مصر: تطوير التعليم وجدل مادة "التربية الدينية"

يمثل نظام "البكالوريا" الجديد، المزمع تطبيقه في مصر ابتداءً من العام الدراسي 2025-2026، محاولة لإعادة هيكلة التعليم الثانوي، فيتيح للطلاب فرصاً لتحسين نتائجهم عبر إعادة الامتحانات بمعدل أربع محاولات في الصف الثاني الثانوي، ومحاولتين في الصف الثالث، مع احتساب أعلى الدرجات، ويفرض رسوماً مالية على كل محاولة إضافية لتحسين المجموع، باستثناء الأولى المجانية. وتصل هذه الرسوم إلى 500 جنيه مصري لكل محاولة، وقد تؤدي إلى إقصاء الطلاب من الأسر محدودة الدخل.
2025-02-20

إسلام ضيف

كاتب صحافي


شارك
صف ابتدائي في مصر

في تحول جديد، أعلنت وزارة التربية والتعليم المصرية عن إدراج مادة "التربية الدينية" ضمن المجموع الكلي للطلاب في جميع الصفوف الدراسية، بدءاً من العام الدراسي المقبل، وذلك في إطار خطة لتطوير نظام التعليم، واستبدال شهادة الثانوية العامة بنظام "البكالوريا". هذا القرار يأتي بعد عقود من اعتماد "التربية الدينية" كمادة نجاح ورسوب فقط، كما نصت عليه قوانين التعليم المصرية، مثل القانون رقم 68 لسنة 1968، والقانون رقم 139 لسنة 1981.

الإعلان جاء خلال مؤتمر صحفي، عقده وزير التربية والتعليم والتعليم الفني "محمد عبد اللطيف" في 15 كانون الثاني/ يناير 2024، ضمن مناقشات النظام الجديد لشهادة "البكالوريا المصرية"، التي ستحل محل شهادة الثانوية العامة التقليدية. وأوضح الوزير أن منهج التربية الدينية الإسلامية سيبقى منفصلاً عن المسيحية، مع وضع إطار عام للمناهج بالتنسيق مع الأزهر والكنيسة.

يمثل نظام "البكالوريا" الجديد، المزمع تطبيقه في مصر ابتداءً من العام الدراسي 2025-2026، محاولة لإعادة هيكلة التعليم الثانوي، بهدف معالجة الضغوط النفسية التي يعانيها الطلاب وأسرهم، وفقاً لتصريحات وزارة التربية والتعليم. يتيح النظام للطلاب فرصاً لتحسين نتائجهم عبر إعادة الامتحانات بمعدل أربع محاولات في الصف الثاني الثانوي، ومحاولتين في الصف الثالث، مع احتساب أعلى الدرجات. وعلى الرغم من ذلك، يفرض النظام رسوماً مالية على كل محاولة إضافية لتحسين المجموع، باستثناء الأولى المجانية.

هذه الرسوم، التي تصل إلى 500 جنيه مصري لكل محاولة، قد تؤدي إلى إقصاء الطلاب، من الأسر محدودة الدخل، من الاستفادة من إجراء تحسين المجموع، إلى جانب تعزيز الفجوة بين الطلاب. إذ ستكون القدرة المالية للعائلات عاملاً رئيسياً في تحديد مستوى التعليم، الذي يمكن أن يحظى به الأبناء. ويتساءل كثيرون عن تأثير النظام الجديد على التكاليف الإضافية التي قد تتحملها الأسر، خاصة في ظل الضغوط الاقتصادية الراهنة، وزيادة الاعتماد على الدروس الخصوصية بدلاً من الحد منها.

التصدي لأفكار "الإلحاد والمثلية"

ربط نائب وزير التعليم بين إضافة مادة "التربية الدينية" إلى المجموع، والتصدي لما وصفه بـ"منظومات فكرية" مثل الإلحاد والمثلية، مؤكداً أهمية الحفاظ على الهوية المصرية، في ظل التحديات الثقافية المتزايدة، مشيراً إلى طلب من الأزهر والكنيسة بجعل هذه المادة أساسية. من جانبه، أعرب أسقف "طنطا" "الأنبا بولا" عن رفضه لهذا القرار، مؤكداً أن الدين مكانه الطبيعي هو الكنيسة والمسجد، وأن تدريسه في المدارس يجب فقط أن يكون كجزء من الثقافة العامة.

وفي الواقع، فإن الإصرار على إضافة مادة الدين كمادة أساسية، يتجاهل حقيقة التنوع الديني والثقافي، الذي يميز المجتمع المصري، فضلاً عن التعارض مع أهداف التعليم، التي نص عليها الدستور المصري، ومن بينها: "إرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز"، بالإضافة إلى إلزام الدولة بمراعاة الأهداف في مناهج التعليم ووسائله.

أوضح الوزير أن منهج التربية الدينية الإسلامية سيبقى منفصلاً عن المسيحية. القرار يعيد صياغة مكانة مادة "التربية الدينية" من مجرد مادة نجاح ورسوب، إلى عنصر مؤثر في تحديد مستقبل الطلاب. المنتقدون اعتبروا أن إدماج مادة ذات أبعاد عقائدية في نظام التقييم، قد يُعرِّض مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب المسلمين والمسيحيين للخطر، خاصة في ظل اختلاف المناهج وتحديات التنفيذ.

تحتوي كتب أساسية على نصوص دينية إسلامية فقط، تُظهر الإسلام كمنبع حصري للقيم الأخلاقية والإنسانية، فيما تخلو تماماً من أي نصوص من "الكتاب المقدس" أو التراث المسيحي. كما تُبرِز مناهج اللغة العربية والتاريخ، الهوية الإسلامية بوضوح، بينما تُغفل بشكل كبير الإسهامات المسيحية في تشكيل الهوية المصرية، وتُقدم دروساً تجبر الطلاب من جميع الأديان على حفظ نصوص دينية إسلامية والامتحان فيها. 

يرى وزير التربية والتعليم المصري أن دور المؤسسات التعليمية لا يقتصر فقط على تقديم المعرفة والمهارات، بل يمتد ليشمل بناء الشخصية وتعزيز القيم الأخلاقية والسلوكيات الإيجابية لدى الطلاب. هذه الرؤية وُظِّفت كأحد المسوغات الرئيسية، لإدراج مادة "التربية الدينية" ضمن المجموع الكلي.

محاولة ربط إصلاح التعليم بتعزيز "القيم الأخلاقية" هي خطوة تعكس في جوهرها نهجاً تقليدياً، يرى في المدرسة أداة لتوجيه السلوك، لا مساحة لتنمية الفكر النقدي وتعزيز الوعي الحقيقي. فالقيم لا تُفرض بقرار إداري أو عبر مادة دراسية تُضاف إلى المجموع، بل تُكتسب في بيئة تعليمية حرة تحترم التنوع، وتتيح للطلاب فرصة التفكير المستقل، بدلاً من تلقينهم منظومة أخلاقية جاهزة.

وربما يذكّرنا النهج الهادف إلى قولبة الطلاب داخل أطر معدة مسبقاً، بمفهوم "التعليم البنكي"، الذي انتقده "باولو فريري" في كتابه "تعليم المقهورين". يرى "فريري" أن التعليم بهذا الشكل يعامل الطلاب كأوعية فارغة، تُملأ بالمعلومات والأفكار الجاهزة، بدلاً من أن يكون عملية تحررية قائمة على الحوار والتفاعل. فالقيم الحقيقية، لا تنبع من الإملاء أو التلقين، بل من خلال تجربة تعليمية، تُشرك الطلاب في فهم العالم من حولهم.

مأزق تكافؤ الفرص

القرار، الذي يعيد صياغة مكانة مادة "التربية الدينية" من مجرد مادة نجاح ورسوب إلى عنصر مؤثر في تحديد مستقبل الطلاب، أثار تحفظات واسعة. منتقدون اعتبروا أن إدماج مادة ذات أبعاد عقائدية في نظام التقييم، قد يُعرِّض مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب المسلمين والمسيحيين للخطر، خاصة في ظل اختلاف المناهج وتحديات التنفيذ.

يثير هذا الوضع إشكالية، ويفتح الباب لمقارنات بين صعوبة أو سهولة المناهج والامتحانات لكل دين، وسيواجه الطلاب خطر الشعور بالتمييز، إذا اعتبر أحد الطرفين أن امتحان مادته الدينية أكثر صعوبة أو تعقيداً مقارنة بالمادة الأخرى.

تُدرَّس مادة التربية الدينية المسيحية حالياً في المدارس المصرية بشكل توافقي، حيث تتضمن معلومات عامة متفق عليها بين الطوائف المسيحية الثلاث:" الأرثوذكسية"، "الكاثوليكية"، و"الإنجيلية". لكن اعتماد القرار الوزاري الجديد ينذر بتفكيك التوافق الحالي، وقد يتحول وضع مناهج التربية الدينية المسيحية إلى ساحة تنافس بين الطوائف، وخلق صراعات أكاديمية طائفية غير مسبوقة.

محاولة ربط إصلاح التعليم بتعزيز "القيم الأخلاقية" بحسب وزير التربية، تعكس في جوهرها نهجاً تقليدياً، يرى في المدرسة أداة لتوجيه السلوك، لا مساحة لتنمية الفكر النقدي، وتعزيز الوعي. فالقيم لا تُفرَض بقرار إداري، أو عبر مادة دراسية تُضاف إلى المجموع، بل تُكتَسب في بيئة تعليمية حرة تحترم التنوع، وتتيح للطلاب فرصة التفكير المستقل، بدلاً من تلقينهم منظومة أخلاقية جاهزة.

تخلو كليات التربية من أي قسم مخصَّص لإعداد معلمي "التربية الدينية"، مما يعني غياب التأهيل الأكاديمي المتخصص في هذا المجال. ونتيجة لذلك، يتم إسناد تدريس "التربية الإسلامية" إلى معلمي اللغة العربية بحكم دراستهم لمكوِّن من الدراسات الإسلامية، بينما يُسند تدريس التربية المسيحية إلى أي معلم مسيحي متاح، بغض النظر عن تخصصه أو مدى تأهيله اللاهوتي.

في الوقت الراهن، يواجه الطلاب المسيحيون عدة صعوبات، مثل إجبارهم على مغادرة الفصول الدراسية أثناء حصة الدين الإسلامي، بسبب عدم توافر فصول مخصصة لهم، لينتقلوا إلى أماكن غير ملائمة للتعليم - مثل فناء المدرسة - ومع الشكاوى المستمرة من تكدس الطلاب داخل الفصول في المدارس الحكومية. فهل يمكن للمدارس المصرية، في ظل ظروفها الحالية، أن توفر بيئة تعليمية عادلة ومنصفة لجميع الطلاب بعد تطبيق القرار؟

لا يمكن تجاهل الطابع الديني المتزايد أيضاً في المناهج الدراسية الأخرى. فعلى سبيل المثال، تحتوي كتب مواد أساسية على نصوص دينية إسلامية فقط، تُظهر الإسلام كمنبع حصري للقيم الأخلاقية والإنسانية، فيما تخلو تماماً من أي نصوص من "الكتاب المقدس" أو التراث المسيحي. كما أن مناهج بعض المواد، كاللغة العربية والتاريخ، تُبرز الهوية الإسلامية بوضوح، بينما تُغفل بشكل كبير الإسهامات المسيحية في تشكيل الهوية المصرية، وتُقدم دروساً تجبر الطلاب، من جميع الأديان، على حفظ نصوص دينية إسلامية والامتحان فيها.

عجز في أعداد المعلمين وغياب المتخصصين

على الرغم من الوعود التي تصاحب الإعلان عن نظام "البكالوريا" الجديد كخطوة لتطوير التعليم في مصر، تظل أزمة نقص المعلمين واحدة من أبرز العقبات التي تهدد نجاحه. إذ تعاني المنظومة التعليمية بالفعل من عجز حاد في أعداد المعلمين، يُقدر بأكثر من 600 ألف معلم، فضلاً عن النقص في الفصول (القاعات) لاستيعاب الأعداد المتزايدة من الطلاب.

هناك التزام بإنفاق ما لا يقل عن 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، وفقاً لدستور 2014، لكن مخصصات هذا القطاع الحيوي قِّلصت. فقد خُصص له في الميزانية العامة للسنة المالية 2024/2025، 295 مليار جنيه فقط (حوالي 6 مليارات دولار)، أي ما يعادل 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أدنى مستوى للإنفاق التعليمي خلال السنوات الخمس الماضية.

تشير تقديرات البنك الدولي في عام 2019 إلى أن 70 في المئة من الأطفال في سن العاشرة، يعانون من "فقر التعلم"، أي إنهم غير قادرين على قراءة نص مناسب لعمرهم. كما أظهرت دراسة دولية أجرتها منظمة "اليونيسف" أن مصر تحتل المرتبة 42 من بين 43 دولة في مهارات القراءة لدى طلاب الصف الرابع، مما يعكس تراجعاً خطيراً في جودة التعليم الابتدائي! 

عدم توافر معلمين متخصصين لمادة "التربية الدينية" هي إحدى أبرز الإشكاليات التي يكشفها القرار الجديد، حيث تخلو كليات التربية من أي قسم مخصَّص لإعداد معلمي "التربية الدينية"، مما يعني غياب التأهيل الأكاديمي المتخصص في هذا المجال. ونتيجة لذلك، يتم إسناد تدريس "التربية الإسلامية" إلى معلمي اللغة العربية، بحكم دراستهم لمكوِّن من الدراسات الإسلامية، بينما يُسند تدريس التربية المسيحية إلى أي معلم مسيحي متاح، بغض النظر عن تخصصه أو مدى تأهيله اللاهوتي.

وعلى غرار المواد الأساسية الأخرى، فمن المتوقع أن يتجه كثيرٌ من الطلاب إلى البحث عن دروس خصوصية، في مادة "التربية الدينية"، لضمان تحصيل أعلى الدرجات. كما أنه في ظل هذه التحديات، تبقى هناك أسئلة قائمة حول مدى قدرة وزارة التربية والتعليم على ضبط تدريس "التربية الدينية"، سواء داخل المدارس أو في الدروس الخصوصية. فعدم وجود رقابة على المحتوى الذي يُقدَّم خارج المدارس، من الممكن أن يتسبب في غرس أفكار متطرفة عند الطلاب، نتيجة لتلقي الدروس، على يد مدرِّسين ذوي توجهات دينية متشددة.

تطبيق أي إصلاح تعليمي يجب أن يستند إلى بنية تحتية قوية، تشمل توفير معلمين مؤهلين، وتحسين بيئة التدريس، وضمان العدالة في توزيع الموارد التعليمية. ومع العجز الحاد في أعداد المعلمين، وغياب خطط التعيين، يبدو أن النظام التعليمي غير مستعد للتعامل مع هذه التحولات.

تراجع الإنفاق على التعليم

على الرغم من الالتزام الدستوري بإنفاق ما لا يقل عن 6 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي على التعليم، وفقاً لدستور 2014، تُواصل الحكومة المصرية تقليص مخصصات هذا القطاع الحيوي. في الميزانية العامة للسنة المالية 2024/2025، خُصِّص له 295 مليار جنيه فقط (حوالي 6 مليارات دولار)، أي ما يعادل 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو أدنى مستوى للإنفاق التعليمي خلال السنوات الخمس الماضية، ومقارنة بالعام الأول من حكم الرئيس "عبد الفتاح السيسي"، حين بلغ الإنفاق على التعليم 3.9 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، مما يظهر التراجع الكبير في الأولوية الممنوحة لهذا القطاع.

أدى تراجع الإنفاق إلى تفاقم أزمات التعليم الأساسية، وعلى رأسها العجز الكبير في أعداد المعلمين. ومع هذه الفجوة، لم تبادِر الحكومة إلى إجراء تعيينات كافية، بل لجأت إلى عقود مؤقتة برواتب متدنية، مما دفع العديد من المعلمين إلى البحث عن فرص إضافية للدخل عبر الدروس الخصوصية. إلى جانب ذلك، تعاني المدارس الحكومية من نقص حاد في الفصول (القاعات) الدراسية.

لجأت الحكومة إلى حلول مؤقتة من خلال مسابقة عام 2022 لتوظيف 30 ألف مدرِّس مساعد بعقود مؤقتة وأجور منخفضة، وهي عقود تفتقر إلى الأمان الوظيفي. لكن اللافت للانتباه لم يكن فقط تدني الأجور، بل طبيعة الإجراءات التي رافقت هذه المسابقة، إذ خضع المتقدمون لاختبارات لياقة بدنية تديرها جهات عسكرية، كما أُجريت مقابلاتهم الشخصية داخل منشآت تابعة لوزارة الدفاع، وليس في وزارة التربية والتعليم. وأسفرت هذه العملية عن استبعاد آلاف المتقدمين لأسباب غير مرتبطة بالكفاءة الأكاديمية مثل الوزن الزائد، أو الحمل، أو الفشل في اختبارات اللياقة البدنية. بل إن الأمر بلغ حد اعتقال بعض المتقدمين، الذين احتجوا سلمياً على استبعادهم، وإحالتهم إلى النيابة.

تشير تقديرات البنك الدولي في عام 2019 إلى أن 70 في المئة من الأطفال في سن العاشرة، يعانون من "فقر التعلم"، أي إنهم غير قادرين على قراءة نص مناسب لعمرهم. كما أظهرت دراسة دولية أجرتها هيئة اليونيسف" أن مصر تحتل المرتبة 42 من بين 43 دولة في مهارات القراءة لدى طلاب الصف الرابع، مما يعكس تراجعاً خطيراً في جودة التعليم الابتدائي!

مقالات من مصر

تجوع ليحيا... إلى متى؟

2025-02-20

"ما لقيتش طريقة أحلّ بيها هذه الأزمة غير هذا الإضراب عن الطعام، اللي أنا مصرة أنه يستمرّ، لحين ما علاء يتم الافراج عنه، أو لحين ما صحتي تنهار تماماً"، تقول...

للكاتب نفسه