شهدت النوبة خلال القرن العشرين موجات من التهجير. الأولى، خلال فترة الاحتلال البريطاني لمصر بدأت مع بناء خزان أسوان عام 1902 ثم مع التعلية الأولى عام 1912، التي أغرقت جزءاً من القرى النوبية، ثم عام 1932 مع التعلية الثانية للخزان، والثالثة عند بناء السدّ العالي عام 1964 خلال فترة حكم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، حيث غرقت كل بلاد النوبة القديمة تحت بحيرة ناصر وتمّ تهجير جميع النوبيين إلى مناطق شمال أسوان.
بدأت الوعود تتوالى بعودة أهالي النوبة إلى أراضيهم مرة أخرى، الأمر الذي لم يحدث حتى الآن، على الرغم من إقرار الدستور المصري هذه العودة. وهو ما أدى إلى غضب الأهالي والخروج في قافلة نحو أراضيهم القديمة تحت شعار "حقّ العودة". الجدير بالذكر أن أهالي النوبة كانوا قد حصلوا على وعود بالعودة لأراضيهم منذ الثمانينيات، في عهد الرئيس الراحل أنور السادات، مروراً بوعود الرئيسين السابقين حسني مبارك ومحمد مرسي.. وأخيراً وعود الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وهي كلّها لم تُنفَّذ حتى الآن.
وأصدر الرئيس السيسي قراراً جمهورياً بقانون رقم 444 لعام 2014، خاصاً بتحديد المناطق المتاخمة لحدود جمهورية مصر العربية والقواعد المنظِّمة لها، وتمَّ التصديق عليه من مجلس النواب في دور الانعقاد الأول، الأمر الذي أشعل غضب المجتمع النوبي الذي اعتبروا أن هذا القرار يهدر حقهم في العودة، خاصة مع وضع أكثر من 17 قرية من القرى النوبية القديمة ضمن المناطق المحظورة والممنوعة التي ﻻ يجوز التوطن فيها أو الإقامة عليها. بالإضافة إلى أنه في أواخر آب/ أغسطس الماضي، أصدر الرئيس السيسي قراراً جمهورياً رقم 355 لعام 2016، بإعادة تخصيص مساحة 922 فداناً، تعادل (4167402) متر مربع من الأراضي المملوكة للدولة، كملكية خاصة لمصلحة هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، لاستخدامها في إقامة مجتمع عمراني (امتداد مدينة توشكى الجديدة).
مطالب القافلة النوبية غير القابلة للمناقشة
أكدت وفاء العشري عضو اللجنة التنسيقية للقافلة أن هناك أربعة مطالب للنوبيين سيتمّ عرضها خلال اللقاء الذي سيجمع بين وفد شبابي من القافلة وبين رئيس الوزراء، وأكدت أن هذه المطالب غير قابلة للتفاوض، وعلى أثر إقرارها ستتم تهدئة المجتمع النوبي. وأشارت إلى أنه "في حالة عدم تنفيذ تلك المطالب كما تعوّدنا من الدولة، فسيتم التصعيد على مستوى الجمهورية بأكملها لا على مستوى أسوان فقط"، مؤكدة أنه هناك تواصل مع كل النوبيين الموجودين بمحافظات مصر ومع المتضامنين معهم. وأضافت أن مطالب المجتمع النوبي تتلخص في وقف طرح كرّاسات شروط أراضي "خورقند" في المزاد العلني، ضمن مشروع المليون ونصف مليون فدان، وإعطاء الأولوية لتمليك باقي أراضي مشروع "توشكي" لأبناء أسوان.. بالإضافة إلى المطالبة بإعادة توطين أهالي النوبة بقراهم الأصلية وبسرعة ترسيم حدود قراهم، والإسراع بإقرار مجلس النواب لقانون هيئة إعمار النوبة بعد الدعوة لحوار مجتمعي مع النوبيين.
تعتيم إعلامي والتواصل الاجتماعي البديل
كما أكّدت وفاء العشري أنّ ما حدث بالنوبة قوبل بتعتيم إعلامي غير مسبوق. فعقب إعلان الاعتصام، اتصلت القافلة بعدد من الفضائيات المصرية لإعلامها بآخر التطورات، إلا أن الرد كان "ممنوعين من الحديث أو التغطية لما يحدث في النوبة أو القافلة". وهي تقول إنه "هكذا قررنا أن نُكوِّن إعلاماً بديلاً لنقل ما يحدث، بعد تهميش الاعتصام وعدم تواصل أي من المسؤولين معنا، وقمنا بالنشر عبر مواقع التواصل الاجتماعي كتويتر وفايسبوك، وبعد ذلك، ومن خلالها، قمنا بالتواصل مع عدد من الفضائيات الأجنبية، الأمر الذي أجبر الفضائيات المصرية على الاتصال بنا، وعرض ما يحدث بالاعتصام". وأشارت العشري إلى أن التصعيد هو ما أجبر مجلس النواب على الاهتمام بما يحدث في قافلة النوبة، فأرسل نائباً للتفاوض وطلب تعليق الاعتصام مقابل لقاء يجمع بين وفد منهم ورئيس الوزراء للوصول إلى حل للأزمة.
القانون الدولي للأقليات والشعوب الأصيلة
أكّد مينا ثابت مسؤول ملف الأقليات في "المفوضية المصرية للحقوق والحريات" ضرورة وفاء الدولة المصرية بالالتزام بالقانون الدولي لحقوق الإنسان، حيث تضْمن المادة 27 من "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" الحق في التمتع بالثقافة الخاصة لجماعات الأقليات الإثنية والشعوب الأصلية، كلغتهم وطريقة معيشتهم، بما في ذلك ارتباطهم بالأرض واستخدام مواردها، كما أوضحته لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق المدنية والسياسية في تعليقها العام رقم 23 لسنة 1993. هذا بالإضافة إلى المادة 11 (1) من "العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" والمتعلقة بالحقّ في مستوى معيشي كاف ومن ذلك الحق في السكن الملائم. ومن ضمن معايير ملاءمة السكن، معيار الملاءمة الثقافية وذلك حسب تفسير لجنة الأمم المتحدة المعنية بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في تعليقها العام رقم 4 لعام 1991. وأكد ثابت حق المواطنين النوبيين الأصيل في العودة إلى أراضيهم، بجانب ضرورة مشاركة السكان المحليين في الإجراءات المتخذة من قبل السلطات المصرية في المشروعات التنموية المختلفة بالمناطق الحدودية، وخاصة بمناطق النوبة وسيناء ومطروح والصعيد، مع مراعاة الأنماط الثقافية والبيئية بالمجتمع المحلي، وذلك عملاً بنص المادة 263 من الدستور المصري.
وأعرب أبو بكر الراشد عضو اللجنة التنسيقية للقافلة النوبية عن أمله تحقيق مطالب أهل النوبة، مؤكداً أن رئاسة الوزراء أرسلت لجنة لجمع مطالب أهل النوبة وحصر ما تحتاج إليه من تنمية استعدادا للاجتماع بين وفد القافلة وبين رئيس الوزراء. وأشار إلى أنه لم يكن في الحسبان التصعيد أو إعلان اعتصام لولا التعسف الأمني وتدخل الشرطة العسكرية التي أصابت شابين وقامت بوقف القافلة بالقوة. وأضاف أن جميع التحركات السلمية والتصعيد القانوني مطروح لدى أهل النوبة لتحقيق مطالبهم، بما فيه العمل بالمادة 93 من الدستور المصري، "التي تعطينا الحق للجوء للقضاء الدولي لتنفيذ مطالبنا".