السيسي وثمن دماء الفلسطينيين

تضاعف الدين المصري، في السنوات الخمس الأولى من عهد "نظام يوليو 2013"، أكثر من خمسة أضعاف بحسب وزير المالية المصري آنذاك، عمرو الجارحي. بينما ارتفع إجمالي الدين الخارجي المصري إلى 164.7 مليار دولار في نهاية حزيران/ يونيو 2023، مقارنةً بـ46 ملياراً في 2014، مع بداية الحكم الرسمي للسيسي، وذلك بحسب بيانات البنك المركزي المصري.
2024-02-26

حسام خليفة

كاتب من مصر


شارك
معبر رفح من جانب غزة

"والله العظيم أنا لو ينفع اتباع هتباع"! قالها السيسي في خطاب عام له، خلال حفل تدشين استراتيجية مصر للتنمية المستدامة في شباط/ فبراير 2016. وها هو الزمن يدور، وكأن استراتيجيته لمصر هي البيع المستمر. والسيسي اليوم يقترب من قبض ثمن دماء الفلسطينيين.

يقبض ثمن مشاركة نظامه في حصار وتجويع أهل غزة، والسمسرة على معاناتهم. يفاوض صندوق النقد الدولي على زيادة قرض يستميت نظامه من أجل الحصول عليه، لتخفيف الديون الهائلة التي ورط بها ملايين المصريين أثناء حكمه، إذ تضاعف الدين المصري، في السنوات الخمس الأولى من عهد "نظام يوليو 2013"، أكثر من خمسة أضعاف، بحسب وزير المالية المصري آنذاك عمرو الجارحي. بينما ارتفع إجمالي الدين الخارجي المصري، إلى 164.7 مليار دولار، في نهاية حزيران/ يونيو 2023، مقارنةً بـ46 ملياراً في 2014، مع بداية الحكم الرسمي للسيسي، وذلك بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

ويُقْدم نظامه تارة أخرى على سمسرة رخيصة لا تليق بدولة، ولا حتى بقطّاع طرق لديهم أدنى قدر من شرف الخصومة، متمثلة بما يقوم به جهاز مخابراته الحربية، والتي صعَد منها هو نفسه من رئيس للمخابرات الحربية، إلى وزير للدفاع، ثم رئيس للجمهورية، لا يعرف حدوداً لزمنه، كما أجاب عن سؤال في أحد المؤتمرات العامة في سيناء، عما حل بالحكام الذين يرغبون في الحكم إلى الأبد؟ فأجاب أنه لا يوجد أبد، "لأن الأبد أصله بينتهي بعمر الإنسان، يعني مفيش أبد، يعني مفيش في المطلق، يعني مفيش حد هيقعد 100 أو 200 سنة"!

مقالات ذات صلة

إذ تشارك مخابرات السيسي عن طريق رجل الأعمال الحالي والمجرم المدان سابقاً إبراهيم العرجاني، والذي تكرر ظهوره إلى جانب السيسي، في ما يتعلق بسيناء في مؤتمرات عامة، منذ ما قبل تولّي السيسي الرئاسة رسمياً في 2014، ليصعد بسرعة ويزداد نفوذه بتأسيس مجموعة من الشركات، بعضها من شركات الواجهة لأجهزة المخابرات المصرية وجهاز الخدمات الوطنية التابع لوزارة الدفاع المصرية، ليتم إعلان مشاركتها مع كل نهاية جولة من جولات الحرب السابقة على غزة (في 2015، و2021 ) في إعمار غزة، عن طريق "شركة أبناء سيناء للتشييد والبناء".

طلبت وزارة الطاقة الإسرائيلية، من شركة شيفرون المشغِّلة لحقل تمار وقف الإنتاج، كما أوقفت تدفق الغاز مؤقتاً، عبر خط أنابيب "غاز شرق المتوسط"، الذي يربط مدينة عسقلان بالعريش في شمال سيناء. وقد أدى ذلك إلى مضاعفة عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي في عموم مصر.

كما كشفت عدة تقارير صحافية وحقوقية مصرية مستقلة، عن تورط شركات العرجاني في السمسرة وفرض إتاوات باهظة، تبلغ عدة آلاف من الدولارات "عن كل رأس" بحسب نظرة تجار الدم، على كل فلسطيني يرغب في العبور عبر معبر رفح، سواء للعلاج، أو حتى للانتقال إلى أية جهة أخرى في العالم، عن طريق البوابة الوحيدة للمعبر، التي تعمل ضمن نظام الحصار، على قرابة 2 مليون و200 ألف إنسان في غزة منذ 2007.

يشرع نظام السيسي حالياً، في إنشاء منطقة أمنية معزولة على الحدود مع قطاع غزة، بهدف استقبال لاجئين من غزة، تحت إشراف وحضور ضباط تابعين لجهاز المخابرات الحربية، جنباً إلى جنب مع عناصر قبلية مسلحة، من ميليشيا "فرسان الهيثم"، التابعة لـ" اتحاد قبائل سيناء"، الذي يرأسه العرجاني، بحسب مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.

ليس هذا فحسب، بل قام نظام السيسي أيضاً ــ في الوقت الذي تتصاعد فيه دعوات المقاطعة المصرية والعالمية للكيان الصهيوني من أحرار العالم ــ بتوقيع اتفاقية جديدة مع إسرائيل، تقضي بزيادة معدلات استيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، الى حوالي 4 مليارات متر مكعب إضافية سنوياً، من حقل تمار، الواقع على بعد 25 كيلو متراً من غزة، بدلاً من الـ 2 مليار متر مكعب حالياً، وذلك لمدة 11 عاماً آخر، تبدأ من تموز/ يوليو عام 2025.

هناك مجموعة محددة من الشركات، بعضها واجهات لأجهزة المخابرات المصرية وجهاز الخدمات الوطنية التابع لوزارة الدفاع، كان يتم مع نهاية كل جولة من جولات الحرب السابقة على غزة (في 2015، و2021 ) الإعلان عن مشاركتها في إعمار القطاع، عن طريق "شركة أبناء سيناء للتشييد والبناء".

يأتي ذلك بعد أن استخدمت إسرائيل، مع بداية عملية طوفان الأقصى، ورقة الغاز الذي تعتمد مصر عليه، كورقة ضغط. إذ طلبت وزارة الطاقة الإسرائيلية من شركة شيفرون المشغلة لحقل تمار وقف الإنتاج، كما أوقفت تدفق الغاز مؤقتاً، عبر خط أنابيب "غاز شرق المتوسط"، الذي يربط مدينة عسقلان بالعريش في شمال سيناء. وقد أدى ذلك إلى مضاعفة عدد ساعات انقطاع التيار الكهربائي في عموم مصر، ليصل إلى ساعتين، وأحياناً إلى 4 ساعات كاملة من الانقطاع اليومي في بعض المناطق.

بدأت تتآكل شعبية السيسي بسرعة مذهلة، منذ بدء فصل الإبادة الجماعية الصهيو - نازية على أهلنا وجيراننا الفلسطينيين، ليس فقط لدى قطاع من المصريين، بل حتى لدى حليفته الاستراتيجية إسرائيل، التي لا تستنكف عن وضعه في موقف محرج يوماً بعد يوم، والضغط عليه لتقديم مزيد من التنازلات. فهي توجه إليه الاتهام بشكل رسمي ومعلن، بأنه مسؤول عن منع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وصولاً إلى تحميله مسؤولية طوفان الأقصى، بادعاء أن الأنفاق بين مصر وغزة هي التي أسهمت في تسليح فصائل المقاومة الفلسطينية، وعلى رأسها كتائب القسام التابعة لحركة حماس. ليضطر نظام السيسي تحت وطأة هذا الحرج المتزايد، لأن يطلق تصريحات عبر رئيس الهيئة العامة للاستعلامات ضياء رشوان، بأن مصر السيسي أحكمت السيطرة على حدودها، وقامت بتدمير أكثر من 1500 نفق على مدى السنوات الماضية. ليتحقق المثل الشعبي المصري: "ما شافهومش وهما بيسرقوا، شافوهم وهما بيتحاسبوا".

شركات العرجاني متورطة في السمسرة وفرض إتاوات باهظة، تبلغ عدة آلاف من الدولارات، "عن كل رأس"، بحسب نظرة تجار الدم، على كل فلسطيني يرغب في العبور عبر معبر رفح، سواء للعلاج، أو حتى للانتقال إلى أية جهة أخرى في العالم.

أغلق السيسي على نفسه بوابة الخروج، بإصراره على تعديل الدستور المصري، للسماح لنفسه بالبقاء في السلطة مدة رئاسية ثالثة. ذلك الدستور، الذي سبق للسيسي التصريح بأنه " كُتِب بنوايا حسنة، وأن الدول لا تُبنى بالنوايا الحسنة فقط". وتلك الانتخابات الشكلية الثالثة له، والتي أجراها على عجالة، وبمعزل عن رقابة شعبية ودولية حقيقية، أثناء الأسابيع الأولى من الإبادة الجماعية في غزة.

كان حلم السيسي من خلال انقضاضه على عرش البلاد، أن يقوم بتوحيد السلطات والأصوات، ليصبح هو الآمر والناهي، ويكرر بنفسه لأكثر من 100 مليون مصري، أي ربع سكان الوطن العربي: "اسمعوا كلامي أنا بس". إلا أن توالي الأزمات، من أزمة اقتصادية غير مسبوقة في مصر، إلى تزايد الإحباط والغضب الشعبي من مشاركته ليس فقط في حصار وإبادة أهل غزة، وتركيعهم للتخلي عن خيار المقاومة، بل والسمسرة على دمائهم... كل هذه العوامل، لا بدّ أن تجعل السلطة الموحدة ناراً مصطلية. ولو كان ذكياً، لعمل على تداول حقيقي للسلطة، وفتْح المجال العام، ووقف قمع الأجهزة الأمنية لكل صوت حر، سواء كان تدوينة لصحافي أو سياسي، أو حتى فيديو لأطفال وشباب على التيك توك. لكن لا حياة لمن تنادي!

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.