إعداد وتحرير: صباح جلّول
خصّص موقع "أفلامنا" منصّته في الشهور الثلاثة الأخيرة من العام 2024، ومنذ بدايات العدوان الإسرائيلي على لبنان، لعرض أفلامٍ مجانية ضمن برنامجٍ بعنوان "فِعل مقاومة ضروري"، وأعلن عن برنامجه لشهر كانون الثاني/ يناير من أفلامٍ فلسطينية ولبنانية مناضِلة، وثائقية طويلة وقصيرة[1]، ستكون متاحة للمشاهدة مجاناً على الموقع لشهر كامل تقريباً، بين الخميس 2 كانون الثاني/ يناير و28 منه.
تتضمّن هذه التظاهرة أفلاماً وثائقية مهمّة وتأسيسية للسينما الفلسطينية، مثل فيلم "ليس لهم وجود"(1974) و"مشاهد من الاحتلال في غزة" (1973)، وكلاهما من إخراج "مصطفى أبو علي"، السينمائي الفلسطيني الكبير الراحل، ومنها ما هو أحدث، كمجموعة أفلام قصيرة تتناول جوانب من حرب تموز/يوليو 2006 الإسرائيلية على لبنان.
"مشاهد من الاحتلال في غزّة" (1973)
فيلم قصير يقع في 13 دقيقة فقط، لكنّ أهميته تتجاوز مدته في تكثيفه للحياة اليومية في غزة، الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967، غزة التي تضيق ذرعاً بقمع الاحتلال وبطشه، والتي تغلي في أدق تفاصيلها نارُ ثورة على محتلها، على وقع أغانٍ فلسطينية نضالية حُبكت مع القصص التوثيقية لتلك المرحلة من حياة غزّة. تتأتّى أهمية الفيلم في كونه من الوثائق القليلة عن تلك المرحلة، وأحد أول الأفلام عن غزة المحتلة، ولكونه الفيلم الوحيد الذي أنتجته "مجموعة سينما فلسطين"، التي أسسها مخرج الفيلم، "مصطفى أبو علي" (وتحوّلت لاحقاً إلى "معهد سينما فلسطين")، وبشكل خاص لاستخدامه لغة توليفية تجريبية تستكشف طرقاً "تثويرية" في المونتاج، باستعماله مشاهد صوّرها فريق أخبار فرنسي وإعادة توليفها على شريط صوتي يعيد لقصة الفلسطينيين في الفيلم "فلسطينيتها" ومعناها السياسي والعاطفي.
____________
من دفاتر السفير العربي
كاميرات نساء فلسطين وشاشاتهن
____________
يُعتبر الفيلم نادراً لاختفائه أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، قبل إيجاد نسخة نجحت مجموعة سينمائية يابانية في حفظها وترميمها بشكلها الحالي. فهذه الأفلام أيضاً قصة مقاومة ونضالٍ ضد المحو ـ هواية الاحتلال المفضلة.. في عام 1985، فُقد أرشيف "وحدة أفلام فلسطين" من مخازنها التي تنقلت غير مرّة خوفاً على ضياع الأفلام. قيل حُرق وقيل استولت عليه ميليشيات لبنانية، ويرجِّح بعض الباحثين أن جيش الاحتلال تمكّن منه.
"ليس لهم وجود" (1974)
تلك مقولة رئيسة وزراء دولة الاحتلال الإسرائيلي "غولدا مئير" يوماً. كان هذا نهجاً تأسيسياً ووجودياً لإسرائيل، مستمراً، جليّاً في الإبادة الحالية لقطاع غزّة. "ليس لهم وجود"، ولهذا فكل الدم المسفوك ليس دماً، كل إنسان مذبوح وطفل مجوّع، ليسوا بشراً، ليسوا أطفالاً، ليس لهم وجود؟ يسأل فيلم المخرج الكبير "مصطفى أبو علي" في طياته "من هؤلاء الذين يُقتَلون إذاً؟ مَن تقصف إسرائيل؟ من تدمّر؟ مَن تبيد؟"...
يكمل الفيلم مسيرة البحث عن لغة سينمائية نضالية يحاول الكشف فيها عن فصول نضال شعبٍ "ليس له وجود"، في تسع لوحات أو فصول، تتبع تدمير مخيم النبطيّة للّاجئين الفلسطينيّين في جنوب لبنان، وتسرد قصة عن العلاقة الخاصة بين الفلسطينيين الذي يحاولون الاستمرار يوماً بيوم، وبين فدائيي هذا الشعب الطالِعين من صفوفه، من خلال قصة هدية بسيطة ترسلها طفلة إلى فدائي.
هذا الفيلم هو من إنتاج "وحدة أفلام فلسطين" التي تأسست لتكون ذراعاً سينمائياً للثورة الفلسطينية، مدفوعة برغبة بضعة سينمائيين في أن يكونوا جزءاً من النضال بلغةٍ جديدة "تحريضية" ومقاوِمة، لا تخشى التجريب.
ومن الأفلام الفلسطينية المعروضة أيضاً "أطفال ولكن" للمخرجة الفلسطينية "خديجة حباشنة"، وهي زوجة المخرج "مصطفى أبو علي" التي سعت بجهود جبارة لاستعادة أجزاء من الأرشيف المفقود للسينما الفلسطينية. ويتناول الفيلم حياة مجموعة من الأطفال في مخيم "تلّ الزعتر"، بعد أن فقدوا والديهم أثناء حصار عام 1976.
وأفلام لبنانية قصيرة..
يعرض البرنامج أيضاً أفلاماً أنتجها مخرجون ومخرجات لبنانيون عقب حرب تموز/يوليو 2006 المدمِّرة على لبنان، منها فيلم "ما بعد" لـ"غسان سلهب"، وهو شريط توثيقي لدمار ما بعد الحرب، وفيلمي "15 آب - مدرسة رمل الظريف" و"بنت جبيل -محمد- جنوب لبنان" للمخرجة "رانيا أسطفان"، الذي يتناول أولهما يوميات نازحين من الجنوب والمناطق التي تتعرض للقصف الإسرائيلي، لجأوا إلى مدرسة رسمية في بيروت، بقالب يخلو من النهش التطفلي لمأساة النزوح، فيما يتحدث الثاني عن يوميات الصامدين ووسائل صمودهم اللاتقليدية، وصولاً إلى النكتة.
ومن الأفلام المعروضة: "وجوه تصفّق لوحدها" لـ"أحمد غصين"، "من بيروت إلى.. "يللي بيحبّونا""، وهو فيديو من إنتاج "أفلامنا"، بالإضافة إلى الفيلم القصير، "بلا عنوان - رسالة إلى اللبنانيين" للفنان "علي شرّي" عن قطع إسرائيل للبث الإذاعي في لبنان لبث رسائلها المسمومة إلى اللبنانيين.
تبدو هذه الأفلام في اللحظة الحالية شديدة القتامة التي نعيشها، نافذة على واقعنا الممتدّ، إذا ما أطلّ المرء برأسه منها، رأى نضال الأفراد والجماعة، صمودهم، ضعفهم وقوتهم، والبطش اللامحدود لآلة الحرب الإسرائيلية وأنماطها المتكررة.
الآن، فيما نستقبل عاماً جديداً محمَّلين بكلّ ثقل مراثي العام السابق، بل السنوات الـ76 السابقة من وجود وحش الاحتلال بيننا، وخلال شوارعنا، وفوق رؤوس أهالينا، لا يبدو ثمة متّسع لما اتفق العالم عُرفاً على الاحتفال به. سنة جديدة، همومٌ قديمة، نضالٌ لا ينتهي، وواجبٌ دائم للاستمرار، على عكس رغبة الوحش. نهدي أنفسنا وقراءنا هذه الأفلام، ونضمّ صوتنا إلى "أفلامنا" في تقديمهم لبرنامج "فعل مقاومة ضروري": "نأمل ألّا تكون هذه الأفلام مجرّد صرخة في الفراغ، بل نريدها أن تسترجع صورتنا التي تمّت مصادرتها، نريدها أن تزرع الأمل وتساهم في النّضال الحقّ. شاهدوها وانشروها واجعلوا منها إلهاماً على المقاومة"...
__________________
-
يمكن الاطلاع على جميع هذه الأفلام قبل 28 كانون الثاني/يناير 2025 على الرابط التالي: