أسماك قرش على شواطئ البحر المتوسط: كيف ولماذا؟

يتكرر في البحر المتوسط منذ العام 2016 جنوحٌ شاطئي غير معتاد لأنواع من الكائنات البحرية. أما سلسلة الهجمات المخيفة بشكل خاص فهي تلك الهجمات الخمس التي حدثت في أيام متتالية في العام 2010 بالقرب من شاطئ شرم الشيخ. وتوالت الهجمات القاتلة حتى حادث الغردقة الأخير. وغالباً ما تكون التدخلات البشرية السبب الرئيس في جنوح الكائنات البحرية المفترسة إلى الشاطئ ومهاجمتها البشر.
2023-07-09

رباب عزام

صحافية من مصر


شارك
اسماك القرش تقترب من الشواطئ في لبنان

"بابا أنقذني"، كانت تلك الكلمات الأخيرة التي نطق بها سائح روسي لم يكن قد تجاوز الـ 23 ربيعاً، حين هاجمته سمكة قرش من فصيلة "النمر"، لتلتهمه في أقل من 30 ثانية وسط هلع المصطافين على الشاطئ. كان ذلك في الثامن من حزيران/ يونيو الفائت، على أحد شواطئ مدينة الغردقة الساحلية شرقي العاصمة القاهرة. انتشر بعدها مقطع فيديو عبر "فيسبوك" يظهر حوت "الأوركا" قرب السواحل الليبية، لكن جهات محلية مختصة نفت أن يكون الحوت القاتل قد اقترب من شواطئ ليبيا، وأنّ آخر مرةٍ شوهد فيها في البحر المتوسط كانت عام 2020 حين انطلق مهاجراً من حدود إيطاليا جنوب أوروبا إلى شواطئ ليبيا (1).

المشهد الصادم

في 14 حزيران/ يونيو الفائت، بدت الأجواء مقفرة. أصوات استغاثة متكررة دون إجابة. 750 مهاجراً، في هجرة غير نظامية، يحملهم قارب متهالك (حسب الشهادات كان على القارب 250 مصرياً، و120 سورياً، وعدداً من الفلسطينيين والباكستانيين). غرق القارب وفُقد ما لا يقل عن 500 شخصاً، لم يتبق منهم سوى بعض ما حملوه معهم من أوطانهم... صورٌ قديمة ومفاتيح منازل سكنوها ذات يوم. لم تشأ إيطاليا أو اليونان استقبال مزيد من الفقراء، فتركوهم يغرقون أو أغرقوهم كما قال بعض الناجين، وقد اعتُقِلَ من بين هؤلاء الناجين مصريون وجهت إليهم تهم تهريب البشر وإغراق القارب.

جهود ووعود

حسب منظمة أطباء بلا حدود، فإن عدداً قليلاً من عمليات البحث والإنقاذ تجري حالياً في البحر المتوسط بعد أن أوقفت كثير من الجهات مساعداتها، وقُمعت بوسائل مختلفة الجمعيات المتبرعة والمتطوعة في أعمال الإنقاذ. ولكن وعلى الرغم من الأخطار، ما يزال المهاجرون يحاولون الفرار عبر ليبيا. في العام 2022، حاول 253.205 شخص عبور المتوسط، وقد أعيد قرابة 42 في المئة منهم إلى الشواطئ الليبية بعد توقيفهم في البحر، فيما لقي 2.367 شخصاً حتفهم أو فُقدوا.

تفوقت بعض الأنواع الغازية على الأنواع المتوطنة وطردتها من موطنها الطبيعي في المتوسط، ما أسهم في تغيير التوازن البيئي البحري. وقد بدّل نوعان غازيان من سمك الأرنب (القراض) مجمل قاعدة السلسلة الغذائية في منطقة الشرق، فانخفضت تجمعات الطحالب المحلية في السواحل الصخرية شرق المتوسطية، التي التهمها سمك القراض، مما تسبب في تشريد أنواع متوطنة.

جسد النحّات البريطاني "جايسون تايلور" هذه الظاهرة بنحته تمثال "طوف ميدوزا" تحت مياه البحر، ومنحوتته عبارة عن زورق مطاطي يحمل مجسمات لمهاجرين. ويعتقد "تايلور" أنّها ستتحول مع مرور الوقت إلى جزء من الحياة البحرية، إذ ستقوم الشعب المرجانية والطحالب باستيطانها مضفية بُعداً جديداً عليها كنظام إيكولوجي بحري. في الزاوية الأخرى يكتمل المشهد بمهاجرين آخرين من غير البشر: أسماك عملاقة هاربة من أعماق المياه تبحث عن شواطئ تحتويها، متسببة في حوادث قتل، يتبعها تساؤلات بشأن تكرار جنوحها إلى شواطئ البحرين المتوسط والأحمر. لقد أصبح البشر من المهاجرين عبر البحر طعاماً للأسماك ومأوى لعوالق نباتية وسوطيات تنمو حولها، وبحسب مختصين، يؤدي هذا إلى نضوب الأكسجين من تلك المناطق، وإلى صعوبة بقاء كائنات بحرية على قيد الحياة، مما يدفعها إلى هجرة موطنها، فيما تتكاثر كائنات انتهازية أخرى مثل قناديل البحر وتصبح أكثر شراسة.

جنوح قاتل

بعد حادث الغردقة، أكدت القاهرة أن شواطئها تتذيل قائمة التعرض لهجمات القرش عالمياً، بينما أشار تقرير متحف فلوريدا للتاريخ الطبيعي، إلى احتلال مصر التصنيف الثالث عالمياً ضمن قائمة الشواطئ الأكثر تعرضاً لهجمات قاتلة، بعد تسجيل حالتي وفاة في مياهها من أصل 9 حالات دولية تسببت بها هجمات القرش في العام 2022.

لم يكن قرش الغردقة الأول الذي ظهر على مقربة من الشواطئ المصرية. فمنذ العام 2016، يتكرر جنوحٌ شاطئي لأنواع من الكائنات البحرية بشكل غير معتاد. أما عن حالات الهجوم على البشر، فكانت سلسلة الهجمات المخيفة بشكل خاص هي الهجمات الخمس التي حدثت في أيام متتالية في العام 2010 بالقرب من شاطئ شرم الشيخ، وتوالت الهجمات القاتلة في الأعوام التالية حتى حادث الغردقة الأخير.

ووفق باحثين، غالباً ما تكون التدخلات البشرية السبب الرئيس في جنوح الكائنات البحرية المفترسة إلى الشاطئ ومهاجمتها البشر، من خلال عمليات جذبها بالطعام لممارسة الصيد غير القانوني. كما يمكن أن تؤدي حركة الشحن الكثيفة للسفن أو التنقيب تحت الماء عن الغاز أو البترول إلى زيادة الهجمات أيضاً، فيما يحيل آخرون الأمر إلى تغيّر حالة الطقس في المنطقة الممتدة من البحر الأسود وحتى البحر المتوسط.

انخفضت كثيراً عمليات البحث والإنقاذ في البحر المتوسط، بعد أن أوقفت كثير من الجهات مساعداتها، وقُمعت بوسائل مختلفة الجمعيات المتطوعة في أعمال الإنقاذ. ولكن ما يزال المهاجرون يحاولون الفرار عبر ليبيا. وفي العام 2022، حاول 253.205 شخصاً عبور المتوسط، وقد أعيد قرابة 42 في المئة منهم إلى الشواطئ الليبية بعد توقيفهم في البحر، فيما لقي 2.367 شخصاً حتفهم أو فُقدوا.

يكتمل المشهد بمهاجرين آخرين من غير البشر: أسماك عملاقة هاربة من أعماق المياه تبحث عن شواطئ تحتويها، متسببة في حوادث قتل، يتبعها تساؤلات بشأن تكرار جنوحها إلى شواطئ البحرين المتوسط والأحمر. لقد أصبح البشر من المهاجرين عبر البحر طعاماً للأسماك ومأوى لعوالق نباتية وسوطيات تنمو حولها 

وقد شهدت الأعوام الماضية مزيداً من السلوكيات غير المعتادة لسكان عالم البحار. في العام 2020، عُثر على 11 جثة من ذكر الدولفين على أحد شواطئ مدينة مرسى علم على البحر الأحمر. سبق ذلك غزو قناديل البحر بصورة كثيفة لشواطئ مصر في العام 2017، حيث اتسع نطاقها الجغرافي من سواحل العريش وبورسعيد ودمياط إلى الساحل الشمالي الغربي (يمتد الساحل المصري بطول 3500 كلم منها 1150 كم على ساحل البحر المتوسط شمالاً، و1500 كلم على ساحل البحر الأحمر شرقاً). وقد نوهت وزارة البيئة وقتها إلى أن الهجوم طال شواطئ لبنان وقبرص وفلسطين في ظاهرة غير مسبوقة، وانتقلت أنواع شرسة من قناديل البحر من المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق وحتى البحر الأسود. وفي العام 2020، هوجمت شواطئ سوريا من قنديل البحر الرحّال، المصنف ضمن أسوأ مئة نوعٍ غازٍ في البحر المتوسط وأكثرها تأثيراً.

وارتبطت تلك الظاهرة بالتغيرات المناخية التي أدت إلى ارتفاع درجات حرارة المياه، وزيادة نسبة الملوثات العضوية، والصيد الجائر، ما نتج عنه انخفاض متزايد للمفترِسات الطبيعية للقناديل وعلى رأسها السلاحف البحرية التي تعرضت في السنوات الأخيرة لإبادة كبيرة في البحر المتوسط بسبب ابتلاعها للمخلفات البلاستيكية المنتشرة في المياه.

اختلال التوازن: عوامل طبيعية أم أسباب بشرية؟

تتعرض البيئة البحرية للتهديد بشكل متزايد بسبب الأنشطة البشرية، بما في ذلك زيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وارتفاع درجة الحرارة، وتغير المناخ، والتلوث البحري، والاستخراج غير المستدام للموارد البحرية، والتوسع في الاستزراع المائي، وتدمير المواطن البحرية والساحلية. كل هذا أدى إلى وضع حماية البحار والمحيطات كأهمية قصوى لتمثل الهدف الـ14 من أهداف التنمية المستدامة للعام 2030 التي صادقت عليها الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر من العام 2015.

____________
من دفاتر السفير العربي
هل مخططات مواجهة التغير المناخي صحيحة وكافية؟
____________

أدرج البحر المتوسط على قائمة البحار الأكثر تأثراً بتغيُّر المناخ العالمي، إذ ترتفع حرارة مياهه بمعدلات متسارعة تصل إلى 0.12 درجة مئوية سنوياً، كما يختنق بالتلوث البلاستيكي. حسب تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة للعام 2015، فإن 730 طناً من النفايات البلاستيكية تلقى في مياهه يومياً. تمثل ست دول هي (تركيا وإسبانيا وإيطاليا ومصر وفرنسا والجزائر) مصدراً لحوالي 75 في المئة من هذه النفايات، وتضم مياهه ما بين 5 إلى 10 في المئة من إجمالي كميات البلاستيك العالمية. وفق تقديرات البنك الدولي، فمصر مسؤولة عن ثلث إجمالي البلاستيك الذي يتدفق إلى البحر المتوسط، متصدرة قوائم الدول الملوثة للبحار في إقليم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا (تنتج مصر حوالي 16.2 مليون طن من النفايات سنوياً، تشكل مخلفات البلاستيك منها حوالي 6 في المئة قابلة للزيادة)، في حين تسهم الجزائر بنسبة 5.9 في المئة محتلة التصنيف الرابع في القائمة بعد مصر وتركيا وإيطاليا.

انتقلت أنواع شرسة من قناديل البحر من المحيط الأطلسي عبر مضيق جبل طارق. يرتبط ذلك بالتغيرات المناخية التي أدت إلى ارتفاع درجات حرارة المياه، وبزيادة نسبة الملوثات العضوية، وانخفاض متزايد للمفترِسات الطبيعية للقناديل وعلى رأسها السلاحف البحرية التي تعرضت لإبادة كبيرة في البحر المتوسط بسبب ابتلاعها للمخلفات البلاستيكية المنتشرة في المياه.

 بحسب ورقة بحثية صدرت في مجلة "بيولوجيكال إنفاجنس"، أصبحت تفريعة قناة السويس الجديدة التي افتتحت في آب/ أغسطس من العام 2015، معبراً لنحو 700- 1000 نوع من الكائنات البحرية المهاجِرة من البحر الأحمر والمحيط الهندي، والغريبة عن منظومة المتوسط الأحيائية، والتي تتميز بقدرتها العالية على التكيف، منها قنديل البحر الرحّال وسمكة الأرنب/ القراض السامة. 

ويُستخدم البحر المتوسط أيضاً كمصب لجميع أنواع المنصرفات الملوثة، ابتداءً بمياه الصرف الصحي غير المعالَجة، مروراً بالمياه الصناعية العادمة وانتهاءً بالمنسكبات النفطية. كما تسهم جغرافيته التي تجعله أشبه بالبحيرة المغلقة، في زيادة تركيز السموم التي تصب فيه، لتتحمل شواطئ الحوض الشرقي العربية في بلاد الشام ومصر، إضافة إلى تركيا، العبء الأكبر من الضرر الناتج عن تلك السموم، وذلك لأن طبيعة المتوسط تعرف تيارات بحرية قادمة من الغرب إلى الشرق (حسب تقديرات الوكالة الأوروبية للبيئة فإن ساحل الإسكندرية في مصر يُعد من أبرز المناطق التي تم إثبات زيادة تركيز المعادن فيها نتيجة الترسبات الملوِّثة، خاصة في منطقتي خليج "المكس" وخليج "أبوقير"). يؤدي هذا إلى ما نسبته 35 في المئة من الوفيات والإصابات بين الطيور البحرية، و27 في المئة من وفيات وإصابات الأسماك، و13 في المئة من وفيات الثدييات البحرية في البحر المتوسط.

ويبدو أن التدخلات المصرية لم تنته عند حد تلويث المياه، فقد أدى بناء السد العالي وبعض السدود على مجرى نهر النيل إلى إحداث مشكلة بيئية على الساحل المصري بسبب قلة كمية الترسيبات التي ينقلها النهر إلى الساحل الشمالي، ما أدى إلى وصول معدلات التعرية في الأجزاء الشمالية من الدلتا إلى مستويات مرتفعة، نتج عنها ركود نسبي للمياه وتدهور في البيئة البحرية.

الغزو البيولوجي..

سياسات السلطة الحالية، الساعية إلى تعظيم العوائد الاقتصادية، ساهمت بدورها في الإخلال بالتوازن البيئي في كلٍّ من البحرين المتوسط والأحمر. أحد المشاريع الذي يبيّن مسؤولية هذه السياسات، هو مشروع افتتاح تفريعة قناة السويس الجديدة في آب/ أغسطس من العام 2015. وبحسب ورقة بحثية صدرت في مجلة "بيولوجيكال إنفاجنس"، أصبحت هذه التفريعة معبراً لنحو 700- 1000 نوع من الكائنات البحرية المهاجرة من البحر الأحمر والمحيط الهندي، الغريبة عن منظومة المتوسط الأحيائية، والتي تتميز بقدرتها العالية على التكيف، منها قنديل البحر الرحّال وسمكة الأرنب/ القراض السامة.

رأت القاهرة في هذا محض اتهامات مغرضة تحمل "بُعداً سياسياً" لصالح مشروع "قناة البحرين" الرابطة بين البحر الأحمر والبحر الميت، والتي تمّ توقيع اتفاقية بشأنها بين الأردن وسلطة الاحتلال الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية في العام 2013. حاول المسؤولون نفي الاتهامات عبر تقديمهم أدلة تشير إلى قناة السويس القديمة التي افتتحت منذ ما يربو عن 200 عام، ولم تتسبب في تدمير بيئة المتوسط البحرية. أسهم ارتفاع نسبة الملوحة في البحيرات المرّة وبحيرة التمساح القريبة من القناة، إضافة إلى تدفّق المياه العذبة من نهر النيل إلى البحر المتوسط، في منع أنواع الأحياء الموجودة في البحر الأحمر من الاجتياح، حيث صنع الفارق في درجة الملوحة بين المياه العسرة والعذبة حاجزاً طبيعياً. لكن العلماء يشيرون في أبحاث مختصة إلى أنه، ومع بناء السد العالي، غُمِر مصب الدلتا بالمياه العذبة، كما أن حوالي 276 مليون متر مكعب في المتوسط من مياه الصرف الزراعي التي تُلقى سنوياً في البحيرات المرّة قد أضعفت بشكل كبير مستويات الملوحة فيها، وجعلتها غير فعّالة، ما تسبب في تآكل الحواجز الطبيعية، وبالتالي سمح بعبور أنواع عديدة إلى المتوسط.

____________
من دفاتر السفير العربي
التغيّر المناخي.. لقد آن الأوان!
____________

وقد تفوقت بعض الأنواع الغازية على الأنواع المتوطنة وطردتها من موطنها الطبيعي في المتوسط، ما أسهم في تغيير التوازن البيئي البحري. وقد بدّل نوعان غازيان من سمك الأرنب (القراض) مجمل قاعدة السلسلة الغذائية في منطقة الشرق، فانخفضت تجمعات الطحالب المحلية في السواحل الصخرية شرق المتوسطية، التي التهمها سمك القراض، مما تسبب في تشريد أنواع متوطنة مثل سمك البريم والببغاء وقنافذ البحر التي تتغذى على الطحالب. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تعدت خطورته إلى المواطنين، حيث ظهر "القراض" للمرة الأولى على الشواطئ المصرية الشمالية في العام 2012، ولم يكن معروفاً لدى الصيادين الذين تداولوه في الأسواق الشعبية حتى العام 2021، على الرغم من تحذيرات السلطات من اصطياده وتداوله نظراً لسميته الشديدة، والتي تسببت في إصابات ووفيات في محافظات السويس والإسماعيلية والإسكندرية ومطروح (يفرز مادة التيترادوكسين، وهي مادة سامة تعادل 1200 ضعف مادة السيانيد القاتل).

سباق النفط

أشعلت الاكتشافات النفطية في قاع المتوسط صراعاً محموماً للظفر بثرواته دون دراسة دقيقة لأثرها على الحياة البحرية. أدت الأنشطة المتعلقة بالاكتشافات الغازية والنفطية إلى موت أو هجرة كائنات بحرية من المتوسط. ففي مطلع العام 2019 جرفت الأمواج عشرات السلاحف النافقة على طول سواحل فلسطين، بعد تفجيرات استكشافية للنفط تحت الماء. كما يؤدي الضجيج الناتج عن العمليات الاستكشافية إلى قتل أو طرد الحيتان من مناطق تمركزها الرئيسية، وقد تكرر جنوح الحيتان إلى الشواطئ المصرية الشمالية منذ العام 2016 حين جنح حوت زعنفي، ثم حوت العنبر ناحية شواطئ مطروح. في العام 2018، ظهر حوت نافق بشاطئ في الإسكندرية، وفي العام 2021 عثر على حوت زعنفي نافق بالقرب من مدينة رشيد.

ولم يسلم البحر الأحمر من التدخلات المتسببة في تغيرات في البيئة البحرية، ففي تحقيق صحافي كشفت بي بي سي نيوز عربي، العام الماضي، بالتزامن مع استضافة مصر لمؤتمر المناخ، عن مخالفات صادرة من منشأة "رأس شقير" النفطية، حيث يُسكب 40 ألف متر مكعب من المياه السامة يومياً في ساحل البحر الأحمر المصري، التي تنتج أثناء عمليات الحفر والتنقيب عن النفط والغاز (المنشأة مملوكة مناصفة بين شركة النفط البريطانية "بي بي" وشركة البترول المصرية، وقد باعت الشركة البريطانية حصتها في العام 2019 إلى شركة "دراجون أويل" الإماراتية). وحسب التحقيق الصحافي، فقد كشفت الأقمار الصناعية عن ظهور نفايات سائلة خضراء (الريشة الخضراء) في البحر، تمتد 20 كيلومترا جنوباً، إلى المناطق التي تأوي الحياة البحرية.

ظهر "القراض" للمرة الأولى على الشواطئ المصرية الشمالية في العام 2012، ولم يكن معروفاً لدى الصيادين الذين تداولوه في الأسواق الشعبية حتى العام 2021، على الرغم من تحذيرات السلطات من ذلك نظراً لسميته الشديدة، والتي تسببت في إصابات ووفيات في محافظات السويس والإسماعيلية والإسكندرية ومطروح، وهو يفرز مادة التيترادوكسين السامة التي تعادل 1200 ضعف مادة السيانيد القاتل. 

كما ظهرت بقع نفطية على امتداد 1.5 كيلومتراً على شاطئ مدينة دهب في جنوب سيناء، في آب/ أغسطس من العام 2022، بعد تسرب من ناقلة نفط في ميناء العقبة الأردني. وبين عامي 2015 و2019، سجل جهاز شؤون البيئة 25 واقعة تسرب بترولي بمدينة "رأس غارب" على البحر الأحمر جنوب شرقي القاهرة. في 22 واقعة منها، حمّل الجهازُ الشركةَ العامة للبترول - شركة مملوكة للحكومة المصرية - مسؤولية التلوث على امتداد الشاطئ، واتهمها بخرق قوانين صون البيئة البحرية، لكنّ القضاء لم يصدر أحكاماً ضدها (2).

خسائر

أشار تقرير للبنك الدولي في العام 2022 إلى أن التكلفة الاقتصادية لتلوث الهواء وتدهور البحار والسواحل هائلة في بعض بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومنها مصر. يتسبب تلوث الهواء في خسائر اقتصادية تقارب قيمتها نحو 141 مليار دولار سنوياً، بما يعادل 2 في المئة من إجمالي الناتج المحلي في المنطقة. ويشكل تآكل السواحل مشكلة رئيسية حيث تتآكل السواحل بمتوسط يبلغ نحو 15 سنتيمتراً سنوياً (أكثر من ضعف المتوسط العالمي البالغ 7 سنتيمترات سنوياً)، في منطقة المغرب العربي وحدها. ومن المتوقع أن يتضاعف إجمالي توليد النفايات بحلول عام 2050 ليصل إلى 255 مليون طن، مما يفاقم هذه المشكلة.

وقد أشار البنك الدولي إلى تصاعد خسائر مصر الاقتصادية بسبب تلوث المياه (في العام 2006 قدرت الخسائر بحوالي 3.5 مليار جنيه). ووفق تقديرات حكومية، فإن الاهتمام بالبيئة سيوفر على مصر أكثر من 2.4 مليار دولار سنوياً مهدرة في إهلاك الموارد، وعلاج المواطنين.

... فهل يستمع المسؤولون في بلدان منطقتنا (وسواها بالطبع) إلى إشارات البحار التي تنذر بتغييرات قادمة من المتوقع أن تتسبب في كوارث جمة؟

______________________

1 - على عكس التصريحات الليبية، تظهر البيانات العالمية مهاجمة حيتان "الأوركا" وأنواع أخرى من الحيتان لقوارب الصيادين وأفراد يعملون في عرض المتوسط، وقبالة السواحل المغاربية. وقد بدأت أولى البلاغات في العام 2020، وأصبحت أكثر شيوعاً عام 2021، وسجلت أكثر من 100 حادثة في المياه الإسبانية والبرتغالية، وفي العام 2022، وحتى نيسان/ أبريل، أبلغ عن أكثر من 22 حادث هجوم.

2 - للمزيد يرجى الإطلاع على تحقيق ""شواطئ سود" تسرب نفطي يقوض الحياة البحرية في رأس غارب ويهدّد صحة سكانها" للصحافية إيمان منير على الرابط التالي: https://truestoryaward.org/story/206

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

العاصمة المصرية في مفترق طرق..

رباب عزام 2024-11-21

على الرغم من الأهمية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية، بالنسبة إلى المواطنين، للمنشآت والمباني المقامة حالياً على أراضي "طرح النهر"، خاصة في العاصمة القاهرة، إذ يشمل أغلبها كثيراً من الأندية الاجتماعية التابعة...