ليس التعريف نظرياً، وإلا لكان الأمر هيّناً ليّناً! انزلق لبنان إلى حال من البؤس التام، تجاوزت ما كان متخَيّلاً حتى من قبل من يعرفون محدودية إمكانيات البلاد الموضوعية (لو نَحيّنا جانباً "الشطارة" التي يفتخر بها اللبنانيون، وفيها فعلاً خصائص إبداعية ومُبادِرة، أي ليست كلها فهلوة، و"تشاطر"، واقتناص لفرص الفساد الكثيرة).
محنة لبنان
03-09-2020
يا لبنان!
25-10-2019
كان مسار الانهيار تصاعدياً. فهو ليس وليد البارحة، اي أزمة 2019، وانفجار المرفأ - الذي لا تزال أسبابه غامضة – ولا هو حتى وليد محطة الحرب الاهلية اللبنانية قبلهما، التي برهنت استطالتها بشكل لا يقبل الشك على هشاشة تكوين البلد من جهة – وهو ما نعرفه – والأهم والمستجِد، على هامشيته وزوال الحاجة الى "دوره" أو وظيفته، اللتين بُني عليهما أصلاً، كوسيط تجاري ومالي وخدماتي (خدمات متنوعة، بما فيها ما هو "محترم " كالتعليم والاستشفاء والنشر.. وهي متطورة)، وكملجأ لرؤوس أموال تستفيد من السرية المصرفية القائمة فيه على أساس وظيفته تلك، وعلى فكرة "حياديته"، وعلى "تقديس" البنوك. وكان كذلك ملجأ للشخصيات الهاربة من بلدان المحيط المُصطخِب.
وليس التدخل الخارجي – الاقليمي والدولي - في ترتيب أو اعادة ترتيب الاوضاع في لبنان مستجداً، بل هو تكويني، وقد جاءت محطات متعددة لتثبّته، فنذكر أن الرئيس "جمال عبد الناصر" مثلاً هو من حسم مصير الحرب الأهلية الصغيرة التي اندلعت في 1958...ونذكر "اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب الأهلية الكبيرة.
لبنان: ريع من نوع خاص
12-11-2020
وللحق، فليس الانهيار اللبناني ذاتياً فحسب، بل هو أيضاً نتاج تبعثر وتراجع الوضع العربي المحيط، وادعاقه، بدءاً من الافتقار إلى القيادة العربية الوازنة – أياً كانت - وصولاً إلى "البهدلة" الحالية في كل بقعة منه. وبين هذا وذاك، العدوان على العراق الذي قصم ظهر البلد المركزي في المنطقة، وشاركت فيه، فرحة، دول عربية إلى جانب أمريكا وبريطانيا... الى آخر الأمثلة الكثيرة عن انحطاط أحوال المنطقة. ولولا ذلك لما تمكنتْ إسرائيل من العربدة المتوحشة التي شاهدناها على مدى أشهر طويلة الآن، ولما تغوّل "نتنياهو" وربعه في الإجرام بهذا الشكل، وتباهوا، وكأنهم قوة عظمى تُخطِّط وتُغيِّر، على الرغم من سخف وضحالة سلوكهم... وهذا أيضاً علامة من علامات هذا الزمن، تماماً كما هو الموقف النذل الذي اتخذته - بلا أي خجل أو مواربة - قيادات العالم "المتحضِّر" من الإبادة التي تلحق بالفلسطينيين، وهو السلوك الذي عرّاها، وقضى تماماً على مكانتها وشرعية خطابها..
فيجدر إذاً بمن يتكلمون عن "استعادة" الدولة، أن يتذكروا كل ذلك، وأنه ربما خَلا فترة رئاسة "فؤاد شهاب"، الذي أقدم على بعض الإصلاحات وبنى بعض المؤسسات – وقد "استوعبتها" بعد ذلك بسرعة مذهلة تركيبة السلطة في البلد، وأعادت هضمها فور انتهاء ولاية الرجل – فليس في لبنان "دولة" بالمعنى المتعارف عليه، بل سلطة هي نتاج توافقات متلاحقة، تهتز عند كل منعطف صغير أو كبير. وليس من استقلالية بالمعنى الذي يتخيله البعض، بحياد وبلا حياد.
لبنان مجدداً وغزة في القلب منه
29-11-2024
1948 جديدة.. هل نخرج من تحت المبضع الصهيوني؟
10-10-2024
لم يفعل حزب الله غير استغلال ذلك وتعميقه – بشتى الوسائل، المترابطة فيما بينها، ومنها الغلبة المسلحة، ومنها الإمكانيات المالية التي بنت جماعة واسعة ومتماسكة الى حد كبير، وفق القواعد المتعارف عليها لبنانياً، أي شد العصبية الطائفية، والزبائنية، والتنفيعات، وصولاً الى المحاصصة التي انخرط فيها، بحكم انخراطه في القانون العام المنتِج للسياسة في البلد، ولا يزال الى اليوم يدافع عنها، ويطالب بتعظيم حصته منها، على الرغم مما جرى من أهوال عليه وعلى لبنان، وعلى الرغم من انتخاب رئيس جمهورية جديد وفق معايير مختلفة عما سبق، ووجود رئيس وزراء اختير وفق تلك المعايير المختلفة نفسها.
ويرافق كل تلك الميادين، حتماً وبالضرورة، تغلغل الفساد. وفي حالة حزب الله، فالأمر خطير، لكونه يتناقض مع مستلزمات وجهه الآخر المقاوِم لإسرائيل. وقد دفع الحزب ثمن ذلك، كما دفع ثمن مواقفه السياسية الخاطئة، كاحتلال بيروت في 7 أيار/ مايو 2008، وكالتورط في الحرب الاهلية السورية دفاعاً عن سلطة "بشار الأسد". وهو كله ما حضر في لحظة الهجوم الإسرائيلي المتوحش عليه وعلى لبنان.
كان يمكن لهذا الواقع العنيد والجبار أن يستمر. وكان لبنان سيلفظ آخر أنفاسه، فيتعرض للتفكيك أو لوضعية سائدة في بعض الأنحاء من بلدان العالم – ولكنها في لبنان الصغير لكانت وضعية مافياوية كاملة، حيث الفوضى و"الزعرنة" و"التشبيح" والسمسرة وتعطيل الحياة – ومِثال الكهرباء والمولدات على بساطته مُعبِّر - تسود كل تفاصيل الحياة اليومية، ومعها البؤس الشديد للأغلبية من اللبنانيين... ولعل تفاصيل المشهد مفهومة، وهي قائمة في بعض الأماكن من البلد.
لبنان: شراكة في النهب وفي القتل
19-08-2021
الوطني إذاً، اليوم - ووفق معطيات اليوم، أي هو تعريف لا ينطبق على كل زمان - هو من يرفض اعتبار ذلك عادياً، وجزءاً من "تقاليد" وخاصِّيات قائمة. إنها "لحظة" متولدة من تقاطع معطيات عديدة، منها ما هو إقليمي ودولي، ومنها ما هو محلي. الوطني اليوم هو من ينوي لملمة كل تلك التقرُّحات وكل ذلك العفن. أن ينوي أصلاً، ويعلن عن ذلك، فهي خطوة إيجابية فعلاً لأنها تُحدِّد الوجهة. وهو سيواجه مقاومة عنيدة من المستفيدين من واقع الحال الممتد، الذين لا "يشبعون". وعلى الرغم من ذلك، فالمحاولة جديرة بالاحترام والدعم، وقد يساعدها مستوى الإرهاق الذي وصل إليه اللبنانيون العاديون، وليس طبقة المافياويين بالطبع، وهي على تدرجاتها تبقى واسعة.
وأما كيف ومن أين، فهو باب قائم بذاته، ولا يمكن أن يُبنى بشكل مستديم على العطايا والمساعدات المأمولة، التي يبررها اليوم العدوان الذي تعرّض له البلد والدمار الذي لحق به، وكذلك "العقوبات" التي مارستها كيدياً دول الخليج الثرية.
وإذا ما تحقق الأمر، ولو جزئياً، فذلك يدعو الى الحفر في مزايا لبنان، وتعزيزها، بحيث يمكن تطوير نشاطات وقطاعات لن تدر بالطبع ارباحاً مهولة – كما هو النشاط المافياوي، والذي يوزَّع فُتات منه، ويُشجَّع على محاكاته - ولكنها قد تتيح إمكانية العيش الكريم لابنائه. وهذا منعطف هائل!