حدث في مصر بدءاً من ذلك اليوم، منذ ست سنوات، ما يحق تسميته انتفاضة، وما هو فعلاً مسارٌ ثوريٌّ ما زال يصارع في شق طريقه إلى الآن ولسنوات قادمة. وطالما هو كذلك، وطالما هو يتفاعل مع الناس كل يوم ويغير سلوكياتهم ونظرتهم لأنفسهم وللعالم، فهو حي. وليس أسخف من أولئك الذين يقلبون شفاههم ليقولوا إنّ الثمن المدفوع في هذا الصراع باهظ، أو إنّ الموقف لم يكن "جاهزاً"، وكان "يجدر أن.."، إلى آخره من ثرثرات البطرانين. وكأن الثورات فعل هندسي يخطَّط له بأدق التفاصيل والتحكم، وكأن الثمن المدفوع كل يوم جوعاً ومذلة لملايين الناس، وخيباتٍ ويأساً حتى لمن ليسوا جياعاً، كأنها كان يمكن أن تنتظر أكثر.
وعلى قدر روعة الحدث وقوة معناه، جاءت شراسة الثورة المضادة وعنفها. ملايين الشابات والشبان (والأكبر سناً أيضاً) جابوا الشوارع واحتلوا الساحات تعبيراً عن رفضهم لواقع كان كل شيء يجعله يبدو صلباً وأشبه بالقدر. فقلبوه. وقد تسنى لهؤلاء أن يعيشوا تلك اللحظة، وأن يتذوقوا طعم الحرية واستعادة احترام الذات، ومعها القدرة على الإرادة والإبداع. وهذا مكسب عظيم ليس ما يتهدده بالتبديد هو القمع المهول الممارَس مذاك وحتى اليوم، بل ترك اليأس يعود إلى التسلل إلى النفوس جارّاً وراءه الاستسلام.
لقد خافت القوى المتسلطة على سلطتها وعلى مكاسبها، إذ بدا لها أنها على وشك خسارتها معاً: السلطة والثروة. وهذا حقيقي. فالتفّتْ على الموقف مضحية بالرأس (وقد رأت فجأة وبهذه المناسبة أنه تفرعن أكثر من اللازم!). وهي ما زالت تصارع بالقمع وبالتخويف، وبالأونطة، لاستعادة زمام الأمور. ولكنها تبدو على الرغم من كل إمكانياتها الموظَّفة في ذلك، هزيلة وهزلية. وقد اعتاد الناس على "التطاول" عليها بالسخرية والمحاجة معاً (كما تشهد على ذلك نصوص المواقع والتعليقات على صفحات التواصل الاجتماعي)، وكذلك بالاحتجاج الذي لا يتوقف، وبإلحاق الهزيمة بها كما في قضية الجزر التي تخلت عنها للسعودية. تمكنت الثورة من تحفيز الناس على التفكير وعلى الفعل، على الرغم من أن المنجَز الملموس يبدو قليلاً أو شاقاً أو بطيئاً.
العملية مستمرة. وتنتمي إليها كل مقاومة مهما بدت صغيرة، وكل مبادرة مهما كانت محدودة، وكل فعل في أي ميدان، وكل قناعة بأن ذلك ممكن، يحملها أصحابها ويتمسكون بها. تغيرت مصر في "25 يناير" وتغير أهلها.. وقد حان اليوم، بعد تلك الشرارة، أن يبدأ ما سيعمق هذا التغيير ويرسخه، ويعد بحصد ثماره كحق للناس في "الخبز والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية".. آمين!
إفتتاحية
"25 يناير" سنة سادسة

مقالات من مصر
تمرير قانون العمل الجديد في مصر: حقوق العمال الضائعة
خلال عام 2024، تمّ تسجيل 121 ألفاً و16 انتهاكاً، شملت التضييق على الحريات النقابية، والفصل التعسفي، والتأخير في صرف الأجور، وحرمان العمال من حقوقهم القانونية. كما تعرض العمال لـ 32...
"دمنهور": الازدهار والتدهور
فقدت "دمنهور" في أقل من عقدين من الزمن كل ما كان يميزها على المستوى الاقتصادي، مع تراجع الصناعات المهمة. ارتفعت معدلات البطالة في المدينة، وصار المشروع الأبرز هو "المقهى"، حيث...
تجوع ليحيا... إلى متى؟
"ما لقيتش طريقة أحلّ بيها هذه الأزمة غير هذا الإضراب عن الطعام، اللي أنا مصرة أنه يستمرّ، لحين ما علاء يتم الافراج عنه، أو لحين ما صحتي تنهار تماماً"، تقول...
للكاتب نفسه
لبنان: من هو الوطني اليوم؟
الوطني اليوم هو من ينوي لملمة كل تلك التقرُّحات وكل ذلك العفن. أن ينوي أصلاً، ويعلن عن ذلك، فهي خطوة إيجابية. وهو سيواجه مقاومة عنيدة من المستفيدين من واقع الحال...
لبنان مجدداً وغزة في القلب منه
... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...
الوحش الكاسر... الوحوش!
لا يفعل "نتنياهو" الحرب الوحشية الممتدة لينقذ رأسه من المحاكمة والسجن. هذه فكرة ليست ساذجة فحسب، بل غبية.