ممحاة تسير على أرض الكتابة: التعليم في "سنجار"

تربية الأطفال في مناطق تعرضت للحرب، في غياب التعليم اللازم، وجودته وسهولة الحصول عليه والوصول إلى المدارس المهيأة، يدفع إلى الشك في حقيقة الانتصار على تنظيم "داعش". فمجرد توقف القتال بالأسلحة والقنابل والطائرات، لا يعني انتصاراً، إذا لم تكن هناك إجراءات تضمن حق ضحايا "داعش" في الحصول على التعليم، وأساسيات الحياة، بما فيها الاطمئنان التام من الناحية الأمنية. غير أن ذلك يبدو مستحيلاً، في ظل وجود 12 جماعة مسلحة تتصارع على مدينة "سنجار".
2024-04-22

فؤاد الحسن

كاتب من العراق


شارك
بيوت الاهالي الطينية بدل أبنية المدارس في سنجار

يغرق القطاع التعليمي في "سنجار"، إلى جانب القطاعين الصحي والأمني، في دوامة من الإهمال الحكومي، وعجز الأهالي العائدين إلى مناطقهم، بعد نزوح استمر قرابة عقدٍ من الزمن، عن إعادة إحياء الحياة لوحدهم في حلبة مصارعة الأحزاب والجماعات المسلحة. ويخلق كل ذلك تنبؤاً مستقبلياً بمعارك أخرى، ويثبت لنا أننا ننسى، ولا نتعلم من الحروب، بل نموت فيها فقط.

مقالات ذات صلة

فالحرب التي تعرضت لها مدينة "سنجار" كمركز للقضاء، وكذلك القرى التابعة لها، أدت إلى هجرة الكوادر التعليمية المتخصصة، كما الأهالي على حد سواء. لكن المفارقة هي أنه حتّى بعد إعلان الانتصار الكامل على "داعش"، لم تتعافَ المناطق التي خضعت لسيطرته، وظلت آثار الدمار حاضرة حتّى اليوم، من دون معالجة مدروسة للوضع، لضمان عودة المُهجّرين.

تصريحات السلطة الحاكمة بأن "داعش" لم يعد يشكل تهديداً على العراق، يعتبر التنظيم الإرهابي ماضياً قد مضى وتم الانتصار عليه، فيضع المكان خارج الاهتمام الحكومي.

الانتصار على "داعش" وخسارة الطلبة

شهد العراق أكبر نسبة تسرب للطلبة من المدارس الابتدائية في الموسم الدراسي 2016-2017، بحسب ما كشف عنه الجهاز المركزي للإحصاء[1]، وهو العام الذي تم فيه إعلان الانتصار على تنظيم "داعش"، وتحرير كل مناطق العراق من سيطرته. تَسرَّب 368 . 131 ألف طالب، واتّضح أن أغلب المتسربين من المدارس دون سن 15 عاماً! وقد انغمس أغلب هؤلاء في الأعمال المختلفة المنهكة جسدياً لقاء أجر بسيط. هناك على الشوارع وفي التقاطعات مئات الأطفال يبيعون المحارم والمياه والعلك، أو يحترفون التسول. وقد تكونت عصابات تستغل الأطفال المشردين، وتستولي على جزء من مكسبهم اليومي.

عدم تطبيع الأوضاع في "سنجار"، والوصول إلى اتفاق بين الحكومة الفيدرالية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في "أربيل"، على مَن سيتولى إدارة القضاء، يُصّعِب من عملية عودة النازحين البالغ عددهم أكثر من 200 ألف شخص لا يزالون في مخيمات في أقليم كردستان. و58 في المئة من السكان، لا يمكنهم الوصول إلى مدارس ثانوية عاملة ضمن نطاق خمسة كيلو مترات من مناطق إقامتهم.

وعلى الرغم من أن المادة 34 في الدستور العراقي، تنص على حماية الطفولة، وتكفّل الدولة بالتعليم ومحو الأمية، تزداد نسبة الأمية في العراق بشكل مخيف، وبشكل خاص نسبة الإناث منهم، إذ أن هناك صعوبة في الوصول إلى المراكز التربوية، كما أن الأعراف التقليدية تقيد الإناث عن الوصول إلى التعليم بأعداد كبيرة. أما النساء الإيزيديات اللواتي تعرضن للعنف الجسدي والنفسي إثر اختطافهن من قِبل تنظيم "داعش"، فيعانين من صعوبة في إيجاد التعليم المناسب، في ظل تدهور الواقع التعليمي والدرجات الوظيفية التي لا تنصف المناطق المتأثرة بالحرب.

مدارس ابتدائية عسكرية

تقرير[2] منظمة "هيومن رايتس ووتش" بيّن صعوبة استحصال فرصة للتعلم في "سنجار"، كون المدارس قد تم تدميرها من قِبل "داعش"، أو في معارك التحرير. حتّى في الأماكن التي يمكن الوصول إلى المدارس فيها، يُقوّض الاكتظاظ جودة التعليم وإمكانية التركيز المكثف على الطلبة، الذين يتطلب التعامل معهم اهتماماً خاصاً بغرض إلهائهم عن الحروب، وتوجيه جهودهم الفكرية والنفسية نحو التعلّم، الذي يشكل السبيل الوحيد لتحسين أوضاع البلد والأفراد.

عدم تطبيع الأوضاع في "سنجار"، والوصول إلى اتفاق بين الحكومة الفيدرالية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في "أربيل"، على مَن سيتولى إدارة القضاء، يُصّعِب من عملية عودة النازحين البالغ عددهم أكثر من 200 ألف شخص لا يزالون في مخيمات في أقليم كردستان. ما يعني بقاء عدد من الكوادر التدريسية المتخصصة في تلك المخيمات، ونقصاً في أعداد المدرسين\ات في مؤسسات المدينة والمناطق التابعة لها، إذ أن 58 في المئة من السكان، لا يمكنهم الوصول إلى مدارس ثانوية عاملة ضمن نطاق خمسة كيلو مترات من مناطق إقامتهم. وفي شوارع طينية غير مبلطة، يستحيل عليهم بلوغ المدارس مشياً لترديد النشيد الوطني، والجلوس على المقاعد الدراسية، إذا توافرت، وإذا لم تتوافر، فعلى الأرض، وإذا طالت الأرض الرطوبة، فواقفين. أما المقاعد الدراسية ــ إذا توافرت ــ فإنها موسومة بعلامات منظمات إنسانية، وليست مقدمة من وزارة التربية.

توجد في قضاء "سنجار" 206 مدارس، وهذا رقم هائل، غير أن المفاجأة تكمن في قدرة 96 منها فقط على توفير التعليم، للأسباب المذكورة سالفاً. كما تضم المدرسة الواحدة 600 إلى ألف طالب مسجلٍ فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المدارس مخصصة لاستقبال 400 طالب\ة.

مانع آخر يوقف الطلبة عن استئناف التعليم بعد الحرب ــ وهو ظلمٌ يضاعف الظلم الذي تعرضوا له عند اختطاف "داعش" لهم - هو رفض وزارة التربية قبول الطلبة الذين انقطعوا عن الدراسة لأكثر من أربع سنوات. وفي حرب "داعش" على العراق، واحتلاله مدينة "سنجار" في 2014، اختطف الآلاف من الأطفال، وقد رفضت السلطات إعادة تسجيلهم بعد عودتهم!

بحسب تصريح لمدير تربية "سنجار" أدلى به لمنظمة "هيومن رايتس ووتش"، تستخدم الجماعات المسلحة ثلاث مدارس كقواعد عسكرية، فتكون هذه المدارس معرضة لخطر الهجوم.

كما وثّقت[3] "هيومن رايتس ووتش" تجنيد الجماعات المسلحة للأطفال في العراق، والاستخدام العسكري للمدارس. وتتم برمجة عقول هؤلاء الأطفال، لجعلهم على استعداد للقتل، والمشاركة في المعارك من أجل مفاهيم يعتبرونها مقدسة.

تكثر أزمات البلد، من الجفاف وانعدام الإنتاج – سوى القطاع النفطي الذي يمثل المنتج الريعي المعتمد عليه على كل الأصعدة ــ الى الأزمات السياسية بين الأحزاب والكتل على مناصب وزارية وإدارية ومناطقية، والتنازع الذي يخلق جواً متوتراً باستمرار. هذه كلّها عوامل تُبطئ أو تكاد توقف عملية الاستشفاء من المصائب، التي تسببت فيها كل تلك الحروب التي مرت على العراق. وعجلة التعليم التي ثقبتها هذه العوامل لا يمكن أن تستمر، إلّا إذا حدثت معجزة. وكما هو معروف للجميع، فزمن المعجزات قد ولّى.

تحرروا من "داعش" ورفضتهم المدارس

المانع الآخر الذي يوقف الطلبة عن استئناف التعليم بعد الحرب، وقد حسب بعضهم أنه ظلم يضاعف الظلم الذي تعرضوا له عند اختطاف "داعش لهم"، هو رفض وزارة التربية[4] قبول الطلبة الذين انقطعوا عن الدراسة لأكثر من أربع سنوات. وفي حرب "داعش" على العراق، واحتلاله مدينة "سنجار" في 2014، اختطف الآلاف من الأطفال والرجال والنساء. بعض الأطفال تم تحريرهم أو هربوا بعد خمس سنوات من تاريخ اختطافهم، وحاولوا التسجيل مرة أخرى في المدرسة لإعادة الحياة والاستشفاء الذاتي، بجهود أهاليهم وتشجيعهم، مع غياب الدعم الحكومي اللازم. لكنهم فوجئوا برفض التربية قبول التحاقهم مرة أخرى في المدرسة، بسبب انقطاعهم عنها لسنوات كانوا مختطفين خلالها! وظلوا في جوٍ من البطالة والحرمان المتعمد.

توجد في قضاء سنجار 206 مدارس، وهذا رقم هائل، غير أن المفاجأة تكمن في قدرة 96 منها فقط على توفير التعليم، للأسباب المذكورة سالفاً. كما تضم المدرسة الواحدة 600 إلى ألف طالب مسجلٍ فيها، مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه المدارس مخصصة لاستقبال 400 طالب\ة.

يُضاف إلى جملة الأسباب الواقفة وراء تلكؤ سيرورة التعليم الحكومي في "سنجار"، تأخر أو غياب المناهج الدراسية عن الطلبة، مما يدفع بهم إلى استعارة الكتب القديمة أو استنساخها، أو تدوينها بخط اليد لغرض إجراء الامتحانات وعبورها بنجاح.

تربية الأطفال في مناطق تعرضت للحرب، في غياب التعليم اللازم، وجودته وسهولة الحصول عليه والوصول إلى المدارس المهيأة، يدفع إلى الشك في حقيقة الانتصار على تنظيم "داعش". فمجرد توقف القتال بالأسلحة والقنابل والطائرات، لا يعني انتصاراً، إذا لم تكن هناك إجراءات تضمن حق ضحايا "داعش" في الحصول على التعليم، وأساسيات الحياة، بما فيها الاطمئنان التام من الناحية الأمنية. غير أن ذلك يبدو مستحيلاً في ظل وجود 12 جماعة مسلحة تتصارع على "سنجار"، بحسب تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش".

ممحاة تسير على أرض الكتابة

العراق الذي اخترع الكتابة، ومنه انطلقت أولى الحروف إلى العالم، يعاني أطفاله من حرمانهم أساسيات الحياة وحق التعلم، بسبب قرارات الحكومات المتعاقبة العشوائية، والعقود الوهمية في الوزارات الحيوية، ومنها وزارة التربية، والمحاصصة الحزبية والطائفية والدينية، التي تسيطر على العملية السياسية. العراق أرض الكتابة، تسير عليه ممحاة تشطب تاريخه وكذا مستقبله.

______________________

  1. https://shorturl.at/guMNX
  2. https://www.hrw.org/ar/news/2023/06/06/iraq-political-infighting-blocking-reconstruction-sinjar
  3. https://www.hrw.org/ar/news/2016/12/22/298026
  4. https://kirkuknow.com/ar/news/64542

مقالات من العراق

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

للكاتب نفسه

فتاة كقصبة ال"بامبو"

فؤاد الحسن 2024-09-29

"فاطمة" لم تستطع نيل موتها، على الرغم من دنو الموت، وتنفسه الثقيل الملتصق بتراب الأرض. فقد اختُطِفت مِن قِبل عناصر تنظيم "داعش"، على الرغم من سنواتها التسع، التي لم تنضج...

الموت امرأة من شنكَال

فؤاد الحسن 2024-06-03

أعلنت جائزة سمير قصير لحرية الصحافة عن اللوائح القصيرة المرشحة للفوز . وفي فئة مقالات الرأي، أعلنت عن أسماء المرشحين الثلاثة وهم عبد الرحمن الجندي من مصر، ومصطفى الأعصر من...