سيناء أرض خلاء؟

على أرض الواقع، تبدو سياسات السلطة المصرية تجاه أهالي سيناء معرقلة لعودتهم إلى أراضيهم بعد عقد دموي، سالت فيه دماء الآلاف منهم وكذلك من أفراد قوات الجيش والشرطة ضمن "الحرب على الإرهاب". ويثير هذا الوضع العديد من الشكوك لديهم في جدية وعود العودة، فقد سبق وتنازلت القاهرة للسعودية عن جزيرتين مصريتين مهمتين استراتيجياً ورمزياً وتقعان ضمن نطاق شبه جزيرة سيناء، هما تيران وصنافير.
2023-11-06

سمر أبو ستة

صحافية من مصر


شارك
اخلاء مساكن رفح المصرية لاقامة منطقة عازلة، الصورة من سنة 2014

منذ الساعات الأولى لشن إسرائيل حربها على غزة، توالت تصريحات وتغريدات إسرائيلية توحي بتوجه نحو تهجير سكان غزة إلى سيناء المصرية كهدف محتمل ضمن أهداف الحرب.

جاء التصريح الأول باكراً، في 10 تشرين الأول/أكتوبر، من جانب الكولونيل ريتشارد هيخت كبير المتحدثين العسكريين الإسرائيليين لصحافيين أجانب موجهاً نصيحته لأي شخص يمكنه الخروج من غزة أن يقوم بذلك عن طريق معبر رفح، وهو التصريح الذي سرعان ما تم تعديله إلى إضافة أن معبر رفح أصبح مغلقاً، دونما توضيح أو نفي وجود توجه إسرائيلي يدفع إلى تهجير الفلسطينيين من غزة إلى سيناء.

جاءت تغريدة أخرى في 11 تشرين الأول/ أكتوبر، أي في اليوم التالي لتصحيح التصريح الأول، هذه المرة من قبل إيدي كوهين، الصحافي الإسرائيلي، على حسابه في موقع "اكس" ("تويتر" سابقاً) والذي يحظى بمئات الآلاف من المتابعين، إذ قال فيه بصراحة وباللغة العربية "توطين الفلسطينيين في سينا مقابل حذف ديون مصر الخارجية. فكِّروا فيها".

لا تشكل هذه التصريحات بذاتها تطوراً جديداً للغاية، إذ لطالما تكررت من الجانب الإسرائيلي على مدار عقود مختلفة كإحدى التصورات لمواجهة الضربات الموجعة من المقاومة الفلسطينية، والتي تعتبر أرض غزة قاعدة انطلاق لها. إضافة إلى التكلفة الهائلة التي قد تتضمنها عملية عودة إسرائيل إلى الوجود على أرض القطاع من جديد بعد انسحابها منه في عام 2005، واضطرارها لحكم وتدبير معيشة ما يزيد عن 2 مليون و300 ألف فلسطيني داخل القطاع.

سبق وأن كشفت بعض الوثائق البريطانية السرية، والتي تمت إتاحتها بعد مرور أكثر من 30 عاماً عليها عن قبول الرئيس المخلوع مبارك في بدايات حكمه لمصر في عام 1983 طلب أمريكا توطين فلسطينيين بمصر مقابل إطار لتسوية شاملة للصراع مع إسرائيل.

وفيما يبدو أنه رد على هذه التصريحات، أكد الرئيس المصري السيسي خلال حفل تخرج الأكاديمية والكليات العسكرية في القاهرة في 12 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 الدعوة إلى العمل على "تجنب سياسات العقاب الجماعي، والحصار والتجويع والتهجير". كما أكد أنه في الوقت الذي تستضيف فيه مصر 9 مليون شخص من بلدان مختلفة، إلا أنه بالنسبة للقطاع، فإن الخطورة كبيرة جداً، لأنها تعني تصفية القضية. وهي على حد تعبيره "قضية القضايا، وقضية العرب كلها، مُهمٌّ أن شعبها يفضل صامد ومتواجد على أرضه، وإحنا هنبذل أقصى جهد عشان نخفف عنه".

في 11 تشرين الأول/ أكتوبر، صرّح إيدي كوهين، الصحافي الإسرائيلي الذي يحظى بمئات الآلاف من المتابعين، على حسابه في موقع "اكس" ("تويتر" سابقاً) قائلاً بصراحة وباللغة العربية "توطين الفلسطينيين في سينا مقابل حذف ديون مصر الخارجية. فكِّروا فيها".

لطالما تكررت مثل هذه التصريحات من الجانب الإسرائيلي على مدار عقود مختلفة كإحدى التصورات لمواجهة الضربات الموجعة من المقاومة الفلسطينية، والتي تُعتبر أرض غزة قاعدة انطلاق لها، إضافة إلى التكلفة الهائلة التي تتضمنها عملية عودة إسرائيل للوجود على أرض القطاع من جديد بعد انسحابها منه في عام 2005. 

ومع انعقاد مجلس الأمن القومي المصري برئاسة السيسي في 15 تشرين الأول/ أكتوبر، تقرر "التشديد على أنه لا حل للقضية الفلسطينية إلا حل الدولتين، مع رفض واستهجان سياسة التهجير أو محاولات تصفية القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار". إضافة إلى التأكيد على أن "أمن مصر القومي خط أحمر ولا تهاون في حمايته".

تكررت تأكيدات السيسي رفض أي مخططات لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء في مناسبات مختلفة منذ ذلك الحين، مثل مؤتمره الصحفي المشترك مع المستشار الألماني أولاف شولتس في القاهرة في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، وكذلك مؤتمره الصحافي المشترك مع الرئيس الفرنسي في القاهرة في 25 تشرين الأول/ أكتوبر.

ومن الجانب الفلسطيني، صرح القيادي بحركة حماس إسماعيل هنية، في 14 تشرين الأول/ أكتوبر بأن قرارهم هو البقاء على أرضهم، كما أضاف بأنه "لا هجرة ولا نزوح، وبالتالي قراركم - في مصر - هو قرارنا". ومن الجانب الآخر، صرح القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان والمقيم حالياً في أبو ظبي بعد القاهرة، لجريدة الايكونوميست في أول حوار صحافي له منذ بدء الحرب بأن أي تهجير جماعي للفلسطينيين من غزة إلى مصر سيخلق أزمات كبيرة للأمن القومي المصري. كما تساءل عمن بإمكانه تحمّل المسؤولية التاريخية لمثل هذا القرار واللوم من قبل الشعوب العربية على أنه ساعد الإسرائيليين على تفريق وتهجير الفلسطينيين؟

تنمية سيناء؟

عقد رئيس الوزراء المصري ، مؤتمراً صحافياً غير مسبوق من أمام معبر رفح، وذلك ضمن زيارته ووفد وزاري من الحكومة المصرية لمحافظة شمال سيناء في 31 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. أكد مدبولي في كلمته أنه لم يكن هناك أسبوع يمضى من دون وقوع حادث إرهابي هنا، يفضي إلى استشهاد أحد أفراد الشرطة أو القوات المسلحة أو أهالي سيناء. كما أعلن انطلاق وتدشين ما أسماه ب"عملية التنمية الكبرى في شمال سيناء" باستثمارات تتجاوز 400 مليار جنيه، ستقوم الدولة بضخها خلال الفترة القادمة لتحقيق تنمية شاملة ومتكاملة لخدمة أهالي شمال سيناء.

كشفت بعض الوثائق البريطانية السرية، والتي تمت إتاحتها بعد مرور أكثر من 30 عاماً عليها، عن قبول الرئيس المخلوع مبارك في بدايات حكمه لمصر في عام 1983 طلب أمريكا توطين فلسطينيين بمصر مقابل إطار لتسوية شاملة للصراع مع إسرائيل. 

قال رئيس الوزراء المصري من أمام معبر رفح بأن "كل ذرة رمل هنا، إحنا مستعدين كمصريين نبذل فيها ملايين الأرواح، بس محدش يقرب منها"، مؤكداً كون هذه الكلمة هي بمثابة رسالة واضحة للرد على "حاجات كتير"، مضيفاً بأن الرئيس قد سبق وقالها في كل الفترة الأخيرة وأن "مصر مش هتسمح أبداً مهما كان إن يتم فرض عليها أي شئ، ولن نسمح بحل أو تصفية قضايا إقليمية على حسابها".

رفض عودة المصريين إلى سيناء

إزاء هذه المواقف الرسمية التي تشدد على التصدي وعدم الموافقة على خطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وذلك بدعاوي الأمن القومي المصري، أو عدم السماح بتصفية القضية الفلسطينية، فإن استمرار التعنت وتأجيل تنفيذ الوعود الرسمية لأهالي سيناء بعودتهم مجدداً إلى أراضيهم، وبخاصة أهالي رفح والشيخ زويد المصريتين، قد يشي بالتناقض مع الخطاب الرسمي.

قام مئات من أهالي شمال سيناء في 23 تشرين الأول/ أكتوبر بالتجمع والمطالبة بالعودة إلى أراضيهم، بعد انتهاء المهلة التي وعدهم بها قائد الجيش الثاني الميداني في مدينة العريش، في آب/أغسطس الماضي، والتي كان من المفترض أن يتم كما قيل السماح لهم بالعودة بحد أقصى هو 20 تشرين الأول/ أكتوبر. لكن احتجاجهم قوبل بالاعتقال، والفض، والعنف والتهديد الأمني بإطلاق الرصاص في الهواء، بحسب مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان.

تكررت تأكيدات السيسي على رفض أي مخططات لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء في مناسبات مختلفة، وبالأخص في هذا الشهر الأخير، قائلاً أن فلسطين هي "قضية القضايا، وقضية العرب كلها، ومُهمٌّ أن شعبها يفضل صامد ومتواجد على أرضه، وإحنا هنبذل أقصى جهد عشان نخفف عنه". 

كما لم يتم تنفيذ وعود سابقة لمحافظ شمال سيناء، والذي ظهر إلى جانب رئيس الوزراء في مؤتمره أمام معبر رفح، إذ صرح في مقابلة تلفزيونية في كانون الثاني/ يناير 2022 أن سكان كافة قرى الشيخ زويد سيتمكنون من العودة إلى منازلهم خلال ثلاثة أشهر، وأن مدينة رفح الجديدة يتم العمل على إنشائها، وأن الوضع سيعود للاستقرار بشكل تام خلال عام واحد. وهو ما لم يتحقق حتى الآن.

توالت قرارات وتشريعات السيسي تجاه سيناء منذ بدء توليه رئاسة الجمهورية رسمياً في حزيران/ يونيو 2014، إذ أصدر قراراً جمهورياً رقم 444 لسنة 2014، يقضي بتفريغ مساحة 5 كلم على طول الشريط الحدودي الشرقي لمصر في شمال سيناء، و 4 كلم في جنوب سيناء، إضافة إلى تفريغ مساحات أخرى لعشرات الكيلومترات على كافة المناطق الحدودية الغربية والجنوبية، واعتبار جميع هذه المناطق مناطق خاضعة للتصرف المباشر للقوات العسكرية، ويحظّر على المدنيين التواجد فيها، بدعوى استهداف أنفاق التهريب مع قطاع غزة من ناحية الشرق.

ومنذ الأسابيع الأولى لتولي السيسي رئاسة الجمهورية في 2014، بدأ تطبيق سياسات إقامة منطقة عازلة مع الحدود مع قطاع غزة، وترتب عليها تدمير مئات المنازل والمزارع، ومحو شبه كامل لمدينة رفح المصرية.

جمع مئات من أهالي شمال سيناء في 23 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 مطالبين بالعودة إلى أراضيهم، بعد انتهاء المهلة التي وعدهم بها قائد الجيش الثاني الميداني في مدينة العريش، في آب/أغسطس الماضي، والتي كان من المفترض أن يتم كما قيل وقتها السماح لهم بالعودة بحد أقصى هو 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023. لكن احتجاجهم قوبل بالاعتقال، والفض، والعنف والتهديد الأمني.

وعلى الرغم من زوال الخطر الأساسي، الذي شكّل الحجة الرئيسية والدافع للمضي في هذه السياسات من عزل وتهجير لأبناء سيناء، وهو الحرب على الإرهاب، إلا أن هذه السياسات تستمر في النفاذ، دون وجود مؤشرات حقيقية للتراجع عنها على أرض الواقع. بل على العكس، أصدر السيسي القرار رقم 420 لسنة 2021، ليضيف مناطق جديدة ويعدل من القرار 444 لسنة 2014، إذ نص على تحديد قرابة ثلاثة ألف كيلو متر مربع من الأراضي في شمال شرق شبه جزيرة سيناء، مهدداً بذلك عشرات الآلاف من أهالي سيناء، الذين بقوا على أراضيهم، ويضعهم تحت خطر ترحيل وتهجير جديدين.

على أرض الواقع، تبدو سياسات السلطة المصرية تجاه أهالي سيناء معرقلة لعودتهم إلى أراضيهم بعد عقد دموي، سالت فيه دماء الآلاف من أهالي سيناء وكذلك من أفراد قوات الجيش والشرطة المصرية ضمن "الحرب على الإرهاب". ويثير هذا الوضع العديد من الشكوك لديهم في جدية وعود العودة، فقد سبق وتنازلت القاهرة للسعودية عن جزيرتين مصريتين ضمن نطاق شبه جزيرة سيناء، هما تيران وصنافير.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.