في منتصف أيار/ مايو من العام الجاري، اشترت رانيا بعض المشغولات الذهبية بعدما وجدت أن بقاء ما تمتلكه من أموال مودعة في حسابها المصرفي يمثل مخاطرة، بسبب استمرار انخفاض قيمة العملة المحلية. لكنها قوبلت بجشع التجار الذين لم يلتزموا بالتسعير الرسمي، بل تمسكوا بالبيع بقيمة الدولار في السوق الموازية، ما أجبرها على الشراء بما يتجاوز بضعة آلاف عن السعر النظامي.
ومثل رانيا، سارع كثيرون إلى الادخار في الذهب وشراء حُلي أو سبائك وعملات ذهبية على خلفية استمرار الخسائر الحادة للجنيه المصري في مقابل الدولار الأمريكي (1)، منذ بدء تدخل البنك المركزي في سوق الصرف واعتماد سياسة التعويم من العام 2016. ووفق بيانات مجلس الذهب العالمي، أنفق المصريون في الفترة ما بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس من العام 2023، نحو 0.986 مليار دولار، في مقابل 0.737 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، بنسبة نمو بلغت نحو 34 في المئة.
وربما أزعجت المسؤولين محاولات المصريين لاستثمار أموالهم في ملاذات رأوها آمنة. واتخذ هؤلاء تكتيكات معاكسة لفرض ضرائب على استثماراتهم المحدودة الجديدة، فاقترحت شعبة الذهب في مطلع أيار/ مايو الفائت، فرض رسوم على السبائك من وزن 1- 100 غرام، بهدف رفع كلفتها وإفساح الطريق أمام صناعة المشغولات الذهبية التي تراجعت بسبب ارتفاع "المصنعية"، وهي رسوم إضافية تُفرض في حساب غرام الذهب كأجر للصائغ، وأيضاً بسبب ضعف حجم المعروض نتيجة تراجع التصنيع المحلي، إضافة إلى لجوء المواطنين إلى شراء السبائك والعملات الذهبية تجنباً للرسوم. وتقول الشعبة إن شراء السبائك من تشرين الأول/أكتوبر 2022 إلى نيسان/ أبريل 2023 بلغ 80 في المئة من إجمالي المعاملات في السوق المحلية (2).
ومع الأزمات المتفاقمة الناتجة عن "برنامج الإصلاح الاقتصادي"، أصدرت القاهرة قراراً بإعفاء واردات الذهب من الرسوم الجمركية - عدا ضريبة القيمة المضافة - مدة ستة أشهر، بهدف زيادة حجم المعروض في السوق، خصوصاً بعد الاضطرابات الأخيرة في السودان والتي ساهمت في تقليل تدفقات الذهب إلى مصر، وتراوحت يومياً ما بين 50 إلى 100 كيلوغراما من الذهب السوداني بطرق غير رسمية (3). كما دعا القرار إلى شراء الحُلي بدلا من السبائك والعملات، لتقليل حجم أضرار التجار والمصنّعين من عدم شراء المشغولات، وأملاً بخفض سعر الذهب محلياً بعد أن تجاوز السعر العالمي بنحو 30 في المئة.
ولم يكن المواطنون وحدهم من دأبوا على الشراء، فكذلك عمد البنك المركزي إلى الشراء لزيادة الاحتياطي الرسمي من الذهب، لتبدو الصورة وكأن الجميع، على المستويين الشعبي والرسمي، قد أصابتهم هستيريا الذهب.
المركزي وشراء الأصفر
استتباعاً لهذه التطورات، تصّدر البنك المركزي المصري في شباط/فبراير 2022 قائمة البنوك المركزية العالمية في شراء الذهب خلال الربع الأول من العام، فقد أعلن عن شراء 44 طناً من الذهب بقيمة 2.7 مليار دولار، تزامناً مع الحرب الروسية الأوكرانية، لتزداد الاحتياطيات الرسمية إلى 125 طناً بحلول آذار/مارس من العام 2022، وقد مثّل نحو 19 في المئة من احتياطي النقد الأجنبي المملوك للقاهرة والبالغ حينها 37.08 مليار دولار، في حين ارتفعت بواقع 700 كيلوغراما إضافية في آذار/مارس من العام الجاري، 2023، ليصل الاحتياطي إلى 125.7 طنّاً، ما يوازي حوالي 25 في المئة من إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي البالغة نحو 34.44 مليار دولار (4).
التقت تساؤلات المواطنين مع بعض المختصين في الشأن الاقتصادي حول الجدوى الناتجة عن اتجاه القاهرة في هذا التوقيت تحديداً لشراء الذهب، في وقت تعاني فيه البلاد من أزمة دولارية متفاقمة هي الأسوأ في تاريخها، حيث الاحتياطي النقدي الأجنبي الحالي لن يسمح سوى بتغطية واردات سلعية حتى آب/ أغسطس المقبل. وهذا ما سمح باعتراض بعض المختصين على تلك القرارات، وما اتفق معه الخبير الاقتصادي هاني توفيق الذي أشار إلى أن سعر الذهب كملاذ آمن سينخفض مع انتهاء الأزمة الروسية-الأوكرانية، إضافة إلى انخفاضه عالمياً نتيجة العلاقة العكسية بين سعر الذهب والفائدة، فعند ارتفاع أسعار الفائدة على الدولار الأمريكي تتجه مدخرات الأفراد إلى الجهاز المصرفي وتنخفض أسعار الذهب، والعكس في حال انخفاض أسعار الفائدة. في حين رأى آخرون الخطوة على أنها تدبير مُتقن، وأنّ البنوك المركزيّة تسعى في العادة إلى زيادة طلبها على الذهب باعتباره مخزناً للقيمة. وهذه حال روسيا التي سعت إلى الاستحواذ على الذهب، لإمكان استخدامه كوسيط للتبادل، بديل للدولار، في معاملاتها التجارية مع العالم الخارجي.
ونظراً لغياب البيانات الرسمية المفصلة، صعدت تساؤلات: ما خريطة المناجم المصرية؟ وأين تذهب مستخرجاتها؟ ومن أين يحصل البنك المركزي على صفقاته من الذهب؟
ثروة وتشريعات
بحسب ورقة بحثية حديثة، أعيد تشغيل 10 مناجم مصرية قديمة في بدايات القرن العشرين، وتعثرت حتى أعيد تشغيل 6 منها بوساطة شركات خاصة في العام 1948، إلى أن تعطلت نهائياً في العام 1959، وذلك بسبب ارتفاع مستلزمات الإنتاج من ناحية، وعمليات التأميم التي لاحقت القطاع الخاص من ناحية أخرى. وبهذا توقفت المناجم عن العمل حتى العام 1995، حين وقّعت حكومة مبارك اتفاقيتين للاستكشاف والاستغلال.
وفق بيانات مجلس الذهب العالمي، أنفق المصريون في الفترة ما بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس من العام 2023، نحو 0.986 مليار دولار، في مقابل 0.737 مليار دولار في الفترة نفسها من العام الماضي، بنسبة نمو بلغت نحو 34 في المئة.
وكانت الاتفاقية الأولى مع "الشركة الفرعونية الأسترالية" في مناطق السكّري والبرامية وأبو مروات. وقد استحوذ رجل الأعمال المصري سامي الراجحي، المالك لشركة "سنتامين الأسترالية"، على الشركة الفرعونية، ثم عقد شراكة مع الحكومة المصرية لاستغلال منجم "السكّري" من خلال شركة "السكّري لمناجم الذهب"، لتغدو الشركة الوحيدة المنتجة للذهب حتى سقوط مبارك وصعود السيسي.
فيما وقعت الاتفاقية الثانية مع الشركة الأمريكية "كريست إنترناشيونال ليمتد" في العام 1999، لإدارة واستغلال مناجم "حمش". وفي العام 2007 استحوذت شركة "ماتز هولدنجز ليمتد" القبرصية على ممتلكات الشركة الأمريكية. ولنتوقف قليلاً عند تلك الصفقة التي دارت حولها شبهات تشير إلى انتماء مُلاّكها إلى أجهزة استخبارية سودانية/ إسرائيلية، وتزامنت الشكوك مع قضية بيع الغاز المصري للكيان الصهيوني، ما رجّح أنه ربما قد تكون تلك الشركة المؤسسة في عام اتفاقية بيع الغاز المصري إلى تل أبيب (العام 2005)، ليست إلا ستاراً. وأشارت صحيفة الموجز المصرية في تحقيق صحافي منشور في العام 2012 إلى عقد وزير البترول في حكومة مبارك، سامح فهمي، صفقات مشبوهة كان هدفها تسليم ذهب مصر إلى الكيان الصهيوني. وبالفعل قامت حينذاك احتجاجات لعمال منجم السكّري، اعتراضاً على سرقة الذهب وتصديره للخارج، وظهرت تساؤلات حول كميات مفقودة من الذهب المنتج من منجم "حمش"، وعن كيفية تنازل شركة "ماتز هولدنجز" عن حقوقها في منجم "دنجاش" لصالح شركة أجنبية. وتستمر الصفقات حتى اللحظة على الرغم من الشبهات.
لعل محاولات المصريين لحفظ أموالهم أو استثمارها في ملاذات رأوها آمنة أزعجت المسؤولين. فاتخذ هؤلاء تكتيكات معاكسة لفرض ضرائب على استثماراتهم المحدودة الجديدة، واقترحت "شعبة الذهب" في مطلع أيار/ مايو الفائت، فرض رسوم على السبائك من وزن 1- 100 غرام، بهدف رفع كلفتها وإفساح الطريق أمام صناعة المشغولات الذهبية التي تراجعت بسبب ارتفاع "المصنعية".
ولمّا كان هناك ما يقارب 120 منجماً للذهب استخدمت منذ عهد الدولة المصرية القديمة وما زالت قائمة (5)، فقد انتبهت السلطة الحالية إلى أهمية استثمارها، وطرحت مزايدات عالمية للاستكشاف والتنقيب والاستغلال، بما يسمح بتحصيل مليارات من الجنيهات لإتمام المشاريع وتغطية بعض المديونيات التي باتت تثقل كاهل القاهرة. فصدر القانون رقم (145) سنة 2019، بشأن تنظيم عقد الصفقات ومنح التراخيص للشركات الاستثمارية المتطلعة إلى الاستحواذ على المناجم. وعلى الرغم من أن القانون مثّل بداية عصر تعديني واستثماري جديد، إلا أن ثمة ملاحظات وصفها مستثمرون بـ"غير المطمئنة". فالقانون يفرض إلزامية موافقة وزارة الدفاع لتنفيذ العقود والاتفاقات بموجب المادة (6)، والتي تسمح للوزارة منفردة باستغلال كافة المناجم الواقعة تحت ولايتها، في حين لم توضح المادة ما إذا كانت الخزينة العامة للدولة ستستفيد من العائدات أم أنها ستذهب إلى خزينة الوزارة. كما تلزم المادة (10) المستثمر سنوياً بأداء القيمة الإيجارية، إضافة إلى إتاوة تتراوح قيمتها ما بين 5- 20 في المئة من قيمة الإنتاج السنوي الخام الذي يستغله المرخّص له، وهي نسبة يراها المستثمرون معرقِلة.
موارد مصر ليست لشعبها.. من يُحكِم قبضته عليها؟
06-06-2019
السيسي وإدارة الموارد في مصر
30-05-2019
وعقب تعديلات القانون، طرحت القاهرة مزايدتها العالمية الأولى للذهب في العام 2020 بإجمالي 320 قطاعاً على مساحة 56 ألف كيلومترا مربعا في الصحراء الشرقية والبحر الأحمر، وفازت 11 شركة بحقوق 82 قطاعاً على مساحة 14 ألف كم مربع باستثمارات بحد أدنى 60 مليون دولار في مراحل البحث الأولى، منها 7 شركات عالمية و4 محلية. ورست المزايدات على 8 شركات لتخصيص 31 قطاعاً باستثمارات تناهز 30 مليون دولار. وهذا يعني أن النسبة لم تتجاوز في حقيقة الأمر 9.5 في المئة من إجمالي القطاعات المطروحة في المزايدة العالمية للعام 2020. والنسبة ضئيلة، تشير إلى ضعف الإقبال الدولي على الاستثمار في قطاع الذهب المصري. ثم طرحت المزايدة العالمية الثانية وفازت بها 4 شركات بريطانية وكندية ومصرية، لاستغلال 17 قطاعاً جديداً للبحث والتنقيب عن الذهب بإجمالي استثمارات نحو 11.2 مليون دولار.
وأعلن عن بعض الشركات الحائزة على قطاعات، مثل شركة "آخ جولد" التابعة لمجموعة "لامنشا للتخطيط الاستراتيجي والاستثمار" التي يمتلك فيها الملياردير المصري نجيب ساويرس حصة كبيرة، بإجمالي استثمارات بنحو 4.1 مليون دولار للبحث عن الذهب في 9 قطاعات بالصحراء الشرقية. وكذلك شركة "ريد سي ريسورز" الكندية في 5 قطاعات بإجمالي استثمارات نحو 5.5 مليون دولار، وشركة "شمال أفريقيا للتعدين" للبحث في قطاعين باستثمارات نحو مليون دولار، وشركة "العبادي للتعدين والمقاولات" للبحث في قطاع واحد بإجمالي استثمارات يقدر بنحو 636 ألف دولار، وشركة "لوتس جولد" الكندية، وشركة "ميداف المصرية الكويتية للتعدين والصناعة"، وشركة "إبداع فور جولد" المصرية، بإجمالي استثمارات يقدر بنحو 13 مليون دولار وذلك في 13 قطاعاً.
في العام 2007 استحوذت شركة "ماتز هولدنجز ليمتد" القبرصية على ممتلكات الشركة الأمريكية. ودارت حول هذه الصفقة شبهات تشير إلى انتماء مُلاّكها إلى أجهزة استخبارية سودانية/ إسرائيلية، وتزامنت الشكوك مع قضية بيع الغاز المصري للكيان الصهيوني، ما رجّح أنه ربما قد تكون تلك الشركة المؤسَسة في عام اتفاقية بيع الغاز المصري إلى تل أبيب (العام 2005)، ليست إلا ستاراً.
يَفرض القانون إلزامية موافقة وزارة الدفاع لتنفيذ العقود والاتفاقات بموجب المادة (6)، والتي تسمح للوزارة منفردة باستغلال كافة المناجم الواقعة تحت ولايتها، في حين لم توضِّح المادة ما إذا كانت الخزينة العامة للدولة ستستفيد من العائدات أم أنها ستذهب إلى خزينة الوزارة.
وفيما يتعلق بمنطقتي وادي كريم ووادي حوضين، بدأت شركة "ثاني دبي الإمارات للموارد الطبيعية والتعدين" عمليات التنقيب عن الذهب في المنطقتين بالصحراء الشرقية في العام 2007، طبقاً للاتفاقية الموقعة مع هيئة الثروة المعدنية، وتنازلت عن منطقة وادي كريم في العام 2016. فيما تعمل شركة "أتون مينيج ريسورسز" الكندية في منطقتي فطيري وأبو مروات بالصحراء الشرقية. وقد أشار بعض "الدهّابة"- وهم المنقبون من السكان المحليين- إلى توريد كميات من الذهب غير المعلن عنه إلى الإمارات عن طريق تجار غير رسميين، وهي معلومات لم تصدر بشأنها أية تقارير رسمية، ما خلا تصاريح حكومية محدودة خلال لقاءات صحافية سابقة.
قبيلة العبابدة: عن الصحراء التّي ضاقت بأهلها
29-04-2019
السودان: لماذا تدعم الإمارات قائد مليشيا؟
07-11-2019
ووفق الموقع الرسمي لوزارة البترول والثروة المعدنية، فإن القاهرة تمتلك وتتشارك في خمس شركات هي: "شلاتين للثروة المعدنية" والتي أعلنت في العام 2020 عن اكتشاف تجاري للذهب في منطقة إيقات، باحتياطي قدره 1.2 مليون أونصة من الذهب واستثمارات قد تصل إلى مليار دولار، وهو استثمار مصري خالص، وقد أسست في العام 2021 شركة "إيقات لمناجم الذهب" لإدارة وتنمية المنطقة الخاضعة لامتياز شركة "شلاتين" المصرية. وهناك شركة "حمش لمناجم الذهب" مناصفة مع شركة "ماتز هولدنجز ليمتد القبرصية" في التنقيب واستغلال منجم "حمش". كما أنّ "أتون ريسورسز" الكندية مشاركة مع الحكومة في حق امتياز منطقة أبو مروات في منطقة الدرع العربي النوبي. و"إس. إم. دبليو جولد الروسية" مشاركة مع الحكومة في منطقة منجم الفواخير بالصحراء الشرقية. وأخيراً شركة "السكّري لمناجم الذهب"، وتتوزع ملكيتها ما بين الحكومة وشركة "سنتامين".
ومع إعلان تشغيل الإنتاج التجاري لمنجم إيقات في آذار/ مارس الفائت، فقد أصبحت مصر تمتلك ما يقارب 270 موقعاً مطروحاً للاستثمار، مع معدلات إنتاج تصل إلى 15.8 طناً سنوياً في المتوسط، معظمها من منجم السكّري الذي شهدت احتياطاته خلال العام 2022، ارتفاعاً بنسبة 33 في المئة عن العام 2021، بنحو 1.3 مليون أوقية بينما في الربع الأول من العام الجاري، ارتفع الإنتاج بنسبة 14 في المئة، ليبلغ 105.875 ألف أوقية. كما تجاوزت إيرادات منجم السكّري بالنسبة لمصر 7.5 مليار دولار منذ بدء الإنتاج في العام 2009 حتى نهاية شباط/ فبراير 2023. أما منجم "حمش" والذي بدأ إنتاجه في العام 2007، فإن عائداته ضعيفة بالمقارنة بمنجم السكري. أنتجت شركة "حمش" منذ بدايتها 125 كيلوغراماً من الذهب حتى نهاية العام 2019 بما قيمته 19 مليون جنيه، وفي العام 2020 أنتجت 232 كيلوغراماً بما قيمته 214.6 مليون جنيه مصري، بينما في العام 2021 أنتجت 227 كيلوغراماً بما قيمته 193 مليون جنيه مصري.
الذهب المصري.. إلى أين؟
بعد توزيع الإنتاج وفق الاتفاقيات السارية مع الشركات العاملة في الحقل المصري، تلجأ الدولة إلى تخصيص جزء من نصيبها للاستخدام محلياً بعد إعادة تصنيعه في مصانع الذهب، فيما ترسل "سنتامين" إنتاج منجم السكّري للتنقية فى كندا، ثم يُعرض للبيع فى البورصة العالمية للذهب في لندن بالأسعار العالمية. وقد يعاد إلى مصر/ البنك المركزي بعد شرائه مرة أخرى بالعملة الأجنبية، مثلما حدث في العام 2017، حينما أعلنت "سنتامين" موافقتها على شراء مصر ذهبها المعروض في بورصة لندن.
قامت في عهد مبارك احتجاجات لعمال "منجم السكّري" اعتراضاً على سرقة الذهب وتصديره للخارج، وظهرت تساؤلات حول كميات مفقودة من الذهب المنتج من منجم "حمش"، وعن كيفية تنازل شركة "ماتز هولدنجز" عن حقوقها في منجم "دنجاش" لصالح شركة أجنبية. وتستمر الصفقات حتى اللحظة على الرغم من الشبهات.
أشار بعض "الدهّابة"- وهم المنقِّبون من السكان المحليين- إلى توريد كميات من الذهب غير المعلن عنه إلى الإمارات عن طريق تجار غير رسميين، وهي معلومات لم تصدر بشأنها أية تقارير رسمية، ما خلا تصاريح حكومية محدودة خلال لقاءات صحافية سابقة.
وتهتم السلطة بتصدير معظم الإنتاج إلى الخارج، بهدف تحصيل عوائد مليارية. ووفق تقارير محلية، لوحظ أنه بالمقارنة بين عوائد صادرات الذهب والحُلي والأحجار الكريمة في العام 2015، والتي بلغت 640 مليون دولار، وبين مثيلتها في العام 2020 البالغ قيمتها نحو 2.98 مليار دولار، فقد ارتفعت العوائد بمنحنى تصاعدي، كما ارتفعت الصادرات بنسبة 46 في المئة خلال الـ11 شهر الأولى من العام 2022، لتصل إلى 1.52 مليار دولار، في مقابل 1.04 مليار دولار خلال الفترة نفسها من العام 2021. وقد استحوذت الإمارات على 52.3 في المئة من إجمالي الصادرات المصرية بقيمة 800 مليون دولار في مقابل 370 مليون دولار عن العام 2021. وسيطرت كندا على 47.5 في المئة من الصادرات بقيمة 726 مليون دولار في مقابل 563 مليون دولار، وزادت الصادرات إلى تركيا لتبلغ 3 ملايين دولار خلال العام 2022 في مقابل مليون دولار في العام 2021.
وقد أطلقت القاهرة في أيار/ مايو الفائت، صندوق az-Gold للاستثمار في الذهب وتديره شركة "أزيموت مصر"، عن طريق طرح وثائق أمام المستثمرين (مصريين وأجانب، أفرادا ومؤسسات)، يتم الاكتتاب عليها عبر شركات مرخصة، من بينها شركة تابعة للبريد المصري، ومن ثم تُوجّه الحصيلة لشراء صندوق الذهب من شركات الاستخراج أو مصافي تنقية الذهب التي تصدره في سبائك.
من أين يحصل المركزي على ذهبه؟
لا تتوافر بيانات مؤكدة حول مصادر شراء البنك المركزي المصري للذهب، خصوصاً من الخارج. لكن بعض التقارير تؤكد أنه، ومع بدء الإنتاج المحلي، حرص المركزي على التعاقد مع شركة "سنتامين" صاحبة حق الامتياز في منجم السكّري في العام 2016، وبموجبها يشتري البنك ذهباً من الشركة بقيمة 50 مليون جنيه شهرياً. كما أعلِن أنه من شباط/ فبراير لنهاية /يوليو 2020 باع منجم "حمش" 93 كيلو ذهبا للبنك المركزي المصري بالعملة المصرية، فيما أشار مصدر إلى أن "حمش" ورّد بالفعل إلى البنك المركزي في الأعوام من 2020 إلى 2022 حوالي 536 كيلوغراما ذهب بقيمة 449 مليون جنيه. ومِنَ المستهدف أن يبلغ إنتاج منجم إيقات الشهري 200 كيلوغراما، وهو سيدعم رصيد البنك المركزي أيضاً.
...والآن وقد اتجهت القاهرة إلى استنفار كافة إمكاناتها لاستغلال مناجمها وثرواتها التعدينية، يبقى السؤال ملحّاً حول صحة الاتفاقات التي أبرمتها الحكومة قبل تعديل قانون الثروة المعدنية الأخير، خصوصاً أنّ هناك دعاوى قضائية أقيمت، وصدرت أحكام ببطلان عقد انتفاع شركة "سنتامين مصر" بمنجم السكّري في عامي 2012 و2013، وعلى الرغم من ذلك لا تزال العقود سارية، بل وتتوسع الشركة في الاستحواذ على قطاعات جديدة بلغ عددها 19 في العام 2021. أيضاً، تطفر تساؤلات متعلقة باستفادة المواطنين الفعلية من بيع الذهب المصري في وقت يرون فيه أن اقتصاد الدولة يُدار بعشوائية في ظل أرقام ومؤشرات فقر متصاعدة.
1 - وفقاً للبيانات الرسمية الصادرة عن البنك المركزي المصري، يكون الجنيه قد انخفض بنسبة 148 في المئة خلال 7 سنوات منذ العام 2015 وحتى نهاية العام 2022.
2 - بلغت مشتريات المصريين من المشغولات والسبائك الذهبية نحو 16.2 طن خلال الربع الثالث من العام المالي 2022/2023، بقيمة 0.986 مليار دولار، مقابل 12.2 طن خلال الربع المقابل من العام المالي السابق. وقد احتلت مصر المركز السابع عالميا، والثاني في الشرق الأوسط من حيث الإقبال على شراء الذهب خلال الربع الأول من العام الجاري، إذ بلغت حصتها 2 في المئة من إجمالي الشراء عالمياً وفقا لبيانات مجلس الذهب العالمي.
3 - باتت قضية تهريب الذهب السوداني إلى الخارج مثار جدل منذ العام 2017 بعدما ظهرت تقارير صحافية تشير إلى تهريبها عبر الحدود مع مصر عبر أرحام الإبل وهي التجارة المعروفة لدى قبائل حدودية مشتركة بين الدولتين. وقد ظهرت أرقام تبدو غير دقيقة على لسان بعض المصادر الرسمية في شعبة الذهب السوادنية تقول بأن 70 في المئة من الذهب المستخرج من أفراد يهرب إلى مصر بتلك الطريقة. في حين أصدرت شبكة "سي إن إن" الأمريكية في 2022، تقريراَ يرصد رحلة تهريب الذهب السوداني إلى روسيا، مقدِّراَ قيمة الذهب المهرب سنوياَ بحوالي 13.4 مليار دولار، عبر شركات روسية تعمل في مجال تنقيب وإنتاج الذهب عبر مهابط طائرات في الصحراء من دون المرور بالإجراءات الرسمية وبنك السودان المركزي. للاطلاع على التقرير يرجى مراجعة الرابط: https://tinyurl.com/5rd7fmw6
4 - مثلت قيمة الذهب الاحتياطي في نهاية آذار/ مارس 2023 حوالي 7 مليارات و 950 مليون دولار، للإطلاع على البيانات كاملة، يرجى مراجعة النشرة الإحصائية الشهرية الصادرة عن البنك المركزي المصري: https://www.cbe.org.eg/
5 - تتوزع في 4 قطاعات: القطاع الشمالي ويضم 3 مواقع، والقطاع الأوسط ويضم 62 موقعاً، والقطاع الجنوبي الشرقي ويضم حوالي 7 مواقع للتنقيب، والقطاع الجنوبي ويقع في منطقة وادي العلاقي ويضم 19 موقعاً، إضافة إلى مواقع غير معلن عنها.