ما بعد مجزرة المعمداني: غضب شعبي وإلغاء القمة الرباعية في عمّان

اجتاحت شوارع العديد من العواصم العربية والإسلامية مظاهرات غاضبة وحاشدة في أعقاب مجزرة المستشفى المعمداني.
2023-10-19

شارك
ما بعد مجزرة المعمداني: غضب شعبي وإلغاء القمة الرباعية في عمّان مظاهرة في ساحة المسجد الكالوتي قرب سفارة الاحتلال اليوم. تصوير مؤمن ملكاوي.

فور ورود أنباء المجزرة الإسرائيلية التي وقعت أمس في المستشفى المعمداني في غزة، وراح ضحيتها أكثر من 500 شهيد من المرضى والكوادر والنازحين إلى باحة المستشفى، بحسب وزارة الصحة في القطاع، توافد متظاهرون غاضبون إلى محيط السفارة الإسرائيلية في عمّان، ليجتاز مئات منهم عددًا من حواجز الأمن المحيطة بالسفارة محاولين اقتحامها، قبل أن تفرّقهم قوات الأمن بالغاز المسيل للدموع.

وفيما تواصلت الاحتجاجات التي شارك فيها الآلاف في محيط السفارة حتى ساعات الفجر، عاد المتظاهرون ليتجمعوا بأعداد أكبر اليوم في ساحة مسجد الكالوتي قرب السفارة الإسرائيلية، في ظل دعوات شعبية وحزبية لمظاهرات في أماكن عدة داخل الأردن.

يأتي ذلك في حين كان مقررًا أن تُعقد اليوم قمة رباعية في عمّان، تضم قادة الأردن ومصر والسلطة الفلسطينية إلى جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن، قبل أن يُعلَن مساء أمس عن إلغائها في أعقاب المجزرة، لأنها «لن تكون قادرة على وقف الحرب»، وفق تصريح وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، الذي أضاف أنه «بعد الجريمة النكراء التي تعرض لها المستشفى المعمداني في غزة، لا فائدة من الحديث الآن عن أي شيء إلا وقف الحرب».

مظاهرة حاشدة في محيط سفارة الاحتلال في منطقة الرابية مساء أمس، عقب المجزرة. تصوير سمر سعيد.

مظاهرات متواصلة وإضرابات شاملة

وفق شهادات عدد من المتظاهرين، تجمع حوالي 300 شخص قرابة الساعة العاشرة من ليل أمس، أي بعد حوالي ساعة من وقوع مجزرة المستشفى، قرب مدرسة كامبريدج في منطقة الرابية في عمان، متجهين نحو السفارة الإسرائيلية في محاولة لاقتحامها. وتمكن المتظاهرون من الوصول إلى ما يبعد قرابة 50 مترًا عن مدخل السفارة، قبل أن تطلق قوات الأمن الغاز المسيل للدموع بكثافة في اتجاههم، مفرقة إياهم في الشوارع المحيطة. وعادة ما تكون المنطقة المحيطة بالسفارة معززة بكم كبير من قوات الأمن، وبالأخص في أوقات العدوان، فضلًا عن وجود حواجز لا يسمح باجتيازها إلا لسكان المنطقة أو العاملين فيها.

استمر توافد المتظاهرين الذين تجمّعوا في عدة نقاط تجمع في المنطقة حتى قرابة الثانية من فجر اليوم، وبلغت أعدادهم الآلاف وفق شهود عيان. وحصرت قوات الدرك العدد الأكبر منهم في ساحة مسجد الكالوتي، حيث كان يسمح للمتظاهرين بدخولها لكنهم كانوا يمنعون من التحرك منها باتجاه السفارة، التي كان المتظاهرون يهتفون بإزالتها وطرد السفير الإسرائيلي من الأردن.

وشهد الأردن عدة مظاهرات أخرى في أماكن مختلفة مساء الأمس. ففضلًا عن مظاهرة أخرى سابقة على مجزرة المستشفى في ساحة الكالوتي شارك فيها الآلاف، انطلقت مسيرة أخرى في عمّان من أمام مسجد الملك عبد الله المؤسس في العبدلي، محاولةً الوصول إلى مقر الحكومة قرب الدوار الرابع. إلا أن قوات الأمن كانت قد أغلقت الشوارع الواصلة بين العبدلي والدوار الرابع، كما أغلقت عددًا من مداخل الدوار، مانعة المتظاهرين من التقدم أبعد من مجلس الأمة القريب من المسجد. وكان الملتقى الوطني لدعم المقاومة وحماية الوطن، الذي دعا إلى مسيرة الرابع، قد طالب بإلغاء الاتفاقيات الموقعة مع «إسرائيل»، وبإقامة جسر جوي فوري لنقل المعونات إلى قطاع غزة.

كما شهدت إربد ليلة أمس، في أعقاب مجزرة المستشفى، مظاهرة ضمت الآلاف أمام مبنى محافظة إربد، نادت بفتح الحدود مع فلسطين المحتلة وطرد السفير الإسرائيلي. وفي العقبة، خرجت مسيرة حاشدة في حي المحدود (الروضة) جابت عددًا من شوارع المدينة. كما شهد كل من مخيم البقعة شمال عمان، ومدينة معان، ليلة أمس، مظاهرات أخرى دعمًا للمقاومة الفلسطينية ومطالبة بوقف العدوان على القطاع.

مقالات ذات صلة

أمّا اليوم، فخرجت دعوات عديدة للتظاهر في مختلف أنحاء الأردن، ظهرًا وعصرًا ومساءً. إذ احتشد الآلاف في ساحة الكالوتي مجددًا ظهر اليوم، في ظل وجود مكثف لقوات الدرك التي منعت تحرك المتظاهرين نحو السفارة الإسرائيلية. كما وُجهت دعوات للتظاهر أمام السفارة الأمريكية في عبدون، إلا أن قوات الأمن أغلقت معظم المداخل المؤدية للسفارة لتحول دون تجمع المتظاهرين. وقد صدرت الدعوة لمظاهرتيْ السفارتين الإسرائيلية والأمريكية عن الملتقى الوطني، الذي يضم عدّة أحزابٍ سياسية ونقابات وشخصيات مستقلة، وامتدت الدعوة لمظاهرات أخرى قرب السفارتين ستقام عصر ومساء اليوم.

كما دعا تجمع النقابات المهنية وائتلاف الأحزاب القومية واليسارية إلى مسيرة انطلقت من دوار الشميساني ظهر اليوم، نحو مجمع النقابات، شارك فيه مئات من النقابيين والحزبيين.

وأعلنت نقابة المحامين وقف الترافع في المحاكم اليوم، وذلك عقب انعقاد مجلس النقابة فجرًا. وبحسب عضو مجلس النقابة ومقرر لجنة فلسطين ومقاومة التطبيع فيها، المحامي هاشم الشهوان، فقد شكل المجلس لجنة إسناد تتولى مهمة إعداد دراسات قانونية حول «آليات إلغاء الاتفاقيات والتشريعات الداخلية التي جعلت بيني وبين هذا العدو أي شكل من أشكال التعاون»، لتقدم إلى صاحب القرار وفق تعبيره. وكانت النقابة قد أوقفت الترافع لمدة ساعة مرتين سابقتين منذ بدء العدوان، بالتنسيق مع اتحاد المحامين العرب، كما جمعت تبرعات بقيمة 100 ألف دينار لتقديم تجهيزات ومستلزمات طبية للمستشفى العسكري الأردني في غزة.

وقد دعت جهات عدة، من بينها الملتقى الوطني، إلى الإضراب الشامل اليوم، الذي عمّ المحلات التجارية في عدة مناطق، منها عمّان والعقبة والزرقاء ومعان وسحاب ومخيميْ البقعة وغزة، حدادًا على المجازر الإسرائيلية المتواصلة بحق قطاع غزة. وقال نقيب أصحاب المحال صياغة الحلي والمجوهرات، ربحي علان، إن مجلس النقابة دعا إلى الإضراب في جميع المحال في الأردن، في «رسالة تضامنية مع أبناء شعبنا غزة تماشيًا مع القرار الرسمي بالحداد»، وهو ما شهد تجاوبًا كاملًا من أصحاب المحلات وفقًا له.

ويتوقع أن تشهد محافظات عدة مسيرات أخرى مساء اليوم، إذ صدرت دعوات لمظاهرات تنطلق بعد صلاة المغرب في كل من الزرقاء، ومخيم حطين المتاخم لها، ومادبا، والعقبة، ومعان.

إلغاء القمة الرباعية

على الصعيد الدبلوماسي، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، بعد ساعات على ورود أنباء مجزرة المستشفى المعمداني، أن الأردن قرر بالتشاور مع المسؤولين في مصر والسلطة الفلسطينية إلغاء القمة الرباعية التي كان يفترض أن تجمعهم مع الرئيس الأمريكي جو بايدن، اليوم الأربعاء في عمّان.

وأضاف الصفدي أن القرار، الذي نوقش مع الولايات المتحدة، اتخذ «لأننا إذا عُقدت هذه القمة نريد أن تنتج مخرجًا واحدًا لا ثاني له وهو وقف الحرب واحترام إنسانية الفلسطينيين وإيصال ما يستحقون من مساعدات.. وبما أن ذلك لن يكون متاحًا قررنا عدم عقد هذه القمة»، مشيرًا إلى إمكانية عقدها لاحقًا، حسبما صرح لقناة المملكة.

وفي حديث مع قناة الجزيرة، قال الصفدي إن الأردن أوضح أنه «في ضوء ما يجري، ليس من مصلحة أحد عقد هذه القمة». وحذر الصفدي من أن الغضب الشعبي إزاء المجزرة «يمكن أن يأخذنا باتجاه توسّع الصراع»، وقال: «لا نريد لهذه الحرب أن تصبح حربًا عربية إسلامية مع الغرب»، مضيفًا أنه «على الجميع أن يعيد تقييم مواقفه».

وجاءت تصريحات الصفدي بُعيد تعليق الملك عبد الله الثاني على المجزرة التي وصفها بـ«جريمة حرب نكراء لا يمكن السكوت عنها»، محذرًا «أن هذه الحرب التي دخلت مرحلة خطيرة ستجر المنطقة إلى كارثة لا يحمد عقباها»، وذلك حسبما نقل الديوان الملكي عن الملك الذي عاد أمس من جولة أوروبية شملت ألمانيا وبريطانيا.

وكان الملك قد صرّح أمس خلال ترؤسه اجتماعًا في القيادة العامة للقوات المسلحة رفض الأردن «بشكل قاطع لأي سيناريو يستهدف تهجير الفلسطينيين من أرضهم أو نزوحهم سواء في قطاع غزة أو بالضفة الغربية»، وهو ما أوضح أنه نقله لمسؤولين أوروبيين خلال جولته.

وفي السياق ذاته، صرح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صباح اليوم إن بلاده ترفض ما أسماه «تصفية» القضية الفلسطينية، وتهجير فلسطينيي قطاع غزة إلى سيناء، مشيرًا إلى أن تهجير الفلسطينيين من غزة لمصر، سيتبعه تهجيرهم -أيضًا- من الضفة الغربية إلى الأردن. وأضاف السيسي أن مخطط التهجير يعني «جر مصر إلى حرب ضد «إسرائيل»».

وكان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس قد غادر عمّان بُعيد ورود أنباء المجزرة عائدًا إلى رام الله، بعد ساعات من لقائه بوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في عمّان، ضمن وفد شمل أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ، ورئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء ماجد فرج، ومستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية مجدي الخالدي، والسفير الفلسطيني لدى الأردن عطا الله خيري. وكان من المفترض أن يأتي الاجتماع في إطار التحضير للقمة الملغاة.

ووصل بايدن صباح اليوم إلى تل أبيب، ليعقد بعدها مباشرة اجتماعًا برئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، قال فيه إنه حزن وغضب لما أسماه بـ«الانفجار» في المستشفى المعمداني، مضيفًا في حديثه لنتنياهو «يبدو أن الجانب الآخر وراء ذلك وليس أنتم».

الغضب يجتاح المنطقة

في الضفة الغربية، خرجت مظاهرات غاضبة عقب المجزرة في عدة مدن منها رام الله وجنين والخليل ونابلس وبيت لحم وطوباس. وقد قمعت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية عددًا من المظاهرات وأطلقت الرصاص الحي في بعضها، لتقتل طفلة في التاسعة من عمرها في رام الله، وتصيب آخرين، من بينهم إصابة خطيرة إثر دهس آلية لقوات الأمن شابًا قرب دوار المنارة في المدينة.

كما اندلعت مواجهات مسلحة مع قوات الاحتلال في عدد من مناطق الضفة، من بينها حواجز ونقاط تماس قرب قرى النبي صالح، وسنجل، ونعلين، وعزون، وبيت أمّر، وجمّاعين، وبيت ريما، ومخيمي الجلزون وعايدة. وأسفرت المواجهات عن استشهاد شاب وإصابة آخرين.

وقد اجتاحت شوارع العديد من العواصم العربية والإسلامية مظاهرات غاضبة وحاشدة ليلة أمس، في أعقاب مجزرة المستشفى المعمداني. إذا انطلقت مظاهرة كبيرة من بيروت نحو السفارة الأميركية في منطقة عوكر. حاول المحتجون فيها إزالة الشريط الشائك للدخول إلى السفارة لكن القوى الأمنية منعتهم باستخدام خراطيم المياه والقنابل المسيلة للدموع. وتجددت المظاهرات اليوم قرب السفارة الأميركية، جاذبة أعدادًا أكبر من المتظاهرين.

في اليمن، خرجت مظاهرات حاشدة في تعز وصنعاء تنديدًا بالمجزرة، فيما أصدر المجلس السياسي الأعلى لجماعة «أنصار الله» بيانًا أدان القصف الإسرائيلي، جاء فيه أن «العدو الصهيوني المغتصب لفلسطين قد تجاوز كل الخطوط الحمراء ولا بد أن تتغير قواعد الاشتباك… وأنه لا يمكن التعامل معه إلا بالقوة».

وفي تونس العاصمة، توجه متظاهرون نحو السفارة الفرنسية احتجاجًا على الدعم الفرنسي للاحتلال. وطالبت المظاهرة التي شاركت فيها شخصيات سياسية وحزبية بطرد السفير وإغلاق سفارة فرنسا التي حملوها مسؤولية المشاركة في المجزرة. كما خرجت مظاهرات أخرى في صفاقس ومدن تونسية أخرى.

تظاهر الآلاف أمام السفارة الفرنسية في جادة الحبيب بورقيبة وسط تونس اليوم الأربعاء 18 تشرين أول 2023، تنديدًا بمجزرة المستشفى الأهلي المعمداني. تصوير فتحي بلعيد. أ ف ب.

وفي مصر، نظمت أحزاب معارضة وقفة احتجاجية أمام السفارة الأميركية بالقاهرة، شاركت فيها شخصيات سياسية، فيما خرجت مظاهرات شعبية أخرى في الجيزة ومدينة 6 أكتوبر.

أما في العراق، فتوافد المئات ليلًا نحو ساحة التحرير وسط بغداد، تنديدًا بالمجزرة والعدوان الإسرائيلي المستمر، فيما رفع المتظاهرون شعارات مناهضة للولايات المتحدة التي حملوها مسؤولية العدوان لدعمها «إسرائيل».

وفي إيران، خرجت ليلة أمس مظاهرات غاضبة في عدة مدن، منها طهران ومشهد والأهواز وقم. ففي طهران تجمع المتظاهرون في ساحة فلسطين وتوجهوا نحو سفارتي فرنسا وبريطانيا، راشقين إياهما بالبيض، هاتفين بالموت لـ«إسرائيل».

احتج مئات الطلاب والمتظاهرين أمام السفارتين البريطانية والفرنسية في طهران فجر الأربعاء 18 تشرين أول 2023، عقب مجزرة المستشفى المعمداني في غزة. تصوير عطا كيناري. أ ف ب.

وفي تركيا، تظاهر المئات أمام السفارة الإسرائيلية في أنقرة وقنصليتها في إسطنبول، وطالبوا بإغلاقهما، وأحرقوا أعلام «إسرائيل»، فيما حاول بعضهم اقتحام القنصلية في إسطنبول، إلا أن قوات الأمن منعتهم من ذلك.

مقالات من العالم العربي

بغداد وأشباحٌ أخرى

نبيل صالح 2024-12-01

عُدتُ إلى بغداد ولم أعد. تركتُ قُبلةً على قبر أُمي ورحلتُ. ما حدث ويحدث لبغداد بعد الغزو الذي قادته جيوش الولايات المتحدة الأمريكية، هو انتقامٌ من الأسلاف والتاريخ معاً.

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...