أوقف "سعيد" سيّارته بالقرب من باب المطار، ليَقلّ أحد أقربائه، القادم من رحلة جوّية. ولم ينتبه إلّا وهو بين يديْ "ريّا"، و"سْكينة" "تاكسيات" المطار، متلقّياً كمية معتبرة من اللّكمات. لماذا؟ لأنّهم ظنوا أنّه من سائقي "تطبيقات النّقل" التي يرون أنّها تزاحمهم في رزقهم، بأسعار وخدمة تنافسية.
انتهت الواقعة في مركز الشّرطة، بمحاضر شاهدة على صراع مستمر بين "التّاكسيات" وسائقي "تطبيقات النّقل". لم يكن "سعيد" مذنباً باتباع دينِ "التطبيقات"، لكنه وجد نفسه في معركة لا ناقة له فيها ولا جمل.
وعلى الرغم من أن تطبيقات، مثل: "أوبر"، و"إن درايفر"، و"كريم" دخلت إلى المغرب، كما فعلت في بقية دول العالم، لتحلّ مشاكل مهمة في المدن، لكنها خلقت كثيراً من الجدل، لأن فوائدها مصائب عند التاكسيات.
حدثت القصة في مطار مدينة "طنجة"، لكن خلال السّنة نفسها، وفي "الدار البيضاء"، تم اعتقال حوالي عشرين شخصاً من الطرفين، بعد أن دخلوا في مواجهة عنيفة على خلفية الموضوع. هي معركة متعدّدة الجبهات حول الحق في النّقل، بينما يتبع المواطنون ما يناسب جيوبهم وظروفهم، بغض النظر عن اللافتة المرفوعة على سيارة النقل.
لا للشوارع الفرعيّة
رفع "الزّعماء" العرب منذ قمة الخرطوم عام 1967، ولعقود من الزّمن، لافتة "اللّاءات" الثلاث الشّهيرة: "لا صلح، لا اعتراف، لا تفاوض". قبل أن تحلّ "النَّعَمات" الحارّة مكانها. ويرفع سائقو التاكسيات الصّغيرة لاءات أخرى أمام الزبون، فيرفضون المرور بأحياء معيّنة، أو إيصال الزبائن إلى باب البيت، لأنّ الدّخول إلى الأحياء والأزقة، يُضيع ساعات عملهم، في رأيهم. ولهذا فإنّ أول قاعدة لدى التاكسيات هي رفض إيصال الزبائن إلى البيت، والاكتفاء بوضعهم في أقرب شارع رئيسي. حتى لو كان لدى أحدهم حال خاصة، تفرض الوصول به إلى أمام باب البيت، مثل أحوال: مرض، أو سفر، أو عودة في وقت متأخر ليلاً.
حدثتْ مع "فاطمة" قصة غريبة لمّا كانت عائدة من سفر، مع حقائب ثقيلة. ركبت تاكسي من محطة الحافلات، ورفض السّائق إدخالها إلى الشّارع الجانبي حيث يقع بيتها. وأصرّ على إنزالها في الشّارع الرئيسي القريب... ليتركها مع حقائب يستحيل عليها جرّها على بُعد مئة متر من البيت.
"ششش" يا غزالي .. لستُ ذئباً
16-05-2024
فرفضت النّزول، وأصرّ هو على عدم إدخالها إلى حيّها ... ذهبا معاً بعد إلحاحها على ذلك، ورفضها النزول من السيارة، إلى مركز الشرطة. حضر رجال الأمن معهما إلى "مسرح الجريمة"، لحل المعضلة والتثبت من سبب رفض السائق الدخول إلى الحي. الطّريف والمثير للسخرية أن السائق ظل رافضاً الاقتراب من منزلها، حتى تحايل عليه رجال الشرطة، ورأى أنه خاسر في كل الأحوال.
للتاكسي الصغير الحق بنقل ثلاثة أشخاص على الأكثر فقط. لكن، يرفض السّائقون حمل ثلاثة أشخاص دفعة واحدة، لأن ذلك خسارة عليهم، فيما يمكن الاستفادة من راكبين أو راكب واحد، ليُتاح المجال لراكبين أو راكب آخر، مما يضاعف الربح. فتقف أمّهات بطفلين طويلاً، قبل أن يُشفِق أحدهم عليهم.
في ساعة تغيير "الشّيفتات" (الدوريات)، بين الساعة الواحدة والثانية ظهراً، لا يقف تاكسي لك مهما ألححتَ في التلويح، إلى حدود الساعة الثانية والنّصف، بعد أن يستلم أهلُ المساءِ سيارة الخدمة من أهلِ الصّباح. في تلك الفجوة نحتاجُ إلى بدائل، قدمتها "تطبيقات النقل" لفئة عريضة من الناس تخرج في تلك الساعة.
لم تنتصر "فاطمة" في هذه الرحلة، لأنه دفّعها ثمن المعركة كاملة، أي منذ لحظة ركوبها إلى لحظة نزولها، بعد رحلة المعاندة. بلا شك، هناك سائقون يدخلون الزبائن إلى أحيائهم، إذا كانوا قادمين من سفر، أو عائدين ليلاً، خاصة النساء. لكن منذ تلك التجربة، تشترط "فاطمة" على السائق لحظة ركوبها، وهي قادمة من سفر أو عائدة متأخرة إلى البيت أن يتعهد بالوصول بها إلى أمام البيت، حتى لا تقع في موقف كهذا مرة أخرى.
بينما يلتزم سائقو "تطبيقات النقل" بإيصال الراكب إلى وجهته كاملة. حتى لو كان يحمل راكباً آخر معه، لأن مسألة التّنقيط تقيّدهم، فيحافظوا نسبياً على معاملة معقولة. لكن هذا لا يعني أنهم يلتزمون كلّهم بهذا الوعد. فكثير منهم يطلبون مبلغاً يزيد على المتفق عليه، متحجّجين بالسبب نفسه، أي الوقت الإضافي الذي يستغرقه الوصول بك إلى أمام منزلك.
لا لثلاثة ركاب
"اللّا" الثانية عند سواق التاكسي الصغير، هي عدد الركّاب في الرحلة الواحدة. ولأنّ لهم الحق بنقل ثلاثة أشخاص على الأكثر فقط، يرفض السّائقون حمل ثلاثة أشخاص دفعة واحدة، لأن ذلك خسارة عليهم، فيما يمكن الاستفادة من راكبين أو راكب واحد، ليُتاح المجال لراكبين أو راكب آخر، مما يضاعف الربح. فتقف أمّهات بطفلين طويلاً، قبل أن يُشفِق أحدهم عليهم. على الرغم من أن القانون يلزم التاكسيات بالوقوف لكل الزّبائن، لكن أين القانون من العشوائية في قطاع النقل؟
لا أحياء "سوداء" ولا نقل في الظهيرة
"اللّا" الثالثة، هي ساعة تغيير "الشّيفتات" (الدوريات)، وهي بين الساعة الواحدة والثانية ظهراً، فلا يقف تاكسي لك مهما ألححتَ في التلويح، إلى حدود الساعة الثانية والنّصف، بعد أن يستلم أهلُ المساءِ سيارة الخدمة من أهلِ الصّباح. في تلك الفجوة نحتاجُ إلى بدائل، قدمتها "تطبيقات النقل" بعد عمر طويل، لفئة عريضة من الناس تخرج في تلك الساعة.
إلى جانب "لا" أخرى تمسّ فئة أقل، وهي رفضُ بعض الوِجهات، إما لكونها شديدة الازدحام أو لكونها نائية، وقليلاً ما يتاح للسّائقين الاستفادة فيها من راكبين آخرين.
الأشرار في رواية نقابة سائقي التاكسيات
يلوم سائقوا سيارات الأجرة أصحاب الرّخص التي يعملون عليها، لأن "الرّوسيطة" أو المبلغ اليومي اللّازم تسليمه إليهم مرتفع، وعليهم التصرف ببراغماتية لربح مبلغ معقول، يُبقي لهم القليل بعد حذف مبلغ "الرُّوسيطة". مما يدفعهم إلى اعتناق مبدأ "اللّاءات" سابق الذكر.
كما يعاني السائقون من تملص أصحاب رخص التاكسي من تسجيل السائق في الضمان الاجتماعي، أو ربطه بعقد عمل. ولم يصبح متاحاً لهم الاستفادة من التغطية الصحية إلا منذ عام 2021، مع إقرار قانون يتيح لهم التسجيل الذاتي، ودفع تعويضات التغطية بأنفسهم.
ويصر السائقون على عدم وجود أي نقص في وسائل النقل، بل المشكل في التدبير. لذا يجب أن تعمل "التطبيقات" مع "سائقي التاكسيات"، لا مع "الدخلاء على المهنة". خاصة أن سائقي التاكسيات لا يملكون بدائل أخرى للعمل، ولا مصادر أخرى للدخل.
عندما يشتبه سائقو التاكسيات بأحدهم في أنه سائق تطبيقات، يقومون فوراً بمحاصرة السيارة "المشبوهة"، وإخبار الشرطة، "لحماية قوت يومنا"، بحسب بعض السائقين. وتقوم الشرطة بحجز رخص السواقة والسيارات، لمن يتم توقيفهم وهم يقومون بالنقل من دون رخصة.
مع العلم أن أول تطبيق نقل في المغرب وهو تطبيق "كريم"، بدأ مع التاكسيات، لكن الشركة وسّعت النطاق إلى غيرهم، بسبب أن التاكسيات لم يتخلوا عن طريقة عملهم حتى تحت راية هذا التطبيق، والمتّسمة بالإصرار على "اللاءات" السابقة، بحسب رأي المسؤولين في هذه التطبيقات، مما اضطرها إلى الاستعانة بسائقين خواص لا موانع عندهم.
"يا مأمِّن لسائقي التطبيقات يا مأمِّن للمية بالغربال"
تزعم الشائعة أن سائقي التطبيقات غير آمني الجانب، فلا شروط لقبولهم ضمن الخدمة، مثلما هي على سائقي التاكسيات، الذين عليهم تقديم شهادة الخلو من السوابق الجنائية. لهذا فهم ليسوا موثوقي الجانب. فأيّاً كان يمكن أن يصير سائق "إن درايفر"، ويمكن أن يتصرف على راحته. ولكن مشهد سائق تاكسي يضرب سيدة تخاصَم معها على درهم فارق عن السعر المعتاد، بدّد هذه التهمة، وساوى بين الجميع في إمكانية إساءة التصرف ونسب الخطر.
يلوم سائقوا سيارات الأجرة أصحاب الرّخص التي يعملون عليها، لأن "الرّوسيطة" أو المبلغ اليومي اللّازم تسليمه إليهم مرتفع، وعليهم التصرف ببراغماتية لربح مبلغ معقول، يُبقي لهم القليل بعد حذف مبلغ "الرُّوسيطة".
وعندما يشتبه سائقو التاكسيات بأحدهم في أنه سائق تطبيقات، يقومون فوراً بمحاصرة السيارة "المشبوهة"، وإخبار الشرطة، لحماية "قوت يومنا"، بحسب بعض السائقين. وتقوم الشرطة بحجز رخص السواقة والسيارات، لمن يتم توقيفهم وهم يقومون بالنقل من دون رخصة.
والسبب أن تقديم خدمة نقل الأشخاص من خلال الأنظمة والوسائط الرقمية الحديثة بدون ترخيص، يعتبر نشاطاً مخالفاً للقانون، الذي ينص على ضرورة حصول السائقين الممارِسين لأنشطة النقل المهني على بطاقة السائق المهني، وعلى ترخيص مسبق لممارسة هذا النشاط، وعلى تراخيص خاصة لكل سيارة تُستغل لهذا الغرض.
مع العلم أن إيجابيات "تطبيقات النقل"، خاصة "إن درايفر"، قد قلّت، بعد رفع الأسعار، لتقترب من أسعار خدمة التاكسي بعد أن كانت أقل من النصف.
مشاكل متراكمة وحلول مستجدة غير مقننة
قبل "التطبيقات"، كان الناس يحلون مشاكل التنقّل بالنّقل السري، أو "سُرّاق البلايص"، وتعني سرقة المقاعد، لأنهم سائقون غير مسموح لهم العمل في نقل الأشخاص. ويعمل هؤلاء، معظم الأحوال، في المناطق القروية، أو التي تنقل داخل هذه المناطق، لغياب أو قلة وسائل النقل فيها. حيث يتواجد القليل جداً من التاكسيات الكبيرة "التي تسع 6 أشخاص وتعمل بنظام الوجهات الثابتة"، والحافلات. ويشتغل "سرّاق البلايص" على سيّارات متهالكة، ويحملون أكثر من الحمولة القانونية للسيارة، لتخفيض الكلفة على الركاب.
بؤس مقصورة الشعب في الصيف
29-07-2015
وفي آخر ما استجد في موضوع "تطبيقات النقل"، حذّر وزير الدّاخلية الصيف الماضي، الشركات التي تقدم خدمات الوساطة في مجال النقل عبر "التطبيقات الذكية"، بدون ترخيص النقل، من عقوبات صارمة قد تطالها. لكن لم يتم سنّ أي قانون في هذا الشأن إلى حد الآن.