تتميز أسواق مدينة تعز ــ لا سيما الشعبية منها ــ بحضور ملفت لنساء جبل صبر، ذلك المَعْلم الجغرافي البارز، الذي يطل على المدينة من جهتها الجنوبية، مُرتفعاً عن سطح البحر ب3070 متراً، حيث يتوَزّع مجتمعه الريفي على عددٍ كبير من القرى، التي تتشَكّل منها مديرياته الثلاث.
مطاعم بكادر نسائي في اليمن
15-05-2025
تستقبل مدينة تعز صباح كل يوم عدداً كبيراً من نساء هذا الجبل، اللواتي يمارسن في أسواقها أعمالهن في مجال البيع والشراء، متجاوزاتٍ بذلك تلك الرؤية، التي تُقْصر نشاط المرأة الريفية في اليمن، على الأعمال المنزلية والأعمال الزراعية ضمن نطاق العائلة.
الجبل مهد العمل
من الجبل والقُرى المتناثرة في سفوحه تبدأ علاقة المرأة الصبْرية مع العمل. فهي وحدها مَنْ تتولى مهمّة تربية الثروة الحيوانية. كما أنها ــ بمعية الرجل أو بدونه ــ تضطلع بدور مهم في العمل الزراعي على اختلاف مراحله، بدءاً من حراثة الأرض وتسويتها وبذر الحب فيها، مروراً برعاية الزرع وتقليمه، وصولاً إلى المرحلة الأخيرة، حصاده وفرز ثماره. كذلك، هي من تعتني بأشجار الفاكهة، غرساً، ورعايةً، وقطفاً لثمارها.

وفي السياق نفسه، يأتي اشتراك المرأة الصبرية في العمل المتعلق بشجرة القات، فتقوم بتقليمها، وإزالة الأوراق الكبيرة منها، وتزويدها بما تحتاج إليه من السماد والماء، وقطف رؤوس الأغصان وإعدادها للبيع، سواء في تجمعات الجبل الريفية، أو في أسواق المدينة.
قبل عامين، في آب/ أغسطس 2023، أسست مجموعة من نساء جبل صبر، ما أطلقن عليه اسم: "مجلس نساء صبر الموادم"، يهدفن فيه إلى "تمكين النساء اقتصاديّاً واجتماعيّاً وعلميّاً، وتعزيز دورهنّ في المجتمع، وتمكينهن من المشاركة الفاعلة في الحياة العامة". . ويطل الجبل على مدينة تعز من جهتها الجنوبية، مُرتفعاً عن سطح البحر ب3070 متراً، حيث يتوَزّع مجتمعه الريفي على عددٍ كبير من القرى، التي تتشَكّل منها مديرياته الثلاث.
ومن الأعمال غير الزراعية التي تقوم بها نساء جبل صبر في نطاقه الجغرافي، العمل في محلات المواد الغذائية المنتشرة فيه، التي غالباً ما تكون من ممتلكات واحدٍ من أفراد أسرة المرأة التي تعمل فيها، إن لم تكن من ممتلكات المرأة ذاتها. ومثل ذلك هو عمل هؤلاء النساء في إعداد أصنافٍ متعددة من الأغذية، والأجبان، وصناعة الأزياء النسائية التقليدية، التي يشتهر بها هذا الجبل[1].

بنات الجبل في قلب المدينة
مع إطلالة كل صباح، تكون نساء جبل صبر قد وَصَلْنَ إلى مدينة تعز، حاملات على رؤوسهن ما لديهن من البضائع، التي يعملن على بيعها في أسواق المدينة، لا سيما أسواق المركزي، وباب موسى، والباب الكبير.
تتنوع بضائع ومنتجات بنات الجبل، فمنهن من تعمل في بيع القات الصبْري، أو في تسويق أنواعٍ من الفواكه والخضروات[2]، وتقوم أخريات ببيع الجبن البلدي، أو ببيع محاصيل الجبل وبقولياته ومنتجاته الغذائية والحيوانية المتعددة.
"حاملات الشَّرِيْم" في اليمن
24-10-2024
قانون الولاية في اليمن سيفٌ مسلط على رقاب النساء
06-04-2021
وظهر في السنوات الأخيرة تطوّرٌ ملحوظ في عمل المرأة الصبرية في أسواق المدينة، إذ لم يعد مقصوراً على منتجات الجبل ومحاصيله، بل اتسع الى تجارة يقمن بها، بجلب البضائع من سوق الجملة في شرق المدينة، لبيعها في أسواقها الشعبية. وقد أفضى ذلك الى تغيّر كبير في حياتهن. فبعد أن كنَّ جميعهن يغادرن قرى الجبل إلى المدينة صباحاً ويعدن مساءً، "صار أغلبهن من قاطنات المدينة، ويتزيّنَ باللباس التقليدي لنساء الجبل، لإبقاء ذلك الرباط الوجداني قائماً مع إرث الجبل وعلاقته بسوق المدينة"[3].

معزوفة غنائية
من خصائص العلاقة بين المرأة الصبرية والعمل، انها ظلت محتفظة باهتمامها بمظهرها وجمالها، فجاءت مضامين الأغاني انعكاساً لحيوية نساء الجبل في ممارسة أعمالهن، وألهَمتْ كُتّاب الشعر الشعبي عدداً من قصائدهم، التي غنّاها بعض الفنانين، من مثل أغنية الفنان عبد الباسط العبسي "طعْمُهْ قُبَل"، التي تغزّل فيها شاعرها عبد الله عبد الوهاب نعمان، بفتاة صبرية تعمل قاطفة لأغصان القات:
قطّافة القات قاتكْ كُلّما
جَلسْ، تطرَّى وورْدكْ ما ذَبَلْ
قات الجبلْ في يدكْ يقطرْ ندى
وضحْكَتكْ في فمكْ تقطرْ عسَل
تتولى المرأة وحدها مهمّة تربية الثروة الحيوانية كما تتولى حراثة الأرض وتسويتها وبذر الحَب فيها، ورعاية الزرع وتقليمه، وصولاً إلى حصاده وفرز ثماره. وهي من تعتني بأشجار الفاكهة، غرساً، ورعايةً، وقطفاً لثمارها. كما تهتم برعاية شجرة القات، وقطف رؤوس الأغصان وإعدادها للبيع، سواء في تجمعات الجبل الريفية، أو في أسواق المدينة.
تتنوع بضائع ومنتجات بنات الجبل، فمنهن من تعمل في بيع القات الصبْري، أو في تسويق أنواعٍ من الفواكه والخضروات، وتقوم أخريات ببيع الجبن البلدي الذي يصنعنه، أو ببيع محاصيل الجبل وبقولياته ومنتجاته الغذائية والحيوانية المتعددة.
ومثل ذلك، مضمون أغنية الفنان أيوب طارش العبسي "طاب البلس"، التي كتب كلماتها الشاعر نفسه، مُغازلاً فيها بائعات ثمار البلس في شوارع المدينة:
طاب البلس طاب واعذارى طاب
هيّا صبّحونا بَلَسْ
ما احلى بنات الجبلْ حينما يطوفين
المدينة بالثياب الدّمَس.

مجلس نسائي ريفيّ
قبل عامين، في آب/ أغسطس 2023، أسست مجموعة من نساء الجبل، ما أطلقن عليه اسم: "مجلس نساء صبر الموادم"، يهدفن فيه إلى "تمكين النساء اقتصاديّاً واجتماعيّاً وعلميّاً، وتعزيز دورهنّ في المجتمع، وتمكينهن من المشاركة الفاعلة في الحياة العامة"[4]. وقد حظي هذا المجلس بدعمٍ وترحيبٍ من السلطة المحلية ووجهاء المنطقة. أما تمويل أنشطته، فيعتمد فيها على مساهمات فاعلي الخير، ومِنَح المنظمات، والاشتراكات الشهرية التي تدفعها عضوات المجلس.

الثقافة الاجتماعية والمرأة العاملة
حافظت الثقافة الاجتماعية السائدة في جبل صبر، على تقبّلها لعمل المرأة، وعدم النظر إليه نظرة انتقاص أو دونية، بل والاعتراف بدوره الاساسي في العائلة. فهن يتملكن الاراضي والعقارات، ليس وراثة بل من ثمرة أعمالهن، كما من الشائع أن يجرين عقوداً تجارية باسمائهن. وهن غالباً من يتولين مصاريف دراسة الابناء والبنات في الجامعات، لوفرة دخولهن مقارنة بدخول الرجال. وفي ذلك خصوصية لجبل صبر اليوم، الذي بقي عصيّاً على اندثار نفوذ النساء وتمتعهن بالحرية، حيث كان سائداً بأشكال مختلفة في مناطق أخرى من البلاد، وفق دراسات عديدة عن اليمن، في مختلف مراحل حياته، وأقدمها بالطبع تلك التي تخص بلقيس، ملكة سبأ (الأقرب الى الأسطورة، وهي تعود الى القرن العاشر قبل الميلاد)، والتي ما زالت متجسدة في أذهان اليمنيين، وفي مرجعياتهم اليومية[5].
لم يعد عمل النساء الصبريات مقصوراً على بيع منتجات الجبل ومحاصيله، بل اتسع الى تجارة يقمن بها، بجلب البضائع من سوق الجملة في شرق المدينة، لبيعها في أسواقها الشعبية. وقد أفضى ذلك الى تغيّر كبير في حياتهن. فبعد أن كنَّ جميعهن يغادرن قرى الجبل إلى المدينة صباحاً ويعدن مساءً، صار أغلبهن من قاطنات المدينة، ويتزيّنَ باللباس التقليدي لنساء الجبل، لتمييزهن، ولإبقاء الرباط الوجداني قائماً مع إرثه.
المادة رقم 19 من الدستور اليمني تنص على تكافؤ الفرص لكافة المواطنين في المجال الاقتصادي، كما يؤكد قانون العمل اليمني، في المادة رقم 5، والمادة رقم 42، أن للنساء حقوقاً متساوية مع الرجال، فيما يخص الوظائف والأجور والتدريب وإعادة التأهيل والضمان الاجتماعي... إلا أنه لا يزال التناقض قائماً بين مبادئ المساواة تلك وتطبيقها في واقع المرأة اليمنية، إذ تتعدّد العوامل التي تحول دون تشجيع مشاركة المرأة في الأنشطة الاقتصادية... وهي أصلاً قليلة وهشة للجميع.
- - يتكون الزيّ النسائي الصبْري من: الثّوب أو القميص. والسروال، والمَصَر (ججابٌ يُلَفّ على الرأس بطريقةٍ معينة). والمقرمة: يتم لفّها بطريقة دائرية على الرأس من فوق قطعة "المَصَر"، وتُزَيّن المقرمة بأزهار ونباتات عطرية يُشتهر بها جبل صبر، معروفة ب"المشاقر". ↑
- - من مثل الخوخ، ومنه فصيلة الفرسك التي تختص بها اليمن، والتين الشوكي، وعشبة العثرب التي يتعذى عليها النحل، وتُستخْدَم في العلاجات الطبية الشعبية، والمشاقر، وهي نبتة عطرية تستخدم للزينة. ↑
- - محمد عبد الوهاب الشيباني، "عن سؤال "فرانك مرميه" ونساء صبر ومدينة تعز!". موقع قناة المهرية، 8 تشرين الثاني / نوفمبر 2020. https://almahriah.net/opinions/195 ↑
- - مازن فارس، "بصمة نسائية في قمة صبر!". منصتي30، 19 ديسمبر 2024. متاح على الرابط التالي:
-
- وكمثال من بين سواه، حين أجابت رؤوفة حسن عن سبب اختيارها لمجال شاق في بحثها : "سألها: لماذا تبحثين في هذه الأمور الشائكة يا بنتي؟ فأجابت: وصية أمّنا ملكة سبأ"!
https://assafirarabi.com/ar/65738/2025/07/17 ↑