في العام 2013، ظهر الناشط السياسي والمدون المصري، "علاء عبد الفتاح"، مشاركاً في إحدى فعاليات نقابة الصحافيين بالعاصمة المصرية القاهرة. عبّر وقتئذٍ عن "ضيقه الشديد من استمرار مساوئ السلطة وسعيها دوماً إلى قتل مواطنين ونشطاء سياسيين فاعلين، على الرغم من سقوط نظام الرئيس السابق "محمد حسني مبارك". لكن "المجلس العسكري" حينها، ثم الرئيس المؤقت "عدلي منصور"، ووزير الدفاع وقتئذٍ "عبد الفتاح السيسي"، لم يختلفوا كثيراً عن أفعال ذلك النظام، ليسقط ضحايا جدد". كانت تلك من ضمن آخر المشاركات للمُعارض الشاب، إذ أنه ومنذ نهاية العام 2013 يقبع في السجن بشكل متكرر، ولم يرَ النور سوى فترة وجيزة.
مشهد أول
حالة من الفرح سادت مواقع التواصل الاجتماعي في مصر مطلع أيلول/ سبتمبر المنقضي، إذ أنه كان من المفترض بحلول نهاية ذلك الشهر أن تنتهي فترة احتجاز "علاء عبدالفتاح" في السجن، بعد أن قضى فترة خمس سنوات في غياهبه.
مشهد ثانٍ
الناشطة الحقوقية والأكاديمية "ليلى سويف" (والدة علاء عبد الفتاح)، تعلن عن إضرابها الكلي عن الطعام منذ نهاية أيلول / سبتمبر المنقضي، رفضاً لاستمرار السلطة في سياساتها ضد ابنها، إذ تَقرَّر عدم إطلاق سراحه إلا في العام 2027، بعد أن توقع الجميع انتهاء مدة حبسه في 29 من الشهر الماضي.
...
لم أكن قد أكملتُ الثامنة عشرة من عمري، حينما عرفت لأول مرة عن المحامي الحقوقي واليساري البارز "أحمد سيف الإسلام". كنت في السنة الأولى من دراستي الجامعية، لم أكن أعلم أن قرب محل دراستي وكليتي من "ميدان التحرير"، و"ميدان الجيزة"، سوف يغيِّر حياتي تماماً. هناك، حيث توسَّط محل دراستي الطريق بين "جامعة القاهرة" القريبة من "ميدان الجيزة"، الذي يتفرع منه "شارع مراد"، حيث تلتقي مجموعات من "الاشتراكيين الثوريين"، في ندوات ولقاءات مميزة.
واظبتُ على الحضور عدداً من الشهور، والتقيتُ "سيف الإسلام" أكثر من مرة، ثم ما لبثتْ أن قامت "ثورة يناير"، وشاركتُ فيها. لم أكن قد وصلت بعد إلى سن الأهلية/ الرُشد وفق القانون المصري - الذي يقره من سن 21 عاماً -، لذا منعتني العائلة من الخروج، عقب أيام من الثورة اكتشفوا فيها أنني أشارك ضد نظام "مبارك"، في حركة ربما تطيح به. حدث ارتباط وتوطَّد في داخلي ما بين الثورة وأسرة "سيف الإسلام". وجدتها أنموذجاً صريحاً للثورة في مصر. ومن قلب تلك الأسرة خرج "علاء عبد الفتاح"، الذي صار أيقونة شباب الثورة في سجون النظام المصري، عبر ما يزيد عن عشر سنوات، هي فترة حكم "السيسي" على كرسي القاهرة حتى اللحظة.
لكن كيف تستهدف السلطة "علاء"؟
بحسب الموقع الرسمي لحملة "الحرية لعلاء"، المستمرة منذ العام 2006 (تاريخ القبض عليه للمرة الأولى في عهد "مبارك")، فإن اضطهاد "علاء" أمر متكرر، إذ سُجن في ظل نظام "مبارك" مدة 45 يوماً، مع عدد من زملائه في حركة "كفاية"، حين شارك في احتجاجات في العام 2006 أمام "نادي القضاة" وسط العاصمة القاهرة، للدعوة إلى ضرورة تمتع القضاة في مصر بالاستقلالية عن رأس السلطة. ثم تكرر اعتقاله ثانية من قبل "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" في العام 2011. وظل في السجن نحو شهرين تقريباً، ليُحرم من حضور ولادة ابنه "خالد". كما واجه في عام 2013، هو وسواه، ومنهم الكاتب الساخر "باسم يوسف"، تهماً ملفقة، هدفت إلى ترهيب المحتجِّين، في ظل حكومة "مرسي".
طالبت 59 منظمة مجتمع مدني، مصرية وإقليمية ودولية، السلطات المصرية بإطلاق سراح "علاء"، لإتمامه مدة عقوبته بالسجن خمس سنوات، وفقاً للقانون المصري. وبحسب "الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان"، فإن عدم الإفراج عن "علاء" ينتهك المادة (482) من "قانون الإجراءات الجنائية" الساري حالياً، التي تقضي باحتساب مدة العقوبة بدءاً من يوم القبض على المتهم، وليس من يوم صدور الحكم.
كتب "علاء" في تشرين الثاني/ نوفمبر 2011 من الزنزانة رقم 19، في سجن الاستئناف، بالقاهرة، مقالاً نُشر في جريدة "الغارديان" البريطانية، قال فيه: "لم أتوقع أبداً أن أكرر تجربة ما حدث قبل خمس سنوات. بعد ثورة أطاحت بالطاغية، أعود إلى سجونه؟". تساءل حينها، ولم يكن يعلم أنه سوف يبدأ فصلاً جديداً، مع نظام جديد، يستدعي الانتقام من ثورة جيل كامل في شخصه وأسرته.
قُبض عليه بعد ثلاثة أشهر من عزل الرئيس "مرسي"، وبعد محاكمة استمرت لأكثر من عام، حكم عليه بالسجن مدة خمس سنوات، بتهمة "تنظيم احتجاج". وتعود القضية إلى ما عرف بأحداث "مجلس الشورى"، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، عندما نظّم عدد من النشطاء وقفة احتجاجية سلمية، لرفض المحاكمات العسكرية للمدنيين أمام مجلس الشورى، في وقت انعقاد اجتماعات "اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور"، وقامت الشرطة المصرية بفضها بالقوة، وإلقاء القبض على أغلب المشاركين فيها. وقد أطلق سراحه بعد تنفيذه الحكم، مع اشتراطات بالخضوع لإجراءات احترازية قمعية، إذ كان عليه أن يظل سنوات قيد المراقبة الشرطية، ويسلم نفسه إلى قسم الشرطة يومياً من السادسة مساءً إلى السادسة من صباح اليوم التالي.
… وكم من علاء! عن الاعتقال في مصر
23-09-2021
كان يا ما كان .. عرقٌ وخبزٌ وياسمين
04-02-2021
في أيلول/ سبتمبر 2019، تمّ القبض على "علاء"، بسبب نشره على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" حول انتهاك الحقوق في نظام السجون المصرية. ألقي القبض عليه من داخل قسم الشرطة التابع له محل إقامته، حيث كان يقضي عقوبة المتابعة اليومية، ليتهم في القضية رقم 1365 لسنة 2019 حصر أمن دولة عليا، باتهامات منها الانضمام إلى جماعة إرهابية، ونشر أخبار كاذبة، وفوجئ عقب ذلك، بإحالته بتهمة نشر أخبار كاذبة، إلى المحاكمة لتنظر أول الجلسات في القضية رقم 1228 لسنة 2021 جنح أمن دولة طوارئ، بتاريخ تشرين الأول / أكتوبر 2021. ووجهت إليه اتهامات بـ"نشر أخبار كاذبة تسئ للأمن العام وتلقي الرعب بين الناس". وصدر الحكم عليه وعلى المجموعة المعتقلة معه في كانون الأول/ ديسمبر 2021، قضى بسجنه خمس سنوات، بعد أن احتُجز لمدة عامين احتياطياً، على ذمة التحقيقات في القضية.
ردود أفعال
طالبت 59 منظمة مجتمع مدني، مصرية وإقليمية ودولية، السلطات المصرية بإطلاق سراح "علاء"، لإتمامه مدة عقوبته بالسجن خمس سنوات، وفقاً للقانون المصري، معربة عن قلقها العميق إزاء الأخبار التي نشرها محاميه "خالد علي" على صفحته الشخصية على "فيسبوك"، أشار فيها إلى أن السلطات لا تخطط لإطلاق سراح "علاء" حتى كانون الثاني/ يناير 2027. فيما طالبت "منظمة العفو الدولية" في بيان لها، الحكومة المصرية، بضمان عدم تمديد احتجاز "علاء"، بعد انتهاء مدة سجنه.
وبحسب "الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان"، فإن عدم الإفراج عن "علاء" ينتهك المادة (482) من "قانون الإجراءات الجنائية" الساري حالياً، إذ تقضي باحتساب مدة العقوبة بدءاً من يوم القبض على المتهم، وليس من يوم صدور الحكم.
بعد محاكمة استمرت لأكثر من عام، حكم على "علاء عبد الفتاح" بالسجن مدة خمس سنوات، بتهمة "تنظيم احتجاج". وتعود القضية إلى ما عرف بأحداث "مجلس الشورى"، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، عندما نظّم عدد من النشطاء وقفة احتجاجية سلمية، لرفض المحاكمات العسكرية للمدنيين أمام مجلس الشورى، في وقت انعقاد اجتماعات "اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور".
في حين اتهمت الناشطة "منى سيف" (شقيقة علاء)، في مقطع مصور عبر "فيسبوك"، السلطة في القاهرة، بإضافة جريمة جديدة في حق شقيقها، بعد أن رفضت احتساب عامي الحبس الاحتياطي إلى مدة العقوبة، ليستمر التنكيل به وحبسه إلى أمد مفتوح، على حد وصفها. في حين أعلنت والدته عن الشروع في إضراب كلي عن الطعام، واستقبال المتضامنين يومياً في منزلها. ووصفت ما يحدث لابنها بأنه "اختطاف من قبل السلطة الحالية"، قائلة إنه مواطن مزدوج الجنسية، وعلى حكومة الدولتين حمايته.
إلى ليلى سويف...
22-05-2020
ليلى سويف .. ملهمة عربية بمواصفات عصرية
13-05-2021
وكانت الأسرة قد سعت إلى حصول "علاء" على الجنسية البريطانية، بعد استمرار حبسه، أملاً في خروجه، وحصل بالفعل عليها في العام 2021 لامتلاكه حقاً قانونياً باعتبار أن والدته مولودة في لندن. وكانت أسرته قد أصدرت بياناً قالت فيه: "لم نسع من قبل لمحاولة فهم موقفنا القانوني من ناحية الجنسية البريطانية، ولكن في 2019 اضطرّتنا الظروف لإطلاق خيالنا ومحاولة التفكير في أي وسيلة قد تبدو مستحيلة للخروج من سجون "السيسي" التي ترفض إطلاق سراح أسرتنا، وبالأخص سراح "علاء". وبالفعل بعد التواصل وتوكيل محامين متخصصين في انجلترا تأكد لنا طبقاً للقانون البريطاني حقنا في الجنسية البريطانية وأتممنا جميع الأوراق الرسمية اللازمة".
وكانت السلطات قد سبق لها اعتقال شقيقته الصغرى، ثم اختطافها بعد إطلاق سراحها.
ويبدو أنها لا تريد الإفراج عن "علاء" بوصفه أيقونة أخيرة لـ"ثورة يناير". في المقابل تستمر الأسرة في محاولات عديدة لكسب معركتها ضد السلطة، وسط تكهنات بأن النظام الحالي، لا يرغب في مغادرة الشاب الأربعيني سجونه أبداً!