مشاركة الطلبة وتفاعلهم الجيد جداً عموماً، هي أهم الاستنتاجات التي توصلتُ إليها من خلال إدارة النقاش في جامعة الخليل حول أفلام "صيف حار جدا" للمخرجة أريج أبو عيد، و"جرافيتي" للمخرجة فداء نصر، و"صالحة" للمخرجين لنا حجازي ويوسف عطوة، و"موطني" للمخرجة نغم كيلاني. وهي من أفلام الدورة العاشرة لمهرجان "شاشات" لسينما المرأة في فلسطين.
كان فيلم "موطني" أكثر ما تفاعل معه الطلبة. وتوزعت آراؤهم بالنسبة لتصوّرهم للغد، ما بين التفاؤل والتشاؤم. واشترطت آراء المتفائلين، وهم الأقلية، القدرة على تغيير العادات والتقاليد، والاهتمام بالثقافة ودعم المبدعين، ومحاربة الحزبية الضيقة من أجل الوصول إلى توحيد الفصائل الفلسطينية، ومقاومة الاحتلال بشتى الطرق، والاهتمام بالهوية الفلسطينية وتقديمها على الدين والعائلية والحزبية، وألاّ يصبح الموت هدف المقاومة وإنما الحياة بحرية على الأرض الفلسطينية، وإطلاق العنان للأحلام، ومحاربة اليأس.
أما بالنسبة للمتشائمين، وهم الأكثرية، فقد وصفوا الغد بأنّه مظلم ولا يوجد فيه أمل بالتحرر من الاحتلال، وأعادوا ذلك لعدة أسباب منها تشتت الهوية والانقسام، وتمسك المجتمع الفلسطيني بعادات وتقاليد تقيد التفكير وتحارب الإبداع، وشبح الموت والاعتقال الذي يلاحقهم طوال الوقت.
أثّرت الأفلام على الطلبة وقد ظهر فهمهم للرسائل المتضمّنة من خلال تعليقاتهم على محاور النقاش، كما ظهر ذلك من خلال تفاعلهم الذي وصل إلى حدّ البكاء أثناء عرض فيلمَي "صيف حار جدا" و"جرافيتي". وكان هناك اختلاف في تصور الأمل بالغد ومقدرتهم على تخيّله. فمن خلال مداخلاتهم بعد مشاهدة فيلمي "صيف حار جدا"، و"صالحة" كان الانطباع العام لدى الأكثرية أنّ هذا الغد مشرق، وأن الأمل في التحرر موجود، والحياة يجب أن تستمر، والموت والاعتقال لن يستطيعا قتل الحلم لديهم، وأنهم يستطيعون التحكم بمستقبلهم من خلال وضع هدفٍ، والعمل الدؤوب على تحقيقه، على الرغم من كلّ التحديات والصعوبات التي تواجههم، ومن خلال الحب والتسامح ونبذ العادات السيئة والابتعاد عنها، والدفاع عن حقهم في العيش بكرامة. ولكن بعد عرض فيلمي "جرافيتي" و"موطني" كان الانطباع العام لديهم بأنّه لا أمل ولا غد مشرق ينتظرهم، وأنهم مسلوبو الإرادة، وعبروا عن ذلك من خلال عدم رضاهم بالانقسام في المجتمع الفلسطيني، وأكدوا على أن هذا الانقسام سيوصلهم إلى طريق مسدود مظلم، ولن يستطيع الشعب الفلسطيني التحرر من الاحتلال الإسرائيلي، بينما هو يتحكّم بكل ما يحيط بهم وقادر على سلب الحلم الجميل من مخيلتهم، بالإضافة إلى النظرة الرجعية التي يتبناها الأهل، المبنية على تشتت الهوية الفلسطينية والعادات والتقاليد الزائفة، التي تقتل الأمل لدى أبنائهم الشباب بدءاً من حرية اختيارهم لأسلوب الحياة الذي يتماشى مع طموحاتهم في الدراسة إلى اختيار شريك الحياة.
من خلال النقاش مع الطلبة حول قضية مقدرة المرأة على صناعة المستقبل وتغيير الواقع، لاحظنا أن الأكثرية منهم يعتقدون أنها قادرة على ذلك، وأنها أثبتت وجودها في كافة الميادين. ولكن كانت هناك بعض المشارَكات من الطالبات تحديداً دلت على أن المرأة لا زالت تشعر بالدونية، وأنها مسلوبة من أبسط الحقوق في اختيار غدها، ويرجع ذلك إلى تدخل الأهل في كل شيء، وتحدثن عن قصص تخصّ صديقات لهن حرمن من التعليم، وأخريات أرغمن على الزواج. وأنّ صورة المرأة في فهمهم لا زالت زوجة ومربية للأبناء وخادمة، وإنسانة غير قادرة على اتخاذ القرارات السليمة، وأنها دون وصاية الرجل لن تستطيع العيش. والمرأة الفلسطينية لا تستطيع التمتع بالحرية الكاملة وذلك بسبب العادات والتقاليد التي تمنعها من الدراسة أو العمل في أي مجال تريده، مما يؤدي إلى عدم مقدرتها على تحقيق أهدافها وطموحاتها المستقبلية.
تحدث الطلبة عن أنهم كانوا يفرحون ويبتهجون عندما تبدأ الحرب أو تقع عمليات من دون إدراك بأي درجة لما أظهره فيلما "صيف حار جدا" و"جرافيتي" من أنّ للحرب والعمليات الاستشهادية تبعاتٍ مؤلمة على الأفراد والمجتمع.
(من عروض جامعة الخليل)