النساء في مصر وردة في عروة الاستحقاقات الانتخابية... وضحية بقية الوقت

هذه المعارضة من ذاك النظام! على الرغم من وضع الغالبية العظمى من تلك النساء اللواتي يتم استغلال فقرهنّ وجوعهنّ من أجل تصدير مشهد حشد وهمي، يشنّ العديد من المعارضين هجوماً عليهنّ ويعتبرهنّ مجرمات وخارجات عن القانون، وهو اتجاه غير مفهوم يتغاضى عن الأسباب التي عارض من أجلها المعترضون على السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة من السلطة.
2023-12-13

إيمان عوف

صحافية من مصر


شارك
مواطنات مصريات خارج لجنة اقتراع

الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعاني منها المصريون لا تُخفى على أحد، وقد بلغت نسبة التضخم خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر من هذه السنة 38 في المئة، ومن المتوقع أن تستمر في التصاعد مع انهيار قيمة الجنيه مقابل الدولار وموجات التعويم المتواصلة.

وسط تلك المعاناة، هناك 33 في المئة من الأسر تعيلها نساء، بينما تشارك 50 في المئة من النساء مع الأزواج والآباء والأشقاء في إعالة الأسرة. ومن المعلوم أن النساء تتقاضين مرتبات أقل مما يتقاضاه الذكور وفقاً لتقرير "الفجوة في المرتبات بين الجنسين" (1)، كما وصلت نسبة البطالة بينهنّ إلى أربعة أضعاف ما هي لدى الرجال، بنسبة مساهمة في الاقتصاد تبلغ 15.6 في المئة مقابل 67.3 في المئة للذكور.

لا يتوقف الأمر عند غياب الفرص والفقر والبطالة، إذ تتعرض النساء في مصر إلى العنف الجسدي الذي قد يصل إلى حد القتل في الشارع والتحرش الذي عانت منه 68 في المئة من النساء العاملات في مصر، وفقاً لتقرير "اتحاد عمال مصر" الرسمي.

ووسط تلك الأرقام التي تعكس حال المصريات وصل عدد التوكيلات التي حررتها نساءٌ للرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي 740 ألف توكيل من إجمالي مليون و130 ألف توكيل، أي ما يزيد عن نصف التوكيلات التي حصل عليها الرئيس المسؤول عن السياسات الاقتصادية الاجتماعية الراهنة.

عنايات ونسمة والأخريات

يتصور البعض للوهلة الأولى أن هذا الرقم الذي يقترب من نصف التوكيلات يعكس مدى مشاركة النساء في الاستحقاقات الدستورية المختلفة، لكنّ المشهد أمام مقرات الحزب الأقرب إلى السلطة في المنطقة الشعبية العمالية بشبرا الخيمة مختلف تماماً. هناك، جلست عشرات النساء اللواتي ظهر عليهنّ الفقر والجوع، يتبادلن الحديث بصوتٍ منخفض حول أسعار الطعام وجشع التجار وعلبة حلاوة مولد النبي والـ 200 جنيه التي سيحصلنَ عليها نظير منح هوياتهنّ الشخصية لمندوب الحزب وتحرير توكيل تأييد.

يزداد الأمر وضوحاً في الحديث معهنّ. بغضبٍ، تقول " عنايات" وهي سيدة خمسينية أرملة: "أنا أم لخمسة أطفال وزوجي توفي قبل سبع سنوات، وأبنائي في مراحل تعليمية مختلفة من الإعدادي حتى الجامعة، دخلي لا يتعدى ثلاثة آلاف جنيه في الشهر إضافة إلى 800 جنيه معاش "تكافل وكرامة" الذي توفره الدولة للنساء المعيلات (2). يأتي علينا وقت لا أجد ثمن دواء لطفل من أطفالي إذا مرض. نسي أبنائي طعم اللحم. قبل أسبوعين أخبرتني جارتي أن هناك جمعية خيرية تجمع البطاقات الشخصية مقابل علبة حلاوة المولد و200 جنيه والذهاب إلى مقرات الشهر العقاري والغناء والرقص من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الرابعة مساءً. على الفور قررت الذهاب معها ومثلي أغلب الجارات، لم تتردد واحدة منهن ولو لدقيقة واحدة. نحن نعلم جيداً أن من يريده النظام سيأتي شئنا أم أبينا، وأن الـ 200 جنيه ثمن وجبة غداء نوفرها لأبنائنا أفضل لدينا مليون مرة من السياسة وناسها".

انتهت اللقاءات الثلاثة التي استدعيت إليها النساء من قبل المرشحين في مشهد يبدو ديمقراطياً ظاهرياً لكنه في الواقع خال من أي رؤية حقيقية لتمكين سياسي واقتصادي واجتماعي يمكنه حمايتهنّ في مصر.  

تقول عنايات: "تخيلت في البداية أنّ الأمر لن يتعدى الغناء والرقص أمام مقرات الشهر العقاري، لكن طلب منا التعدي لفظياً أو بدنياً في بعض الحالات على من يأتي لتحرير توكيل لأي مرشح آخر، خاصة أحمد طنطاوي" (مرشح محتمل للانتخابات الرئاسية).

تستكمل عنايات: "بذلت كل ما بوسعي لإقناع الوكيل التابع للحزب بأن أكرر قدومي كل يوم، في البداية سمح لي بالمجيء يومين، ولكن في اليوم الثالث رفض، بحجة أنه يريد وجوهاً جديدة حتى يبدو الأمر طبيعياً".

في خجل وتوتر تقول عنايات "كنت أقوم بما يُطلب مني وأنا أعرف أن ما أفعله بالتعدي على من يذهب إلى الشهر العقاري لتأييد مرشحين آخرين غير الرئيس الحالي، سأدفع ثمنه فقراً وجوعاً، ولكنني أعرف أيضاً أنّ أياً كان من سيأتي ليصبح رئيساً لمصر لن يشعر بي ولا بجوع أبنائي" (3).

على الرغم من تكرر ظاهرة تجميع النساء واستعراضهنّ في الشوارع وأمام صناديق الانتخابات منذ عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك، حتى صار أمراً معتاداً عند كل انتخابات، إلا أنّها أصبحت أكثر انتشاراً بعد ثورة يناير وراجَت فيديوهات رقص النساء أمام اللجان على أغاني مؤيدة للمرشح المحسوب على الحكومة في مواجهة المرشحين المعارضين (4).

المشهد أمام مقرات الحزب الأقرب إلى السلطة في المنطقة الشعبية العمالية بشبرا الخيمة مؤلم: جلست عشرات النساء اللواتي ظهر عليهنّ الفقر والجوع والهزال، يتبادلن الحديث بصوتٍ منخفض حول أسعار الطعام وجشع التجار وعلبة حلاوة مولد النبي والـ 200 جنيه التي سيحصلنَ عليها نظير منح هوياتهنّ الشخصية لمندوب الحزب وتحرير توكيل تأييد

تقول عنايات: يأتي علينا وقت لا أجد ثمن دواء لطفل من أطفالي إذا مرض. نسي أبنائي طعم اللحم. قبل أسبوعين أخبرتني جارتي أن هناك جمعية خيرية تجمع البطاقات الشخصية مقابل علبة حلاوة المولد و200 جنيه والذهاب إلى مقرات الشهر العقاري والغناء والرقص من الساعة الثامنة صباحاً وحتى الرابعة مساءً. على الفور قررت الذهاب معها ومثلي أغلب الجارات، لم تتردد واحدة منهن...

"أرتدي النقاب كي لا يراني أبنائي أرقص أمام مقرات اللجان الانتخابية. يلومنا الجميع ويتهموننا بأننا أداة السلطة في التعدي على المعارضين، لكن لا أحد يعرف شعورنا ونحن نقف عاجزين أمام أبنائنا وهم جوعى ومرضى، ولا نملك جنيهاً واحداً في جيوبنا". بهذه الكلمات تبدأ نسمة (اسم مستعار) حديثها فتقول" عندما قامت ثورة يناير كنت أنا وأبنائي وزوجي أول المشاركين، لكن انتهى الأمر ولم يلتفت إلينا أحد. انشغل الجميع في حصاد نتائج الثورة، وتناسوا أن هناك ملايين ينتظرون من يلتفت إليهم ويحقق مطالبهم في حياة كريمة".

تقول نسمة: "أعمل في مصنع ملابس جاهزة منذ عشرين عاماً. لم يزد راتبي أنا وزوجي عن سبعة آلاف جنيه، لا تكفينا حتى منتصف الشهر، ونقضي باقي الأيام بالاستدانة والعجز أمام أبنائنا. اعتدنا وقت الانتخابات على شحن جميع العاملات بالمصنع في عربات تابعة لبعض الأحزاب القريبة من السلطة وإجبارنا على تحرير توكيلات أو انتخاب مرشح بعينه، وإلا فالعقاب جاهز: تعسف وتهديد". تستكمل: "في البداية كان الأمر إجبارياً، ولكن بعد ذلك قررنا أن نستفيد من الانتخابات، حتى لو كانت الاستفادة كرتونة سلع أو 200 جنيه نحن أولى بها".

موقف المعارضة

هذه المعارضة من ذاك النظام! على الرغم من وضع الغالبية العظمى من تلك النساء اللواتي يتم استغلال فقرهنّ وجوعهنّ من أجل تصدير مشهد حشد وهمي، يشنّ العديد من المعارضين هجوماً عليهنّ واعتبرهنّ مجرمات وخارجات عن القانون، وهو اتجاه غير مفهوم يتغاضى عن الأسباب التي عارض من أجلها المعترضون على السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة من السلطة. لم يتوقف الأمر عند ذلك الحد، بل تغاضى أغلب المرشحين الموجودين على الساحة عن حقوق النساء باعتبار أنّ قضاياهنّ ليست أولويات. أما في موسم الانتخابات، فيسعى الجميع لاستدعاء نسويات لبحث قضاياهنّ، ومنحهنّ وعوداً عامة لا ترتقي إلى مستوى معاناة النساء في الفترة الماضية.

وهكذا، لم يكن اللقاء الأول مع المرشح المحتمل أحمد طنطاوي - الذي يحسب له أنه كان سبباً في تحريك المياه الراكدة في مصر - كافياً لإثبات انحيازات صريحة وواضحة إلى دولة المواطنة وكل ما يتعلق بحقوق النساء والأقليات بصفة عامة، وهو ما زاد من قلق النسويات وجعلهنّ في حال من الشك في قدرته على تبني مطالب النساء، خاصة تلك المتعلقة بمنطق الحريات الخاصة وتمكين النساء وحمايتهنّ من العنف الممارس عليهنّ.

تقول نسمة: أرتدي النقاب كي لا يراني أبنائي أرقص أمام مقرات اللجان الانتخابية. يلومنا الجميع ويتهموننا بأننا أداة السلطة في التعدي على المعارضين، لكن لا أحد يعرف شعورنا ونحن نقف عاجزين أمام أبنائنا وهم جوعى ومرضى، ولا نملك جنيهاً واحداً في جيوبنا. 

"أعمل في مصنع ملابس جاهزة منذ عشرين عاماً. لم يزد راتبي أنا وزوجي عن سبعة آلاف جنيه لا تكفينا حتى منتصف الشهر، ونقضي باقي الأيام بالاستدانة والعجز أمام أبنائنا. اعتدنا وقت الانتخابات على شحن جميع العاملات بالمصنع في عربات تابعة لبعض الأحزاب القريبة من السلطة وإجبارنا على تحرير توكيلات أو انتخاب مرشح بعينه، وإلا فالعقاب جاهز: تعسف وتهديد".

لم يتوقف استدعاء النساء إلى المشهد السياسي للاستماع لآرائهنّ ومطالبهنّ عند أحمد طنطاوي، فبعد أيام قليلة استدعيت نفس المجموعات إلى لقاء مع المرشح المحتمل فريد زهران، والذي لم يختلف في ردوده عن طنطاوي فكانت الإجابات عامة لا تمنح طمأنينة بأنه سيعيد النظر مرة أخرى في قضاياهنّ، خاصة وأنه من جيل لا يرى أنّها أولوية في النضال السياسي.

جاء اللقاء الثالث والذي كانت تعول عليه النسويات مع جميلة إسماعيل، المرشحة التي أعلنت عن انسحابها قبل بدء ماراثون الانتخابات، وهي التي اتخذت قراراً بتحدي المجتمع المصري وكسر تابوهات القيادة للرجال وأعلنت عن نيتها للترشح. إلا أن اللقاء أيضاً جاء مخيباً للآمال، لاسيما وأنها لا تمتلك رؤية متكاملة ولا برنامجاً انتخابياً، وهناك تاريخ من العنف الذي تمت ممارسته داخل حزب الدستور الذي ترأسه جميلة دون موقف واضح منها، إضافة إلى توجيه انتقادات لها بعدم انخراطها في العديد من القضايا التي فجرتها النسويات، بدءاً من التعدي على الناشطات السياسيات أيام حكم مبارك، وما تلاه من عنف تمت ممارسته ضد النساء وصل إلى حد القتل في الشارع.

انتهت اللقاءات الثلاثة التي استدعيت إليها النساء في مشهد يبدو ديمقراطياً ظاهرياً لكنه في الواقع خال من أي رؤية حقيقية لتمكين سياسي واقتصادي واجتماعي يمكنه حمايتهنّ في مصر.

______________________

1- من بين هذه التقارير التي تناولت الموضوع: https://www.wdo-odf.org/ar/
2- وزارة التضامن الإجتماعى تفاصيل البرنامج (moss.gov.eg)      
3- محمود فوزي: 740 ألف توكيل من السيدات للمرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي (cairo24.com)
4- تصريحات الرئيس المصري عن سهولة حشد مجموعات للتخريب
السيسى: انا ممكن أهد مصر ب بكتة بانجو و1000 جنيه وشريط ترامادول - YouTube 

مقالات من مصر

عبد الله النديم، ثائر لا يهدأ

أشهرت البعثة البريطانية إفلاس مصر فى السادس من نيسان/ إبريل عام 1879. وفي أعقاب ذلك الإعلان، قام السلطان العثماني بعزل الخديوي إسماعيل وتولية ابنه "محمد توفيق باشا" على مصر بدلاً...

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...

للكاتب نفسه