السيسي: أنا أحبس وأنا أطلِق!

2023-07-20

شارك
باتريك جورج زكي
إعداد وتحرير: صباح جلّول

ذهب الباحث والناشط في "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" باتريك زكي إلى المحكمة يوم 18 تموز / يوليو 2023 لحضور جلسة النطق بحكمه في قضية الاتهامات بنشر أخبار كاذبة في مقال رأي كتبه ونشره عام 2019، عن معاناة المسيحيين الأقباط المعيشية والسياسية كأقلية دينية في مصر. على صفحته على فيسبوك، كتب: "وصلت الآن لمحكمة المنصورة وفي انتظار بداية جلسة المحاكمة وأتمنى كالعادة انتهاء القضية والسماح لي بالسفر بشكل طبيعي"، فكانت المفاجأة في قرار محكمة أمن الدولة طوارئ حبسه ثلاث سنوات، في حكمٍ استثنائي غير قابل للنقض أو الاستئناف، وهو ما وصفه المحامي المصري خالد علي بالمخالف للقانون، إذ أن الحكم يستوجب انتظار المصادقة عليه ليغدو نافذاً. لكنّ باتريك زكي قُبض عليه واحتُجز في عجالة، وقبل أن يستوعب حتى أهله وأصدقاؤه ما حدث... فوجدوا أنفسهم، هم الذين احتفلوا بخروجة من الحبس في كانون الأول / ديسمبر 2021 بعد عامين من السجن الاحتياطي، مجبَرين على إعادة نبشِ صوره التي كُتبت عليها عبارات "الحرية لباتريك".. وزاد من قهرهم كون باتريك كان يتعافى للتو من حبسه لعامين، حُرم فيهما من استكمال دراسته الجامعية، فكان قد حصل منذ أقل من أسبوعين فقط على شهادة الماجستير من جامعة "بولونيا" في إيطاليا، وهو يستعد لحفل زفافه القريب، على أملِ وضع تلك المرحلة من الظلم خلف ظهره.

بدا قرار المحكمة غريباً وصادماً للحقوقيين والمعارضين، فشهدت الساعات القليلة التالية للقبض على باتريك إعلان عدد من السياسيين والمحامين والناشطين الانسحاب من "الحوار الوطني"، وهي المبادرة التي أطلقها رئيس الجهورية عبد الفتاح السيسي للحوار مع القوى السياسية والمعارِضة المختلفة، بسبب انتفاء جدواه باستمرار الأحكام الجائرة على خلفية الرأي، بل وصفه البعض بـ"الكلام الفارغ".

ولكن لم تمرّ 24 ساعة على احتجاز الباحث باتريك زكي حتى أصدرت رئاسة الجمهورية قراراً باستخدام صلاحيات الرئيس الدستورية بعدم المصادقة على سجنه، حسب ما نَشر عضو لجنة العفو الرئاسي طارق العوضي، بالإضافة إلى قرار بالعفو عن عدد من المعتقلين، أحدهم المحامي محمد الباقر مدير ومؤسس "مركز عدالة الحقوقي"، المحبوس منذ أيلول / سبتمبر 2019، والذي حوّلته المحكمة من محامٍ إلى متهم لمجرد أنه حضر مع موكّله علاء عبد الفتاح - المحبوس حالياً بدوره - وعلى ذمة القضية نفسها. وشملَ العفو أربعة معتقلين آخرين هم فايزة محي، دعاء السيد، حنفي حسب النبي وعبد الفتاح عبد الموجود، فانقلبت الأمور بين يوم وليلة! 

إنّ مجرّد استعادة شريط الأحداث هذا، والعودة إلى القضايا الكثيرة التي تراكمت وتكررت على مرّ السنوات، كفيلٌ بأن يفضح وضعاً حقوقياً غير سويّ وتعسفي يستفحل في مصر، فكان كافياً أن يُضاف اسمٌ إلى ملف قضية قديمة ليأكل السجن سنوات من عمر ناشطين أو محامين أو معارضين أو أشخاص عاديين ارتكبوا جرم التعبير عن رأي ما. وجد الجميع بعد يومٍ واحد فقط من إعلان اليأس من "الحوار الوطني" أن السيسي عاد ليمسكَ الجميع "من اليد التي توجعهم". فمئات المعتقلين غير المشمولين بالعفو يؤخذون كأنهم "رهائن"، أو أوراق مفاوضات مؤجلة لليّ ذراع المعارضين وإجبارهم على انتظار "لفتة عطفٍ أبوية" من الريّس. 

المحامي محمد الباقر وزوجته التي اعتقلت لتصريحها بانه عذب في السجن
باتريك زكي وخطيبته

ومع الفرح الكبير لأهالي المعتقلين المشمولين بالعفو، وبانتظار حلولهم بين أهلهم وأحبائهم، ومع التمنيات الصادقة بوجود أي نوع من التوجّه الإيجابي نحو سياسات أكثر عقلانية وأقل جنوناً في ما يخصّ الحريات والتعبير عن الرأي، لا يخلص المرء إلّا إلى نتيجة واحدة، في ظلّ وجود الآلاف من المظاليم الذين ما زالوا قابعين في ظلمة السجون، مفادها أن السيسي وجّه رسالته الأوضح، الخاضعة لكيفه ومصلحته: "أنا أحبس وأنا أطلق وأنا أضع الشروط"! 

مقالات من العالم العربي

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

فلسطين في أربع جداريات دائمة في "المتحف الفلسطيني"

2024-12-19

"جاءت انتفاضة الحجارة في 8 كانون الاول/ديسمبر 1987، وجلبت معها فلسفة الاعتماد على الذات، وبدأ الناس يزرعون أرضهم ويشترون من المنتوجات المحليّة، ويحتجّون على الاحتلال بأساليب ومواد وأدوات محليّة. وشعرت...