تعتبر التعاونيات النسوية في موريتانيا، محاولة من المرأة الريفية أو القاطنة في مدن الداخل لتحسين واقعها الاقتصادي، حيث تندر فرص التنمية والتطور. وقد عملت هذه التعاونيات في مجالات متنوعة، مثل التجارة والنسيج والخياطة والصباغة والزراعة، بالإضافة إلى صناعة الأدوات التقليدية المستخدَمة في الحياة اليومية، وصناعة الأفرشة والخيام وغير ذلك. وتتنوع اهتمامات هذه التعاونيات بتنوع أماكن إنشائها، ومن أطلقنها وأسبابها. وهي منتشرة في ربوع الدولة، سواء في ريفها أو في مدنها، بل وحتى في عاصمتها.
الصابون للجميع.. مبادرة خلقتها الحاجة
أيام ذروة كوفيد 19، عام 2021، قام ثلاثة أصدقاء من موريتانيا، بالتفكير في ما يمكنهم المساهمة به في الفعل المجتمعي المجابِه للوباء، واعتبروا أنه ربما تكون صناعة الصابون مساهمة جيدة، لأن صناعته غير صعبة، والمواد الأولية متوفرة الى حدٍ ما، والوضعية الوبائية وحالة الاغلاق تحتاجانه. وهناك من كان بالفعل يجلب الكمامات والمعقمات، لذلك عملوا على مشروع أسموه "الصابون للجميع". وعن ذلك يقول أحد المبادرين، "محمد باب سعيد"، في حديث أجريته معه: "ارتأينا أن نقوم بالتحفيز على إنشاء تعاونيات نسوية أو التعامل مع تعاونيات قائمة، تكون هي التي تصنع الصابون، لأننا نجد أن ربات الأسر، حين يصنعن شيئا ستستفيد الأسرة بمجملها". وأضاف: "قمنا بالاتصال بمجموعة من الشخصيات، وكان أولهم عمدة بلدة تنغدج في الجنوب، والثاني عمدة مدينة تجكجة عاصمة ولاية تكانت، الذي تفاعل معنا كثيراً، فقررنا البدء من تلك المدينة، ووضعنا العمدة بصلة مع تعاونية موجودة مسبقاً، وبدأنا بتكوين طاقم عن بعد، من خلال تطبيقات الانترنت وواتساب، وجمعنا لهم بعض المواد الأولية والآليات اللازمة لصناعة الصابون، وكانت التكاليف بسيطة، فقمنا بها نحن على مستوانا. هذه كانت الانطلاقة".
بدأ إذاً "مشروع الصابون للجميع" من مدينة تجكجة وكذلك من قرية أندومري، شرق العاصمة نواكشوط من خلال تعاونيتين، وتوسع فيما بعد نحو قرية بوتافراوت قرب مدينة روصو عاصمة ولاية الترارزة جنوب البلاد، وكذلك مدينة ألاك عاصمة ولاية لبراكنة، وتطور حتى وصل إلى نواكشوط.
حصلت السيدات العاملات في المشروع بمدينة تجكجة على آلة تُمكِّنهن من استخراج العطور النباتية من أوراق الشجر المتوفر في المنطقة. وحين تراكمت لديهن الخبرة، أصبحن يبدعن في تطوير صناعة الصابون، فيضعن الحناء في الصابون وكذلك الطين، فله خصاله الجيدة في مجال التجميل، وقمن بتوسيع أنشطتهن الإنتاجية، هن وبقية النساء في التعاونيات في المناطق الأخرى.
وكانت البداية عن بعد، ثم تحوّل العمل إلى الواقع، ولم يكن المشروع ينطلق من الصفر لأنه كان يرتكز على تجربة شركة "توكة"، التي أسسها قبل سنوات ذلك المبادِر نفسه، "محمد باب ولد سعيد"، وهي تصنع الصابون والزيت من "توكة" أو "اللالوب"، وهي ثمرة شجرة معروفة محلياً باسم "تيشط"، وتُعرف بالهجليج في السودان. ومن أول الذين انخرطوا في المشروع، "عائشة أمي حبيب"، وهي إحدى المشرفات على التعاونية المنفِذة لمشروع الصابون في "تجكجة"، وناشطة في "الجمعية من أجل التنمية المحلية" لمدينة تجكجة، وكانت قد أسستها قبل زمن مع زميلات لها، وهي جمعية تعاونية تنشط على مستوى ولاية تكانت، ومقرها في مدينة "تجكجة". وقد حكت لي تجربتها مع صناعة الصابون: "كانت تجربة صناعة التعاونية للصابون نتاجاً للحظر وصعوبة التنقل بسبب الإغلاق بين المدن، ولأن النظافة أساسية لمكافحة الوباء، فتم اختياري من طرف من أسسوا المشروع من ضمن جماعة للتكوين عن بعد. وفي البداية كان إنتاجنا جيداً، واشترته البلدية في تلك الفترة ووزعته على السكان. وكان ناجحاً، وأقبل عليه الناس، لأنه يُصنع من مواد طبيعية. وفي البداية، كان الزيت رخيصاً، وكنا نهدف الى صناعة الصابون بثمن منخفض وفي متناول الجميع، ونوزعه في السوق، ويتم الطلب عليه من خارج المدينة حتى من العاصمة، وشاركنا في معارض في فرنسا". وأكدت المتحدثة: "أفادنا المشروع مادياً كثيراً، وهيأ لنا ظروف البقاء في مدينتنا، وساعدنا عبره أسرنا، وكوّنا فتيات من المدينة، متسربات من التعليم، على صناعة الصابون"، مؤكدة: "اليوم معنا نساء ربات أسر مستفيدات جداً من المشروع. وحسب تقييمي، الفكرة ناجحة ومستمرة".
وتطمح "عائشة أمي" ورفيقاتها إلى الحصول على مساعدة من الحكومة الموريتانية، لاقتناء معدات جديدة تساعدهن على تحقيق اكتفاء ذاتي لولاية تكانت من الصابون، بحيث لا تستورده من نواكشوط أو أي مكان آخر، وكذلك المساعدة على التوزيع. وتختم حديثها بحماس قائلة: "إنتاجنا جيد وبمواد بسيطة وبأيادي سيدات الولاية، وقمنا بصناعة صابون آخر من الفول السوداني والحناء، وغير ذلك، وكان جيداً، ونحن لدينا الإرادة لخلق الاكتفاء الذاتي للولاية".
واجه المشروع بعض الصعوبات، وكان أهمها زيادة شديدة في سعر الزيوت، بعد سنة ونصف من انطلاقته. لكن ذلك لم يقضِ على المشروع، بل ظل الإنتاج مستمراً لكن ارتفع ثمن الصابون المنتج من طرف التعاونية.
لنساء التعاونية طريقتهن في تقسيم ما يحصلن عليه من بيع الصابون، حيث يُخرجن جزءاً للشركة ليتم به شراء المواد الأولية، وجزء يخصص لتكوين رأس مال للحانوت الذي يعرض ويبيع انتاجهن، وجزء ثالث يوزع بينهن.
وتجدر الإشارة إلى أن المشروع كان قد حصل بعد انطلاقته على منحة من سفارة "المملكة المتحدة" في نواكشوط. وعن ذلك قال "ولد سعيد": "بعد الحصول على المنحة قمنا بشراء الآلات للتعاونيات الأربع، في تجكجة وألاك وأندومري وبوتافراوت"، موضحاً أن :"الصابون يصنع من مادتين أساسيتين هما الزيوت والصودا الكاوية، والأخيرة موجودة في السوق، وعند مصانع الصابون ولدى السيدات اللواتي تصبغن الثياب، وقد زودنا بها التعاونيات، طبعا هذا بالإضافة إلى المعطرات".
وحصلت السيدات العاملات في المشروع بمدينة تجكجة على آلة تمكنهن من استخراج العطور النباتية من أوراق الشجر المتوفر في المنطقة. وحين تراكمت لديهن الخبرة، أصبحن يبدعن في تطوير صناعة الصابون، فيضعن الحناء في الصابون وكذلك الطين، فله خصاله الجيدة في مجال التجميل، وقمن بتوسيع أنشطتهن الإنتاجية، هن وبقية النساء في التعاونيات في المناطق الأخرى.
يعتري القروض أحياناً ما يعتري المشاريع في موريتانيا من فساد وزبونية. وكذلك فيمكن أن يكون توجيه المساعدات الحكومية غير منصف ولا عادل بين التعاونيات. كما أنه، وعلى الرغم من كثرة أعداد التعاونيات، فإن نطاق من تشملهن نشاطاتها وكذلك من يستفدن منها يبقى محدوداً للغاية...
واجه المشروع بعض الصعوبات، وكان أهمها زيادة شديدة في سعر الزيوت، بعد سنة ونصف من انطلاقته. لكن ذلك لم يقضِ على المشروع، بل ظل الإنتاج مستمراً لكن ارتفع ثمن الصابون المنتج من طرف التعاونية.
ولنساء التعاونية طريقتهن في تقسيم ما يحصلن عليه من بيع الصابون، حيث يخرجن جزءاً للشركة ليتم به شراء المواد الأولية، وجزء يتم وضعه في حانوت لديهن لتكوين رأس مال للحانوت، وجزء يوزع بينهن.
التعاونيات ليست جديدة
قصة صناعة الصابون من طرف تعاونيات نسوية مشهد قديم ومتكرر في موريتانيا. فتجارب التعاونيات قديمة، ويبلغ عددها ما يناهز الخمسة آلاف تعاونية، وتنتشر في كل بقاع البلد، كما ان مجالات أعمالها متنوعة، فنجدها تحوّل الحصير الموريتاني التقليدي إلى لوحات فنية جميلة، وكذلك الزرابي. ونجحت النساء من خلال تعاونياتها المنتشرة في الدولة في تكوين الورشات في هذا المجال، ويُرجعُ البعض الفضل في الحفاظ على الكثير من الصناعات التقليدية إلى التعاونيات النسوية، حيث أنقذن صناعات تراثية بكاملها، مثل الصناعات القائمة على مادة الصوف، والتي كانت مهددة بالاندثار.
ولها مجالات تَدخُّل أخرى مثل الزراعة. وكانت التعاونيات فرصة لإشراك النساء الأمّيات، حيث عملن من خلالها في مجال الصناعات التقليدية اليدوية، وفي النسيج، والخياطة، والصباغة، وتصنيع الأدوات المستخدمة في كثير من مجالات الحياة اليومية، مثل الخيام والحصائر والوسائد والحلي والمجوهرات، فضلاً عن الحافظات اليدوية، وحافظات المفاتيح، والصناعات الجلدية المختلفة.
____________
من دفاتر السفير العربي
مبادرات النساء: قادرات وعازمات
____________
وعلى الرغم من أن التعاونيات تحصل أحياناً على قروض من الحكومة الموريتانية، وهبات من جهات مانحة دولية، إلا أن هناك مطالبات من النساء بالمزيد من الدعم لخلق تعاونيات جديدة ودعم التعاونيات القائمة. وهناك بالطبع من يرى أن تلك القروض يعتريها أحياناً ما يعتري المشاريع في موريتانيا من فساد وزبونية، وكذلك فإن المساعدات الحكومية يحدث أن يكون توجهها غير منصف ولا عادل بين التعاونيات. كما أنه، وعلى الرغم من كثرة أعداد التعاونيات، فإن نطاق من تشملهن نشاطاتها وكذلك من يستفدن منها يبقى محدوداً للغاية...