على منصّة وسط قاعة عرض، تمركزت منحوتة برونزية داكنة يبلغ طولها أكثر من متر بقليل. هيَ مجموع أشكالٍ متشابكة-متشظّية يصنع مجملها شكلاً لجسد صغير، تنفتح فيه فراغات لجهة القلب وفي إحدى العينين. المنحوتة للنحّات اللبناني شوقي شوكيني بعنوان "الأمير الصغير: طفلُ غزّة"* (2010)، نسبةً إلى اسم قصة الكاتب الفرنسي أنطوان دو سانت-إكزوبيري، "الأمير الصغير"، ورِثاءً لأطفال غزّة الذين قتلهم جيش الاحتلال الإسرائيلي، وتحية لأطفالها الذين يعيشون في أخطر وأحزن مكانٍ يمكن لطفلٍ أن يعيش فيه اليوم على وجهِ البسيطة.
الابداع المقاوم: فلسطين ستحيا
28-01-2024
عيون شهداء غزّة.. نافذةٌ على جمالها
12-11-2023
حَوْل الأمير الصغير، تتوزّع أعمال فنية ولوحات من وعن فلسطين، في معرض فنّي تقيمه مؤسسة دلّول للفنون في بيروت بالاشتراك مع المتحف الفلسطيني في بيرزيت. حسب بيان المنظِّمين، يجسّد أمير غزّة الصغير بجسمه التكعيبي التناقض في معنى طفلٍ عالق في حالة دائمة من الصدمة، "بعينه الواسعة المحفورة وفمه الصغير"، بينما تظهر على ملامحه انعكاسة أهوال المذبحة التي تحيط به في كل مكان. في مركز هذه المأساة نلحظ قلباً دقيقاً مشرّعاً للهواء والحياة، إنْ أعطيَ فرصة ليعيشها. ثمّ تتوالى في اللوحات والأعمال الفنية الأخرى فلسطين بعشرات الهيئات والرموز، معظمها أنجزت قبل الإبادة ولكن كلّها كأنها كانت اليوم.
تحضر في المعرض منحوتة "حنظلة" للفنان العراقي ضياء العزاوي، وسلسلة أعماله الطّباعيّة "النشيد الجسَدي: قصائد مرسومة لتلّ الزعتر"، وتحضر لوحة "طفل من غزّة" للفنان السوري يوسف عبدلكي، ولوحات ابنة غزّة الفنانة ليلى الشوا مثل "سماء غزّة"، إلى جانب أعمال أخرى لها. كما تُعرض لوحة "الملثّم" للفنان اللبناني أيمن بعلبكي، التي سحبتها دار "كريستيز" من المزاد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023 معتبرة إياها "تمجيداً للتطرف الإسلامي" لأنها تصوّر فدائياً متشحاً بالكوفية. هذا بالإضافة للوحات أخرى لفناني فلسطين سليمان منصور ونبيل عناني وإسماعيل شمّوط وغيرهم ممن شكّلت لهم فلسطين ومقاومة الاحتلال موضوعة دائمة على امتداد مسيرتهم.
إن تنوع ووفرة هذه الأعمال في المعرض وخارجه دالّ على طغيان حضور فلسطين في الفنون وتناسخ الألم الفلسطيني في هموم وموضوعات فنانين عرب من كل المنطقة. فهذه أعمالٍ أنجزت في فترات زمنية مختلفة على مدى عقودٍ من المأساة والمقاومة الفلسطينيَين. في ظلّ الخنق الثقافي والفني الحقيقي الممارَس اليوم في المؤسسات الغربية والعالمية، من الضغوطات والتهديدات إلى إلغاء العروض والتكريمات، إلى قطع العلاقات والتعاونات مع فنانين مناصرين لفلسطين، يبقى مهمّاً أن تُستعاد هذه الأعمال في مساحاتنا وتملأ الجدران الواقعية والافتراضية..
* معرض "أمير غزّة الصغير" مستمر حتى 15 نيسان/ أبريل 2024 في قاعة "مؤسسة دلول للفنون" في بيروت.