إعداد وتحرير: صباح جلّول
غرنيكا – إقليم الباسك - 1937. قصفتها القوات النازية والفاشية.
غزّة – فلسطين – 2023. قصفها الاحتلال الإسرائيلي وارتكب إبادة فيها.

نُسرِّع اللقطة إلى "غرنيكا" الحالية، ومن ساحة سوقها الرئيسي نفسها التي قصفها النازيون منذ أكثر من 80 عاماً. أفراد وعائلات وصغار وكبار وباسكيون وإسبان ومهاجرون، يتوافدون إلى الساحة في يومٍ ماطر لابسين رداءات بلاستيكية واقية، وحاملين قطعاً نايلونية بألوان حمراء، خضراء، سوداء وبيضاء.
هذه غرنيكا تعلن حيث تقف. لقد تعرّضتْ المدينة الواقعة في إقليم الباسك، شمال إسبانيا، للقصف عام 1937، من الطيران الألماني، خلال الحرب الأهلية الإسبانية، مسانَدة من هتلر للفاشيين الإسبان، وصار العالم يعرف قصتها التي خلّدها "بابلو بيكاسو" في إحدى أكثر لوحاته شهرة، المسماة على اسم المدينة: "غرنيكا".

كثّفت لوحة بيكاسو، في مشهد بانورامي واحد، الأهوال والفظائع التي خبرتها المدينة: صرخة الأم، الطفل المدمَّى، الجسد المشظّى، حطام البيت، حتى الحصان والثور والحيوانات التي عاشت بين البشر تعلن رعبها.

مرّة أخرى، نُسرِّع الصورة، نجمّدها في أيامنا الحاضرة. ها هم أهل غرنيكا التي تعرف الويلات، يعرفون معنى أن يشهدوا إبادة غيرهم في جزء آخر حزين من هذا الكوكب، فيظهرون تضامنهم مع أهل غزة، من خلال تشكيل العلم الفلسطيني بأجسادهم في وسط مدينتهم التي لن تشفى أبداً من ذكرى ما حلّ بها، وفي مشهد إنساني مؤثر يعكس تضامنهم الصادق. شكلوا العلم الفلسطيني بأجسادهم تحمل قطعاً ملونة رفعوها، واختاروا جزءاً من لوحة بيكاسو الشهيرة، بالذات ذلك الجزء الذي يُقرِّب الصورة على أمّ ترفع طفلها الصغير جثة، ليشهروا لوحة تضامنهم في وجه العالم.

فيديو عن تظاهرة الفسيفساء البشرية المتضامنة مع غزة في مدينة غرنيكا:
جاءت التظاهرة في كانون الأول/ديسمبر 2024 من مبادرة تسمي نفسها "مواطنو غيرنيكا-فلسطين"، وهي تحالفٌ يضم نقاباتٍ وأحزاباً سياسيةً ومنظماتٍ اجتماعية، تُجسّد أوجه التشابه بين معاناة "غيرنيكا" الماضية والمعاناة المستمرة في غزة.
هذه "غرنيكا" غزّة، التي سيصعب تصويرها في لوحة أو قولٍ أو صورة. إنها الجرح المفتوح الذي يفهمه من رأى الأهوال في شعبه ومدينته.
