صناعة الحراك السياسي الزائف في مصر برعاية حزب جديد

هناك ما بين 15 إلى 20 حزب تحت التأسيس، من بينهم أحزاب تشكّلت عقب "ثورة يناير"، ولم تستطع توفيق أوضاعها، لكن فيها الكثير من الطاقات الشبابية الواعية، كـ"حزب العيش والحرية"... فإذا ما سُمِح لـ"حزب الجبهة الوطنية" الجديد بحرية ممارسة النشاط السياسي، فعلى الدولة منح امتيازات مماثلة لكل الأحزاب. ولا شك أن كثيراً من التيارات المعارِضة في مصر قد ترضى بهامش من الحرية القابل للزيادة، كبديل لحالة القمع التام الضبابية، فهل يرضى النظام؟
2025-01-26

صفاء عاشور

باحثة وصحافية من مصر


شارك
اعلان تأسيس الحزب الجديد من فندق "ألماسة" في العاصمة الإدارية، مصر.

في مصر، تعرّضك المعارضة بكافة أشكالها إلى كل أنواع التنكيل، بشكل عشوائي ودون ضوابط، بدءاً من فقدان الوظيفة وصولاً إلى التهديد والسجن، بل قد يمتدّ التنكيل إلى أفراد عائلتك إذا حاولوا الدفاع عنك. مثال على ذلك ما حدث للدكتورة ندى مغيث، التي تعرضت للاحتجاز بسبب تصريحاتها حول ظروف اعتقال زوجها، رسام الكاريكاتير أشرف عمر، المحتجز منذ ما يقارب ستة أشهر، بتهمة رسوماته الصحافية الساخرة المعارضة للنظام.

الحياة السياسية بليدة جداً هنا: أحزاب سياسية غير قادرة على ممارسة أنشطتها على نطاق واسع، حتى لو كانت تملك قواعد شعبية جيدة. الحركات الشعبية دُمِّرت تماماً، وشخصياتها البارزة ملاحَقة، أما الأنشطة السياسية في الجامعات فهي مجمدة بالكامل، ما يترك جيلاً جديداً، يملك مقومات التغيير، مكبلاً وبلا توجيه.

يمتدّ القمع إلى الحراك العمالي المحدود، بالتزامن مع محاولات جيدة للنقابات المهنية لتحقيق التوازن لصالح أعضائها. الإعلام صامت، غير معني بارتفاع الأسعار المستمر والمؤلم، ولا بالتقصير الحكومي في القطاعات المختلفة، ولا بضياع أحلام البسطاء في "حياة كالحياة". في المقابل: يستميت النظام في صناعة مجد وهمي، عبر بناء عاصمة إدارية باهظة التكاليف، مع نفي تحمّل ميزانية الدولة للتكلفة، وعجزه في الوقت ذاته عن تفسير عبء الديون المتزايد لصالح صندوق النقد الدولي والجهات المانحة.

في ظل كل ما سبق، يُعلن عن تدشين حزب جديد باسم "الجبهة الوطنية"، بموارد غير محدودة، ونفوذ متشعب، مصدره أسماء مؤسسيه، ممن يمثلون خليطاً من رجال النظام في عصري مبارك والسيسي، ورجال أعمال، ووزراء سابقين، وسياسيين بدّلوا اتجاهاتهم وفقا للتيارات السائدة، وكتّاب، وفنانين، وممثلين لعائلات وقبائل، وعسكريين، في مشهد يعيد للأذهان تركيبة "الحزب الوطني الديمقراطي"، الذي دعم حكم الرئيس الراحل محمد حسني مبارك لثلاثين عاماً، وسيطرت أذرعه على كافة مفاصل الدولة، يؤيد القوانين، ويدعم النظام في الشارع، والمؤسسات، ويشكل الحكومات المتتالية من أفراده، ويتصدى للتيارات المعارِضة بوسائل مشروعة وغير مشروعة: يشتري، ويبيع، ويفاوض، ويهادن، ويتصف بصفات الرئيس مبارك وقتها، يشد قبضته حيناً، ويرخيها حيناً، ويكرر عبارته غير المبالية: "خلّيهم يتسلوا".

فهل يسعى النظام إلى استنساخ تجربة "الحزب الوطني" مرة أخرى، بعد فشل الأحزاب الحالية الموالية للنظام من أمثال "حماة الوطن" و"حزب مستقبل وطن"، في تبيض صورته وتحقيق التفاف شعبي حوله، حتى ولو بصورة زائفة، على الرغم من الإمكانيات غير المحدودة التي تكرسها الدولة للموالين!

يأتي ذلك في ظل التغير المستمر في خريطة الأنظمة السياسية في المنطقة عموماً، والتهديدات التي تمثّلها نشاطات تيارات دينية متشددة، وأوضاع داخلية غير مرضية، أكثرها قسوة ارتفاع الأسعار المستمر، ما يَفرض على النظام في مصر التغيّر، والتوسيع من هامش الحريات، حتى لا ينفجر الشارع في موجات غضب عارمة، قد تكون أكثر عنفاً من "ثورة 25 يناير 2011".

رجال النظام

ويضمّ الحزب الجديد قائمة من رجال النظام الحالي والسابق، من أمثال: "الدكتور عاصم الجزار"، وزير الإسكان السابق ووكيل مؤسسي الحزب، و"ضياء رشوان" عضو الهيئة التأسيسية للحزب، فيما أُعلن أن ممولي الحزب الرئيسيين هم عدد من رجال الأعمال المصريين، وعلى رأسهم : "كامل أبو علي" صاحب، النشاط البارز في مجال السياحة، و"محمد أبو العينين" وكيل مجلس النواب، الذي جمع بين الثروة والنفوذ السياسي، عبر تقلده عدداً من المناصب السياسية، و"أيمن الجميل" رئيس مجلس إدارة إحدى الشركات المتخصصة في الاستثمارات الزراعية والصناعية، وأخيراً الرجل واسع النفوذ والمثير للجدل" "إبراهيم العرجاني"، رئيس "اتحاد قبائل سيناء".

قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس الحزب، بدأت الاجتماعات التشاورية في مقر "اتحاد قبائل سيناء"، ما جعل الأقاويل تنتشر عن كون الحزب سيخدم مصالح "العرجاني" للمنافسة على السلطة. لكن بمجرد الإعلان عن كامل تشكيلته، تبين أن الحزب هدفه دعم النظام في الأساس، وتمثيل كافة التيارات الداعمة والمؤيدة له، وربما أيضاً حماية السلطة الجديدة، في حالة ابتعاد الرئيس السيسي عن المشهد السياسي، عقب انتهاء فترة الرئاسة الثانية عام 2030 وفقاً للدستور!

الحياة السياسية بليدة جداً هنا: أحزاب سياسية غير قادرة على ممارسة أنشطتها على نطاق واسع، حتى لو كانت تملك قواعد شعبية جيدة. الحركات الشعبية دُمِّرت تماماً، وشخصياتها البارزة ملاحَقة، أما الأنشطة السياسية في الجامعات فهي مجمدة بالكامل، ما يترك جيلاً جديداً، يملك مقومات التغيير، مكبلاً وبلا توجيه.

يستميت النظام في صناعة مجد وهمي، عبر بناء عاصمة إدارية باهظة التكاليف، مع نفي تحمّل ميزانية الدولة للتكلفة، وعجزه في الوقت ذاته عن تفسير عبء الديون المتزايد لصالح صندوق النقد الدولي والجهات المانحة. 

عقد حفل تدشين الحزب نهاية العام 2024 في فندق "الماسة" الذي افتُتح عام 2017 في العاصمة الإدارية الجديدة، وهو يتبع سلسلة فنادق يعود تاريخ بنائها إلى عام 2006، تحت إشراف القوات المسلحة المصرية. دلالة عقد الحفل في ذلك الفندق واضحة، لا تحتمل التأويل، وتعني بوضوح الرضى التام للنظام على الحزب، الذي نجح في بضعة أشهر في توفير مقرات له في العديد من المحافظات، ما يشير إلى الإمكانات الهائلة التي يتمتع بها. وذكرت وسائل الإعلام أن الإقبال على عمل التوكيلات لصالح الحزب شهد زحاماً وتكدساً، فيما قال شهود عيان أن الأمر لم يخلُ من الهدايا العينية والمادية، وهو أمر معتاد في مصر، ولا لوم على البسطاء في قبول عطايا الحزب الجديد، فقد سبق لهم الحصول على "هدايا" مشابهة من "حزب مستقبل وطن"، خلال استحقاقات سياسية مختلفة. وهناك دليل طريف على ذلك لسيدة كبيرة في السن، تغني أغنية وطنية بحماس، ثم تقطع غناءها محدّثة شخصاً لا يظهر في الكادر: "هات الكرتونة بقى عشان أمشي".

المتأمل في المشهد السياسي في مصر يتعجب من عدم قدرة "حزب مستقبل وطن" على جذب رجل الشارع، على الرغم من فعالياته المستمرة وإمكانياته الهائلة، حتى أن أسماء قياداته ورموزه غير معروفة ولا بارزة، وذلك على الرغم من حصوله على أغلبية المقاعد في البرلمان المصري، وتصدّره الجبهة المؤيدة للنظام تأييداً مطلقاً منذ ما يقارب عشر سنوات، حيث تأسس الحزب عام 2013 عقب الأحداث التي أطاحت بنظام الإخوان المسلمين. وشارك الحزب عام 2015 في الاحتفالية الرسمية لافتتاح "قناة السويس الجديدة"، وترأس الوفد رئيس الحزب وقتها المهندس "محمد بدران"، وضم عدداً من شباب الحزب من مختلف المحافظات. وكانت المرة الأولى التي يتم فيها تداول أخبار الحزب على مستوى إعلامي واسع. ومع كل ما سبق تفتقد قيادته الى الخبرة السياسة، ويقف دعمه المطلق للرئيس حائلاً دون تقبّل الشارع له.

يلي حزب "مستقبل وطن" في الأحزاب الموالية للسلطة من حيث الشهرة والنفوذ، حزب "حماة الوطن"، الذي يشير عبر صفحته الرسمية إلى كونه "يستخدم كافة أدواته الحزبية من أجل تحقيق أهدافه في مساندة الدولة، نحو الوصول لمستوى أفضل لكل المصريين، انطلاقاً نحو الجمهورية الجديدة".

فشلت الأحزاب الدينية أيضاً في تدعيم شعبية النظام، على الرغم من دعم النظام لها، وحمايتها من حملات اعتقالات ممنهجة شهدتها أحزاب وتيارات منذ عام 2013. وتعْمد الأحزاب الدينية الموالية للسلطة إلى استخدام شعارات دينية تربط بين إطاعة الحاكم ورضا الله، كـ"حزب الناس" السلفي، الذي لم يعد يظهر إلا في فترات الغضب الشعبي على النظام، فيُطلق تصريحات تدعو الناس للرضا والطاعة، تواجَه بالسخرية والتندر. فقد الحزب الكثير من شعبيته وقواعده منذ سنوات، بعد أن استحوذ هو وغيره من تيارات الإسلام السياسي على 70 في المئة من مقاعد البرلمان الذي أعقب قيام "ثورة يناير".

الحزب الوطني

والحقيقة أن النظام الحالي، في قراراته وقوانينه، يفتقر إلى حكمة رجال الدولة خلال عصر مبارك، على رأسهم "فتحي سرور"، الذي شغل منصب رئيس مجلس الشعب المصري لنحو عشرين عاماً، ما بين عامي 1990 و2011. ويعتبر أحد أبرز الشخصيات السياسية في العهد المباركي، وكان يساهم في حياكة السياسات وطرحها، وتمرير القوانين بأقل قدر من الغضب والاحتجاج الشعبي، فيما عرف بمصطلح "ترزية القوانين"[1].

النظام الجديد أقل حنكة في تمرير القوانين ورسم السياسات، وأبسط مثال على ذلك التخبط الكبير في رسم سياسات التعليم قبل الجامعي. في المقابل، لم يكن رجال عصر مبارك مثاليين، لكنهم كانوا يحرصون على تصدير صورة محافِظة وخبيرة، تمكّنهم من مواجهة قوة المعارضة التي لا تهدأ. لقد شهد آخر عقد من حكم مبارك حراكاً سياسياً رائعاً، كان السبب المباشر في "ثورة يناير"، وظل الحزب الحاكم متماسكاً حتى أُحرق مقره الرئيسي في منطقة وسط البلد خلال الثورة، دون إصابة بشرية واحدة، كرسالة واضحة وقوية على أن زمنه قد انطوى نهائياً.

أُعلِن عن تدشين حزب جديد باسم "الجبهة الوطنية"، بموارد غير محدودة، ونفوذ متشعب، مصدره أسماء مؤسسيه، ممن يمثلون خليطاً من رجال النظام في عصري مبارك والسيسي، ورجال أعمال، ووزراء سابقين، وسياسيين بدّلوا اتجاهاتهم وفقا للتيارات السائدة، وكتّاب، وفنانين، وممثلين لعائلات وقبائل، وعسكريبن، في مشهد يعيد للأذهان تركيبة "الحزب الوطني الديمقراطي".

يبدو أن النظام يسعى إلى استنساخ تجربة "الحزب الوطني" مرة أخرى، بعد فشل الأحزاب الحالية الموالية للنظام، من أمثال "حماة الوطن" و"حزب مستقبل وطن"... في تبيض صورته، وتحقيق التفاف شعبي حوله، حتى ولو بصورة زائفة، على الرغم من الإمكانيات غير المحدودة التي تكرسها الدولة للموالين! 

وكان "الحزب الوطني الديمقراطي" المنحل قد تشكّل على عدة مراحل. ففي عام 1976، قرر الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات إنشاء ثلاثة منابر سياسية داخل "الاتحاد الاشتراكي العربي"، التنظيم السياسي الوحيد في مصر آنذاك، بهدف تمثيل التيارات السياسية المختلفة. منبر اليمين: يمثل الاتجاه الليبرالي، تحوّل فيما بعد إلى "حزب الأحرار الاشتراكيين"، منبر اليسار: ويمثل الاتجاه الاشتراكي أو القومي، وتحوّل فيما بعد إلى "حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي"، ومنبر الوسط: ويمثل الاتجاه الذي تبناه السادات نفسه، وتحوّل إلى "حزب مصر العربي الاشتراكي". وفي عام 1978، تم تغيير اسم الحزب إلى "الحزب الوطني الديمقراطي"، ليصبح الحزب الحاكم في مصر، حتى سقوط نظام الرئيس "محمد حسني مبارك" في عام 2011.

جاء مبارك على رأس السلطة عام 1981 ليجد "الحزب الوطني" يستمد قوته من نفوذ السادات، فنمّى الرئيس الحزب ودعمه، وجُيِّشت في سبيله إمكانيات الدولة، من مؤسسات وإعلام وموارد مادية، حتى يمتلك صلابة تمكّنه من حماية النظام وإقناع المواطن العادي بضرورة استمراره، واستقطاب الأكفّاء من رجال السياسة والعلم وأساتذة الجامعات، وأصحاب العقول اللامعة، لمواجهة الشخصيات الكاريزمية واللامعة للمعارضة، من أمثال: نواب المعارضة في البرلمان، و"جماعة الإخوان المسلمين"، وحزبي "التجمع" و"الناصري"، اللذين امتلكا صحفاً حزبية قوية ومقروءة، ومميزة في تناولها لكل ما يهم الشارع، وطرحها للقضايا الفكرية والسياسية في المجتمع المصري.

شهدت فترة حكم مبارك مباريات سياسية ممتعة بين تكتلات الحكومة والحزب الحاكم وتكتلات المعارضة. ظهر ذلك جلياً خلال الانتخابات البرلمانية و النقابية والحركات العمالية، على الرغم من عدم الشفافية والتدخل المباشر للدولة. لكن الحزب، كرئيسه، أصابه الهرم في النهاية، وزاد الأمر سوءاً ما عُرف بـ"الحرس الجديد"، ممن دعموا فكرة توريث الحكم الجمهوري لصالح النجل الأكبر للرئيس، "جمال مبارك"، وعلى رأسهم رجل الأعمال "أحمد عز"، الذى استمر في إطلاق تصريحات استفزازية كان أبرزها: "لو المواطن حس بالظلم كان زمانه نزل الشارع، لكن هو منزلش الشارع". وكان المشهد قبل النهائي للحزب هي الانتخابات البرلمانية عام 2010، التي شهدت تزويراً فاضحاً وكاشفاً لعمق الفساد الضارب في مفاصل البلاد. وبالمناسبة، لم تتأثر مصالح رجل الأعمال واسع النفوذ "أحمد عز" منذ "ثورة يناير" وحتى اليوم، بل ظهر رجل النظام المباركي مؤخراً في إحدى اجتماعات مجلس الوزراء، بجانب مجموعة من رجال الأعمال.

ولا يمكن إغفال نقاط التشابه بين "الحزب الوطني الديمقراطي" و"حزب الجبهة الوطني"، بداية من الاسم، والظروف السياسية التي نشأ فيها الحزبان. فالأول نشأ بعد عقدين من حكم "الاتحاد الاشتراكي"، بلا تعدد وبهامش محدود جداً من الحريات، والثاني نشأ بعد نحو عقد من الزمن، من تجفيف الحياة السياسية والتضييق على الحريات، والحزبان مقربان من الرئيس ويحظيان بمباركته، ولدى أعضائه خلفيات متنوعة وخبرات متنوعة، تدعمهم أجهزة الدولة وآلته الإعلامية ذات الصوت الواحد.

صلاحيات واسعة

وبتحليل تصريحات مسؤولي حزب "الجبهة الوطنية" الجديد، نجد أن هناك ثلاث نقاط أساسية تكررت، تشكّل الحديث الداخلي في الحزب وسياسته المستقبلية، أولها: أن الحزب ليس بديلاً عن حزب "مستقبل وطن" وغيره من الأحزاب الموالية للسلطة، وهو تصريح هدفه المحافظة على علاقات ودية مع الحزب صاحب الأغلبية في البرلمان، وضمان عدم تركه لنقاط تأثيره داخل المجتمع المصري، قبل تمكن الحزب الجديد من بسط النفوذ والسيطرة لتحقيق هدف دعم النظام. ويُتوقع أن يحل أعضاء الحزب الجديد محل أعضاء الأحزاب القديمة الموالية، في كافة الأجهزة، بداية من البرلمان، مع استبعاد خيار اندماج تلك الأحزاب، لإظهار حالة من التعددية بديلة عن تهميش الأحزاب المحسوبة على تيار المعارضة.

فشلت الأحزاب الدينية في تدعيم شعبية النظام، على الرغم من دعمه لها، وحمايتها من حملات اعتقال ممنهجة شهدتها أحزاب وتيارات منذ عام 2013. وتَعْمد الأحزاب الدينية الموالية للسلطة إلى استخدام شعارات دينية تربط بين إطاعة الحاكم ورضا الله، كـ"حزب الناس" السلفي، الذي لم يعد يظهر إلا في فترات الغضب الشعبي على النظام، فيُطلق تصريحات تدعو الناس للرضا والطاعة، تواجَه بالسخرية والتندر.

قبل الإعلان الرسمي عن تأسيس الحزب، بدأت الاجتماعات التشاورية في مقر "اتحاد قبائل سيناء"، ما أشاع أن الحزب سيخدم مصالح "العرجاني" للمنافسة على السلطة. لكن بمجرد الإعلان عن كامل تشكيله، تبين أن الحزب هدفه دعم النظام في الأساس، وتمثيل كافة التيارات الداعمة والمؤيدة له، وربما أيضاً حماية سلطة جديدة، في حالة ابتعاد الرئيس السيسي عن المشهد السياسي، عقب انتهاء فترة الرئاسة الثانية عام 2030 وفقاً للدستور! 

"حزب الجبهة الوطنية" ليس حزباً معارضاً ولا موالياً! هكذا كرر مسؤولوه. ولكن في الواقع، يبدو هذا الطرح غير منطقي. فمثل هذه التصريحات تكررت في كافة الفعاليات التي يديرها النظام، مثل "الحوار الوطني" و"منتديات الشباب" وغيرها، والتي تهدف بالأساس إلى اجتذاب فئة من المواطنين الذين لا يفضّلون العمل تحت مظلة النظام بشكل مباشر.

ثانياً، يقول الدكتور "عاصم الجزار"، وزير الإسكان السابق، ووكيل مؤسسي الحزب، في حوار تلفزيوني سابق[2] إن هدف الحزب هو تمرير القوانين الصادرة عن النظام، وسد الفجوة ما بين البرلمان والحكومة، ما يعني أن الحزب سيُمنح صلاحيات لا يستطيع أي معارض فردي أو منتمٍ لحزب، الحصول عليها. فهناك من يُقبض عليهم، ويلقى بهم في السجن لمجرد منشور ينتقد قرارات النظام على وسائل التواصل الاجتماعي، أو مقال في موقع شعبيته متوسطة... وعلى سبيل المثال، تعرّض الباحث الاقتصادي الدكتور "عبد الخالق فاروق" للاحتجاز، ووجهت له التهمة الجاهزة، "الانضمام لجماعة إرهابية ونشر أخبار كاذبة"، لمجرد انتقاده السياسات الاقتصادية في البلاد.

ثالثاً، يقول ضياء رشوان[3]، عضو الهيئة التأسيسية عن الحزب: إن وجوده تطوّر طبيعي للمرحلة التي تمر بها مصر، وإنه آن الأوان لفتح المجال العام والاهتمام بالسياسة. ويقصد رشوان هنا الفترة التي شهدت تضييقاً على المجال العام لسنوات، منذ تولّي الرئيس السيسي حكم البلاد، بحجة محاربة الإرهاب، والتي شهدت ما يشبه تأميم الصحف، بنقل ملكيتها إلى "شركة المتحدة للخدمات الإعلامية".

تجدر الإشارة إلى أن عدد الأحزاب المشْهَرة وفقاً للقانون والدستور في مصر تصل إلى 87 حزباً سياسيا[4]، يمتد تاريخ بعضها لعقود، وتمتلك قواعد شعبية ومقرات في جميع أنحاء مصر، من الممكن تنشيطها للمشاركة بشكل فعال في حالة فتح المجال العام، حتى مع كافة التحفظات على أدائها، ولكنها ستكون على أية حال بداية. هناك أيضاً ما بين 15 إلى 20 حزب تحت التأسيس، من بينهم أحزاب تشكّلت عقب "ثورة يناير"، ولم تستطع توفيق أوضاعها، لكن فيها الكثير من الطاقات الشبابية الواعية كـ"حزب العيش والحرية"... فإذا ما سُمِح لـ"حزب الجبهة الوطنية" الجديد بحرية ممارسة النشاط السياسي، فعلى الدولة منح امتيازات مماثلة لكل الأحزاب. ولا شك أن كثيراً من التيارات المعارِضة في مصر قد ترضى بهامش من الحرية القابل للزيادة، كبديل لحالة القمع التام الضبابية، فهل يرضى النظام ؟

______________________

  1. الترزي: كلمة باللهجة العامية المصرية تعني صانع الثياب
  2. حوارات تلفزيونية مع مؤسسي "حزب الجبهة الوطنية"
    https://2u.pw/4fzAcMTr
  3. المصدر السابق نفسه
  4. الهيئة العامة للاستعلامات https://2u.pw/hBc8BxRb

مقالات من مصر

للكاتب نفسه