير، بالتزامن مع توسّع التعاون في مجالات مثل: الطاقة، والطوارئ (الإطفاء والرعاية الطبية)، والتعاون الأمني،الابتكار العلمي والطاقة (من خلال مشروع الربط الكهربائي تحت البحر)، بالإضافة إلى تبادل الخبرات في المجال الطبي، وتدشين إصدار تذكاري في مجال مكافحة الحرائق.
كل ذلك تُرجِم في لجوء المستوطنين إلى الجزيرة خلال حرب الإبادة على غزة، لشراء العقارات والأصول الثابتة، ما يعكس حالة عدم الأمان الذي أحدثتها ضربات المقاومة خلال عملية طوفان الأقصى، على الرغم من كل شيء.
فخلال عامي 2021 و2024، وحسب بيانات مقدمة إلى البرلمان القبرصي، والتى رصدتها مواقع إعلامية، سعى الأجانب لشراء أكثر من 37.000 عقار في الجزيرة، وحل المستوطنون الإسرائيليون في المركز الثالث بعد البريطانيين والروس، في عدد من المناطق أشهرها: ليماسول، المدينة الساحلية التي تضم ميناء يحمل الاسم نفسه، ويعد الأقرب للموانئ الاسرائيلية، وأيضا مدينتي بافوس، ولارنكا.
خلال الشهر الماضي تجمّع مئات المتظاهرين، مدعومون من النقابات العمالية، في ميناء بيرايوس اليوناني، حاملين شعارات داعمة لفلسطين. وأكد منظِّمو التظاهرة أن بعض الركّاب هم جنود إسرائيليون في إجازات، معتبرين أن وجودهم غير مرحب به في اليونان.
يُقدَّر عدد المواطنين الإسرائيليين الذين يمتلكون الآن منازلاً أو أراضي في قبرص بما بين 12.000 و 15.000 شخص، وهو ارتفاع حاد مقارنة بالأعداد قبل عام 2023، لاسيما في مناطق مثل لارنكا. وتشمل أنماط الشراء: فيللا فاخرة على الواجهة البحرية، شقق سكنية وأبراج مختلطة الاستخدام، قريبة من المناطق الحضرية والمطارات، مثل مشروع Lumina Mare ، الذي تصل حجم الاستثمارات فيه إلى 40 مليون يورو، ويعود لمطورين إسرائيليين في لارنكا. هناك أيضاً أراضي تجارية واستراتيجية بالقرب من الموانئ، والطرق السريعة، والمناطق الزراعية، مع تأسيس عدد من الشركات الإسرائيلية-القبرصية الجديدة، لإدارة تلك الاستثمارات.
تسببت حركة شراء العقارات والاراضي من قبل مستوطنين اسرائيليين إلى اختلال في سوق العقارات، وارتفاع في أسعارها، وأعرب حزب AKEL (الحزب التقدمي العمالي القبرصي) عن قلقه من شراء المواطنين الإسرائيليين للعقارات بكثافة، خاصة في لارنكا وليماسول، مما أدى إلى ظهور مجتمعات مسوّرة ("Gated Communities") في تلك المناطق. الحزب قدم مقترحات تشريعية للحد من إصدار "Golden Visas"، وهي تمنح للمستثمرين غير الأوروبيين الذين يشترون عقاراً بمبلغ معين لمنحهم إقامة دائمة، فيما وصف زعيم الحزب ستيفانوس ستيفانو، هذا التوجه بأنه يشبه أساليب الاستيطان، محذراً من تشكل "جيوب مغلقة"، فيها مدارس دينية وكنس يهودية، مما يغير الطابع الوطني لقبرص، ويسبب ضغطاً على الموارد العقارية المحلية.
دعا نواب قبارصة أيضاً إلى فرض رقابة أشد على عمليات شراء الأجانب للعقارات، خاصة بعد أن أظهرت البيانات أن ما يقارب من نصف الصفقات العقارية في ليماسول ولارنكا تمت لغير المواطنين (أجانب)، مما يحتم تشديد النظام الرقابي لمنع تآكل القدرة الشرائية للمواطنين المحليين.
الفرار لغير أصحاب الأرض
بدأت الأزمة الأخيرة بين دولة الكيان المحتل وإيران في 13 حزيران/ يونيو 2025، حين شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق على منشآت إيرانية نووية وصاروخية، مستخدمة الطائرات الحربية والمسيرات الدقيقة، في هجوم مباغت أطلقت عليه اسم "عم كلافي". استهدفت الضربات مواقع حساسة مثل مفاعلات "نطنز" و"فوردو"، إضافة إلى قواعد للحرس الثوري، أعقبتها مباشرة عملية الرد الإيراني "الوعد الصادق 3" عبر أكثر من مئة مسيرة وصواريخ باليستية صوب إسرائيل. وقد أدت هذه الموجة الأولى إلى شلل جزئي في مطارات إيرانية وإسرائيلية نتيجة تعليق الرحلات التجارية لأسباب أمنية.
يُقدَّر عدد المواطنين الإسرائيليين الذين يمتلكون الآن منازلاً أو أراضي في قبرص بما بين 12.000 و 15.000 شخص، لا سيما في مناطق مثل لارنكا، مثل مشروع Lumina Mare ، الذي تصل حجم الاستثمارات فيه إلى 40 مليون يورو، ويعود لمطورين إسرائيليين في لارنكا. هناك أيضاً أراضي تجارية واستراتيجية بالقرب من الموانئ، والطرق السريعة، والمناطق الزراعية، مع تأسيس عدد من الشركات الإسرائيلية-القبرصية الجديدة، لإدارة تلك الاستثمارات.
استناداً الى المعلومات مفتوحة المصدر (OSINT)، رُصد قيام السفينة "CROWN IRIS" ب32 رحلة ما بين موانئ إسرائيل وقبرص خلال شهر تموز/ يونيو الفائت، بالتزامن مع الضربات الايرانية، وتوقف مطار بن جوريون، إضافة إلى 13 رحلة إلى موانئ اليونان في الفترة نفسها، و448 رحلة ما بين شهر آب/ أغسطس من عام 2024 إلى شهر آب/ أغسطس من العام الحالي، من بينهم 238 ما بين موانئ قبرص والأراضي المحتلة.
مع منتصف حزيران/ يونيو، تصاعدت وتيرة الضربات الإيرانية، خاصة يوم 16 حزيران/ يونيو، عندما أصابت صواريخ إيرانية أحياء سكنية وسفارة الولايات المتحدة في الأراضي المحتلة. الهجمات الكثيفة أجبرت إسرائيل على إغلاق مجالها الجوي بشكل متقطع، كما حولت معظم الرحلات الدولية إلى مطارات قبرص واليونان والأردن.
بلغ التصعيد ذروته في 23 حزيران/ يونيو، حين قصفت إيران قاعدة العديد الأميركية في قطر بعدة صواريخ باليستية، ما أدى إلى توتر إقليمي كبير واضطراب في مسارات الطيران المدني في دول الخليج، مثل العراق والكويت، التى بدورها علّقت أو غيرت مسارات رحلاتها الجوية. ومع توقيع وقف إطلاق النار في 24 حزيران/ يونيو، أعيد فتح معظم المطارات تدريجياً، لكن شركات الطيران العالمية أبقت على قيود مرور فوق أجواء إيران وإسرائيل لأيام لاحقة خوفًا من تجدد الاشتباكات.
وهنا ظهرت أهمية النقل البحري للكيان المحتل، وكانت قبرص أحد الوجهات الهامة للفرار، وعبر موقع "marine traffic"، بدعم من مجتمع التحقق العربي، أمكن رصد 43 سفينة، قامت برحلات منتظمة بين موانئ إسرائيل وقبرص خلال شهر حزيران/ يونيو، بإجمالي رحلات وصلت إلى 2993 خلال عام، ما يدعم رواية هروب المستوطنين من الاراضي المحتلة خلال الضربات الايرانية ومنذ الحرب ضد غزة، نهاية عام 2023.
بنسبة 90 في المئة، حملت السفن خلال الرحلات في شهر حزيران/ يونيو بين قبرص والأراضي المحتلة العلم الإسرائيلي، إضافة إلى أعلام أخرى مثل: أمريكا، بنما، قبرص. وجهة تلك الرحلات كانت موانئ: حيفا وأشدود وهرتسليا في الأراضي المحتلة، والميناء الأخير مقصد لليخوت والسفن السياحية الفاخرة، إضافة إلى موانئ: ليماسول ولارنكا في قبرص، وهو الأمر الذي يؤكد ما تداولته وسائل الإعلام حول الرحلات البحرية المتزايدة بسبب إغلاق المجال الجوي وإيقاف مطار بن جوريون، حيث بلغت تكلفة الانتقال 800 دولار للشخص الواحد، كما نشرت صحف إسرائيلية تقريراً يفيد بزيادة بنسبة مغادرة الأراضي المحتلة بنسبة 150 في المئة من المستوطنين، الذين قرروا مغادرة المناطق المحتلة منذ السابع من أكتوبر 2023، بدافع الشعور بانعدام الأمن، حيث أظهرت البيانات أن حوالي 5.000 منهم غادروا دون نية العودة.
النزوح أو البقاء في غزة.. خياران لموتٍ واحد
03-09-2025
أما أغلب أهالي غزة، وعلى الرغم من التنكيل المريع والإبادة الوحشية التي يتعرضون لها، فهم يرفضون حلول التهجير، حتى أن شخصيات بارزة رفضت ترك البلاد، على الرغم من تلقيها عروضاً متعددة في الخارج. يشهد على ذلك من بين كثر، الشهيد الصحافي أنس الشريف، الذي كان يعرف أن إسرائيل تخطط لاغتياله، لكنه رفض مغادرة غزة، وقرر أن يستمر في التغطية...