رجال بملابس مدنية، ليس ثمة ما يدل على هويتهم الشرطية، اختطفوا المهندس "يحيى حسين عبد الهادي"، من داخل حافلة للنقل الجماعي، نهاية شهر تموز/ يوليو الماضي، ليظهر بعدها في "نيابة أمن الدولة"، على ذمة القضية "رقم 3619 لعام 2024، حصر أمن دولة"، وتوجه إليه حزمة من الاتهامات الجاهزة المكررة: الانضمام إلى جماعة إرهابية، إساءة استخدام وسائل التواصل، بث ونشر شائعات وأخبار كاذبة، ارتكاب جريمة من جرائم تمويل الإرهاب، والتحريض على ارتكاب جريمة إرهابية. أما رسام الكاريكاتير والمترجم "أشرف عمر"، فقد تعرّض للاعتقال من داخل بيته. تمَّ ضربه والاستيلاء على ممتلكاته الخاصة، وتهديده باستخدام الصاعق الكهربائي خلال فترة إخفائه القسري، التي استمرت لمدة 60 ساعة، قبل أن يظهر في "نيابة أمن الدولة".
السبب غير المعلن لاعتقال المهندس "يحيى حسين عبد الهادي" كان كتاباته الدائمة حول ضرورة وقف بيع الأصول المملوكة للدولة، من مصانع ومنشآت، وهو الضليع في هذا الملف، وقد أسس حملة "لا لبيع مصر"، التي تصدت لخصخصة القطاع العام خلال فترة الحكم "المباركي". أما تهمة الزميل "أشرف عمر"، فكانت ممارسته عمله كرسام كاريكاتير في موقع "المنصة" المصري، حيث أزعجت رسوماته الناقدة السلطة، وخرجت عن خطتها لإخضاع العمل الصحافي في مصر. وكلاهما تم القبض عليه بالتزامن مع طرح مبادرات للإفراج عن مزيد من المعتقلين السياسيين، ضمن "لجنة العفو الرئاسي"، وتبني "الحوار الوطني" الأمر، بالإضافة إلى المطالبة بالإفراج عن المحبوسين احتياطياً. المثير للسخرية أن المهندس "يحيى" نفسه كان من ضمن من حصلوا على عفو رئاسي عام 2022، لكن ذلك لا يمنع إعادة توجيه تهم جديدة إليه، وتعريضه للحبس، في ظل أجواء معتمة، تمنع حرية التعبير بكافة أشكالها، وتهدد أصحابها بخطر التوقيف من قبل السلطة.
أعداد مجهولة
لكن مصر "لا يوجد فيها معتقلون سياسيون، ومن يحاكَمون أمام المحاكم يواجهون جرائم وفق نص القانون، وأن القضاء المصري هو وحده المنوط بتداول هذه القضايا والحكم فيها". هكذا صرح رأس السلطة في مصر، الرئيس "عبد الفتاح السيسي"، خلال أحد المؤتمرات الصحافية[2] التي عقدها مع نظيره الفرنسي "إيمانويل ماكرون" عام 2017. وهو ليس التصريح الوحيد بالمعنى نفسه، فكثير من المسؤولين ينكرون أمر الاعتقال على خلفية سياسية. كما لا توجد إحصائيات موثقة بشأن أعداد المعتقلين يمكن الرجوع إليها، حتى إن تسع منظمات حقوقية، كانت قد أصدرت بياناً عام 2023 طالبت فيه السلطات المصرية بالتزام الشفافية، عبر نشر أعداد المحتجزين والسجناء في البلاد، ومن ضمنهم أعداد الأشخاص الذين احتجزوا في السنوات الأخيرة، في إطار قمع المعارضة في مختلف أنحاء البلاد. فآخر تقرير سنوي حول عدد السجناء أصدره "قطاع مصلحة السجون" التابع لوزارة الداخلية، يعود إلى فترة التسعينيات من القرن الماضي!
سجن "بدر".. النسخة الأسوأ من سجن "العقرب" في مصر
13-11-2022
سجينات الرأي في مصر.. أبواب الخروج والعودة
26-01-2023
على كل حال، قد تكون أعداد المعتقلين السياسيين فائضة عن الأماكن الشاغرة في السجون المصرية، ما يدفع السلطة إلى بناء مزيد من السجون، وفقاً لورقة بحثية[3] كشفت عن أن السجون التابعة لمصلحة السجون -الليمانات والسجون العمومية - زادت في الفترة ما بين عام 2013 وعام 2021 بقرارات وزارية بمقدار سبعة سجون، ليصبح إجمالي عدد السجون التابعة لمصلحة السجون تسعة وأربعين سجناً. أما فيما يخص السجون التابعة لمديريات الأمن المختلفة في المحافظات، فخلال الفترة ما بين عام 2013 وعام 2021 صدر أربعة وعشرون قراراً قضت بتخصيص أراضٍ لإنشاء سجون، وقرارات أخرى قضت بإنشاء سجون بلغ عددها واحداً وثلاثين سجناً مركزياً، هذا بخلاف أماكن الحجز الملحقة بالمراكز والأقسام والنقاط الشرطية وإدارات البحث الجنائي وفروعها، وغيرها... فيما تصل تكلفة بناء السجن الواحد وفقا للمصدر نفسه إلى 750 مليون جنيه. فمن يستطيع محاسبة النظام على توجيه ميزانية ضخمة لبناء سجون جديدة، بدلاً من زيادة الإنفاق على الأساسيات كالتعليم والصحة.
السبب غير المعلن لاعتقال المهندس "يحيى حسين عبد الهادي" كان كتاباته الدائمة حول ضرورة وقف بيع الأصول المملوكة للدولة، من مصانع ومنشآت، وهو الضليع في هذا الملف، وقد أسس حملة "لا لبيع مصر"، التي تصدت لخصخصة القطاع العام خلال فترة الحكم "المباركي". أما تهمة الزميل "أشرف عمر"، فكانت ممارسته عمله كرسام كاريكاتير.
خالف نظام "السيسي" بدوره سياسة "مبارك" من جهة الليونة في التعامل مع المعارضين والمنتقدين، وبدأ حملات محمومة للقبض على أتباع تيار الإسلام السياسي، ولا سيما "جماعة الإخوان المسلمين". ووقفت القوى المدنية موقف المتفرِّج، لأسباب عديدة، منها ما هو أيديولوجي وحتى بنيوي، وأيضاً لأسباب ظرْفية، تحت ضغط الهجمات الإرهابية المروِّعة التي تعرضت لها "سيناء".. حتى جاء دورها في القمع والإقصاء.
تسجل المنظمات الحقوقية انتهاكات دائمة، يتعرض لها المعتقلون السياسيون. فوفقاً لتقرير حقوقي صادر عن "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" ومنظمات أخرى عام 2019[4]، فإن عدد الوفيات في أماكن الاحتجاز خلال الفترة ما بين 2014 وحتى نهاية 2018 بلغ 449 سجيناً، من ضمنهم 85 نتيجة التعذيب. وذكر التقرير أن التعذيب الممنهج "لا يمكن أن يتم بمعزل عن توجيهات من رأس السلطة السياسية وتحت أعين الحكومة المصرية، على نحو يضمن حماية الجناة من المساءلة، خاصة عندما يكون ضحايا التعذيب من المعارضين السياسيين".
هذا، بالإضافة إلى الإهمال الطبي المتعمَّد، وحرمان المحتجَزين من الرعاية الصحية اللازمة لهم. ومن ضمن هؤلاء رئيس "حزب مصر القوية"، والمرشح الرئاسي السابق دكتور "عبد المنعم أبو الفتوح"، والمحتجز منذ شباط/ فبراير 2018، على الرغم من سنّه ومن معاناته من عدة أمراض. ولأسباب غير معلومة، لا تزال السلطة تتجاهل وضع "أبو الفتوح" على قائمة العفو الرئاسي أو الإفراج الصحي، على الرغم من أن الرجل كان من ضمن الوجوه المؤيدة ل"حركة 30 يونيو"، التي أدت إلى إسقاط نظام "جماعة الإخوان المسلمين"، كما أنه لم تعد له شعبية يخشى منها النظام، وأغلب الظن أنه سيفضِّل حياة هادئة مع عائلته في حال إطلاق سراحه.
وما يزيد الأمر سوءاً هو التضييق على المنظمات الحقوقية المصرية، التي كان لها دور كبير في الكشف عن قضايا التعذيب داخل السجون، خلال عصر الرئيس الراحل "محمد حسني مبارك"، ضمن حملة ممنهجة، كان هدفها إسكات وتفكيك المجتمع المدني. ومن بين تلك المنظمات من يتيح عيادات مجانية لدعم الناجين من التعذيب داخل السجون، ومنها من كان يصدر تقارير دورية، حول حالات الانتهاكات داخل أماكن الاحتجاز. وبغيابها زاد التعتيم والأخبار غير الموثقة.
قمع ممنهج
المشهد الحالي ليس فريداً في التاريخ المصري الحديث منذ قيام الحكم الجمهوري، فالتنكيل بالمعارضة السياسية صاحَب الحكم العسكري لمصر منذ بدايته عقب وصول "حركة الضباط الأحرار" إلى الحكم عام 1952. وفي حين كان "جمال عبد الناصر" يشيِّد المشروعات الوطنية الكبرى، من مصانع الإنتاج الثقيل، والسد العالي، والاصلاح الزراعي، ويسن القوانين التي هدفت إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، كان "سجن الواحات" يمتلئ بالمثقفين والشعراء والكتاب على خلفية انتقاداتهم للنظام. والأمر المثير أن بعضهم، ممن كان داخل السجن، كان مؤيداً لنظام "ناصر". ففي كتاب "يوميات الواحات" لـ"صنع الله إبراهيم" نجد عبارة: "ستظل الظاهرتان الناصرية والشيوعية، بالرغم من كل المثالب، من الظواهر المضيئة فى تاريخنا الحديث".
تسجل المنظمات الحقوقية انتهاكات دائمة، يتعرض لها المعتقلون السياسيون. فوفقاً لتقرير حقوقي صادر عن "مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان" ومنظمات أخرى عام 2019 ، فإن عدد الوفيات في أماكن الاحتجاز خلال الفترة ما بين 2014 وحتى نهاية 2018 بلغ 449 سجيناً، من ضمنهم 85 نتيجة التعذيب.
ما يزيد الأمر سوءاً هو التضييق على المنظمات الحقوقية المصرية، التي كان لها دور كبير في الكشف عن قضايا التعذيب داخل السجون، خلال عصر الرئيس "مبارك"، وكانت ضمن حملة ممنهجة، هدفها إسكات وتفكيك المجتمع المدني. ومن بين تلك المنظمات من يتيح عيادات مجانية لدعم الناجين من التعذيب داخل السجون، ومنها من كان يُصدِر تقارير دورية، حول حالات الانتهاكات داخل أماكن الاحتجاز.
في السادس من تشرين الأول/ أكتوبر عام 1975، تتبعتْ عدسات الإعلام الرئيس الراحل "محمد أنور السادات"، وهو في طريقه إلى "ليمان طرة" للمشاركة في هدمه. وبحركة مسرحية كان يجيدها، تناول معولاً وشرع في هدم جدرانه، قائلاً: "أتيت إلى سجن طرة لكي أعلن سقوط الإجراءات الاستثنائية، وكل ما يحط من كرامة الإنسان المصري". جاء ذلك عقب ما عرف بـ"ثورة التصحيح"، التي كان ظاهرها محاربة الفساد، وباطنها القضاء على رجال عصر الحكم الناصري. وبالطبع كانت تصريحاته مجرد دعاية إعلامية، فالسجون في عهده كانت لا تخلو من المعارضين السياسيين.
أحمد رزة: حتى لا يندثر تاريخ هؤلاء وللتعلم من سيرتهم
05-10-2023
رضوى وأروى: البدايات والمآلات
08-06-2023
كان "مبارك" في العقد الأخير من حكمه أكثر حكمة ومرونة. وعلى الرغم من الفساد الذي شاب كافة مناحي الحياة، إلّا أنه أتاح للمنظمات الحقوقية المصرية والدولية العمل داخل مصر، ولو بقدر محسوب، لكنه كان كافياً للكشف عن مئات من حالات التعذيب داخل مقرات الاحتجاز وخارجها، على رأسهم وفاة الشاب "خالد سعيد"، الذي هشّم رجال من "الداخلية" عظام فكه، وكانت صورته سبباً في تأجيج الاحتجاجات ضد حالات القمع المستمر.
وعلى الرغم مما كانت تمثله الحركات الثورية الناشئة من خطر كبير يهدد استقرار النظام "المباركي"، من أمثال حركات "6 أبريل"، و"كفاية"، والحركة الطلابية لشباب الأحزاب والتيارات المختلفة في الجامعات، وبالطبع حركة أساتذة الجامعات القوية "9 مارس"... إلا أن النظام كان أكثر تساهلاً من الحكم الحالي في التعامل مع أفراد المعارضة، وكان أحياناً ما يتم إلقاء المتظاهرين في الطرقات عقب القبض عليهم خلال المظاهرات الحاشدة، بدلاً من احتجازهم، وذلك إضافة إلى إتاحة حرية التظاهر من الأساس، ليس انتصاراً للديمقراطية، ولكن عملاً بمقولة الرئيس "مبارك" الشهيرة "خليهم يتسلوا".
ثوار ومعتقلون
خلال فترة حكم "المجلس العسكري" بعد ثورة "يناير2011"، تمّ الإفراج عن مئات المعتقلين السياسيين من تيار الإسلام السياسي، ومن بينهم من كان يقضي عقوبته على خلفية قضايا إرهاب مثْبَتة. وكان هدف الإفراجات تلك كسب ود "جماعة الإخوان المسلمين"، ومن خلفها تيار الإسلام السياسي، الذي ظهر وقتها كقوة شديدة التماسك، إلى درجة حصوله على نسبة 70 في المئة، من عدد مقاعد البرلمان في أول انتخابات عقب "ثورة يناير". مؤيدو الثورة من التيارات المدنية لم يعارضوا بدورهم الأمر. لكن تلك الإفراجات أحدثت حالة من عدم التوازن، لصالح تيار الإسلام السياسي و"جماعة الإخوان المسلمين"، التي نجحت عبر مرشحها الاحتياطي الرئيس الراحل "محمد مرسي"، في الوصول إلى حكم البلاد لمدة عام واحد فقط، تجاهلت خلالها الجماعة مطالبات القوى المدنية، بتطهير قطاع "الداخلية" من الضباط المسؤولين عن قضايا التعذيب وقتل الثوار خلال "ثورة يناير".
من بين الجهود التي سعت إلى الدفع باتجاه الإفراج عن مزيد من السجناء السياسيين، عمدت مجموعة من أسر السجناء إلى تأسيس مبادرة للإفراج عن ذويهم، في سابقة هي الأولى من نوعها، ووعد الأهالي بتقديم كافة الضمانات مقابل عودة ذويهم إلى حياتهم مرة أخرى، من ضمنها التوقف التام عن العمل السياسي. فمن يستطيع لومهم على ذلك؟
هل يمكن أن تتحول الأزمات التي يمر بها النظام إلى بوابة عبور، لإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المعتقلين السياسيين؟ ربما، لكن لن يكون الأمر بالسرعة المنشودة. فعند إغلاق ملف المساجين السياسيين ستطفو ملفات أخرى على السطح ينبغي التعامل معها، ليس أقلها ملف المختفين قسرياً، الذين لم يُوثّق وجودهم في السجلات الرسمية من الأساس.
نظام "السيسي" بدوره خالف سياسة "مبارك" من جهة الليونة في التعامل مع المعارضين والمنتقدين، وبدأ حملات محمومة للقبض على أتباع تيار الإسلام السياسي، ولا سيما "جماعة الإخوان المسلمين". ووقفت القوى المدنية موقف المتفرِّج، لأسباب عديدة، منها ما هو أيديولوجي وحتى بنيوي، وأيضاً لأسباب ظرفية، تحت ضغط الهجمات الإرهابية المروِّعة التي تعرضت لها "سيناء".. حتى جاء دورها في القمع والإقصاء.
شهد "إفطار الأسرة المصرية" عام 2022، توصية الرئيس "عبد الفتاح السيسي" بإعادة تفعيل "لجنة العفو الرئاسي"، التي شُكِّلت كإحدى توصيات "المؤتمر الوطني للشباب" عام 2016، على أن توسَّع قاعدة عملها بالتعاون مع الأجهزة المختصة ومنظمات المجتمع المدني المعنية. وأشعل ذلك الأمل في نفوس مئات الأسر المصرية من قواعد "جماعة الإخوان المسلمين". وبالفعل أسهمت اللجنة في العفو عن سجناء صدرت بحقهم أحكام بالمؤبد في قضايا مثل أحداث قسم "شرطة كرداسة"، التي تعود إلى شهر آب/ أغسطس من عام 2013، وأحداث قسم "شرطة مطاي". لكن الأعداد المفرج عنها من قبل اللجنة ظلت لا تتناسب مع أعداد المساجين الكبيرة، لأسباب سياسية ربما، تتعلق بالخوف من استرداد قواعد الإخوان لعافيتها.
أصدرت أيضاً ثمان منظمات حقوقية ورقة[5] فنَّدت معايير الإفراج عن السجناء عبر "لجنة العفو الرئاسي"، جاء فيها أن قرارات الإفراج عن المساجين السياسيين ينبغي أن تكون عاجلة في حالات المرضى والقاصرين وكبار السن، إضافة إلى جميع المحبوسين في قضايا النشر، وأيضاً الإفراج عن جميع من تجاوزوا الحد الأقصى للحبس الاحتياطي، والعفو عن باقي العقوبة لمن سبق الحكم عليهم بتهم سياسية وقضوا أكثر من نصف العقوبة، والعفو عمّن صدرت ضدهم أحكام من محاكم "أمن الدولة طوارئ"، والعفو عن باقي العقوبة لجميع المدنيين، ممن صدرت ضدهم أحكام من "القضاء العسكري" بتهم سياسية. والمطالب تلك، على الرغم من عدالتها، مثالية جداً، وتطبيقها مرهون بقدرة المجتمع المدني على الضغط، وهو ما يصعب تحقيقه في ظل الظروف الحالية.
ومن بين الجهود التي سعت إلى الدفع باتجاه الإفراج عن مزيد من السجناء السياسيين، عمدت مجموعة من أسر السجناء إلى تأسيس مبادرة للإفراج عن ذويهم، في سابقة هي الأولى من نوعها، ووعد الأهالي بتقديم كافة الضمانات مقابل عودة ذويهم إلى حياتهم مرة أخرى، من ضمنها التوقف التام عن العمل السياسي. فمن يستطيع لومهم على ذلك؟ ويخفي القائمون على المبادرة هويتهم وفقاً لنصائح محاميهم، واستجابة السلطة لتلك المبادرة مرهون بشكل كبير برغبتها الحقيقية في تهدئة الرأي العام، والتخفيف من حدة الانتقادات، بسبب ارتفاع الأسعار المستمر وبيع الأصول المملوكة للدولة.
يتعامل النظام بوجه عام مع ورقة المساجين السياسيين بآلية ثابتة لا ابتكار فيها، فدائماً ما يكون المعتقلون السياسيون في القضايا الجديدة هم الأكثر حظاً في إطلاق سراحهم، كنوع من المسكِّنات المؤقتة للشارع الغاضب، بينما أصحاب الأحكام القديمة أقل حظاً. كما تمتنع السلطة عن الإفراج عن المعتقلين السياسيين بأعداد كبيرة، خاصة من أتباع تيار الإسلام السياسي، وخاصة "جماعة الإخوان المسلمين". والمفرج عنهم منهم يخضعون لمراجعات فكرية وتدقيق شديد، كما يوظف الإفراج والاعتقالات لتشتيت الرأي العام وإلهائه عن الإخفاقات السياسية المتلاحقة. والرأي العام في مصر صار يشكّله مجتمع التواصل الاجتماعي بطبيعة الحال، بسبب التضييق على وسائل الإعلام والتعبير الأخرى. فهل يمكن أن تتحول الأزمات التي يمر بها النظام إلى بوابة عبور، لإطلاق سراح أكبر عدد ممكن من المعتقلين السياسيين؟ ربما، لكن لن يكون الأمر بالسرعة المنشودة. فعند إغلاق ملف المساجين السياسيين ستطفو ملفات أخرى على السطح ينبغي التعامل معها، ليس أقلها ملف المختفين قسرياً، الذين لم يُوثّق وجودهم في السجلات الرسمية من الأساس.
1- منظمات حقوقية: "التعذيب في مصر سياسة دولة"، 2019:
https://n9.cl/fu0pg ↑
2- "لا معتقلين سياسيين في مصر".. تصريح "السيسي"، الذي أشعل منصة "تويتر"، موقع التلفزيون الألماني، 2017:
https://shorturl.at/fD7ak ↑
3- التكلفة الاجتماعية والاقتصادية لمنظومة السجون في مصر، "مبادرة الإصلاح العربي"، بالتعاون مع منظمة "نساء من أجل العدالة"، 2022:
https://n9.cl/h9cp8 ↑
4- منظمات حقوقية: "التعذيب في مصر سياسة دولة"، 2019:
https://n9.cl/fu0pg ↑
5- مقترح بمعايير وضوابط للإفراج عن جميع السجناء السياسيين في مصر، أيار/ مايو 2022:
https://shorturl.at/H10cS ↑