مصر.. مبادرات نسائية لحماية الحيوانات الضالة

2023-09-28

رباب عزام

صحافية من مصر


شارك
قطط الشوارع في القاهرة، مصر.

في تموز/يوليو من العام 2022، قررت شمس أن تذهب إلى أقرب طبيب بيطري في نطاق منزلها في حي حلوان جنوب القاهرة. أنقذت شمس قطّة وأربعة من صغارها وجدتهم مصابين جميعاً بأعراض تسمم حادة في أحد ممرّات نادٍ شهير من الحيّ نفسه. تعكس القصة نموذجاً عن ازدياد حالات الإساءة المتكررة للحيوانات في مصر، ولعل أشهر طرق الإساءة تلك قد تمثلت في عمليات قتل مدفوعة من جهات رسمية من خلال سمّ "الإستركنين" المحرّم دوليّاً منذ تسعينيّات القرن الماضي.

حادثتني شمس وقررنا معاً في مبادرة فردية أن ننطلق أسبوعياً في شوارع المدينة، سعياً وراء بعض الحيوانات الضالّة بهدف معالجتها أو إطعامها. كنا قد رصدنا بعضاً من المناطق التي تتمركز فيها مجموعات من الكلاب والقطط، وأخذنا عدداً منها إلى الطبيب البيطري لتعقيمها وعلاجها. لكن واجهتنا مشكلة ضعف الموارد، وعدم قدرتنا على مجاراة ارتفاع الأسعار المتزايد بشكل لا يتناسب مع دخلنا المالي، لذا قررنا أن نبحث عن ملجأ للحيوانات لنحميها من التشرّد. لم نعثر على أي ملجأ في الحي الجنوبي للعاصمة القاهرة بأكمله، والذي تزداد فيه مشكلة الفقر مع استمرار إغلاق المصانع وتشريد آلاف من العمال والموظفين. ومع ازدياد الفقر فقدت حيوانات الشارع مصدر رزقها أيضاً. هكذا صرنا وكذلك هم.

تخلى مواطنون عن حيواناتهم خلال فترة الحجر الصحي المرتبط بجائحة كوفيد-19 وبسبب ارتفاع نسبة الفقر (وفق أحدث إحصاء رسميّ للعام 2020، فإن نسبة الفقر في مصر شملت 29.7 في المئة من المواطنين، بينما في تقرير حديث للبنك الدولي فإن 60 في المئة فقراء أو معرضون للفقر). وعلى الرغم من ذلك، فإن مربّي ومنقذي الحيوانات في مصر قد تزايدوا بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة. فازدادت مثلاً حالات اقتناء الكلاب لتقفز من 2000 كلب مسجل في العام 2016 إلى 860 ألف كلب في العام 2019، وفق "جمعية تربية الكلاب المصرية".

وعلى الرغم من تأثير الأزمة الاقتصادية على النساء في مصر، إلا أنّ عشرات من المبادرات والشبكات غير الرسمية لإنقاذ الحيوانات الضالة، دشنتها نساء وبشكل فردي.

ولكن كيف بدأ اهتمام المصريات بتفعيل مبادرات فيما يخصّ حقوق الحيوانات؟

البداية

انتشرت ظاهرة تسميم حيوانات الشارع من خلال موظّفي البلديّات في مصر في نهايات القرن الماضي، وقد تعرّضت تلك الحيوانات للتعذيب والقتل الوحشيّ المتكرر. ثم تحوّلت هذه الظواهر إلى ممارسة شعبية، ما دفع إلى تنظيم وقفات احتجاجية ضدّ تسميم الكلاب والقطط، مثل وقفة آذار/ مارس 2019 في منطقة مدينتي. كان هذا من أبرز الأسباب التي دفعت أمينة أباظة إلى تأسيس الجمعية المصريّة لحماية حقوق الحيوان "سبير SPARE"، بالقرب من أهرامات الجيزة، لتصبح بذلك أول منظمة غير حكومية للعناية بالحيوانات في مصر في العام 2001، ويقع تحت مظلتها عدد من الملاجئ الخاصة بالحيوانات ومنها الملجأ المصري الوحيد للحمير.

ضعف الموارد، وعدم القدرةعلى مجاراة ارتفاع الأسعار المتزايد عرقلا المبادرات، فقررنا أن نبحث عن ملجأ للحيوانات لنحميها من التشرّد. لم نعثر على أي ملجأ في الحي الجنوبي للعاصمة القاهرة بأكمله. ومع ازدياد الفقر فقدت حيوانات الشارع مصدر رزقها أيضاً. هكذا صرنا وكذلك هم!

ووفق أمينة، فقد قررت بعد أن رأت الانتهاكات المتصاعدة، أن تستمر في عمليّات إنقاذ الحيوانات ومنع تعرضها للإيذاء، وتوفير العلاج الطبيّ وإعادة التأهيل، والتعقيم والرعاية الطبية المجانية (لدى الجمعية عيادات بيطرية وأخرى متنقلة). وقد ساعدت أكثر من 10 آلاف قط ّحتى يومنا هذا. وحاولت من خلال المؤسسة أن تعمل على التثقيف حول الرفق بالحيوان من خلال اختراق كافّة طبقات المجتمع ومستوياته، لتأمين قوانين قوية لحقوق الحيوان، وإدخالها في التشريع المصري. وبفضل جهودها المتواصلة كرّمتها مؤسسة "هانز رون" الألمانية المعنيّة بحقوق الحيوان في العام 2008، كما اختيرت سفيرة لحقوق الحيوان في مصر في العام نفسه. وتقدّم المؤسسة مساعدة للحيوانات التي تتعرّض للتسمم أو المصابة نتيجة إجراءات السلطة لمكافحة الحيوانات الضالة.

تقول أمينة إن المصريين دائماً ما يرون الاهتمام بحقوق الحيوان مسألة هامشية، وتضيف: "أحد دوافعنا الرئيسية هو أنّ الحكومة المصرية قتلت آلاف الكلاب الضالّة باستخدام السمّ. والمثير للدهشة أن الإدارة البيطريّة الحكوميّة هي المسؤولة عن ذلك، كما أنّ وزارة الداخلية تقوم في بعض الأحيان بإطلاق الرصاص عليها". وأمّا الشعب، فيفتقد إلى مفهوم التعاطف والرفق بالحيوان، حتى إنّ الأطفال كانوا يمارسون التعذيب على الحيوانات أو يغرقونها.

انتهاك

يرى كثير من الناشطين في مجال حقوق الحيوان أنّ القوانين غير كافية لمواجهة العنف الممنهج تجاه الحيوانات في الشارع، على الرغم من أنّ الدستور المصري في مادّته (45) نصّ على التزام السلطة بالحفاظ على الثروة الحيوانية والرفق بالحيوان، كما نصّت المادة (357) من قانون العقوبات المصري رقم 58 لسنة 1937 وتعديلاته، على الحبس مدة لا تزيد عن 6 أشهر أو غرامة، لكل من قتل عمداً أو سمّم أيّاً من الحيوانات المستأنسة أو أضرّ به ضرراً كبيراً. إلا أنّ هناك قرارات داخلية تنظمّ عمليات قتل الحيوانات المشرّدة عن طريق دسّ الطعام المخلوط بسمّ "الأستركنين" أو قتلها بالرصاص في كافة أنحاء مصر، وهي مستمرة.

انتشرت ظاهرة تسميم حيوانات الشارع من خلال موظّفي البلديّات في مصر في نهايات القرن الماضي، وقد تعرّضت تلك الحيوانات للتعذيب والقتل الوحشيّ المتكرر. ثم تحوّلت هذه الظواهر إلى ممارسة شعبية، ما دفع إلى تنظيم وقفات احتجاجية ضدّ تسميم الكلاب والقطط، مثل وقفة آذار/ مارس 2019.

وتبرّر السلطة ذلك بأنّه لحماية المواطنين من الإصابة والتعرض للعقر، حيث تشير التقديرات الرسمية إلى أنّ عدد حالات عقر الكلاب خلال العام الماضي وصلت إلى قرابة 490 ألف حالة. وقد بلغت تكلفة مواجهة الكلاب نحو مليار ونصف مليار جنيه من الخزانة العامة في العام 2017، وتكلفة استيراد الأمصال فقط في العام الماضي نحو 151 مليون جنيه. وبلغت حالات الوفاة من العقر 50 حالة في العام 2014، ارتفعت إلى 65 وفاة في العام 2017، كما اقترب عدد الوفيات من 100 حالة في العام الماضي.

تصاعدت الحملات الإلكترونية المناهضة لقتل الحيوانات الضالة، تحت عدة هاشتاغات مثل #ضد تسميم الكلاب، و#لا لانتهاكات حقوق الحيوانات و#ضد تصدير الكلاب،إذ تردد في العام 2018 أن السلطات تتخلص من الكلاب الضالة بتصديرها (بالفعل تمّ تصدير 4 آلاف قطة وكلب إلى الخارج حسب إحصاءات رسمية)، وتجددت الحملة بعد اقتراح قدمته برلمانيّة بشأن تصدير الكلاب البلدية إلى الصين وبعض دول شرق آسيا التي تقدّمها كوجبة طعام (حسب الإحصاءات الرسمية تتراوح أعداد كلاب الشارع ما بين 6 و20 مليون كلب). ولكن دخلت على خطّ المواجهة ضدّ هذا الاتجاه شخصيات عامّة، مثل لاعب الكرة المصري محمد صلاح الذي نشر في تغريدة، صوراً مع قطته رافضاً مقترح التصدير.

وقد تحرك المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية لاتخاذ إجراءات قانونية ضد الانتهاكات المذكورة منذ العام 2020، وأبدى محامو المركز الدفع بعدم دستورية المادة (12) من قرار وزير الزراعة رقم 35 لسنة 1967، والتي تنص على أنه على الإدارة البيطرية المختصة تسميم الكلاب والقطط الضالّة التي توجد في الطرق والأماكن العامة أو إعدامها بأي طريقة "دون استعمال القسوة معها".

وبسبب تلك الحملات والمبادرات المستمرة منذ ما يزيد عن 10 سنوات، قرّر البرلمان تشريع قانون جديد لتنظيم حيازة الحيوانات الخطرة والكلاب، ومحاولة إيجاد سبل لحماية الحيوانات الضالة ورعايتها بما يحقق الحفاظ على الصحة العامة وسلامة المواطنين وكذلك حماية حقوق الحيوان. واهتم المشرّع بفرض عقوبات تشمل الغرامة والسجن لمددٍ مختلفة (قد تصل في حالات القتل إلى السجن 20 عاماً) على المواطنين الذين يحوزون على حيوانات خطرة. وعلى الرغم من صدور قانون في العام 2004 يمنع تعذيب الحيوانات وضربها ويُعاقَب مَن يعمد إلى ذلك بالحبس والغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين، لكن هذا القانون لا يطبّق كثيراً، والجهات التنفيذية هي المسؤولة من الأساس عن أغلب عمليات القتل والانتهاكات، بل توجد إدارات خاصّة للتخلص من الحيوانات حتى في المشافي العامة.

"الكلاب السعيدة"

سمر عبد الرحمن طبيبة بيطرية في العقد الثالث من عمرها، رفعت شعار الحماية للكائنات الأكثر ضعفاً، وأطلق عليها المواطنون لقب "طبيبة الإنسانية"، فقد أسست عيادة صغيرة أسمتها "الكلاب السعيدة" لمعالجة الحيوانات الضالّة والتي ليس لها مأوى في الإسكندرية شمال مصر. تقول: "أنا مهتمّة بعمليات الإنقاذ وعلاج حيوانات الشارع المشرّدة، وقد بدأت العمل من خلال مبادرة عبر فايسبوك لتقديم العون والمساعدات الطبية سواء لمصريين أو أجانب، ثم بدأت بالعمل في الشارع، وافتتحت عيادتي الخاصة لخدمة أهدافي".

تصاعدت الحملات الإلكترونية المناهضة لقتل الحيوانات الضالة، تحت عدة هاشتاغات مثل #ضد تسميم الكلاب، و# لا لانتهاكات حقوق الحيوانات و#ضد تصدير الكلاب،إذ تردد في العام 2018 أن السلطات تتخلص من الكلاب الضالة بتصديرها (بالفعل تمّ تصدير 4 آلاف قطة وكلب إلى الخارج حسب إحصاءات رسمية)، وتجددت الحملة بعد اقتراح قدمته برلمانيّة بشأن تصدير الكلاب البلدية إلى الصين وبعض دول شرق آسيا التي تقدّمها كوجبة طعام

وقد تميزت في علاج الحالات المعقدة التي لم يوفق زملاؤها في علاجها، خاصة الأمراض الجلدية والفيروسية، كما أطلقت في العام 2019 مبادرة لتطعيم الكلاب والقطط المشردة ضد السعار تحت عنوان "مصر خالية من السعار"، في محاولة لتقليل عمليات القتل الممنهج لتلك الحيوانات. وفي العام التالي 2020 قدمت مبادرة "حيوانات بلا كورونا" واستهدفت فحص الحيوانات الأليفة ضد الفيروس، ونشر التوعية لدى مربيهم، خاصة بعد انتشار شائعات خاطئة توحي بأن الحيوانات ناقلة للفيروس ما أدى الى تخلي كثير من المربين عن حيواناتهم. كما أسست أول دار للمسنين من الحيوانات، وأول دار للأيتام من الحيوانات التي فقدت أمّهاتها.

وتروي سمر ارتباطها الشديد بالحيوانات منذ حداثتها، الأمر الذي دفعها نحو التخصص في الطب البيطري وعلم الميكروبيولوجي، وقامت بافتتاح عيادة بيطرية في مدينة رشيد، لتصبح أول فتاة تتخصّص في الطب البيطري في القرية، ثم انتقلت إلى الإسكندرية وأنشأت صفحة على فايسبوك أسمتها "الكلاب السعيدة" كانت تعالج من خلالها الحالات بشكل مجانيّ. وتضيف: "هدفي الأكبر هو نشر ثقافة التعامل برحمة مع الحيوان، وأستهدف أولياء الأمور والأطفال، وقد زرت كثيراً من المدارس وأماكن رعاية الأطفال لتعليمهم وزيادة وعيهم، كما أنني أرغب كثيراً في نشر مبادراتي في السعودية والإمارات ولبنان، نظراً لتراجع الاهتمام بالطب البيطري هناك، رغم التقدم في مجالات أخرى".

أزمة

بعد تواصلي مع سمر وعدد من الناشطات في مجال حقوق الحيوان، تبيّن أن الفقر الذي أصاب المصريين نتيجة إجراءات اقتصادية تراها الحكومة إصلاحية، قد انتقل بالضرورة إلى عالم الحيوان، فقد تبنى البنك المركزي المصري منذ نهاية شباط/فبراير من العام 2022 عدداً من الإجراءات للإبقاء على ما تبقى من الاحتياطي النقدي الدولاريّ في البلاد وزيادته. 

حتى البدائل العضوية في أطعمة الحيوانات، ومنها أرجل الدجاج و أمعاؤه، ارتفعت أسعارها نتيجة الأزمة الاقتصادية، وغدا المواطنون منافسين للحيوانات في تناول تلك الأطعمة.

وشملت تلك الإجراءات عمليّة تقييد للاستيراد طالت مستلزمات الإنتاج وبعض السلع التي صنفتها الدولة على أنها "سلع استفزازية وغير ضروريّة"، من بينها الأدوية البيطرية، وبعض المواد التي تدخل في تصنيع تغذية الحيوانات، ما انعكس على قدرة تلك المصانع على العمل وتوفير الأدوية والمستلزمات التي تحتاجها الحيوانات الأليفة، سواء كانت حيوانات التربية المنزلية أو حيوانات الحقل (حسب جهاز الإحصاء المركزي للعام 2022، فإن الإنتاج المحلي يستحوذ على 40 في المئة من السوق). 

كما زادت الضرائب الجمركيّة على أغذية الكلاب والقطط بنحو 40 في المئة، وفق قانون صدر في العام 2016. وقد أدّت القرارات إلى ارتفاع متزايد في أسعار الطعام المجفّف المحليّ من 30 جنيهاً في المتوسط إلى ما يزيد عن 150 جنيهاً للكيلوغرام الواحد (وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، سجلت الواردات من أطعمة الحيوانات تراجعاً بدأ من جائحة كورونا وتبعاتها الاقتصادية، حيث بلغ حجم الواردات خلال تشرين الثاني/نوفمبر 2021 نحو 7.4 مليون دولار، في مقابل 10.14 مليون دولار في تشرين الثاني/نوفمبر 2020). 

حتى البدائل العضوية في أطعمة الحيوانات، ومنها أرجل الدجاج و أمعاؤه، ارتفعت أسعارها نتيجة الأزمة الاقتصادية، وغدا المواطنون منافسين للحيوانات في تناول تلك الأطعمة. وحسبما تقول سمر عبد الرحمن، فإنّ الظروف الاقتصادية الصعبة أدت إلى تأثير سلبي على مسألة إيواء وتربية الحيوانات الأليفة، وبدأ كثير من مربي ومنقذي الحيوانات وأصحاب الملاجئ في إغلاقها، ما زاد من تشريد كثير من الحيوانات ثانية، وبالتالي أثّر ذلك على أمان المواطنين أنفسهم وعلى التوازن البيئي. 

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...