الاستيطان الأوقح

تلمس السيدة "نورا صب لبن" البوابة وحجار الحائط وتنظرإلى فوق، حيث شرفتها التي علّق عليها المستوطنون أعلام إسرائيل فور أن استوطنوا البيت. تلوّح إصبعها إلى فوق وتصرخ فيهم "رح نرجع! رح نرجع!". المنزل كان ملكاً لوالدها، "فيه كلّ الماضي والذكريات الحزينة والسعيدة، ولادتي، وطفولتي، وزواجي، ربيت إخوتي فيه وكبرت، هُنا نشأ وترعرع أبنائي وابنتي وأبناؤهم (...) وفيه أشعر بروح أمي وأبي". وتصف بيتها بأكثر من كومة حجار، فهو بالنسبة لها "أسير" لدى المستوطنين تسعى إلى تحريره.
2023-07-13

شارك
نورا وعائلتها قبل الطرد في المنزل الجميل الذي لم يسمح لهم الاحتلال بترميمه (AFP)
إعداد وتحرير: صباح جلّول

"شكيتكم لله، شكيتكم للي أكبر منكم ومن الحكومة ومن الاحتلال ومن الاستعمار. الله كريم، بترجع فلسطين والقدس بتضل عربية (...) وإنتو إلى زوال. الظلم إلى زوال والاحتلال إلى زوال والاستعمار إلى زوال. وحسبي الله ونعم الوكيل فيكم".

تقف السيدة نورا صب لبن باكية بحرقة، ومن أمامها بوابة منزلها ومن خلفها تلتمع قبة الصخرة الذهبية ويتراءى الأقصى على بعد أمتار قليلة. "هم يريدون أن يُخلوا الأحياء المحيطة بالأقصى مِنّا" تقول نورا (68 عاماً) التي أجبرها الاحتلال على مغادرة البيت الذي عاشت فيه عقوداً مع زوجها مصطفى (72 عاماً).

نورا صب لبن عند نافذة بيتها المطلة على الأقصى

تلمس البوابة وحجار الحائط وتنظرإلى فوق، حيث شرفتها التي علّق عليها المستوطنون أعلام إسرائيل فور أن استوطنوا البيت. تلوّح إصبعها إلى فوق وتصرخ فيهم "رح نرجع! رح نرجع!"، فيما تتجمع خلفها مجموعة من المتضامنين يضربون الطبول ويصرخون "لا للاحتلال، الاحتلال إلى زوال". ويكاد يكون بين كلّ اثنين منهم شرطي أو شرطية إسرائيلية. يقف في القرب مستوطنون مراهقون يبحلقون بمشهد هو لهم "فرجة" لا أكثر. بين وجه نورا الذي يشبه هذه الأحياء العتيقة التي ذرعتها طولاً وعرضاً من خمسين سنة، وبين وجوههم التي لم تكن حتى الأمسِ هنا لتشهد على هذا المكان، مسافةٌ شاسعة لا يردمها قرار محكمةٍ حمقاء.

يقع البيت في عقبة الخالدية شرقي البلدة القديمة في القدس المحتلة. وقد عاشت فيه عائلة صب لبن منذ العام 1953. في مقابلة مع "شبكة وطن"، تقول السيدة نورا، صاحبة البيت، أن المنزل كان ملكاً لوالدها، "فيه كلّ الماضي والذكريات الحزينة والسعيدة، ولادتي، وطفولتي، وزواجي، ربيت إخوتي فيه وكبرت، هُنا نشأ وترعرع أبنائي وابنتي وأبناؤهم (...) وفيه أشعر بروح أمي وأبي"، وتصف بيتها بأكثر من كومة حجار، فهو بالنسبة لها "أسير" لدى المستوطنين تسعى إلى تحريره.

وكانت سلطات الاحتلال ضيّقت على عائلة "صب لبن" من سنوات، فأخضعت البيت للمراقبة الدائمة عبر 7 كاميرات مراقبة ترصده من شتّى الزوايا، ما جعل نورا تمتنع عن مغادرة البيت خوفاً من استغلال غياب أهل المنزل للاستيلاء عليه. كما أن الاحتلال منعها من ترميم البيت أو تغيير نوافذه منذ سنوات للسماح بأحواله بالتدهور ودفع نورا إلى المغادرة، لكنها عبّرت أكثر من مرة أنها رغم تسرب المياه إلى داخل البيت في الشتاء وتدهور حاله، ستبقى "قاعدة على قلبهم" لآخر لحظة.

وهو ما كان، حتّى قررت محكمة الاحتلال العليا في القدس في شهر حزيران / يونيو 2023 إخلاء عائلة "صب لبن" لصالح "جمعية جاليتسيا" الاستيطانية التي ضغطت بهذا الاتجاه منذ نحو 13 عاماً.

السيدة نورا صب لبن تجلس في الحارة أمام منزلها يوم 12 تموز يوليو 2023 بعد إخلائها القسري منه (تصوير أحمد غرابلي- فرانس برس)

فعلوا ما أرادوا، أخرجوا أهل البيت وأدخلوا المستوطنين. سينام هؤلاء في أسرّة كانت الأمس فقط لسواهم، وينظرون في المرايا التي حوت وجوه غيرهم لعقود، ويتناولون طعامهم على مائدة كانت تعدها نورا، هكذا بكلّ تبلّد في كلّ شعور. "نكبة أخرى علينا"، تقول نورا متوّعدة زوالهم.   

مقالات من فلسطين

خالدة جرار مسجونة في قبر!

2024-11-21

"أنا أموت كل يوم، الزنزانة أشبه بصندوق صغير محكم الإغلاق، لا يدخله الهواء. لا يوجد في الزنزانة إلا دورة مياه ونافذة صغيرة فوقه أغلقوها بعد يوم من نقلي إلى هنا...

اقتصاد البَقاء: الدّلالةُ والمفهوم في ظلّ حرب الإبادة

مسيف جميل 2024-11-17

لا توجد جدوى للصمود، ما لم يرتبط بالتصدي للاحتلال. استخدم المانحون "الصمود" كإطار جديد، يتماشى مع المرحلة الفلسطينية، ويراعي المشاعر الفلسطينية والحس الوطني السياسي، وكأن التنمية تحدث بتسمية وتبنِّي مصطلحات...

كلّ ما يتحدّى اكتمال الإبادة..

صباح جلّول 2024-11-10

شبعت أعين العالم أكلاً في مأساة غزّة. لن تغيِّر صور الموت ما لم يغيّره الموت نفسه. لذلك، فهذه هنا صور لقلبٍ ما زال ينبض، لملمناها من صور شاركها الصحافي يوسف...