خسارات لا تعوض: رحيل طلال سلمان

نستفيض في رواية نشوء "السفير العربي" لأنّ تجربتنا مع طلال سلمان تجسِّد خاصية التطابق بين القناعات والأفعال: امتلاك قيم بعينها أوّلاً ثم العمل على شقّ الطريق أمامها لتتحقق...
2023-08-26

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
طلال سلمان، 1938 - 2023

من يمكنه أن ينسى مانشيت جريدة "السفير" في 1982: "بيروت تحترق ولا ترفع الرايات البيضاء"؟ وعلى منوالها آلاف العناوين التي لم تترك مناسبة إلّا والتقطتها لتقول رأياً منحازاً على الدوام لدعم قضايا التحرر الوطني، والمضطهَدين أينما كانوا، ومَنْ أكلَ جلودهم الفقر والحرمان... من يمكنه أن يتجاهل أنّ صاحب "السفير"، ورئيس تحريرها على مدى ما يقارب نصف قرن من الزمن، كان يتحرّك وفق بوصلة قوامها منظومة قيميّة منسوجة من ثوابت وطنية ومجتمعية، كان يعتبرها بديهيات، يقود سفينته وسط عواصف هوجاء في الغالب من الأحيان، فيناور حتى لا تتحطم، وحتى تبقى سليمة فتُكْمل طريقها...

____________
على الطريق
مقالات الأستاذ طلال سلمان المنشورة في السفير العربي
____________

سيكتب كثيرون عن مميزات الإنسان والصحافي والكاتب والمناضل، عن قدرته على استكشاف خصال مَن يتعامل معهم، كلٌّ بمقدار ما يستحق. وسأكتب أنا عن تجربتي معه في إنشاء مشروع "السفير العربي"، الذي كان اسمه بالأصل "خماسين" - حين كان ما يزال فكرة – وقد جئته أعرض عليه الانضمام إلى هيئة أمنائه. حين اطّلع على تفاصيله قال بل أستضيفه في الجريدة، وأمنحه مقرّاً وأخصّص له ميزانية ولو أنّها ستكون متواضعة، وأتمنّى أن يَصدر كملحق أسبوعي. تبنّى المشروع وكنّا في خضمّ انبلاج 2011، ووافق على استقلاليته التحريريّة الكاملة واحترم حرفيّاً هذه الاستقلالية فلم يتدخل أبداً ومطلقاً في ما نكتب وننشر، واثقاً بالمقابل بالتأكيد من أنّنا لن نرتكب حماقات مجانية. وهكذا جرت الأمور حتى توقُّف جريدة "السفير" عن الصدور في آخر العام 2016، بحيث لم يقع بيننا أي توتّر طوال تلك السنوات. أي حادث ولو صغير. وكنّا نعرف أنّه تعرّض لضغوط من أطراف شتى وتلقّى اعتراضات على ما ننشر، ولكنّه كان من الكياسة بأنّه لم ينقلها إلينا، بل تسربت عبر أقاويل في الجريدة، التي لم نُعدَم فيها مَنْ كان يرى - بحسد بشري مفهوم - أنّ "السفير العربي" كان "طفلاً مدللاً" في المؤسّسة. وكنّا نعرف أيضاً بفضل الأقاويل السارية بأنه كان يجيب على ذلك بالاعتداد بانحيازه لمشروع "مقنع وفعّال وإذاً محترم" من وجهة نظره. بل هو أتاح لنا دعوة عشرة من كتّابنا من أرجاء المنطقة إلى بيروت للمشاركة في العيد الأربعين لتأسيس الجريدة، في آذار/مارس 2014، وهي التي لم تكن يوماً تنعم ببحبوحة مالية كبيرة... وحين تقرّر توقُّف "السفير" عن الصدور بسبب صعاب مالية لم يُمْكِن تجاوزها، وقرّر فريق "السفير العربي" الاستمرار، منَحنا بكرمٍ راقٍ ما أسماه فترة "تنفُّس" لمدة ستة أشهر حتى نسعى لتدبر أمرنا.

وإنْ استفضنا في هذه الرواية فذلك لأنّ تجربتنا هذه مع طلال سلمان تجسّد خاصية التطابق بين القناعات والأفعال: امتلاك قيم بعينها أوّلاً ثم العمل على شقّ الطريق أمامها لتتحقق. فشكراً طلال سلمان وأبناءه أحمد وهنادي وربيعة، الّذين كانوا نشطين في المشروع الأصلي كما آزروا والدهم في موقفه من "السفير العربي". وهاكم كل كاتباتنا وكتّابنا يطلبون أن تُنقل إليهم والى كل عائلته الكبيرة والصغيرة تعازيهم وحزنهم على "الرجل الاستثنائي". 

مقالات من العالم العربي

تقرير الأمم المتحدة: هذا اقتصاد إبادة جماعية

2025-07-03

يُفصّل التقرير الذي شاركته ألبانيزي في أول تموز/يوليو 2025، كيفية تحوَّل اقتصاد الاحتلال الإسرائيلي إلى "اقتصاد إبادة" بعد السابع من أكتوبر 2023، بدعمٍ من شبكة عالمية من الشركات الكبرى المتواطِئة...

جولة جديدة: هل سيؤدي تعديل قانون الإيجار القديم في مصر إلى تشريد المستأجرين؟

لا تزال المسودة الأخيرة، بالرغم من التعديلات، تنص على إنهاء عقود الإيجار القديمة والسماح بإخلاء السكان بعد فترة انتقالية، دون أن تقترن ببدائل عملية قابلة للتنفيذ مثل: الإيجار الاجتماعي، ما...

الشوك والقرنفل... والطوفان

منى سليم 2025-07-03

"الشوك والقرنفل"، رواية محمّلة بنظرة ثاقبة من عين مراقب، نظرة من قلب الاشتباك لا الانزواء، من أكثر النقاط عمقاً، وأكثرها انكشافاً وكشفاً، من داخل زنزانة الاحتلال. "هذه ليست قصتي الشخصية،...

للكاتب نفسه

غزة: لن ننسى ولن نسامح

ليس من المعقول أن تستمر هذه الحال من الإبادة في غزة. لا من العرب جميعاً، حكاماً وشعوباً، ولا من تركيا ولا من إيران، الغارقتين تاريخيّاً وعملياً ولفظياً، في المسألة الفلسطينية...

لبنان: من هو الوطني اليوم؟

الوطني اليوم هو من ينوي لملمة كل تلك التقرُّحات وكل ذلك العفن. أن ينوي أصلاً، ويعلن عن ذلك، فهي خطوة إيجابية. وهو سيواجه مقاومة عنيدة من المستفيدين من واقع الحال...

لبنان مجدداً وغزة في القلب منه

... أما أنا فأفرح - الى حدّ الدموع المنهمرة بصمت وبلا توقف - لفرح النازحين العائدين بحماس الى بيوتهم في الجنوب والبقاع وضاحية بيروت الجنوبية. لتلك السيارات التي بدأت الرحلة...