كيف تدير القاهرة مساحاتها الخضراء؟

يبدو بشكل ملموس أن هناك ما يشبه "الانقلاب" الطبقي، ليس فحسب بفعل الإهمال الصريح للشرائح الدنيا المفْقرة بشكل متسارع ومريع، والتي لا يلقى إليها بالٌ أبداً، بل بـ"الانتقام" ممن كانوا طبقة وسطى أو ميسورة في السابق، ويسكنون تاريخياً في تلك الأحياء "اللائقة"، بينما يجري تركيز اهتمام الترفيه والعناية على شريحة محدودة العدد، ونابتة كالفطر، لا تمتلك أي تأصيل أو جذور في تاريخ تلك المدن. وتستدعي هذه الملاحظة الحفر في الواقع، لتبين مدى صحتها ونطاق فعلها.
2024-06-21

رباب عزام

صحافية من مصر


شارك
ميدان سانت فاتيما - مصر الجديدة ما بين 2013 (يمين) و 2024 (يسار)

في آب/ أغسطس من العام 2020، كنت قد وصلت إلى قريتنا الريفية في محافظة "المنوفية" (إحدى محافظات دلتا مصر)، لتلقي واجب العزاء في والدي الراحل. يومئذٍ لاحظت أن شجرة "الجميز" العتيقة، التي كانت تقع مقابل واجهة منزل جدي على حافة نهر النيل، قد أزيلت، على الرغم من أن عمرها يفوق الـ500 عام. انتزعت من جذورها! وكانت تظلل وحدها مساحة كبيرة من الأرض ومنزلين على الأقل.

تساءلت: لماذا قطعت ؟ فقيل لي لبناء كوبري للمشاة والسيارات، من تلك النقطة إلى الجهة المقابلة من النهر. وعلى الرغم من مرور أربع سنوات، إلا أن المهمة لم تتحقق بعد، بينما خسرنا شجرة العائلة العريقة المتوارثة لأجيال متلاحقة.

ذكّرني بتلك الواقعة، الغضب الشعبي على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة في مصر، في كافة المحافظات، نتيجة ازدياد عمليات قطع الأشجار من الطرقات العامة، ليبدو أن السلطة ماضية في خطة للتخلص من كافة الأشجار. وقد دوّن المصريون ووثقوا مشاهد اقتطاع أشجارهم عبر وسم (أوقفوا قطع الأشجار)، في الوقت الذي برزت فيه إعلانات عن مدن الطبقة الثرية، أو ما يعرف بـ "الكمبوند"، وقد ازدادت المساحات الخضراء في داخلها بشكل لافت. كما تداول رواد المواقع الإلكترونية تصريحات حكومية منذ العام 2022، توضح أن حدائق العاصمة الإدارية - "كابيتال بارك" - هي أكبر حديقة مركزية في الشرق الأوسط، والثانية عالمياً من حيث المساحة والاخضرار، إذ يبلغ طولها 10 كيلو مترات على مساحة ألف فدان. وبحسب تصريحات حديثة من وزير الإسكان المصري، فقد تمت زراعة أكثر من 46 ألف شجرة ونخلة مثمرة وغير مثمرة في مشروع "كابيتال بارك" ذاك، والهدف من ذلك أن تكون 65 في المئة من مساحة المشروع عبارة عن مسطحات خضراء، لتوفير "جودة الحياة للمواطنين"... ممن يسكنون العاصمة الإدارية، من دون باقي المصريين في أحياء ومحافظات أخرى.

ما الذي يحدث بالتحديد في شوارع مصر؟

استمرت السلطات المصرية منذ العام 2014، في تنفيذ عملياتها، التي أطلق عليها المصريون "مجزرة الأشجار". لكن على الرغم من بدء تلك العمليات مع صعود الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى كرسي الحكم، إلا أن المواطنين لم ينتبهوا بشكل مكثف إلى المسألة سوى منذ عامين فقط، إذ نشطت عمليات قطع الأشجار بشكل حاد ومتسارع، خاصة في الشوارع الرئيسية والمناطق العامة، وتساءل المواطنون عن مصير تلك الأشجار بعد قطعها، وعن أسباب حدوث ذلك من الأساس!

أحالت السلطات في القاهرة الأمر إلى سببين: أولهما دخول مصر مرحلة الفقر المائي: تقدّر حصّة مصر التاريخية من مياه النيل بحوالي 55.5 مليار متر مكعب سنوياً، في حين تبلغ الاحتياجات الفعلية للبلاد حوالي 114 مليار متر مكعب سنوياً، ما دفع السلطة إلى الإعلان عن دخول مصر مرحلة الفقر المائي، كما وافق برلمان القاهرة في نيسان/ أبريل 2018 على قانون يمنع زراعة المحاصيل الأكثر استهلاكاً للمياه. وقد رأت تلك السلطة أن الأشجار في الشوارع صارت عبئاً على موارد الدولة، إذ وجّه الرئيس في العام 2021، بعدم زراعة أيّة أشجار زينة مرة أخرى في مصر، واصفاً قراره بأنه "أمر" لرئيس الحكومة والوزراء، وكان ذلك على الهواء مباشرة.

وفي العام 2022، أظهر "مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء" - وفق استبيان أجراه- أن حوالي 72.9 في المئة من المصريين، يؤيدون فكرة زراعة الأشجار المثمرة في الشوارع المصرية، بدلاً من أشجار الزينة، التي "تستهلك مياهاً من دون جدوى". وأما مصادر مركز المعلومات فليست شفافة أن أغلبية ظاهرة من الناس في الشارع المصري يرفضون اقتطاع الأشجار التراثية.

بحسب "مرصد الغابات العالمي"، فقدت مصر خلال الفترة من 2013 وحتى 2023 قرابة خمسة ملايين و60 ألف متر مربع من المساحات الخضراء والغطاء الشجري. وأسهمت "التنمية العمرانية" وخططها، منذ 2013 وحتى 2023 في إزالة وقطع قرابة مليون و660 ألف متر مربع من الأشجار والمساحات الخضراء، أي حوالي 33 في المئة من إجمالي المفقود من الأشجار والمساحات الخضراء في الفترة نفسها.

أما السبب الثاني، فيتمثل في ما تسميه السلطة "التنمية العمرانية". إذ مع ازدياد عمليات إنشاء الكباري وتوسعة الطرق العامة، صار شائعاً قطع كافة الأشجار على جانبي الطرق تحت ذريعة التوسعة. يقول محمد يونس - الباحث في ملف العدالة البيئية في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية"-: "في القاهرة الكبرى، صار قطع الأشجار في المساحات البينية للطرق وعلى جوانبها، هو الإجراء الأوليّ لعمليات توسيع الشوارع لدواعي السيولة المرورية وتوفير مساحات وقوف للسيارات"، مشيراً في دراسة أعدها في العام 2022، إلى أن العلاقة الحسابية المبسطة، التي استخدمتها الحكومة للاستفادة من الأمتار المعدودة في كل شارع من الرصيف وأشجاره، لم ترتق إلى أن تكون دراسة هندسية وتخطيطاً مسبقاً يشملان أي أبعاد بيئية واجتماعية، لكنها أظهرت أن أولوية سياسات التطوير المركزية تتمثّل في سرعة إنجاز الأعمال الإنشائية، ما أدى إلى تهميش أدوار أصحاب المصالح في مناطق التطوير.

ويبدو أن السلطة لا تراعي وجود المساحات الخضراء أثناء وضعها المخططات العامة والتفصيلية للمناطق الحضرية، إذ لم يعد الاهتمام موجهاً إلى المناطق والأحياء القديمة، بل إلى المدن الجديدة الاستثمارية، التي تدر ربحاً للحكومة. وهذه تبرر كل تحركاتها بأنها جزء من "خطة الإصلاح الاقتصادي"، المعلن عن تطبيقها منذ العام 2016.

يتبدى اهتمام السلطة الطبقي بتوزيع المساحات الخضراء في عدد من المظاهر، أولها أنها أعطت أوامرها بقطع الأشجار في كافة الأحياء القديمة، التي يسكنها عادة المواطنون من الطبقات محدودة الدخل والمتوسطة. مثال منطقة "المعادي"، حيث شرعت الحكومة في محاولة قطع الأشجار في شارع 9، وهو أحد أهم شوارع المنطقة، ويتميز بوجود مشاتل للأزهار والأشجار على جانبي الطريق. لكن الأهالي يحوْلون دون ذلك حتى اللحظة، بينما نجحت السلطات في قطع الأشجار في منطقة "ثكنات المعادي" المجاورة، خاصة حول منطقة "مترو الأنفاق"، وأيضاً على كورنيش النيل في "العجوزة" الواقعة في محافظة "الجيزة"، إذ اقتطعت الأشجار التراثية، التي زرعت منذ عهد مصر الخديوية.

أما المظهر الثاني، الذي يُبْرِز طبقية السلطة في تناولها حق المواطنين في الحصول على مساحات خضراء، فيتمثل في نموذج المدن الجديدة، التي أسستها كجزء من برنامج إعادة توطين سكان العشوائيات بعد تهجيرهم من مناطقهم الأصلية، قسراً أو طوعاً. وتدخل تلك المدن ضمن نطاق برامج الإسكان الاجتماعي، الذي لا يدر هامشاً كبيراً من الربح للدولة. نرى ذلك في مدينة "الأسمرات" على سبيل المثال، التي صارت مقراً لسكان مناطق عشوائية هُجِّروا من وسط القاهرة إليها، إذ تخلو من المساحات الخضراء مقارنة بمدن سكنية جديدة أخرى، استثمارية، مثل: "مدينتي" و"الرحاب"، اللتين يسكنهما أبناء الطبقة الثرية.

ومن خلال تعاطي السلطة مع المساحات التي خصصت سابقاً لزراعة الأشجار، والجزر الخضراء في الشوارع، يظهر أنها بدأت في تحويل أغلب تلك المساحات إلى مطاعم، وكافيهات، وساحات انتظار السيارات، أو مشاريع استثمارية (مثال ذلك ما حدث في "مصر الجديدة" ثم "المعادي"، وحديقة الأسماك ب"الجبلاية"، وحديقة "الميريلاند" في مصر الجديدة، و"حدائق الفسطاط" في القاهرة والجيزة... وفي الإسكندرية "حدائق المنتزه"، و"حدائق أنطونيادس" التاريخية). ما يؤكد اهتمامها بالجانب الاستثماري، على حساب الحس الجمالي والبيئي، من دون النظر إلى حاجة المواطنين إلى أشجار تحميهم من حرارة الصيف المرتفعة، وتعمل على إنتاج الأكسجين وتقليل الانبعاثات الكربونية.

في تصريحات حديثة لوزير الإسكان المصري، يقول أنه تمت زراعة أكثر من 46 ألف شجرة ونخلة مثمرة وغير مثمرة في مشروع "كابيتال بارك" في العاصمة الادارية الجديدة، والهدف من ذلك أن تكون 65 في المئة من مساحة المشروع مسطحات خضراء، لتوفير "جودة الحياة للمواطنين"... ممن يسكنون العاصمة الإدارية، من دون باقي المصريين في أحياء ومحافظات أخرى.

يبدو أن السلطة لا تراعي وجود المساحات الخضراء أثناء وضعها المخططات العامة والتفصيلية للمناطق الحضرية، إذ لم يعد الاهتمام موجهاً إلى المناطق والأحياء القديمة، بل إلى المدن الجديدة الاستثمارية، التي تدر ربحاً للحكومة. وهذه تبرر كل تحركاتها بأنها جزء من "خطة الإصلاح الاقتصادي"، المعلن عن تطبيقها منذ العام 2016.

يبدو هنا ــ بشكل ملموس ــ أن هناك ما يشبه الانقلاب الطبقي، ليس فحسب بفعل الإهمال الصريح للشرائح الدنيا المفقرة بشكل متسارع ومريع، التي لا يلقى إليها بالٌ أبداً، بل بـ"الانتقام" ممن كانوا طبقة وسطى أو ميسورة في السابق، ويسكنون تاريخياً في تلك الأحياء "اللائقة"، بينما يجري تركيز اهتمام الترفيه والعناية على شريحة محدودة العدد، ونابتة كالفطر، لا تمتلك أي تأصيل أو جذور في تاريخ تلك المدن. وتستدعي هذه الملاحظة الحفر في الواقع، لتبين مدى صحتها ونطاق فعلها.

تراجع المساحات الخضراء

أصدرت الإدارة المركزية لحماية الأراضي الزراعية بوزارة الزراعة، تقريراً، بيّن كيف فقدت مصر خلال 30 عاماً سبقت ثورة العام 2011، ما يُقدّر بحوالي 760 ألف فدانٍ من المساحات الخضراء والأراضي الزراعية. منها 350 ألف فدان خلال الأعوام من 2000 إلى 2010. لكن دراسات حديثة، أظهرت أن القاهرة صارت خاوية من معظم مساحاتها الخضراء، خلال ثلاث سنوات ماضية فقط، إذ دأبت الحكومة المصرية على عمليات قطع الأشجار من الطرق العامة، لصالح زيادة المساحة الإسفلتية. وتشير البيانات إلى فقدان بعض المناطق مساحات كبيرة، كانت مزروعة بالأشجار، مثل منطقتي: "مصر الجديدة"، و"مدينة نصر" في محافظة القاهرة، إذ قطعت مساحة 311 ألف متر مربع في "مدينة نصر"، و272 ألف متر مربع في "مصر الجديدة"، وفق إحصائيات صادرة عن "جمعية محبي الأشجار" (جمعية أهلية تعمل في مجال الحقوق البيئية). كما تشير مجموعة "مبادرة تراث مصر الجديدة" إلى أنه في حي "مصر الجديدة" وحده، قطعت حوالي 2500 شجرة ما بين العامين 2019 و2020 في إطار عمليات توسيع الطرق، منها 10 آلاف متر مربع من حديقة "الميريلاند"، من أجل إنشاء نصب تذكاري، لإحياء ذكرى مشاريع بناء الطرق والجسور في القاهرة!!

... وعموم البلاد!

ما يثير الاستنكار، أن تلك الخطة لم تتوقف عند العاصمة القاهرة أو المدن الحضرية فقط، بل تجاوزتها إلى المحافظات الريفية. وكان مشروع "تبطين الترع"، أحد المشروعات الهادفة إلى المحافظة على مياه النيل، سبباً رئيسياً في فقدان عشرات الآلاف من الأشجار الواقعة على حواف تلك الترع، تحت ذريعة عمليات التبطين والتطهير وتوفير استهلاك المياه (لم نستطع الحصول على رقم تقديري، نظراً لغياب الشفافية حول تلك الإحصائيات وعدم إفصاح الجهات الرسمية عنها).

ووفق موقع "الهيئة العامة للاستعلامات" الرسمي، ينقسم المشروع على مرحلتين، يتم تنفيذهما في 20 محافظة مصرية. ويشمل المخطط الذي تم إطلاقه في العام 2020، تبطين وصيانة 7500 كيلو متر من الترع والقنوات.

يتبدى اهتمام السلطة الطبقي بتوزيع المساحات الخضراء في عدد من المظاهر، أولها أنها أعطت أوامرها بقطع الأشجار في كافة الأحياء القديمة، التي يسكنها عادة المواطنون من الطبقات محدودة الدخل والمتوسطة.

يظهر من خلال تعاطي السلطة مع المساحات التي خصصت سابقاً لزراعة الأشجار، والجزر الخضراء في الشوارع، أنها بدأت في تحويل أغلب تلك المساحات إلى مطاعم، وكافيهات، وساحات انتظار السيارات، أو مشاريع استثمارية.

وبحسب "مرصد الغابات العالمي"، المهتم برصد الغطاء الشجري والنباتي حول العالم، فقدت مصر بشكل عام خلال الفترة من 2013 وحتى 2023 قرابة خمسة ملايين و60 ألف متر مربع من المساحات الخضراء والغطاء الشجري. وأسهمت "التنمية العمرانية" وخططها، منذ 2013 وحتى 2023 في إزالة وقطع قرابة مليون و660 ألف متر مربع من الأشجار والمساحات الخضراء، أي حوالي 33 في المئة من إجمالي المفقود من الأشجار والمساحات الخضراء في الفترة نفسها. وبحسب المرصد، فإن هناك عاملاً آخر، يساعد في التهام وإهدار الأشجار في مصر، هو موسم الحرائق. إذ شهدت الفترة ما بين 2021 و 2024، ما مجموعه 35061 تحذيراً من الحرائق، منها حوالي 670 إنذاراً بالحرائق منذ أيام، في منتصف شهر يونيو /حزيران الجاري. وكانت الحرائق مسؤولة عن 17 في المئة، من فقدان الغطاء الشجري في مصر، بين عامي 2001 و2023.

وفقاً للنشرة السنوية لإحصاءات خدمات المرافق العامة على مستوى مجالس المدن والأحياء للعام 2021، الصادرة عن الجهاز الرسمي للإحصاء، فقد شكّلت نسبة مساحة المسطّحات الخضراء من الحدائق والمتنزهات التابعة للأحياء والمدن حوالي 14238710 أمتار مربعة، وكان عددها 2814 حديقة ومنتزهاً. وبحسب الإحصاء، فإن متوسط نصيب الفرد في المحافظات المصرية يمثل حوالي 17 سنتيمترات فقط من المساحات الخضراء. وكان أكبر نصيب للفرد من المساحات الخضراء في محافظة "جنوب سيناء"، بواقع 161 سنتيمتراً، بينما وصل نصيب الفرد إلى سنتيمترين فقط في محافظات: "القليوبية"، و"الغربية"، و"الفيوم"، و"قنا"، و"مطروح". ويبلغ متوسط نصيب الفرد في المحافظات الحضرية (القاهرة والإسكندرية والسويس وبورسعيد) حوالي 39 سنتيمتراً من المساحات الخضراء، فيما يبلغ متوسط نصيب الفرد من المساحات الخضراء في "الدلتا"، و"صعيد مصر"، والمحافظات الحدودية 15.5 و10.7 و66.6 سنتيمترات على الترتيب.

وكشفت ورقة علمية لباحثين من جامعة القاهرة، درست أكثر أحياء القاهرة احتياجاً إلى زيادة المسطحات الخضراء، للتخفيف من أثر موجات الحرارة، أن كل أحياء القاهرة تفتقر إلى الحد الأدنى من الغطاء الأخضر، كما أظهرت أن 13 من أصل 46 منطقة في القاهرة معرضة لمخاطر مرتفعة أو مرتفعة جداً من التعرض لموجات الحرارة. وبيّنت أن سكان القاهرة العاصمة، لا يتمتعون بعدالة مناخية وبيئية مرتبطة بتوزيع المساحات الخضراء، إذ أن أكثر من نصف سكان القاهرة لديهم مساحات خضراء بنسبة تقل عن 0.5 متر مربع للفرد الواحد، بينما المعدلات العالمية، تشير إلى أنه يجب أن تكون نسبة الشخص من 12 الى18 متراً مربعاً لكل فرد في البلدان النامية.

تكلفة مادية وغياب العدالة في التوزيع

أشارت دراسة أطلقها "مركز التنمية والدعم والإعلام" ("دام للحقوق والحريات")، إلى أن غياب العدالة في المساحات الخضراء، يضع أمام المصريين غير القادرين مادياً عقبات مالية، خلال محاولاتهم دخول المتنزهات أو الوصول إليها، بما يعني تحمل تكلفة انتقال إضافية، في ظل ظروف اقتصادية سيئة.

ووفق الدراسة، فإن هناك حدائق عامة، تم تأجيرها لمستثمرين وتحويلها إلى مشاريع استثمارية، مثل "حديقة السواح" التي اعتاد سكان "منطقة المرج" - تقع في شمال شرق العاصمة- على الجلوس فيها بشكل مجاني، حتى تم تأجيرها لمستثمر منع مجانيتها، فصار سكان المناطق القريبة يلجؤون إلى حدائق بعيدة، بتكلفة إضافية للتنقل، وتكلفة أخرى لشراء مشروبات أو طعام من داخل الحديقة التي لم تعد مجانية، ما يعني أن هناك استغلالاً حكوميّاً لمساحات من الحدائق العامة، في تحقيق أرباح جديدة. ففي تصريحات رسمية سابقة، ظهر أن مسؤولي محافظة القاهرة، ينوون طرح 249 فداناً في 30 حديقة عامة، لاستغلالها في مشاريع خدمية، ما سيؤثر على محدودي الدخل، ويحدُّ من قدرتهم على الوصول إلى المساحات الخضراء في المحافظة.

لا يتمتع سكان القاهرة العاصمة بعدالة مناخية وبيئية مرتبطة بتوزيع المساحات الخضراء، إذ أن أكثر من نصف سكان القاهرة لديهم مساحات خضراء بنسبة تقل عن 0.5 متر مربع للفرد الواحد، بينما المعدلات العالمية، تشير إلى أنه يجب أن تكون نسبة الشخص من 12 الى18 متراً مربعاً لكل فرد في البلدان النامية.

يحمي الدستور المصري في مواده، الغطاء الشجري ويحث على زيادته، إذ ينص في المادة 45 على أن "تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر، والحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية والسمكية، وحماية المعرَّض منها للانقراض أو الخطر، والرفق بالحيوان"، كما يقر أن "لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة وحمايتها واجب وطني...

وعلى الرغم من أن دراسة ظهرت في العام 2018 تصنف القاهرة كالمدينة الأكثر تلوثاً في العالم، بما يعني حتمية زراعة مزيد من المساحات الخضراء، لتقليل ذلك التلوث ومظاهره، إلا أن السلطة تشرع في قطع الأشجار وتقليص المساحات، ما سيفاقم من آثار التغير المناخي وتكلفته الاقتصادية والصحية على المواطنين والدولة على حد سواء.

يأتي ذلك، في الوقت الذي يحمي فيه الدستور المصري في مواده، الغطاء الشجري ويحث على زيادته، إذ ينص في المادة 45 على أن "تكفل الدولة حماية وتنمية المساحة الخضراء في الحضر، والحفاظ على الثروة النباتية والحيوانية والسمكية، وحماية المعرَّض منها للانقراض أو الخطر، والرفق بالحيوان"، كما يقر في المادة 46 أن "لكل شخص الحق في بيئة صحية سليمة وحمايتها واجب وطني وتلتزم الدولة باتخاذ التدابير اللازمة للحفاظ عليها وعدم الإضرار بها والاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية، بما يكفل تحقيق التنمية المستدامة وضمان حقوق الأجيال القادمة فيها". لكن يبدو أن السلطة قد تجاهلت ما يقره الدستور المصري!

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...