تسعى السلطة المصرية الحالية إلى إعادة تشكيل العمران في القاهرة الكبرى بما يتناسب مع وجهتها الاستثمارية، إذ أطلقت "استراتيجية التنمية العمرانية للإقليم"، وبدأت في تنفيذها عبر تهجير قسري لسكان مناطق فقيرة، لكنها مميزة جغرافياً، مثل "مثلث ماسبيرو" "وسط القاهرة"، أو من خلال هدم "مقابر صحراء المماليك" تحت ذريعة توسعة وإنشاء شبكة طرق جديدة. ولم تقتصر خطة السلطة على ذلك، بل سعت مؤخراً إلى استغلال أراضي "طرح النيل" الواقعة على طول المجرى الملاحي، بين منطقتي: "شبرا" في شمال العاصمة و"حلوان" في جنوبها [1].
ومن المناطق التي تعمل سلطة القاهرة على تحويلها إلى ساحة استثمارية وسياحية، منطقة "القاهرة التاريخية"، عبر ما تعتبره إعادة إحياء جزء مهم منها، وهو ذاك الذي تَشّكل بفعل عمليات ترسيب قديمة لـ"نهر النيل". تظهر الخرائط والوثائق القديمة أن مناطق مثل "الأزبكية" و"باب اللوق" كانت في الأصل أراضيَ زراعية تشكلت بفعل ترسبات سابقة، ثم جاء فيضان نهر النيل ليحدث تغييراً جذرياً فيها. ففي العام 688، أضاف النهر أراضيَ جديدة في منطقة "السيدة زينب"، بينما شهد العام 941 ظهور أراضٍ تقع بين تقاطع شارعي "التحرير" و"محمد فريد" الحاليين، وجامع "الطيبي" في شارع "الديورة". وفي العام 1126، ربطت ترسبات جديدة الأراضي السابقة ببعضها، مكوِّنة منطقة تمتد بين "جامع الطيبي"، وشارع "عرابي"، وشارع "رمسيس"، توسعت لاحقاً في العام 1252 لتشمل شارع النباتات في "جاردن سيتي" والمناطق التي يمر بها شارع "محمود بسيوني"، وشارع "شامبليون"، ومنطقة "معروف"، قرب مقر "نقابة الصحافيين المصريين"، و"دار القضاء العالي" الحاليين.
ثم، في العام 1271، توسعت الأراضي بين جامع "سليمان باشا" الفرنساوي على "كورنيش النيل"، ونقطة التقاء شارع "ميريت باشا" بشارع "رمسيس". وفي العام 1281، تشكلت منطقة "بولاق" بأكملها، التي تقابلها حالياً "وزارة الخارجية" المصرية، إضافة إلى جزء من "الأزبكية"، وميدان "رمسيس"، وأرض "السيالة"، وشارع "جزيرة بدران" في حي "شبرا".
في قلب القاهرة، وعلى "كورنيش النيل"، في جزيرة "منيل الروضة"، يقبع المبنى القديم لكلية السياحة وإدارة الفنادق التابعة لجامعة "حلوان"، التي مثّلت بداية الدراسة الأكاديمية لعلوم السياحة والفندقة، منذ ستينيات القرن الماضي. وإلى جوارها شُيّدت أندية القضاة، و"نادي أعضاء هيئة التدريس في جامعة القاهرة"، وحديقة "أم كلثوم" و"نادي هيئة النيابة الإدارية"، إضافة إلى "المسرح العائم"، الذي ينفرد بوجوده في عموم مصر.
وتثير السياسات التنموية التي تتبناها السلطة المصرية كثيراً من الجدل حول مدى توازنها بين تحقيق التطور الاقتصادي والحفاظ على الهوية الاجتماعية والبيئية للمناطق المستهدَفة. فبينما تسعى السلطة إلى جلب استثمارات ضخمة لدعم المشروعات التي تصفها بـ "القومية"، إلا أنها غالباً ما تأتي على حساب الأصول الثقافية والاجتماعية القائمة، والبيئة الطبيعية والزراعية، خاصة وأن أراضي "طرح النيل" تحمل فوقها منشآت اجتماعية وثقافية تدعم جانباً من الترفيه للطبقات المتوسطة والفقيرة، بتكلفة تناسب دخولهم المنخفضة، كما أن الشريط الممتد من منطقة "المعصرة" إلى "حلوان" يحوي أراضيَ زراعية قديمة، ما يعني أن تجريفها سيؤدي إلى تقليل المساحات الخضراء في العاصمة، التي صارت مختنقة بالإسمنت.
هذا التحول الجذري في استخدام أراضي "طرح النهر" يثير تساؤلات حول حقوق المجتمعات المحلية، ويدفع محللين وسياسيين إلى مطالبة السلطة بتحقيق التوازن بين تطوير البنية التحتية وتعزيز الاقتصاد من جهة، والحفاظ على النسيج الاجتماعي والهوية الثقافية والبيئية من جهة أخرى.
فماذا يدور في القاهرة بالتحديد؟
في قلب العاصمة القاهرة، وعلى "كورنيش النيل"، في جزيرة "منيل الروضة"، يقبع المبنى القديم لكلية السياحة وإدارة الفنادق التابعة لجامعة "حلوان"، التي مثّلت بداية الدراسة الأكاديمية لعلوم السياحة والفندقة في مصر، منذ ستينيات القرن الماضي. وإلى جوارها شُيّدت أندية القضاة، و"نادي أعضاء هيئة التدريس في جامعة القاهرة"، وحديقة "أم كلثوم" و"نادي هيئة النيابة الإدارية"، إضافة إلى "المسرح العائم"، الذي ينفرد بوجوده في عموم مصر، وفاقت قيمته الجانب الفني، إذ أن ساحته كانت مسرحاً للاجتماعات السرية لبعض أعضاء "مجلس قيادة الثورة" في خمسينيات القرن الماضي[2].
وقد خصصت محافظة القاهرة أرض "المسرح العائم" أو "مسرح فاطمة رشدي"، على "كورنيش نهر النيل"، في "منيل الروضة"، بموجب حق انتفاع، إذ أنها كانت تتصرف بتلك الأراضي المتاخمة للمجرى النهري. في تسعينيات القرن الماضي أثيرت "قضية أرض المسرح العائم" للمرة الأولى، حين شملت توصيات مسؤولين في "مؤتمر المسرح الرابع" في العام 1997، مقترحات هياكل تنظيمية لمسارح الدولة على ثلاثة مستويات: المسارح المغلقة، والمفتوحة، والمتنقلة، مطالبين باستصدار قرار من الجهات المختصة لتخصيص أرض "المسرح العائم" لـ"وزارة الثقافة"، لتعزيز سلطتها على مسارحها.
في تشرين الأول/ أكتوبر المنصرم، أعلنت إدارة "كلية السياحة" في جامعة القاهرة عن تلقيها خطاباً من مدير "إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة" (صدر البيان على الصفحة الرسمية للكلية، لكن سرعان ما حُذف بعد ضغوط واجهتها)، يقضي بإلغاء وعدم تجديد عقود حق الانتفاع لجميع أراضي طرح النهر، من "شبرا" إلى "حلوان". وشمل القرار عدة منشآت منها: "كلية السياحة والفنادق"، و"المسرح العائم"، و"نادي شرطة المسطحات المائية"، و"حديقة أم كلثوم"، ونواديَ أخرى على طول المجرى الملاحي، مع التوجيه بضرورة نقل المتعلقات على الفور، وإخلاء تلك المساحات. أيضاً، صدر بيان من "نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة" في هذا الصدد.
تعلن السلطة في مصر عن أنها في طريقها إلى هدم كافة المنشآت على طول المجرى النهري، وطرحها أمام مستثمرين للاستفادة من ضخ أموال إضافية تسهم في مشروعات السلطة "القومية"، التي لا تفيد المواطنين أنفسهم في شيء، وتزيد من حجم القروض التي تدفع القاهرة إلى مزيد من الاستدانات، تتحملها جيوب المواطنين خاصة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، بلا عائد يذكر.
تثير السياسات التنموية التي تتبناها السلطة المصرية كثيراً من الجدل حول مدى توازنها بين تحقيق التطور الاقتصادي، والحفاظ على الهوية الاجتماعية والبيئية للمناطق المستهدَفة. فبينما تسعى السلطة إلى جلب استثمارات ضخمة لدعم المشروعات التي تصفها بـ "القومية"، إلا أنها غالباً ما تأتي على حساب الأصول الثقافية والاجتماعية القائمة، والبيئة الطبيعية والزراعية.
سبق ذلك، أن نشر عدد من المهتمين بالشأن الثقافي والفني، كتاب الأمانة العامة لوزارة الدفاع، الموجه إلى رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة في أيلول/ سبتمبر الماضي، بشأن قيام "جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة" بإلغاء وعدم تجديد عقود الانتفاع بجميع أراضي طرح النهر، في المنطقة المخططة لتطوير "مستشفيات قصر العيني"،
في "جزيرة الروضة"، ومنها "المسرح العائم/ فاطمة رشدي". ووجه الكتاب الموقَّع من مدير "جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة"، باتخاذ اللازم لنقل "المسرح العائم" ومتعلقاته خلال أسبوع، والتوجه إلى مقر "جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة" لسداد المستحقات المالية للدولة، عن التواجد عليه حتى 30 أيلول/ سبتمبر الماضي.
وأعلن الجهاز المؤسَّس بقرار جمهوري رقم 531 للعام 1981، في آذار/ مارس 2023[3]، عن وضع بعض أراضي "طرح النيل" للاستغلال في أنشطة سياحية، داخل نطاقات تقع ضمن "القاهرة الكبرى". سبقه إعلان آخر في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2022، يعرض فيه أراضيَ أخرى للاستثمار في تلك المناطق نفسها، إضافة إلى مناطق: "الورّاق"، و"المنيب"، و"جاردن سيتي"، و"الدقي"، و"العجوزة". وبحسب تعريف الجهاز على موقعه الرسمي، فإن مهمته تتمثل في تأسيس الشركات بكافة صورها، منفرداً أو بمشاركة مع رأس المال الوطني أو الأجنبي، واستغلال أراضى القوات المسلحة بالبيع/ الإيجار بعد التصديق، وتقنين أوضاع أراضي وضع اليد المعتدى عليها من قبل بعض المواطنين، إضافة إلى إدارة أراضي "طرح النهر" والعائمات في القطاع، من "شبرا" حتى "حلوان"، ومشاركة شركات التطوير العقاري في أراضي القوات المسلحة لإنشاء مشروعات استثمارية، إلى جانب عدد من المهام التمويلية الأخرى.
الأرض في مصر: صراع النفوذ والثروة والبقاء
15-04-2019
وقد وُقِّع بروتوكول بين "جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة"، و"وزارة الري"، للانتفاع بالمسطحات المائية شرق وغرب "نهر النيل" في المنطقة نفسها. بناء عليه، أسس الجهاز "وحدة أراضي طرح النهر"، وبدأ في تنظيم مزادات لاستثمار تلك الأراضي، لتأسيس كافيهات ومراكز سياحية، على الرغم من وجود أندية ومنشآت حكومية قديمة في تلك المناطق. ما يطرح تساؤلات حول آلية التخطيط التي ينتهجها الجهاز لتلك الأراضي، وعدم مراعاته الأبعاد التاريخية والثقافية والاجتماعية لها، في الوقت الذي تطل فيه الحكومة لتؤكد أن ذلك يجري وفق رؤيتها في إعادة تخطيط المدينة، وتقييم أصولها وطرحها للاستثمار المباشِر. وهو ما أكده بيان صدر عن الناطق الرسمي لمجلس الوزراء في نيسان/ أبريل الماضي، حين أعلن عن طرح أصول تتضمن مبانيَ وأراضيَ غير منتقلة للعاصمة الإدارية الجديدة، تتبع جهات ومؤسسات حكومية ومطلة على مجرى النيل بين محافظتي القاهرة والجيزة، للاستثمار في بعضها، وزيادة عدد الغرف الفندقية في مناطقها، في حين تُنْقل تبعية البعض الآخر إلى "صندوق مصر السيادي" الذي صار اسمه مرادفاً لصفقات بيع واسعة، ربما وصل بعضها إلى "القاهرة التاريخية" أيضاً، مثل "مجمع التحرير" و"حديقة ومبنى الحزب الوطني" المنحل، وغيرها من المنشآت.
مَن المستفيد مِنْ تلك التحركات ؟
يبدو أن سلطة القاهرة ماضية في مخططها من دون مراعاة لاحتجاجات المواطنين. إذ أنه وبحسب تقرير معدّ من قبل "وزارة الإسكان" المصرية، متمثلة في "هيئة التخطيط العمراني" و"برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية" ("الموئل") و"البرنامج الإنمائي الدولي"، فإن استراتيجية التنمية العمرانية لإقليم "القاهرة الكبرى"، التي تتبناها السلطة في مصر، تهدف إلى تحويل الإقليم إلى بيئة مستدامة قادرة على تحقيق التنافسية الاقتصادية. وتمثل إعادة توزيع السكان على الإقليم من خلال نقلهم من مناطق غير آمنة/ غير مخططة/ عشوائية إلى الظهير الصحراوي أو حدود الإقليم، للسكن في مشروعات سكنية مخصصة مثل "الأسمرات"، واحداً من أبرز الأسس التي تُبنى عليها رؤية السلطة في المشروع. وهي تتبنى أيضاً إنشاء شبكة طرق بين المناطق القديمة والجديدة في الإقليم، إضافة إلى تحويل الإقليم إلى مقصد سياحي واقتصادي. وترتكز الرؤية على ثلاثة مبادئ: العدالة الاجتماعية، والتنافسية الاقتصادية، والاستدامة.
أراضي "طرح النيل" الناتجة عن ترسبات النهر على مر الزمن، تحمل فوقها منشآت اجتماعية وثقافية تدعم جانباً من الترفيه للطبقات المتوسطة والفقيرة، بتكلفة تناسب دخولهم المنخفضة، كما أن الشريط الممتد من منطقة "المعصرة" إلى "حلوان"، يحوي أراضيَ زراعية قديمة، ما يعني أن تجريفها سيؤدي إلى تقليل المساحات الخضراء في العاصمة، التي صارت مختنقة بالإسمنت.
وُقِّع بروتوكول بين "جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة"، و"وزارة الري"، للانتفاع بالمسطحات المائية شرق وغرب "نهر النيل" في المنطقة نفسها. بناء عليه، أسس الجهاز "وحدة أراضي طرح النهر"، وبدأ في تنظيم مزادات لاستثمار تلك الأراضي، لتأسيس كافيهات ومراكز سياحية، على الرغم من وجود أندية ومنشآت حكومية قديمة في تلك المناطق.
وبحسب "وزارة التخطيط" في مصر، فإن السلطة قد وضعت تصوراً متكاملاً لمنطقة "وسط القاهرة"، مع انتقال الوزارات إلى العاصمة الإدارية الجديدة. وينفَّذ التصور مع شركات دولية متخصصة، بحوالي 10 مليار جنيه استثمارات من جانب القطاع الخاص، إضافة إلى تلقي الحكومة سبعة عروض دولية لاستغلال منشآت حكومية في "وسط القاهرة". وقد كشفت بيانات حديثة عن نية "الصندوق السيادي المصري" تحويل المنطقة التاريخية إلى منطقة اقتصادية/ سياحية، إذ أنه استهدف استثمار مباني الوزارات والهيئات الحكومية التي نُقِلت إلى مقرات جديدة في العاصمة الإدارية، مثل "مجمع وزارة الداخلية"، الذي تمّ تأجيره ليتحول إلى فندق، وحقق مضاعف استثمار بحوالي 800 مليون جنيه، ويجري العمل على تحويله إلى مركزٍ للأعمال، يلبي احتياجات الشركات الناشئة والسياحة. ومن المقرر أن يضم أول فندق في البلاد يحمل علامة "موكسي" للفنادق، فئة الثلاث النجوم ،التي تديرها شركة "ماريوت" العالمية. وهناك كذلك مبنى "مجمع التحرير" الضخم المطل على الميدان (حق انتفاع "مجمع التحرير" حقق مضاعف استثمار 300 مليون دولار)، إلى جانب استهداف تأسيس شقق فندقية، وزيادة سعة الغرف الفندقية في فنادق المنطقة إلى حوالي 2600 غرفة فندقية. كما يستهدف تحويل أرض "الحزب الوطني" المنحل على "كورنيش النيل"، الملاصق لـ"المتحف المصري القديم"، في "ميدان التحرير"، إلى ناطحة سحاب أولى في المنطقة، بما يغيِّر من النسق المعماري التراثي والأثري لمنطقة "القاهرة الخديوية"، كمنطقة تراثية مسجلة في "منظمة اليونسكو"، وربما يعرضها ذلك إلى خطر الشطب من "قائمة المواقع التراثية".
ضم "الصندوق السيادي المصري" الذي تأسس عام 2018، سبعة أصول في "وسط القاهرة،" وبعض المدن، إلى ملكيته، بقرار جمهوري في العام 2019، بينما في كانون الثاني/ يناير من العام الجاري، صدر قرار رئاسي بضم ملكية 13 وزارة وجهة حكومية في وسط العاصمة القاهرة إليه، تتمثل في المقرات الرئيسية لوزارات: الخارجية، والعدل، والتربية والتعليم، والصحة، والنقل، والمالية، والتجارة والصناعة، والسياحة والآثار، والإنتاج الحربي، والصحة، والإسكان، ومقر "مبادرة التجارة الخضراء". وهذه تقع في مناطق شديدة الأهمية في وسط القاهرة. كما يشرف الصندوق على المحفظة العقارية لـ"شركة مصر القابضة للتأمين"، وتضم حوالي 100 مبنى تراثي أو أثري.
ما الذي يَنْظُمُ تلك المساحات؟
تعددت التشريعات التي تنظم التعامل مع أراضي "طرح النهر/ النيل" في مصر، إذ صدر التشريع الأول في العام 1932، تلاه صدور ستة قوانين أخرى لتنظيم التعامل، آخرها القانون رقم 7 لسنة 1991، الذى تضمّن بعض أحكام التعامل مع أراضي أملاك الدولة بشكل عام، ومنها أراضي "طرح النهر". وفي الماضي، خَصصت التشريعات الولاية على تلك الأراضي ما بين وزارتي المالية، والاقتصاد (غير قائمة حالياً)، ومؤسسة "صندوق أراضي طرح النهر"، و"الهيئة العامة للإصلاح الزراعي"، و"الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية". لكن صدر قرار جديد في العام 2020، أقر بنقل ولاية أراضي "طرح النيل" في المنطقة الممتدة من "حلوان" إلى "شبرا"، إلى "جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة".
استراتيجية التنمية العمرانية لإقليم القاهرة الكبرى التي تتبناها السلطة في مصر، تهدف إلى تحويل الإقليم إلى بيئة مستدامة قادرة على تحقيق التنافسية الاقتصادية. وتمثّل إعادة توزيع السكان على الإقليم من خلال نقلهم من مناطق غير آمنة/ غير مخططة/ عشوائية إلى الظهير الصحراوي أو حدود الإقليم، للسكن في مشروعات سكنية مخصصة مثل "الأسمرات"، واحداً من أبرز الأسس التي تُبنى عليها رؤية السلطة في المشروع.
وبحسب الكاتب "أحمد حافظ"، في تقرير له، فإن هناك معوقات تواجه الاستثمار في تلك الأراضي - خاصة الواقعة منها بعيداً عن العاصمة القاهرة- أبرزها عدم دقة بيانات وحصر مساحات الأراضي، وطبيعتها وطبيعة ملكيتها والأنشطة المقامة عليها. وتتنوع الملكيات ما بين ملكيات للدولة وأخرى للأفراد، علاوة على الشخصيات الاعتبارية. وتمارس عليها أنشطة سياحية أو اجتماعية، مثل أندية الهيئات والشركات، أو تعليمية مثل "كلية السياحة والفنادق"، أو ثقافية مثل قصور الثقافة والمسارح. وهناك الزراعي منها الممتد في "دلتا النيل"، إضافة إلى تنوع أشكالها وأحجامها، فهناك الجزر النيلية التي تشكلت بفضل "طرح النيل"، وهناك مساحات شريطية صغيرة وغيرها.
ويعتقد الكاتب أن عدم وجود مسح تفصيلي أو بيانات دقيقة، قد يفشل من عمليات الاستثمار وتحديد حجم المنفعة الاقتصادية من وراء تلك الأراضي. ويضيف أن تضارب الجهات المنوطة بولاية تلك الأراضي وتعددها على مستوى الجمهورية ربما يؤثر في تهرب المعتدين عليها من دفع مستحقات حق الانتفاع بها.
وكانت "لجنة استرداد أراضي الدولة"، المعروفة بـ"لجنة محلب"، التي صدر قرار جمهوري بتأسيسها في العام 2016، قد بدأت في مناقشة مسألة حصر أراضي "طرح النيل" على مستوى محافظات مصر في العام 2017، ووضع يدها على كافة المخالفات والإشغالات (بلغت وفق تقارير في العام المذكور حوالي 34 ألف فدان زراعي، وأربعة ملايين و451 ألف متر مربع مباني، في 16 محافظة، بينما سجّل "جهاز حماية النيل" حوالي 70 ألف حالة تعدٍّ في عام 2015، شرعت السلطة في إزالتها حتى العام الجاري). وقدرت وقتها اللجنة استحواذ مواطنين على أراضٍ بحوالي ما قيمته ملياران و237 مليون جنيه، بشكل مبدئي. وقالت إن عوائد استثمار أراضي "طرح النيل" على مستوى مصر ربما تصل إلى ما يزيد على ثمانية مليار جنيه سنوياً. وفي العام 2018، أعلنت اللجنة عن أنها حصرت وجود 175 نادياً اجتماعيّاً على ضفتي "نهر النيل"، لم يحصل منها على تراخيص سوى 56 نادياً فقط مقارنة بـ119 نادياً غير مرخص، وأنها أحالت ملفاتهم إلى الجهات التي تتبع لها تلك الأندية، للبدء في تقنين أوضاعها.
وقد أشارت النائبة البرلمانية "مها عبد الناصر"، في سؤالها أمام البرلمان، إلى استيائها من عدم وجود شفافية بشأن قرار سحب جميع أراضي "طرح نهر النيل" التابعة للدولة بنظام حق الانتفاع، مؤكدة أنها لا تعلم سبب هذا الإجراء المفاجئ، ولا الجهة التي ستؤول إليها هذه الأراضي. وأشارت النائبة إلى أنه، ووفق معلوماتها، فإن أراضي "طرح النيل"، الممتدة من "مستشفى قصر العيني" في وسط القاهرة، إلى محافظة "المنيا" (تقع إلى جنوب القاهرة وتبعد عنها بمسافة 241 كيلو متراً)، هي أراضٍ تعود ملكيتها تاريخياً إلى المستشفى، بما يعني أنها ليست أراضي تتبع أيّاً من الوزارات والهيئات الأخرى، ولا يجب التصرف بها إلا بعد العودة إلى من يتولاها.
ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة للنقابات المهنية أو العمالية، أو الجامعات، ووزارة الثقافة، أو مشروعات خاصة، ومشاتل زهور، ومساحات مزروعة، وهي قد ضُمّت إلى ولاية "جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة"، إلا أن السلطة في مصر تتغاضى عن ذلك، معلنة عن أنها في طريقها إلى هدم كافة تلك المنشآت على طول المجرى النهري، وطرحها أمام مستثمرين للاستفادة من ضخ أموال إضافية تسهم في مشروعات السلطة "القومية"، التي لا تفيد المواطنين أنفسهم في شيء، وتزيد من حجم القروض التي تدفع القاهرة إلى مزيد من الاستدانات، تتحملها جيوب المواطنين خاصة من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، بلا عائد يذكر.
-
يعني مصطلح "أراضي طرح النيل"، تلك الأراضي التي تكونت نتيجة الرواسب، التي يتركها النهر بعد فيضانه، وتُشكل تدريجياً الأراضي الخصبة التي تُستخدم بشكل واسع في الزراعة، نظراً لغناها بالمعادن والمواد العضوية. ومع مرور الوقت فإما أن تستخدم في الزراعة، وإمّا أن تشكل مناطق برية للسكنى في بعض المناطق. ↑
-
- بني "المسرح العائم" من الخشب على شكل سفينة عائمة، تَجول محافظات مصر من خلال "نهر النيل"، وتقدم عروضاً فنية وحفلات غنائية لكبار النجوم والفنانين. وقد مثّل بداية خطة الحكومة للجمع بين مشروعي: "قصور الثقافة"، و"المسرح العائم"، عبر إنشاء 25 قصراً، كل منها يضم مسرحاً. ↑
-
- الذي انتقلت إليه ولاية "أراضي طرح النيل"، من "شبرا" إلى "حلوان"، بحسب قرار صدر عن رئيس الحكومة في العام 2020. ↑