كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف فارس، الذي لم يغادر شمال القطاع منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية. أظهر يوسف فارس مع هذه الصور التي التقطت، على بساطتها، ما يصدم: ملامح تمرّدٍ وسط العنف الدميم، وإعلان حياة طالعٍ من قلبِ الموت العميم...
2024-11-10

صباح جلّول

كاتبة صحافية وباحثة في الانتربولوجيا البصرية من لبنان


شارك
صبرُ جباليا
إعداد وتحرير: صباح جلّول

كل الذكريات والحنين لمدينة غزة ومعسكر جباليا وشوارع شمالي القطاع، يُطلقها أهالي غزّة أشبه بالرثاء، أشبه بالبكاء.. هنا تكتمل ملامح الإبادة – إبادة البشر وإبادة مدينتهم بحيث لا يبقى منها ما يدلّ عليها (urbicide). إنه عنفٌ أبعد من قدرة معظمنا على تخيّله، واعتداءٌ على الذاكرة وعلى ما يصنع من الغزّي غزّياً، بحيث يُقتل من مات مرّة، ويُقتل الأحياء مرّتين..

دُفع الناس دفعاً بعد سنة كاملة من الصمود الأسطوري في بيوتهم في الشمال، على القصف والجوع والاجتياح، بعد عامٍ من العناد والصبر منقطعي النظير، ليطفئ جيش الإبادة آخر بؤر الحياة العزيزة. هناك، بين دمارٍ ودمار، أجساد تلتمّ وتتفرق، تبتدعُ مأوى ورغيفاً بشقّ الأنفس لتقول: "نحن هنا، أحياء، في الشمال، حين نريد، لا حيث يريدوننا". والآن، بعد عام شقيّ، تفْرغ تلك البؤر الثمينة من الحياة في الشمال جاعِلة من هذا النزوح الأقسى منذ بداية الإبادة اللعينة.

هذا شمال غزة، لمن أراد تخيّل أكثر الأماكن رعباً وحزناً ومواتاً وقسوة على وجه هذا الكوكب المختلّ.. حتّى أن الضجيج خفت هذه المرة.. حتى أنّ كلمة "إبادة" صارت لكثرة ما استُعمِلت معتادةُ، لا تثير في النفوس الخوف والاستهجان السابقين.. ماذا يمكن أن ننشر بعدْ عن إبادةٍ كاملة؟ ما يمكن أن ننشر بعد عامٍ من الإشباع العاطفي القميء بصور الأوصال المقطّعة والقلوب المفجوعة والبيوتِ المندثرة؟

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه، هنا، صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف فارس، الذي لم يغادر شمال القطاع منذ بداية حرب الإبادة الإسرائيلية.

كتب يوسف فارس مع هذه الصور التي التقطت على بساطتها ما يصدم: ملامح تمرّدٍ وسط العنف الدميم، وإعلان حياة طالعٍ من قلبِ الموت العميم... "تعيد الحروب وزن قيمة الأشياء. للأماكن روحٌ نشعرها حين نغادرها مكرهين، نشتاق لأنسها الذي لا تكتمل الأوقات إلا به، في الصور أدناه جباليا ومحافظة شمال القطاع التي نأنس ونشتاق وننتمي ونحب. هذا وطن أكبر من الحجارة والخراب، هذه بلاد أعلى من أنف الموت الكالح، كعبها الكوكب.. في كل يومٍ نشعر أكثر كيف يكون المخيم قلب الخريطة".

شجرة "المجنونة" كما يسميها الناس في منطقتنا لأنها تُزهر ويُجنّ زهرها في كل اتجاه، صمدت على جدار وسطح مبنى مهدّم في جباليا. المجنونة الصامدة..
من قناطر هذا البيت المهدّم، ما زالت سماء جباليا رحبة، متصلة برحمة الله، لا بغيره..
دمّر الهمج كلّ شيء. لكنّ لوحاً خشبياً واحداً، عموداً واحدا.. سيبدأ منه بناء ما هُدم.
لتبقى ابتساماتكم أبد الدهر.. ليبقى تبسّم ما في جباليا الحزينة..
هل يستطيع الاحتلال أن يسرق ألوان الغروب؟
وآخر القول: "عاشت روح جباليا التي لا تُهزَم..."

*الصور من صفحة الصحافي يوسف فارس – غزّة

مقالات من فلسطين

"آرت زون فلسطين" واستعادة الفنّ من الإبادة

2024-12-05

يدخل هذا الجهد في باب مقاومة محو الأثر الفلسطيني، ومنه الأثر الفنّي والثقافي، الغني والغزير والمتجدد. ومهما بلغت نسبة ما ضاع من هذه الأعمال، فما بقي، ومَنْ بقي، يقول "نحن...

رحلة البحث عن رغيف

كُل صباح في الأيام الماضية، حينما أجوب الشوارع، لا أجدني سوى باحث عن الخُبز، وأنا حقيقةً لا أستوعب إلى الآن أن الحال وصلت بي - كما وصلت بكُل الناس- إلى...

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

للكاتب نفسه

أجمل من خيال

صباح جلّول 2023-07-06

إنها أجمل من الخيال والأفلام، هذه الحكاية، والناس في حكاياتنا أجمل من الأبطال الخارقين أيضاً وأكثر إبهاراً. ننظر إلى المشهد مرة أخرى، فنتفاجأ بشبان عاديين، عاديين تماماً، ولكن قادرين تماماً...

خضر عدنان شهيداً: قتلوا المناضل المثال!

صباح جلّول 2023-05-02

روح الشيخ خضر عدنان المقاتلة التي لا تلوِّثها اعتبارات السياسة والفصائل والانتماءات والمصالح هي بالذات ما أرّق الاحتلال. كان شيخاً تقياً منفتحاً وعاملاً خبّازاً يعمل في مخبزه في بلدته عرّابة،...