مشروع قانون جديد للأحزاب في موريتانيا يثير الجدل والقلق

وُجه الانتقاد إلى وضع أمر حل الأحزاب بيد "وزارة الداخلية"، وليس "القضاء" في المقترح الجديد، والمطالبة بإحالة أمر حل الأحزاب إلى "القضاء"، حيث يضمن ذلك نوعاً من عدم توظيف الحكومة لهذه الصلاحية في صراعها السياسي مع منافسيها، ويُمكِّن من تطبيق أسلم للقانون.
2025-01-07

أحمد ولد جدو

كاتب ومدون من موريتانيا


شارك
قادة المعارضة في موريتانيا في أحد مهرجاناتهم

صادقت الحكومة الموريتانية في اجتماع مجلس الوزراء المنعقد يوم 25 كانون الأول/ ديسمبر2024 على مشروع قانون متعلق بالأحزاب السياسية، يهدف بحسب وزير الداخلية إلى تعزيز النظام السياسي في البلاد، من خلال تنظيم عمل الأحزاب السياسية، وضمان الشفافية والديمقراطية في أنشطتها، ويعكس التزام الدولة بتطوير الحياة السياسية وتشجيع المشاركة الفاعلة لجميع المواطنين.

إلا أن المشروع الجديد أثار الجدل بين الفاعلين في المشهد السياسي الموريتاني، حيث عَدّهُ بعض النشطاء السياسيين انتكاسة وتقييداً للحرية السياسية.

فماذا حوى هذا المشروع؟

تضمن المشروع الجديد مجموعة من التعديلات في "قانون الأحزاب"، طالت ترخيصها، ووضعت شروطاً جديدة لإنشاء أي حزب جديد، وكان في مقدمتها زيادة عدد أعضاء الجمعية العامة التأسيسية للحزب من 20 إلى 150 مواطناً، يمثلون كافة الولايات، هذا بالإضافة إلى الحصول على تزكية 5000 مواطن ينتمون بحسَب محل الميلاد إلى نصف ولايات البلاد على الأقل. كما اشترط المشروع الجديد ألاّ يقلّ عدد المنتسِبين في الولاية الواحدة عن 10 في المئة من العدد الإجمالي للمنتسبين إلى الحزب، وأن تمثّل النساء نسبة 20 في المئة على الأقل، من العدد الإجمالي لأعضائه، والإعلان عن احترام الحزب المتقدم للترخيص للوحدة الوطنية، والحوزة الترابية، وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومبادئ الديمقراطية، وكذلك الالتزام بأن يفتح مقرات في نصف ولايات البلاد على الأقل، بعد ستة أشهر من تاريخ ترخيصه. 

شهدت موريتانيا في صيف 2023، عقب الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الحالي -ووصفتها القوى المعارضة بالمزورة - احتجاجات أدت إلى مقتل ثلاثة متظاهرين، وقطعت السلطات على إثرها خدمة الإنترنت في عموم مناطق البلاد. وبعد هذا الاحتقان السياسي، تعهَّد "ولد الغزواني" بإجراء حوار سياسي شامل في البلاد.

وضم المقترح مضامين متعلقة بحل الأحزاب السياسية، فحدد للحل ثلاث طرق: أولها الإخلال بأحد الشروط الواردة في القانون، وثانيها الحل بقوة القانون، حين يعجز الحزب عن الحصول على 2 في المئة من الأصوات المعبّر عنها في اقتراعين محليين متتاليين، أما الحالة الثالثة، فهي الحل الذاتي. هذا بالإضافة إلى أنه لا يمكن لقيادة الحزب المحلول إنشاء حزب قبل خمس سنوات من حله، أما النواب والعمد والمستشارون البلديون والجهويون المنتسبون إلى حزب تمّ حله، فيمكن لهم أن يختاروا حزباً آخر ممثلاً في المؤسسات والانتساب إليه. وهذه الوضعية لا تعني الأحزاب المرخص لها حالياً، فهي ليست معنية بالإجراءات المحددة في المشروع الحالي، وإنما فقط بالتكيّف مع مقتضياته.

ردود فعل غاضبة

أحدث مشروع القانون الجديد حالاً من الغضب والانتقاد، حيث اعتبر معارضوه أن هدفه هو غلق الباب أمام من يطمحون إلى المشاركة في العملية السياسية والتنموية في البلد، ويعد تقييداً لحرية التجمع التي يكفلها الدستور الموريتاني، وطالبوا بسحبه وتعديله قبل عرضه على البرلمان. وقد انتقدوا بعض مضامينه، والطريقة التي أُعد بها، إذ اعتبروها أحادية، وغير تشاركية، ولا ديمقراطية.

جاء المشروع الجديد، بعد سلسلة لقاءات، عقدها وزير الداخلية الموريتاني مع أحزاب سياسية من الموالاة والمعارضة. وقد هاجم التعديلات المقترحة أطياف غابت عن تلك الاجتماعات وأخرى حضرتها، إذ اعتبر رئيس "اتحاد قوى التقدم" "محمد ولد مولود" أن اللقاءات مع وزير الداخلية لم تكن كافية لإشراك الأحزاب السياسية في وضع القانون، مضيفاً: "إذا كان الحوار الذي وعدنا به أوله هذا، فلا ينتظر منه شيء في آخره".

قضية الترخيص للأحزاب السياسية في موريتانيا تثير الجدل منذ وصول الرئيس "محمد ولد الغزواني" إلى الحكم، سنة 2019. فقد تعطّل ترخيص الأحزاب منذ مأموريته الأولى حتى اليوم، وهو ما اعتبر محاولة لخنق المشهد السياسي، وقولبته بشكل يناسب مزاج السلطة المحافِظة ولا يكدر صفوها.

تقلق الناشطين السياسيين سياسات أخرى متعلقة بالحريات، مثل سن القوانين المقيّدة للحريات كـ"قانون الرموز"، الذي يقيد انتقاد رأس الدولة، وكذلك استسهال قطع الإنترنت وتوقيف النشطاء السياسيين.

بدورهم أصدر النواب البرلمانيون المعارضون، "كادياتا مالك جاللو"، و"محمد الأمين سيدي مولود"، و"يحيى ولد اللود"، بياناً مشتركاً، قالوا فيه إنهم متمسكون بقانون الأحزاب الحالي، الذي لا يزال ساري المفعول. واتهم النواب الذين ينتظرون منذ زمن ترخيص أحزابهم وزارة الداخلية بأنها تعطل ترخيص الأحزاب السياسية في موريتانيا.

ومن الانتقادات التي وجهت إلى المشروع الجديد، اشتراط الشعبية الكبيرة على الأحزاب الناشئة من أجل ترخيصها، إذ أن ذلك يضع عراقيل جمة أمام الأحزاب الجديدة، التي قد لا تتمتع في البداية بشعبية واسعة، ولكنها تسعى إلى المشاركة الفعالة في العملية السياسية.

وكذلك تم انتقاد وضع أمر حل الأحزاب بيد "وزارة الداخلية"، وليس "القضاء" في المقترح الجديد، وتمت المطالبة ـ أيضاً ـ بإحالة موضوع حل الأحزاب إلى "القضاء"، حيث يضمن ذلك نوعاً من عدم توظيف الحكومة لهذه الصلاحية في صراعها السياسي مع منافسيها، ويمكن من تطبيق أسلم للقانون، وطالب البعض باعتماد نظام التصريح بدلاً من الترخيص، وفق الشروط التي يحددها القانون، والجمع بين مقتضيات تسهيل ممارسة العمل السياسي من دون اللجوء إلى الشروط المجحفة، مع ضرورة الحد الأدنى من الجدية وعدم التمييع. وكذلك انتقد تركيز المشروع الجديد على واجبات الأحزاب فقط من دون التطرق إلى حقوقها.

قلق وتخوفات

قضية الترخيص للأحزاب السياسية في موريتانيا تثير الجدل منذ وصول الرئيس "محمد ولد الغزواني" إلى الحكم، سنة 2019. فقد تعطّل ترخيص الأحزاب منذ مأموريته الأولى حتى اليوم، وهو ما اعتبر محاولة لخنق المشهد السياسي وقولبته بشكل يناسب مزاج السلطة المحافِظة ولا يكدر صفوها. وكذلك اعتبر نزوعاً إلى سياسة عدم السماح بالمشاركة السياسية للأطراف المغضوب عليها من النظام، إذ حدثت على طول فترة حكم الرئيس الموريتاني الحالي احتجاجات ومطالبات بترخيص الأحزاب الجاهزة، التي وضعت ملفات مكتملة عند وزارة الداخلية. ووجهت كذلك للسلطة انتقادات لتعاملها مع ملف ترخيص الأحزاب ، إذ يجري تعطيل "قانون الأحزاب" واقعياً بدون أي حق، وحرمان مجموعة من الملفات مكتملة الشروط من حقها في التنظيم والوجود القانوني، هذا يُضاف إلى سياسات أخرى، متعلقة بالحريات تقلق الناشطين السياسيين، مثل سن القوانين المقيدة للحريات كـ"قانون الرموز"، الذي يقيد انتقاد رأس الدولة، وكذلك استسهال قطع الإنترنت وتوقيف النشطاء السياسيين. وُيتوقعُ أن يُحدثُ تراكم ما سبق تجدد حال التوتر السياسي في البلاد، بعد هدوء ما بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

وتجدر الإشارة إلى أن موريتانيا قد شهدت في صيف العام الماضي، عقب الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها الرئيس الحالي، ووصفتها القوى المعارضة بالمزورة، احتجاجات أدت إلى مقتل ثلاثة متظاهرين، وقطعت السلطات على إثرها خدمة الإنترنت في عموم مناطق البلاد. وشهدت الدولة حينها احتقاناً سياسياً، حدث بعده هدوء وتعهُّد من طرف "ولد الغزواني" بإجراء حوار سياسي شامل في البلاد.

مقالات من موريتانيا

فيضانات الجنوب الموريتاني تشرد الأسر وتتلف الزرع

حدثت الفيضانات في أربع مناطق كبرى من موريتانيا: "سيليبابي"، و"كيهيدي"، و"لبراكنة"، و"روصو"، التي تمثل الأمن الغذائي للبلاد، كونها مناطق زراعية ورعوية، وبالتالي فجميع الولايات الموريتانية ستتأثر لترابطها، وكان تحرك الحكومة...

هل تحقق موريتانيا الاكتفاء الذاتي؟

على الرغم من أن هناك ملامحاً بدأت تتشكل لواقع زراعي مغاير بعض الشيء، وتحسّناً في جودة بعض المنتجات الزراعية المحلية، وتوافرها بشكل أكبر، إلا أن الفساد يظل مُنغِّصاً حقيقياً لطموحات...

للكاتب نفسه

فيضانات الجنوب الموريتاني تشرد الأسر وتتلف الزرع

حدثت الفيضانات في أربع مناطق كبرى من موريتانيا: "سيليبابي"، و"كيهيدي"، و"لبراكنة"، و"روصو"، التي تمثل الأمن الغذائي للبلاد، كونها مناطق زراعية ورعوية، وبالتالي فجميع الولايات الموريتانية ستتأثر لترابطها، وكان تحرك الحكومة...

هل تحقق موريتانيا الاكتفاء الذاتي؟

على الرغم من أن هناك ملامحاً بدأت تتشكل لواقع زراعي مغاير بعض الشيء، وتحسّناً في جودة بعض المنتجات الزراعية المحلية، وتوافرها بشكل أكبر، إلا أن الفساد يظل مُنغِّصاً حقيقياً لطموحات...