مصر.. عن القطيعة بين السلطة والقرى

طوال حياتهما، كان حسن السيد وزوجته المقيمان في إحدى قرى محافظة الفيوم، ضمن القاعدة الصامتة لأي رئيس يصل إلى الحكم. يرددان تبريرات أي قرار سياسي يأخذه، ويؤمنون بها إيماناً كاملاً، ويكنون كل الاحترام له. منذ بداية شبابهما، لم يستفيدا من أي قرارٍ حكومي، وعلى الرغم من ذلك، كانا يتكيفان مع الوضع، طالما هناك هامش للتكيف. كل ما كانا يسعيان إليه هو العيش الهادئ وحدّ الكفاف.
2023-07-30

جمال بخاري

باحث من مصر


شارك
مزارع في احدى قرى الفيوم

بدأ الرأي العام المصري ينشغل بالانتخابات الرئاسية المقبلة والتي تبدأ في الأول من كانون الأول /ديسمبر 2023 وتنتهي في الأول من آذار/مارس 2024، بالتزامن مع الاستعدادات الحكومية لضمان مدة جديدة للرئيس الحالي، عبد الفتاح السيسي. على صعيد آخر، لا ينفصل عن هذا الانشغال، ينتاب الطبقات الفقيرة، لاسيما في القرى، غضب واسع جراء التدهور المعيشي خلال الأعوام الأخيرة...

... كانوا مؤيدين لأي رئيس

طوال حياتهما، كان حسن السيد وزوجته المقيمان في إحدى قرى محافظة الفيوم، ضمن القاعدة الصامتة لأي رئيس يصل إلى الحكم. في كثيرٍ من الأوقات، يرددان التبريرات الشائعة لأي قرار سياسي يأخذه، ويؤمنون بها إيماناً كاملاً ويكنون كل الاحترام له. منذ بداية شبابهما، لم يستفيدا من أي قرارٍ حكومي، لم يكونا على بال أي رئيس قدم أو ضمن حساباته، من السادات إلى مبارك وحتى الآن. على العكس، عمد كل رئيس إلى انتقاص حقوقهما ومكاسبهما مثل غيرهما من أهالي القرى، عبر سياسات تستهدف خفض الدعم تدريجياً وفرض مزيدٍ من الضرائب. على الرغم من ذلك، لم ينتظرا الكثير من السلطة، كانا يتكيفان مع الوضع، طالما هناك هامش للتكيف. كل ما كانا يسعيان إليه هو العيش الهادئ وحدّ الكفاف.

خلال أي انتخابات، سواء رئاسية أو برلمانية، كان حسن يتزين جيداً للذهاب إلى صناديق الاقتراع. يرتدي جلباباً جديداً. خياره كان جاهزاً قبل أن ينطلق، التصويت دائماً للرئيس إن كانت الانتخابات رئاسية، أو لمرشح الحزب الحاكم. أما زوجته، سعاد، فكانت تجتمع مع نساء الحي للذهاب الى صناديق الاقتراع. كان الطريق بمثابة فسحة لتغيير واقع يومهما الرتيب، والسمر. لم يكونا يعرفان برنامج الرئيس أو مرشح حزبه وما سيستهدفهما من سياساته. كل ما كانا يسعيان إليه، هو استمرار وضعهما على حاله، وتفادي حدوث تدهور شديد.

حين اندلعت "ثورة 25 يناير"، لام حسن السيد المتظاهرين للخروج على "الرجل الطيب". قالها يومها لابنه المتحمس للثورة: "الراجل عملكم إيه؟ خليه يكمل اليومين الباقيين". ومع تزايد الوعود بالحياة الرغيدة في الأيام التالية للثورة، وانتشار الأخبار عن فساد نظام مبارك، انتابت السيد بعض الحماسة، وبدأ يفكر في مستقبل أفضل، لن يلجأ فيه للتكيف مع الوضع المتدهور. جاء محمد مرسي ورحل سريعاً، "رجل طيب آخر"، في نظر السيد. ثم مع تغير السلطة السريع، بدأ السيد يفقد آماله شيئاً فشيئاً، ويحلم بالعودة إلى الوضع المستقر السابق. انتابه بعض التفاؤل مع مجيء السيسي وبدء هندسة الوضع ليصبح الرئيس الجديد. ربما يكون ناصراً جديداً يوفر لصغار المزارعين بعض الإصلاحات، هكذا تمنى في العام الأول لعودة العسكر مجدداً إلى السلطة في ظل السيسي. ومع مجيء موعد الانتخابات، كعادته إبان فترة مبارك، تزين وذهب إلى لجنة الاقتراع في مدرسة القرية. كان الخيار سهلاً.

وضع لا يتوقف عن التدهور

خابت آمال السيد سريعاً في نهاية عام 2014، مع أول مداهمة للشرطة للقبض على المزارعين المتأخرين عن سداد قروض البنك الزراعي - وكان هو من بينهم - وأسعفه أحد أقربائه بدفع مبلغ القرض بعد ليلتين في السجن. بدأ الشقاق بين هذا المزارع الصغير والسلطة العسكرية. منذ ذلك الحين، أدرك السيد أن للسيسي وجها آخر، وأنه لا ينبغي التعامل معه بأنه ناصر جديد. كان عليه أن يعود إلى عادته القديمة، التي أمل أن يتركها: التكيف مع التدهور.

بدأت السلطة الجديدة في اتخاذ سياسات مناهضة للمزارعين الصغار. بمجيء عام 2015، أقرت تدابير لتخفيض الدعم المقدّم على الأسمدة وبذور الزراعة ومواد الوقود. لم يكن السيد يوماً مناهضاً للسلطة، لكن لهب الحنق بدأ يشتعل بداخله. جاء التعويم الأول للجنيه ليزيد من أوجاع جيبه، بين يوم وليلة ارتفع سعر كل شيء، الأعلاف للحيوانات وتكلفة المعيشة، بينما دخله هو الثابت الوحيد.

مع تغير السلطة السريع، بدأ السيد يفقد آماله شيئاً فشيئاً، ويحلم بالعودة إلى الوضع المستقر السابق. انتابه بعض التفاؤل مع مجيء السيسي وبدء هندسة الوضع ليصبح الرئيس الجديد. ربما يكون ناصراً جديداً يوفر لصغار المزارعين بعض الإصلاحات، هكذا تمنى في العام الأول لعودة العسكر مجدداً إلى السلطة في ظل السيسي.

جاءت انتخابات 2018، تردد السيد هذه المرة في الذهاب إلى الصندوق. قطع هذا التردد طَرَقات خفر الشرطة الذين طلبوا منه بطاقته الشخصية وبطاقة زوجته، ثم الحضور لأخذهما من مقر لجنة الانتخابات. لم يفهم اللعبة وقتها، لقد أُجبر على التصويت عنوة، في ظل حاجة السلطة إلى المصوتين مع تدني نسبة المشاركة. لم يأخذ السيد هذا الإجبار كضغط شديد على كرامته، فقد كان ما يزال لديه بعض الاحترام للسلطة.

ثمن باهظ

مع الوقت، تكشفت رؤية "البيزنس واليد الحديدية" التي يستخدمها السيسي في إدارة البلاد. كانت القرى ومزارعوها أكثر من دفع الثمن غير المرئي لهذا الاتجاه. منذ وصوله إلى السلطة، اتبع السيسي سياسة تمزج بين القمع والنيوليبرالية الاقتصادية الشديدة. ظهرت تداعيات هذه السياسة بشكل واضح في القرى والطبقات الفقيرة. أي صوت معارض للسلطة في هذه المناطق، كان يختفي في لمح البصر قسرياً في سجونٍ بعضها غير معلوم، دون أن يسأل عنه أحد. أما أهالي الضحية، فلا يجدون في أيديهم أي وسائل ضغط أو إعلام يساندهم أمام سلطة فوق القانون تحظى بسماحة وحرية كبيرة في القرى.

إلى جانب ذلك، كان سكان القرى أبرز ضحايا السياسة الاقتصادية التي تبناها نظام الرئيس المصري، فقد فاقم تحرير سعر الصرف ورفع الأسعار إلى جانب وقف الدعم من حدة فقرهم ومأساتهم. أمام أعينهم، رأوا كيف تتدهور باستمرار الخدمات المقدمة لهم. ليس لأهالي القرى الحق حتى في معرفة عددهم على قوائم الفقر، فالسلطة تتجنب نشر أي إحصاءات رسمية عن هذه القوائم منذ عام 2020، خوفاً من اتضاح النتائج وافتضاح الدعاية المستمرة عن الانتعاش والتطور غير المسبوق الذي يشهده البلد. أما البنك الدولي الذي أعلن منذ أعوام أن معدلات الفقر في مصر تتراوح بين 30 و60 في المئة، فقد أكد مؤخراً أن زيادة الأسعار بنسبة 30 في المئة في مصر تعني إضافة 12 في المئة من الشعب الى قوائم الفقر. وماذا لو ارتفعت أسعار المواد الأساسية إلى ما يقرب المئة في المئة خلال عام!

في العام التالي لإعادة انتخاب الرئيس، أعلنت وزارة الأوقاف رفع أسعار الأراضي المؤجَرة للمزارعين الصغار بمعدل 6 مرات. جاء هذا القرار بعد اتفاق بين الدولة ووزارة الأوقاف على إنشاء صندوق استثماري للأوقاف، التي تعد في الأساس "أراضي موقوفة للخير" وغير مملوكة للدولة، بهدف جني الأموال للخزينة. الدافعون: صغار المزارعين. أصبحت أراضي الأوقاف - التي تشكل نصف الأراضي الصغيرة في يد السيد - حملاً لا يطاق، وتكلفتها أكثر من إنتاجها. ذهب إلى هيئة الأوقاف طالباً التنازل عن الأرض لها. فوجئ بقرار إجباري جديد: ابحث عن مزارع بديل لك، وسنقبل طلبك.

بدأت السلطة الجديدة في اتخاذ سياسات مناهضة للمزارعين الصغار. بمجيء عام 2015، أقرت تدابير لتخفيض الدعم المقدّم على الأسمدة وبذور الزراعة ومواد الوقود. لم يكن السيد يوماً مناهضاً للسلطة، لكن لهب الحنق بدأ يشتعل بداخله. جاء التعويم الأول للجنيه ليزيد من أوجاع جيبه، بين يوم وليلة ارتفع سعر كل شيء، الأعلاف للحيوانات وتكلفة المعيشة، بينما دخله هو الثابت الوحيد. 

حاول المزارع البسيط التكيف مع هذه الجباية التعسفية ومع قرار رفع أسعار أراضي الأوقاف، ليُفاجَأ بقرار جديد عليه أن يتعامل معه. يظن السيد أن الدولة لا تستهدف سوى صغار المزارعين حين تحتاج إلى فرض ضرائب جديدة. بحلول عام 2019، وجد السيد اسمه في قوائم النيابة العسكرية لبنائه منزلاً على قطعة أرض يملكها. يشكل المنزل الجديد مأوى وحيدا لأسرته التي تنامت على مدار ثلاثة عقود، لكن بالنسبة للدولة، البناء مخالف للشروط ويستلزم الدفع. رأى سيد أمام عينيه المكيالين الذين تعاملت بهما الدولة مع القضية، وكيف يتم إبعاد أشخاص قريبين من السلطة أو عندهم وساطة، من الملاحقة. وبعد سلسلة من الترهيب، نجحت الدولة في خطتها، وأجبرت السيد على دفع مبلغ ضخم مصالحةً للطابقين اللذين بناهما لأسرته.

لم تتوقف المعاناة عند هذا الحد، فقد أصبحت أسعار أعلاف الحيوانات فوق الطاقة. خلال 7 سنوات فقط، تضاعفت الأعلاف أكثر من سبعة أضعاف، وأصبحت تربية الماشية حملاً ضخماً. ضاقت الحياة كثيراً على صغار المزارعين، بينما ارتفعت أسعار الطعام والاحتياجات الأساسية، جراء التضخم المستشري والانهيار غير المتوقف للجنيه. لا يفهم المزارعون الصغار الموازنة الكبرى، أو المعادلات الاقتصادية المعقدة، ولا يهمهم أن يفهموها، كل ما يبتغونه هو العيش مع وضع يضمن الكفاف. توجهت أصابع الاتهام إلى الدولة برأسها، التي لم تضمن هذا العيش على الحافة وحفظ كرامتهم.

حاول المزارعون الصغار التكيف مع الوضع، لكنّ التدهور أسرع بكثير من قدراتهم على المراوغة التي أتقنوها على مدار السنوات. بات الوضع مأسوياً بشكل كبير في القرى، أشخاص منهكون يعيشون على الاستدانة، وغير قادرين على الاستمرار في هذه الظروف. السيد نفسه، الذي كان منتجاً في الماضي، بات يعيش على ثمن أراضيه التي يبيعها "بالمفرَّق". صعوبة التكيف المرير مع هذه السرعة في انهيار أحواله باتت تنعكس على ملامحه. سيد ابن الخمسين عاماً، بات نحيلاً أكثر مما ينبغي، يعاني من أمراض جمة، في الكلى والجهاز التنفسي والقولون. أصبح الشيب يغطي رأسه، والجلد شاحب كأنه توقف عن الأكل منذ وقت طويل.

في العام التالي لإعادة انتخاب الرئيس، أعلنت وزارة الأوقاف رفع أسعار الأراضي المؤجَرة للمزارعين الصغار بمعدل 6 مرات. جاء هذا القرار بعد اتفاق بين الدولة ووزارة الأوقاف على إنشاء صندوق استثماري للأوقاف، التي تعد في الأساس "أراضي موقوفة للخير" وغير مملوكة للدولة، بهدف جني الأموال للخزينة. الدافعون: صغار المزارعين.

لم تتوقف المعاناة عند هذا الحد، فقد أصبحت أسعار أعلاف الحيوانات فوق الطاقة. خلال 7 سنوات فقط، تضاعفت الأعلاف أكثر من سبعة أضعاف، وأصبحت تربية الماشية حملاً ضخماً. ضاقت الحياة كثيراً على صغار المزارعين.

يرى المزارع الفقير التدهور الذي بات يضرب قريته ومعيشته. لا يفهم فلسفة الدولة في سياستها تجاه هؤلاء. خلال عقود حياته، كان يظن أن الدولة لديها بعض العقلانية في سياستها، وأنها لن تخاطر بالتضحية بهم. كان يظن طوال هذا الوقت أنه مهم في نسق هذه الدولة وترتيبها الاجتماعي، فهو حجر الأساس في الإنتاج، وأنه مثل النبات الذي يحتاج إلى بعض العناية لإعطاء الثمرة. لكنّ ما يفعله النظام يفوق قدرته على الفهم. إنها سياسة العطب، سياسة القتل عبر الجباية والحلب حتى الدم.

الخيبة

على التلفاز في المساء، بعد يومه الشاق المعتاد، يرى تلك الدعاية التي لا تفارق قنوات التلفزيون حول "مشروع حياة كريمة" في القرى ويسمع وصفه بأنه "مشروع القرن الحادي والعشرين" على لسان رئيس الوزراء مصطفى مدبولي. يذهل السيد من الأكاذيب في هذه الدعاية، والمليارات المعلنة المنفقة على المشروع. في قريته، شكّل "مشروع حياة كريمة" أكذوبة كبيرة مصحوبة بمأساة. تعاقدت السلطات مع مقاول محلي لتنفيذ نظام صرف صحي، وبعد أشهر من العمل وحفر كل الطرقات الصغيرة في القرية، تلكأت الدولة في الدفع للمقاول المحلي، الذي سحب معداته ومواسيره وترك المشروع. أصبحت الحفر المتروكة بمثابة خطر محدق، يبتلع ماشية المزارعين خلال عودتها إلى المنازل. 

حاول المزارعون الصغار التكيف مع الوضع، لكنّ التدهور أسرع بكثير من قدراتهم على المراوغة التي أتقنوها على مدار السنوات. بات الوضع مأسوياً بشكل كبير في القرى، أشخاص منهكون يعيشون على الاستدانة، وغير قادرين على الاستمرار في هذه الظروف. 

فقد السيد وباقي مواطني قريته الأمل في إمكانية إصلاح أوضاعهم. بدأ الآباء بالتفكير جدياً في إرسال أبنائهم إلى الخارج، على الرغم من المخاطر الشديدة. رحلة قد تنتهي بالموت، ولكن هناك فرصة في النجاة قد تنقذ مستقبل الأسرة. في القرية، لا يتسامر الشباب سوى عن الهجرة إلى أوروبا عبر تركيا، والبحث عن مهرِّب لهم.

هل هذه هي الحياة الكريمة التي توفرها "الجمهورية الجديدة" للقرى؟ يتساءل السيد بينما يضع أمامه كوب مياه الشرب بلونها الأسود التي ملأها تواً من صنبور المياه في منزله. على مدار سنوات طويلة، وبسبب تلك المياه، أصبح سيد ومئات الأشخاص في القرية زواراً أسبوعيين للأطباء في المدن المجاورة بسبب الأمراض التي يحملونها في الكلى والجهاز الهضمي. أكثر ما يميز الريف في مصر، هو تكاثر لافتات العيادات الخاصة للأطباء، التي أصبحت سوقاً كبيراً في منطقة تعج بالأمراض. على الرغم من شكواهم المتكررة من هذه المياه غير الصالحة للشرب، لم تضع الحكومة هذه القضية الملحة على قائمة مشاريعها. يفطن السيد للحقيقة: هذا النظام يحب الدعاية الكاذبة أكثر من الإصلاح أو تحسين الأحوال.

مع تفاقم الأزمة الاقتصادية الحالية التي تشهدها مصر، تصاعدت أصوات رؤوس النظام على التلفاز لمطالبة الشعب بالتقشف وعدم التركيز على الطعام والشراب، مشددة على أهمية بناء الدولة والصبر من أجل هذا الهدف. أي دولة تلك التي تبنى على التجويع؟ هل هناك جوع أكثر مما نحن فيه؟ يقولها السيد خلال إحدى الجلسات مع أقربائه أمام المنزل. بات الجميع يدرك أن هذه السلطة قد انحرفت عن المنطق وأن قطيعة وقعت بينها وبين أحوالهم. إنها سلطة لا ترى في المزارع المصري أو أي مواطن آخر في الدولة، إنساناً له حقوق، وإنما أداة يتم استعمالها في خدمتها، وأن هدفها تحول إلى بناء مدن إسمنتية لتحسين صورتها، وهو أهم لديها من إطعام مواطنيها.

فقد السيد وباقي مواطني قريته الأمل في إمكانية إصلاح أوضاعهم. بدأ الآباء بالتفكير جدياً في إرسال أبنائهم إلى الخارج، على الرغم من المخاطر الشديدة. رحلة قد تنتهي بالموت، ولكن هناك فرصة في النجاة قد تنقذ مستقبل الأسرة. في القرية، لا يتسامر الشباب سوى عن الهجرة إلى أوروبا عبر تركيا، والبحث عن مهرِّب لهم. على مدار السنوات، كانت فكرة الهجرة محصورة في بعض القرى، لكنها توسعت الآن لتشمل كل القرى. أصبح الريف المصري أكبر مصدِّر للشباب إلى ليبيا على أمل الوصول إلى الجانب الآخر من البحر المتوسط. باتوا يفرضون أنفسهم على كل سفينة تتجه إلى أوروبا. تكشف أرقامهم المآسي التي تقع في البحر، وكان آخرها في بحر اليونان.

ربما تأمن السلطة حالياً جانب السيد وعائلته الفقيرة في القرية، بينما تسعد برؤية هذه الوداعة والتكيف مع الظروف من جانب الشعب، لكنها لا تدرك أن لحظة الخروج ربما ستكون مفاجئة لها شخصياً. هؤلاء ليسوا أشخاصاً مسيسين بما يكفي، لكن ما يؤكده سيد أنه بات "يكره الحكومة" كما لم يكره أي سلطة مرت عليه منذ مولده، وأنه طوال حياته، ما عاش مثل هذا الوضع المأسوي. أكدها وزوجته صراحة: "سأعاقبه بقدر ما أستطيع، ولن يرى وجهي في الانتخابات القادمة." 

مقالات من مصر

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...

للكاتب نفسه