إعداد وتحرير: صباح جلّول
أين تذهبُ اللوحات والألوان بعد أن يدمرها الاحتلال؟ في أي مقبرة تُدفن، ومَن يُعرّج عليها زائراً؟ من يرثي فقدها، أو لماذا نرثي فقدها طالما أن المقاومة باستعادتها – وإن جزئياً – واجبة وممكنة؟
هذه الأسئلة هي قوام المشروع الذي أطلقته منصة "آرت زون فلسطين" الرقمية لجمع أعمال الفنانين الفلسطينيين، وهذه المرة بتركيزٍ على تلك الأعمال التي محاها الاحتلال أو خرّبها أو فقدها أصحابها بفعل الحرب الإبادية الإسرائيلية، وكذلك على الأعمال الفلسطينية المهمّشة والمنسية. تَعتبر المبادرة أن هذا الجهد يدخل في باب مقاومة محو الأثر الفلسطيني، ومنه الأثر الفنّي والثقافي، الغني والغزير والمتجدد.
فكرة المبادرة سابقة للإبادة، فقد بدأت كمبادرةٍ لإحياء ذكرى الفنانة الفلسطينية المقدسية الشابة "ليان شوابكة" التي توفيت عام 2009 عن 20 عاماً فقط، بعد أن حازت على عدة جوائز فنية مهمة. ومن الرغبة بالتعريف بأعمالها، انطلقت مبادرةٌ أوسع وأشمل للتعريف بكل الأعمال الفلسطينية المخبوءة أو الممحوّة.
شاركتها صفحة "آرت زون فلسطين" مع شهادة من الرسامة جاء فيها: "كنت أعد هذه الأعمال لمعرض، ولكن عندما نشبت الحرب، لم أتمكن من أخذها معي لأنها كانت كبيرة جداً. غادرتُ دون شيء أثناء القصف، باستثناء الملابس التي كنت أرتديها..."
في التعريف عن الفنان على صفحة "آرت زون فلسطين": "نزح محمد وعائلته بداية الحرب إلى الجنوب، وذلك بعد تعرض بيت أخته وعائلته للقصف، وفقدانه 10 أفراد من العائلة من بينهم أخته وأبناؤها. لكنه عاد إلى غزة، حيث يعيش في خيمة، بعد أن تم قصف مرسمه وبيته وفقدانه الكثير من أعماله الفنية".
أطلقت "آرت زون فلسطين" بالنتيجة تظاهرة فنية بعنوان DNA تجمع ما يزيد على 500 عمل فني لـ19 فناناً من غزة، ممن أُبيدت أو فُقدت أعمالهم. بعض تلك الأعمال لم يبقَ منها سوى صور على هواتف أصحابها، تمّ جمعها وأرشفتها وعرضها لتكون في مأمن من المحو التام، بعناد يتحدّى رغبة الاحتلال.
وقد جاء في تعريف الموقع بمشروع "DNA: شيفرة حياة وهويّة":
"لطالما نزع الاحتلال الإسرائيلي لطبيعته الاستعمارية الاستيطانية إلى إزالة آثار الوجود الفلسطيني من على هذه الأرض. فإن لم تُسعفه وحشيته في محو وجوده وتغييبه تماماً، يقوم بدفعه نحو الهامش، سواء بسجنه وإخفائه وخنقه، أو بتهجيره وعزله ومحاصرته، أو بنفيه وإقصائه، ما يجعل هذا الهامش الذي يبدو هشاً، مرئياً وحاضراً كلما حدّقنا أكثر في تفاصيله. ولا تكفّ هشاشته تلك عن مقاومة مهمّة المحتلّ، وجعلها أكثر استعصاءً، لأنّ أثره كأثر الفراشة وأثر الجذور في التراب" .
تضع التظاهرة الفنية جهدها في سياق حرب الإبادة بكل أبعادها، ومن ضمنها الثقافية والفنية، وتطرح أسئلة مهمّة حول المكانة التي يمكن أن تحتلّها "النسخة" في حفظ "الأصل"، حينما يكون الأصل مهدداً أو مفقوداً، وإعادة التفكير بطرح "فالتر بنيامين" حول العمل الفني والاستنساخ في السياق الفلسطيني بالذات، حيث يضاف إلى نتائج الاستنساخ (لعملٍ مباد أو في في طور الإمّحاء) أنه آخر ما يتضمن البصمة الوراثية (ومن هنا اسم DNA) للعمل الأصلي، بحيث يصير بعثاً جديداً له، في وجه مساعي الاحتلال لإفنائه من الوجود. مهما بلغت نسبة ما ضاع من هذه الأعمال، فما بقي ومَنْ بقي يقول "نحن هنا". تصير مشاهدة هذه الأعمال، البحث عنها، ومشاركتها بمثابة بثّ الروح فيها.