الثابت

في جنين، فُتحت له بيوت عزاء، كأحد أبناء فلسطين، حيث نادت جموع المشيّعين "من سيناء لجنين.. شعب واحد ما بيلين"، وصدحوا في شوارع رام الله: "يا صلاح علّي الصوت.. التطبيع هوّي الموت". مجدّداً، معادلاتٌ واضحةٌ وبسيطة. لغةٌ واحدة تُحكى في مصر وفي فلسطين، فكيف يقنعوننا بغير ذلك؟
2023-06-09

شارك
مسيرة تشييع رمزي للمجند المصري محمد صلاح جابت شوارع رام الله في فلسطين
إعداد وتحرير: صباح جلّول

فجر يوم السبت في 3 حزيران / يونيو 2023 أطلق المجنّد المصري محمد صلاح النار على تجمّع للجنود الإسرائيليين على معبر العوجة الحدودي بين مصر والأراضي المحتلة، فأردى ثلاثة منهم وأصاب آخرين، قبل أن يُقتل بنيران العدوّ.

جاء في بيان الجيش المصري أن ما حدث كان مطاردة لأفراد من مهربي المخدرات على الحدود انتهى إلى تبادل إطلاق نار قُتل فيه المجند، محاولاً التملص من الإقرار بعمدية وقصدية العملية. بينما أشار الجيش الإسرائيلي إلى "عمل تخريبي". تقول الأدلة إنّ الشاب ابن الـ22 ربيعاً وجد نفسه في مواجهة محتلّي الأرض فقاتلهم. معادلةٌ بسيطة، تفهمها كل شعوب المنطقة وتستعصي – لسبب ما - على حكّامها. ففي مصر، منعت السلطات عائلة الشهيد من إقامة العزاء وخففت أصوات وسائل الإعلام من أهمية الموضوع وقيل "خطأ" وقيل "حادث". أُريدَ للجميع أن يصدّقوا أن العدوّ لم يعد عدوّاً على امتداد المنطقة، ولكنّ البلاد ولّادة. انظروا هناك! ثمّة واحدٌ يقاوم!

وهنالك، خلف الحدود، في رام الله فلسطين، أقام الناس جنازة رمزية للشهيد المصري محمد صلاح، رُفعت فيها صوره واسمه وأعلام مصر. وفي جنين، فُتحت له بيوت عزاء، كأحد أبناء فلسطين، حيث نادت جموع المشيّعين "من سيناء لجنين.. شعب واحد ما بيلين"، وصدحوا في شوارع رام الله: "يا صلاح علّي الصوت.. التطبيع هوّي الموت". مجدّداً، معادلاتٌ واضحةٌ وبسيطة. لغةٌ واحدة تُحكى في مصر وفي فلسطين، فكيف يقنعوننا بغير ذلك؟

وقبل أن يُعرف اسم الجندي، أسماه كُثر على مواقع التواصل بـ"سليمان خاطر الجديد"، فقد ذكّرهم بخاطر الذي أطلق النار على إسرائيليين حاولوا تجاوز نقطة حراسته في رأس برقة عام 1985، ثمّ سلّم نفسه للسلطات المصرية وحُكم عليه بالسجن المؤبّد. بعد سنة ونيّف مات سليمان خاطر، وقيل انتحر، وخرج من يقول أنه "مختل"، فخرجت مسيرة تقول إنه قُتِل، وتهتف "عسكري سينا مش مجنون، عسكري سينا مقدرش يخون".

أمّا سعد حلاوة، فمصريٌّ آخر "ما قدرش يخون". كان مهندساً زراعياً شاباً من قرية في القليوبية، قرأ في الصحف وشاهد في الأخبار كيف تفتح مصر الرسمية الباب لدولة الاحتلال الإسرائيلي دون أن تهتزّ الدنيا، فلم يهن عليه ذلك. قام سعد حلاوة بعملية اختطاف وحدة محلية للفت نظر الرئيس السادات وإعلان اعتراضه كمواطن على التطبيع مع إسرائيل، والمطالبة بطرد السفير الإسرائيلي في القاهرة . هل كان مجنوناً أيضاً؟ لم يتسنَّ له أن يقول أكثر، فقد عاجلوه برصاصة قناصٍ أردته قتيلاً.

صلاح قص السياج الحدودي

ثم الأسبوع الماضي، قُتل محمد صلاح. على صفحته على فيسبوك صور كثيرة له بضحكة عريضة وثياب آخر موضة وأقوالٍ وأمثال يعبّر بها عن نفسه. على إحدى صوره القديمة كتب "أنا ثابت وسط ناس كتير خابت"، وبإمكان المرء الآن أن يحمّل الصور والكلمات أكثر من معناها إذ يحاول أن يفهم مَن كان هذا الشاب الذي فعل ما فعل... في كل الأحوال، أعلن محمد اعتراضه قبل أن يغادر، وثبتَ فعلاً. ما زال هناك واحدٌ يقاتل.

ثمّ خلف حدودٍ أخرى أيضاً، في جنوب لبنان، في 7 حزيران/ يونيو الجاري، كان مزارع لبناني يقف وحيداً أمام بلدوزر إسرائيلية تخطّت الخط الأزرق، تقوم بجرف الأرض في الجانب اللبناني. وقفت قوات اليونيفل متفرّجة، ووقف المزارع يشتم الجرافة المعتدية بكل ما أوتي من غضب، ويلمّ من التراب حصى يرشقها على وحش الحديد الذي استبدّ بالفضاء أمامه. في الفيديو المنتشر، لا يتزحزح الرجل حتى عندما تطمر الجرافة نصف جسده بالتراب وتكاد تسحقه (وقد حدث أن فعلت الجرافات الإسرائيلية ذلك من قبل ب"رايتشل كوري"، كما يذكر العالم).

وهناك لا بدّ مشاهد أخرى لا حصرَ لها، لمقاومات صغيرة وكبيرة لا آخر لها على امتداد هذه البقعة التي توحي باليأس، ثمّ توحي بالقدرة والاحتمال.

انظروا هناك، ثمّة آخرٌ وآخرٌ يقاوم.  

مقالات من فلسطين

إرهاب المستوطنين في الضفة الغربية تحوّل إلى "روتين يومي"... استعراض عام لتنظيمات المستوطنين العنيفة!

2024-04-18

يستعرض هذا التقرير إرهاب المستوطنين، ومنظماتهم العنيفة، وبنيتهم التنظيمية، ويخلص إلى أن هذا الإرهاب تطور من مجرد أعمال ترتكبها مجموعات "عمل سري" في الثمانينيات، إلى "ثقافة شعبية" يعتنقها معظم شبان...

غزة القرن التاسع عشر: بين الحقيقة الفلسطينية والتضليل الصهيوني

شهادة الكاتب الروسي ألكسي سوفورين الذي زار غزة عام 1889: "تسكن في فلسطين قبيلتان مختلفتان تماماً من حيث أسلوب الحياة: الفلاحون المستقرون والبدو المتجوّلون بين قراها. الفلاحون هنا هم المزارعون....