في دولة "الأسياد"، الشاب مهند قنديل يقتل تحت التعذيب في القسم مجاملة لمستشار!

النوع دا من القضايا مبقاش غريب على البيئة المصرية، بحكم طغيان فكرة "الأسياد" بين مجتمع القضاة والضباط، وأي حد يغلط فيهم لازم ينال عقاب بالغ القسوة عشان يبقى عبرة لبقية الشعب. الواقعة دالة بشكل كلاسيكي على اختلال التوازن بين طرفين في المجتمع، واحد منهم يمتلك السلطة والنفوذ والمال والعلاقات والقوة، والآخر بيتفقر لكل دا، أعزل تماماً ولا يملك أي وسيلة أو حق للدفاع عن نفسه.
2024-08-15

شارك

خلال الأيام اللي فاتت انتشر فيديو لسيدة مصرية من طنطا بتقول إنها والدة محمد على قنديل، الشهير بـ"مهند قنديل"، الشاب اللي لقى حتفه في قسم ثاني طنطا، بينما نفت وزارة الداخلية في بيان رسمي[1] بلا إعلان تحقيق أو أي أدلة، بل مجرد النفي المعتاد، وأنه دي شائعة من الإخوان!

مهند شاب في العشرين من قرية "شوبر" مركز طنطا، بيعمل سائق ميكروباص، صادف أنه وقف في الطريق لإنزال سيدة، وكان وراه سيارة ملاكي بتستعجله، وحدث خلاف بسيط بين الاتنين زي آلاف الخلافات اللي بتحصل يومياً في كل حتة في مصر.

الفرق الوحيد إنه قائد الملاكي مكنش مواطن عادي، بل مواطن بشَرْطة، حيث إنه بيعمل رئيس محكمة استئناف طنطا وهو المستشار حازم عبد الحميد، وفقاً لما جاء في فيديو السيدة، وإن كنا تأكدنا بالبحث أن المستشار المذكور نائب رئيس المحكمة، إلا أننا لم نتأكد إنه صاحب الواقعة، وبنطالب بالتحقيق الشفاف للرأي العام.

**

وفقاً لرواية الأم في الفيديو، ورواية أبناء قرية "شوبر"، في جروب القرية على "فيسبوك"، رئيس محكمة استئناف طنطا بمجرد حدوث الخلاف بين الطرفين وتبادل الإساءات اللفظية، بعد أن رد عليه مهند الشتيمة، المستشار اتصل بقسم ثاني طنطا وحضرت قوة ألقت القبض على مهند.

الأم بتقول إنه مهند خد 4 أيام حبس على ذمة التحقيق واتلفق له عدة تهم منها: الشروع في القتل، وحيازة سـلاح، والسب والقذف وإتلاف سيارة، وبعدها اتجدد له 15 يوم في 15 يوم.

زي ما بتقول الأم، المستشار كان موصي على مهند في القسم "بضربه وتعذيبه". ولما راحت للمستشار مكتبه تترجاه يتصالح مع ابنها قال لها: "لازم يتأدب عشان يبقى عبرة للسواقين"!.

السيدة بتقول إنه "مأمور قسم ثاني طنطا محمد حماد ورئيس المباحث الرائد أحمد جمعة كانوا بيجاملوا المستشار بتعذيب ابنها لغاية ما مات مقتول بالتعذيب".

لاحقاً وزارة الداخلية نشرت بيان نفي كعادتها بدون ما تشير لأي تحقيقات أو دلائل غير قصة محبوكة كالعادة بتدعي إنه الشاب كان محبوس على ذمة إحدى القضايا ـ إيه بقى هي القضية دي وتخص مين وليه؟ ولا حس ولا خبر- وقالت كذلك إنه مات في خناقة في الزنزانة!

الحقيقة البيان لا يختلف كثيرًا عن بيانات سابقًا نشرت عن مسجونين توفوا داخل أقسام شرطة زي مصطفى ديشا في قسم المنتزه ثالث بالإسكندرية على سبيل المثال، اللي ادعت الداخلية إن وفاته كانت بسبب الإعياء! أو حتى المواطن رامي حسين اللي اتوفى في قسم دار السلام وأهله نشروا صور له على النقالة وعلى جسده آثار تعذيب بينما الداخلية نفت مسؤوليتها وزعمت نفس الزعم "تاريخ مرضي" للسجين!

والحقيقة مش مفهوم إزاي مشاجرة في الحجز بيضرب فيها 4 أشخاص الشاب مهند بدون تدخل من السجّان ولا من القسم؟

ومع ذلك كل الكلام دا لا ينفي حقيقة مؤكدة إنه مات في القسم وهو تحت مسؤولية الشرطة، بل وتظل فيه رواية لمواطنة بتتهم القسم بتعذيب ابنها حتى الموت، ففين تحقيقات النيابة؟ وليه مهند والمواطنين اللي اتكلمنا عنهم كلهم وغيرهم كتير أجلهم بيجي تحديدًا في أقسام الشرطة؟!

**

عن الأسياد..

مش بالضرورة يكون كل اللي قالته الأم في الفيديو صحيح 100%، خصوصاً أنه القضية دي لم تحظ بتغطية من الصحافة الإخبارية، ومسمعناش رأي الخصم المستشار حازم عبد الحميد في الواقعة.

لكن أياً ما كان اللي حصل في واقعة الخلاف، وحتى لو كان مهند هو المخطئ وتجاوز في حق القاضي، هل دا يبرر قـتله بالتعـذيب؟ طيب هل موت مواطن مصري في قسم شرطة لا يستدعي إنه يحصل تحقيق شفاف وتعلن نتائجه للرأي العام؟

الأقرب للمعقول إنه كان فيه تبادل إساءات بين الطرفين زي كل الخلافات المرورية، وعليه دا كان يستدعي إما التصالح الفوري في القسم أو حبس الطرفين الشاكين.

لكن لأنه فيه انعدام توازن قُوى رهيب بين المستشار والسائق، الشرطة كذبت رواية السائق، زي ما هو واضح، وتبنت رواية المستشار بل وجاملته بتعـذيب خصمه حتى الموت.

**

النوع دا من القضايا مبقاش غريب على البيئة المصرية، بحكم طغيان فكرة "الأسياد" بين مجتمع القضاة والضباط، وأي حد يغلط فيهم لازم ينال عقاب بالغ القسوة عشان يبقى عبرة لبقية الشعب.

ودا ممكن نستنبطه من تحول خلاف لفظي في الشارع إلى قضية قتل بالتعـذيب بسهولة شديدة، ومن تعبير المستشار "أعلمه الأدب". القدر الهائل من الشعور بالفوقية في التعبير دا بيحيلنا مباشرة لثقافة "الأسياد".

**

الواقعة دي دالة بشكل كلاسيكي على اختلال التوازن بين طرفين في المجتمع واحد منهم يمتلك السلطة والنفوذ والمال والعلاقات والقوة، والآخر بيتفقر لكل دا، أعزل تماماً ولا يملك أي وسيلة أو حق للدفاع عن نفسه.

وبدل ما مؤسسات تطبيق القانون تقوم بدورها في تحقيق التوازن المختل وتقلل من التفاوت الرهيب دا، بتشتغل للأسف كأدة لحماية الاختلال والتفاوت.

بمناسبة تطبيق القانون، فالقاضي المفروض هو أكتر شخص حريص على تطبيق القانون في العالم، حتى لو كان طرف في خصومة، وبالعكس كان المفروض يطلب من الشرطة أن تطبق القانون على خصمه ولا تجامله شخصياً.
دا مش بيحصل في عالم مثالي ولا حاجة، لكنه بيحصل في عالم لا يحصل فيه القاضي على منصبه بالواسطة ببساطة، أو في عالم بتتمتع فيه السلطة القضائية بكامل صلاحياتها ولا يوجد تغول عليها من السلطة التنفيذية.

لكن أياً كان التاريخ المهني لسيادة المستشار، فمهند كان ضحية اختلال الموازين في الدولة بشكل وصل لتحويل القضاء لأداة قهر بدلاً من كونها حارس للعدالة، وتحويل مؤسسات تطبيق القانون إلى مسالخ تعذيب وسحق لكرامة المواطنين.

في حياة دولة طبيعية مفيش حد بيعلم حد "الأدب" لأنه القانون بيفصل في الحقوق والواجبات والخلافات، ولا حد بيعطي حد درس لأنه "تطاول على أسياده".

في حياة دولة طبيعية يحترم القاضي فيها القانون، لا يوجد "أسياد" و"عبيد"، وبالتالي مفروض ميكونس فيه عـنف أمني ولا تعذيب.

**

شبح خالد سعيد؟

- التعذيب هو أبشع انتهاكات لحقوق الإنسان على الإطلاق، لأنه ببساطة اعتداء على جوهر كرامة الإنسان.

مصر لما أرسلت المفكر المخضرم محمود عزمي للأمم المتحدة في 1948 عشان يساهم في الصياغة النهائية للإعلان العالمي لحقوق الإنسان كانت بتطلع لعالم خال من التعذيب.

ومع ذلك ما زالت الممارسة دي موجودة في مصر رغم كونها جـريمة بموجب القانون المصري والقانون الدولي، ورغم أنه دولتنا صدقت طوعياً على كل المعاهدات المناهضة للتعـذيب وعلى رأسها العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية واتفاقية مناهضة التعذيب.

ودا بيتطلب السؤال عن السبب في استمرار ظاهرة التعذيب في مصر؟ والإجابة باختصار إنه البيئة السياسية هي المسبب الأول للتعذيب، ولو كانت فيه إرادة سياسية لمنع التعذيب هيختفي بشكل شبه نهائي من السجون وأماكن الاحتجاز.
لكن لما يكون عدم احترام القانون هو إحدى ركائز نظام الحكم وبقاء شبكات القوة الداعمة ليه، ولما بيكون الفساد متغلغل في أجهزة الدولة، ولما بتكون فيه فرص كبيرة لإفلات الجلادين من العقاب، ولما بيكون القضاء مش مستقل، بيكون التعذيب حصيلة نهائية لكل الوضع المختل دا.

**

كل اللي بيشوف والدة مهند وهي بتبكي ابنها وتنتحب، بيمسه شيء من مأساتها، وكل اللي بيعرف قصته بيضع نفسه مكانها ودا بيرجعنا لأوضاع خطرة.

بنطالب النائب العام المستشار محمد شوقي بفتح تحقيق سريع في جريمة تعذيب مهند، وبنطالب بمحاكمة الضباط المسئولين عن قتله، وتعويض أسرته مالياً.

______________________

    • بيان وزارة الداخلية عن الواقعة

    https://www.facebook.com/MoiEgy/posts/pfbid09sZmQo1Dc913B4VfYtbAWmQb3VNg3HyB4uSD8HtGhuuAdou79BhafxyTCqT7WK9el

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...