"كفّ صغير"على وجه منى، التي وصلت إلى السويد قبل عامين كان كافياً لتطلب الطلاق، وتحصل عليه لاحقاً من زوجها الذي استهول الأمر ورفضه بالمطلق، إلا أن الزوجة (22 عاماً) بررت الأمر بأن الحياة معه لم تعد تطاق، فيما لم تنكر تأثير المكان عليها، فلو كانت في سوريا، لما تجرأت على الطلاق "لأننا نعيش في مجتمع ذكوري".
تتقاطع قصة منى مع قصص أخرى، طلبت فيها سوريات الطلاق فور وصولهن إلى بلاد اللجوء. إحداهن طلبت الطلاق ما إن هبطت طائرتها في مطار العاصمة السويدية بعد أن استدعاها زوجها عبر "لم الشمل"، فيما أقدم رجال (ونساء) على إرسال أوراق الطلاق للشركاء رافضين "لم الشمل" على الرغم من وجود أطفال. في بعض الحالات يشترط الأهل لإكمال الزواج تأمين نفقات الهجرة إلى أوروبا، أو يقوم الأهل أنفسهم بدعم "الصهر" كي يهاجر. في حالات متطرفة، وقعت جرائم قتل.. كما حدث مع حسناء الأشتر - لديها طفلان - التي قتلها زوجها بعد أربعة أشهر من وصولها إلى ألمانيا طعناً بالسكين.
تؤشر القصص السابقة إلى متغيرات لم تكتمل وضعياتها إلى حدود التحول إلى ظاهرة مجتمعية، ولكنها حاضرة بقوة في علاقات أزواج اللاجئين مع مجتمعات لجوئهم الداخلية ومع قوانين وعادات مجتمعات بلدانهم الجديدة.
نسب وأرقام
وصل عدد طلبات لجوء السوريين إلى أوروبا وفقاً لمفوضية اللاجئين إلى أكثر من مليون طلب مطلع العام 2016، قُـبل منها في ألمانيا فعلياً، وفقاً للمكتب الاتحادي للاجئين والهجرة، حتى منتصف 2015 حوالي 32 ألفاً، تشير خارطة وصول القادمين منهم عبر المفوضية ـ وفقاً لجمعية البيت السوري في ألمانيا ـ إلى أنهم وفدوا بشكل رئيسي من دمشق (وريفها) وحمص ونسبة كبيرة من حوران ومناطق الشمال (أكراد وعرب). أما الواصلون لوحدهم فلا يتوفر تعداد دقيق لهم ولتوزعهم، وتتحدث بعض التقارير عن ربع مليون لاجئ على الأقل عن طريق البحر، آخذين بالاعتبار إغلاق أبواب الهجرة تقريباً.
وفيما أفادت دراسة المكتب الاتحادي الألماني للعام 2014 أن نسبة الذكور من اللاجئين السوريين بلغت 71 في المئة مقابل 29 في المئة للنساء، قرابة الثلث منهم غير متعلمين، أشارت دراسة قدمها مركز فيريل (ألمانيا) في أيار/ مايو العام الحالي، إلى أن حالة واحدة من أصل خمس حالات وصلت إلى ألمانيا حدث فيها طلاق (20 في المئة)، هي نسبة ليست بالقليلة (ثمانية آلاف حالة) بفرض دقة الإحصائية.
في هولندا والنمسا، هناك ارتفاع مشابه لمنسوب الطلاق بين السوريين، حيث تكرر المتزوجات سؤال الطلاق لدى وصولهن إلى البلاد بغاية الحصول على اللجوء بشكل شخصي لا عائلي، طالبات فصل ملفاتهن عن أزواجهن. ومما لا شك فيه أن نساء كثيرات فكرن بالأمر طويلاً حتى قبل الحصول على تأشيرات الدخول أو الوصول. وتواجه الدوائر الحكومية في السويد حالات لفتيات متزوجات تحت عمر السن القانوني (14 و15 عاماً) لجأن إلى الحكومة لإنقاذهن من ضرب واعتداء واستيلاء الأزواج على ممتلكاتهن، إضافة إلى ظاهرة الطلاق الوهمي (عدم الاعتراف بالزواج أمام المحكمة) التي يسعى فيها الزوجان للحصول على شقتين منفصلتين ومساعدات أكبر، في حين يبقون على اتصال سري.
صورة المرأة في المرآة الأخرى
وعلى الرغم من سعي غالب المطلقين إلى إخفاء أسباب الطلاق تفادياً للقيل والقال الذي يسم مجتمعات اللجوء، فإن صورة العائلة الغربية، بما تحمله من تشارك في المسؤوليات والحقوق والواجبات للطرفين أمام أعين اللاجئات، شكلت أحد أبرز العوامل في انطلاق شرارات المشاكل، فصورة "سي السيد" التاريخية ـ العاطل عن العمل أساساً في الحالين غالباً ـ في مجتمعات المشرق، الذي يقضي وقته بمشاهدة التلفزيون فيما المرأة تعمل ليل نهار، انتقلت إلى مجتمعات اللجوء في ظل ظروف حياتية أصعب. وأمام دعم القانون وتواتر حالات المقاومة النسائية، تزايدت جرأة النساء على محاسبة أزواجهن وتقديم شكاوى ضدهم. اليوم هناك أكثر من 300 رجل سوري يحاكمون أمام القضاء الألماني بتهمة الشروع في إيذاء زوجاتهم.
تكشف هذه التحولات أن الاحتكاك بالمجتمعات الجديدة أنتج في الممارسة نوعاً من الوعي النسوي، صدم الرجال المعتادين على نمط من خضوع المرأة لرغباتهم. ولهذه القناعات الذكورية بالضرورة أساسها الواقعي في المجتمعات الأم كالمجتمع السوري، حيث ترتفع نسبة الأمية عن 31.5 في المئة (وتزيد عن 60 في المئة في الأرياف، بحسب المكتب المركزي للإحصاء 2012)، ويمارس العنف ضد الأطفال والنساء بنسبة وسطية تقترب من 22 في المئة ("الأمانة السورية للتنمية" 2012)، دون أن ننسى تأثيرات الحرب على العلاقات الزوجية ورفعها لنسب العنف والتفكك لأسباب كثيرة. قد تكون نسب الطلاق عادية بالمحصلة كأي مجتمع آخر، لكن هناك تغيراً واضحاً التقطت المرأة طرف خيطه: هنا يوجد مجتمع يمنح مظلة قانونية متساوية للجميع.
من جهة ثانية، فإن وجود فرص متعددة لاستقلال المرأة كتأمين سكن منفصل لها ولأولادها وحمايتها من اعتداء الزوج، والتخلص من سبة "العار" التي كان سيتحفها بها مجتمعها الأصلي، جعلتاها على استعداد أكبر للمغامرة، وأن ترتفع بالتالي نسبة طالبات الطلاق خاصة بين المتعلمات المتزوجات من أزواج غير متعلمين أو أقل منهن تعليماً، من هنا نفهم لماذا تظاهر أكثر من ألفي رجل سوري في ألمانيا ضد منح زوجاتهم حقوق الحماية القانونية، التي تمنعهم من ضرب زوجاتهم وممارسة العنف ضدهم، وهو حق "شرعي" لهم كما يعتقدون.
موسم الهجرة إلى الشمال من جديد
تتألف مجتمعات اللجوء، بوضعها الراهن، من خليط لا تنطبق عليه مواصفات المجتمعات الأم، فلا هو مجتمع مؤلف من أبناء دولة واحدة في الغالب، ولا طائفة واحدة ولا حتى عرق معين. ومع زيادة حجم الشتات يضعف الاندماج بالمجتمعات المضيفة مؤدياً إلى توسيع حجم المسافة الثقافية الفاصلة عن السكان الأصليين، وإلى زيادة حجم التفاعل سلباً ضمن الجماعة اللاجئة (الأقل تماسكاً) على حساب قيم المجتمع الجديد كما يشير (بول كوليير في كتابه "الهجرة").
وجود فرص متعددة لاستقلال المرأة كتأمين سكن منفصل لها ولأولادها وحمايتها من اعتداء الزوج، والتخلص من سبة "العار" التي كان سيتحفها بها مجتمعها الأصلي، جعلتاها على استعداد أكبر للمغامرة
خلص تحقيق أجراه موقع سوري (هولندا) إلى أن أكثر من 50 في المئة من حالات طلاق السوريين ضمن مجتمعات اللجوء سببها الخيانة الزوجية، وهو مؤشر ثقيل مهما قيل في تبريره أو التقليل من دقته الإحصائية، فهناك دون شك صورة نمطية غرست عبر عقود من الميديا في أذهان كثيرين عن مجتمعات الغرب و "نسائه اللواتي ينتظرن الفاتحين" وغيرها مما يتداوله العقل الجمعي للذكور اللاجئين، ليس أدل عليه ما تداوله السوريون أن من أهم أسباب "فتح" ـ لننتبه إلى الكلمة ـ أبواب الهجرة إلى أوروبا هو "شيخوختها" وقلة رجالها، عدا عن طروحات "أسلمة" النساء كمفتاح لنشر الدين القويم هناك.
إن ظاهرة طلاق النساء المحليات للزواج بأجنبيات بحثاً عن الجنسية هي ظاهرة قديمة ـ جديدة، يعرفها المهاجرون منذ عقود. إلا أن الجديد فيها الزواج بنساء شابات بدل العجائز كما حدث سابقاً، وهو فعل قام به رجال متعلمون تعليماً عالياً. إلا أن النسبة تبقى قليلة، بدليل عدم نجاح تجارب اندماج المهاجرين الأولى وغالباً لأسباب دينية. لكن الرغبة ببداية جديدة في بلاد اللجوء تترافق مع السعي لإلغاء صفة الهارب / الهاربة عن اللاجئ / اللاجئة، وتمهد للانتقال إلى المجتمع المضيف بيسر، وإلا كيف نفهم دوافع زوجين عانيا ودفعا "ما فوقهما وتحتهما" ـ بالتعبير السوري ـ ليفترقا بعد وصولهما إلى بر الأمان؟ يحاول هؤلاء قطع جذورهم بتاريخهم السابق بأنفسهم، دون الالتفات إلى خسائرهم معتبرين إياها فعلاً ربحاً مستقبلياً مضموناً.
إلى أين؟
يحتاج تقييم هذه المسائل بما هي سلباً وإيجاباً إلى مزيد من الوقت حتى تنضج أكثر، خاصة أن الموضوع يمثل جزئية من موضوع الهجرة ككل، وهو يمس ليس فقط اللاجئين بل دولهم المضيفة، التي تتعرض لضغوط مختلفة بشأن قبول المزيد منهم، وضغوط من جهة ثانية لدمجهم في أخلاقيات المجتمعات الجديدة دون المساس بجوهر دولة الرعاية.