جوليان أسانج حرّ

فعل أسانج المحظور الأكبر في هذا العالم. كشف اللثام عن أكبر أكاذيب العالم وأكثر أساليب الدول وحشية، وفضح تلك البرودة الفظيعة التي يتمتع بها الجميع خلف الكواليس، وتلك السهولة الرهيبة في إبرام صفقات، وتقرير حروب، وارتكاب تقتيل وسرقات، بين أولئك الذين هم في مواقع مسؤولية – ما إن يطمئنوا بأنّ أحداً لا يسترق السمع إلى حديثهم.
2024-06-27

شارك
جوليان أسانج معانقاً زوجته بعد نيله الحرية
إعداد وتحرير: صباح جلّول

"هذا يحمل سلاحاً. أطلِق النار".
"الجثث مكدّسة على الأرض".
"انظر إلى هؤلاء الأوغاد جثثاً هامِدة".
"إنه أمر جميل"...
"هناك طفلان مصابان، سيأخدهما الجنود إلى مستشفى".
"حسناً، إنه خطؤهم، فهم يأتون بالأطفال إلى ساحة معركة".

في الفيديو الذي نشرته الوكالات الإخبارية في العالم أجمع سنة 2010، شاهدنا وسمعنا بالصوت والصورة كيف تدير الولايات المتحدة الأميركية قواتها حيث تغزو. شاهدنا أحد أحياء بغداد وما يقارب عشرة مدنيين عراقيين يمشون فيه في وضح النهار معتقدين أنهم آمنون، اثنان منهما مراسلان لدى وكالة رويترز. يحمل المراسلان كاميرتيهما على كتفيهما، فكان ذلك سبباً كافياً لجندي مخبول يتجوّل فوق بغداد بطائرة "أباتشي" للجزم أن هذين الشخصين، وكل من في الحيّ معهما، خطر على جيشه الغازي. يطلب الجندي الإذن بإطلاق النار، فيحصل عليه مباشرة ودون تعقيدات: "أطلِق النار". يقتل ويصيب جميع من في مرمى طائرته، وعندما يأتي مسعفون لإخراج المصابين، تُطلق النار عليهم هم الآخرون، ويصابُ طفلان إضافيان. سمعنا كلّ الجمل الباردة التي قالها الجنود لبعضهم البعض، مهنئين بنجاح العملية ومنتشين بـ"تكدس الجثث الجميل"... كان ذلك في عام 2007، وأخرج لنا ذلك الفيديو إلى العلن رجل اسمه "جوليان أسانج" عبر موقعه الشهير "ويكيليكس".

*****

بالطبع، عوقِب أسانج بشدّة. لا لنشره هذا الفيديو فقط (سرّبته له مجندة أميريكية تدعى تشيلسي مانينغ وسُجنت بنتيجته بدورها)، بل لنشره مئات آلاف الوثائق والمراسلات المسربة من حول العالم، وخاصة من وعن الجيش الأميركي والإدارة الأميركية. صارت وثائق "ويكيليكس" بغنى عن التعريف، وهزّت الوثائق الرأي العام والعالم وقصور رؤساء ومؤسسات دول. فعل أسانج المحظور الأكبر في هذا العالم، كشف اللثام عن أكبر أكاذيب العالم وأكثر أساليب الدول وحشية وفضح تلك البرودة الفظيعة التي يتمتع بها الجميع خلف الكواليس، وتلك السهولة الرهيبة في إبرام صفقات وتقرير حروب وارتكاب تقتيل وسرقات، بين أولئك الذين هم في مواقع مسؤولية – ما إن يطمئنوا بأنّ أحداً لا يسترق السمع إلى حديثهم.

دفع أساج ثمن فعلته أكثر من 14 عاماً من السجن، أمضى سبع سنوات منها لاجئاً في سفارة الإكوادور في لندن، ثمّ خمس سنوات في سجن بريطاني شديد الحراسة. عانى خلال سنوات حبسه، خصوصاً في السجن شديد الحراسة، من أزمات نفسية شديدة وصلت به إلى التعبير عن رغبته بالانتحار أكثر من مرة عند فقدانه الأمل من إمكانية خروجه - ما وصفته زوجته "ستيلا" بـ"الأيام شديدة الظلمة".

لكنّ أسانج خرج إلى الحرية أخيراً، وعاد إلى بلده وعائلته في أستراليا بموجب صفقة قضائية توسطت فيها الحكومة الأسترالية مع الحكومة الأميريكية. أطلق سراح جوليان أسانج فعلاً من قبل محكمة في جزيرة سايبان الأمريكية - إحدى جزر ماريانا الشمالية، وهي منطقة تابعة للولايات المتحدة (محتلة ومستعمرة!!!) وتقع بالقرب من أستراليا - يوم الأربعاء في السادس والعشرين من حزيران/ يونيو 2024. قضت الصفقة المبرمة بإسقاط 17 تهمة تتعلق بانتهاك قانون التجسس الأمريكي وتهم تتعلّق بالقرصنة، فيما أقرّ أسانج بالذنب بتهمة واحدة هي التآمر للحصول على معلومات تتعلق بالدفاع الوطني الأميركي ونشرها، وذلك مقابل إطلاق سراحه فوراً، بعد أن كان الحكم الذي ينتظره على تهمه الـ18 كلها يصل إلى 175 عاماً من الحبس.

على الرغم من حريته المستعادة، لم ينتهِ أسانج بعد من دفع الأثمان، فخرج إلى الحياة بدَينٍ هائل. فقد نُقل على متن طائرة خاصة من لندن إلى جزيرة سايبان بعد أن مُنع من ركوب رحلة تجارية عادية، وفُرضت عليه تكاليف نقل باهظة لن تتحملها الحكومة الأسترالية، تصل إلى أكثر من نصف مليون دولار. لهذا السبب، نشرت زوجته ستيلا نداء على منصة "إكس" للتبرع لسدّ دينه. كما صرّحت أن زوجها "يحتاج لبعض الوقت ليسمح لعائلتنا بأن تكون عائلة"، قبل التحدث مع الإعلام.

مقالات من العالم

عودة إلى فانون: عن فلسطين وسيكولوجيا الاضطهاد والتحرّر

لا يمكننا التكلم عن فانون دون التطرق لتحليله للعنف وسايكولوجيا الاضطهاد، خصوصاً خلال الحقبة الحالية التي يطبعها الدمار والموت. ماذا كان فانون ليقول عن الإبادة الاستعمارية و"سيل القتل" اللذين يحدثان...