حلٌ للعنف الطائفي في مصر؟

شهدت الأيام الأخيرة من رمضان الفائت أحداث عنف طائفي ضد أقباط، بدأت بمقتل قسّ في العريش على يد تنظيم داعش سيناء، وانتهت بإطلاق نار على سيارة تستقلها راهبات على طريق الإسكندرية الصحراوي، أودى بحياة إحداهن.
2016-07-22

هدير المهدوي

صحافية وباحثة من مصر


شارك
جرجس لطفي - مصر

شهدت الأيام الأخيرة من رمضان الفائت أحداث عنف طائفي ضد أقباط، بدأت بمقتل قسّ في العريش على يد تنظيم داعش سيناء، وانتهت بإطلاق نار على سيارة تستقلها راهبات على طريق الإسكندرية الصحراوي، أودى بحياة إحداهن. تلك الحوادث وغيرها مسلسل متكرر يستهدف الأقليات وتحديداً الأقباط الذين يعانون، من بين أشياء أخرى، من عدم توفير حقهم بممارسة شعائرهم الدينية.

مشروع قانون جديد

استلم مجلس النواب المصري مشروع قانون بناء وترميم الكنائس في نسخته النهائية من الحكومة، وكان من المقرّر مناقشته في 16 تموز/ يوليو الحالي، لكنه رغم أحداث المنيا الأخيرة لم يُناقَش بعد. يعود تأخر المشروع، رغم الحديث عنه منذ العام 2014، للمناقشات غير المحسومة بعد بين الكنائس المصرية الثلاث (الإنجيلية والكاثوليكية والأرثوذكسية) مع الحكومة ممثلة في وزير الدولة للشؤون القانونية. وفي تسريب لبعض بنود مشروع القانون في منتصف أيار/ مايو الماضي، ظهر أن أبرزها اشترط تقديم طلب للمحافظ المختص لتوفيق أوضاع الكنيسة بعد ثلاثة أشهر من العمل بالقانون، وإرفاق المستندات التي تثبت إقامة الصلاة بانتظام خلال الخمس سنوات السابقة على العمل به. كما ينصّ مشروع القانون على إنشاء سجل خاص ولجنة خاصة لفحص هذه الطلبات وتنفيذها في كل محافظة.
في تصريح لممثل الكنيسة الكاثوليكية في لجنة إعداد القانون في نهاية حزيران/ يونيو الماضي، أشار إلى أن الكنائس غير موافقة على النسخة النهائية من المشروع، التي تسلمتها الكنائس من وزير الشؤون القانونية، بسبب اختلافها عن النسخة التى تم الاتفاق عليها من قبل، موضحا أن أبرز مواد الخلاف كانت حول المادة الخاصة بترخيص المباني والشهادات المطلوبة لذلك، والتي تتعارض مع قانون المباني 119 لسنة 2008، رغم أن قانون بناء الكنائس استحقاق دستوري طبقاً للمادة 235 من الدستور، فلا يجوز أن يخضع لاستثناءات، بالإضافة إلى شرط الخمس سنوات اللازمة من إقامة الشعائر للموافقة على تقنين وضع الكنيسة ومنحها ترخيصا رسميا.
وهذا أيضا ما أكده الأنبا بولا أسقف طنطا، ومسؤول ملف العلاقات بين الدولة والكنيسة، من أن الطوائف المسيحية الثلاث سلّمت وزير الشؤون القانونية ملاحظاتها على مسودة مشروع القانون، وأبدت تحفظاتها على بعض البنود، معربة عن قلقها من إصدار قانون لبناء الكنائس لا يعبر عن مصالح الأقباط، بينما حذّر البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، من أن الدولة تحاول الآن أن تضع تشريعا جديداً لقانون بناء الكنائس، متمنياً أن تكون الصيغة واضحة وليست غامضة وممتلئة بالثغرات الكثيرة، ولا يجب أن تكون تلك الصياغة التشريعية أكثر تعقيدا لما هو موجود، قائلا: "وإلا فهذا الأمر الكنيسة لا تقبله ولا ترضاه".
ووفقا لخريطة "أحداث العنف والمنع الطائفي في مصر من تموز /يوليو 2012 وحتى حزيران/ يونيو 2016"، التي أصدرتها "إشهد"، وهي منصة مختصة بالشأن، فإن هناك 442 حادثا طائفيا مقسمة بين اعتداءات على مؤسسات تعليمية، دور عبادة، أشخاص، مؤسسات وممتلكات. كان نصيب الهجمات على أقباط من بينها 418 حادثاً، من ضمنها 132 حادث هجوم على دورعبادة، بواقع 82 حادث هجوم في الفترة ما بين 12 و17 آب/ أغسطس 2013، وهي الفترة التي تلت خلع الرئيس الأسبق محمد مرسي وطالت حرق وتكسير كنائس عدة في مدن وقرى مختلفة. ووفقاً لتقرير لمنظمة العفو الدولية، فهذه الكنائس لم يصرّح لها حتى الآن بإعادة البناء أو الترميم.

عنف طائفي

في 17 حزيران/ يونيو الماضي، شهدت قرية البيضاء بمدينة العامرية بمحافظة الإسكندرية أحداث عنف طائفي انتهت باعتقال البعض وإصابة البعض الآخر. ووفقا لتصريح احد القساوسة بالعامرية أن الأسر القبطية في القرية يبعدون عن أقرب كنيسة مسافة 9 كيلومترات، ولأنهم قدّموا تصريحاً لبناء كنيسة في القرية منذ 2009 لم يتخذ قرار بشأنه بعد، فقد استغلوا أحد مراكز الخدمة في القرية في الصلاة والاجتماعات. كانت النتيجة حشودا من أهالي القرية وسط قوات الأمن يهتفون "إسلامية إسلامية.. مش عايزين كنيسة"، ويعتدون على كاهن وسيارته وعلى مواطنين وممتلكاتهم، وقاموا بطرد واحد منهم من بيته، وذلك قبل إخلاء سبيل المتهمين المسلمين وتوجيه تهم الصلاة دون الترخيص لبعض المتهمين من الأقباط وإخلاء سبيلهم في اليوم التالي.
من ضمن الحوادث الأخيرة والواردة في تقرير أشهد كانت حادثة حرق مقر لإقامة الصلاة بكنيسة السيدة العذراء بقرية الإسماعيلية البحرية شمال مدينة المنيا في أيار/ مايو الماضي، بعد هجوم عليها وإشعال النار فيها. وقد صرح حينها الأنبا مكاريوس الأسقف العام للمنيا وأبو قرقاص أن الكنيسة أُقيمت في مكان مؤقت عبارة عن خيمة ليصلي فيها الأقباط ويعقدون اجتماعاتهم، وذلك بعلم الجهات الأمنية المحلية، لحين سماحها بفتح الكنيسة التي بُنيت في سنة 2009، واستمر إغلاقها مذّاك. بينما شهد كانون الأوّل/ ديسمبر الماضي استدعاء مأمور مركز الفشن بنزلة حنا بمحافظة بني سويف للقس برنابا فوزي حليم كاهن كنيسة مار جرجس وإمضاءه تعهداً كتابة بعدم إنشاء أية مبان على أرض الكنيسة، بينما صرّح الناشط القبطي نجيب جبرائيل أن الكنيسة كان يتردد عليها 1964 شخصا، ومعيّنا عليها حراسة أمنية كباقي الكنائس ثم عندما آلت للسقوط، صدر قرار بهدمها وعندما طالب الأهالي بالتصريح بإعادة بنائها ماطلت محافظة بني سويف رغم شكوى المصلّين من سقوط الأمطار عليهم وهم في العراء. وعد المحافظ بإصدار ترخيص بالبناء، إلا أن المفاجأة كانت من الأمن الوطني الذي أصدر الأوامر لاستدعاء كاهن الكنيسة واخذ التعهد منه بعدم البناء وإحالته إلى النيابة العامة لفرض حراسة على الكنيسة وفي الشهر نفسه رفضت قوات الأمن إعادة فتح كنيسة العذراء مريم بالرحمانية بمحافظة قنا، رغم وعود المحافظة بفتحها بعد الانتخابات.
وقد شهد عام 2011 حوادث عنف طائفية عدة، كان أوّلها الهجوم على كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة 2011، بينما شهدت قرية الماريناب بمحافظة أسوان أحداث عنف في سبتمبر 2011، حيث اعترض أهالي القرية من المسلمين على إعادة بناء كنيسة مار جرجس مطالبين بهدم القباب والمنارة بالكنيسة وعدم وضع صلبان أو أجراس، رغم التصريح لهذه الكنيسة بالبناء من المحافظة. وأُحرِقت الكنيسة وبعض منازل الأقباط على الرغم من عقد جلسات عرفية عدة بوجود الأمن. بينما تطورت الاحتجاجات في القاهرة بمسيرة قبطية ضخمة إلى ماسبيرو في تشرين الأول/ أكتوبر 2011 انتهت بقتل ودهس العشرات من الأقباط على يد قوات الشرطة العسكرية والجيش وبعض المتطرّفين أمام المبنى.
غالبية حالات العنف الطائفي كانت تندلع بوجود الأمن، أو تجاهله لها. ولم تنته هذه الأحداث بحكم قانوني، بل بجلسات عرفية تنتهي لمصلحة الغالبية المسلمة. وفي دراسة للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية للباحث إسحاق إبراهيم (أيار/ مايو 2015)، إشارة إلى أنّ النسبة الكبرى من أحداث العنف الطائفي منذ حكم المجلس العسكري وصولاً إلى حكم السيسي، كانت تعود لممارسة الشعائر الدينية بواقع 31 في المئة، ومن بين 14 حالة عنف طائفي بشأن بناء وترميم الكنائس والصلاة فيها، حالة واحدة فقط انتهت لمصلحة الجانب القبطي، بينما انتهت الحالات الأخرى بغلق الكنائس، أو منع البناء، أو منع الصلاة حتى مع حضور قيادات أمنية وعسكرية رفيعة المستوى لهذه الجلسات.

الدولة والأقباط

في كانون الثاني/ يناير 2016 قال الرئيس عبد الفتاح السيسي في كلمته أثناء حضوره قداس عيد الميلاد بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية: "نقدّم الاعتذار لجميع الأقباط عن حرق كنائسهم وبيوتهم، وإن شاء الله العام القادم مش هيكون فيه بيت مش متجدد، واقبلوا اعتذارنا في اللي حصل ده". وكان السيسي قد حضر القداس في العام السابق في زيارة مفاجِئة كما زار الرئيس الأسبق محمد مرسي الكاتدرائية في 2012 أثناء ترشّحه لمنصب الرئاسة، ولكنه لم يحضر أياً من المناسبات الرسمية للكنيسة أثناء فترة ولايته، بل حرّض في أكثر من مناسبة ضد الأقباط والشيعة وغيرهم من الأقليات، وكان الأمر مماثلاً أثناء تولّي المجلس العسكري قيادة البلاد برئاسة المشير طنطاوي، الذي اكتفى كسابقه مبارك بإرسال برقية تهنئة ووفد رسمي ينوب عنه للحضور.
وتظلّ الدولة المسؤول الأول ربما عن الوضع الشاذ هذا للأقباط في مصر. ففي تحليله، يقول الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية د.عمرو عبد الرحمن إن البيانات المتاحة عن أسباب أحداث العنف الطائفي تشير إلى أن غالبية هذه الحوادث تندلع إما نتيجة تلكؤ الدولة في تنظيم بعض الممارسات تشريعياً منذ عقود، كما في حالة بناء الكنائس، أو للجوئها لتنظيمها على النحو الذي يصب الماء في طاحونة العنف الطائفي نفسه، كما في حالة الأحوال الشخصية، أو تُبقي على تنظيمها بشكل يعيد إنتاج العنف الطائفي بشكل دائم، كما هو الحال في ما يتعلق بالتعبير عن الرأي في أمور عقائدية أو فقهية، أو بالتحول الديني من الإسلام للمسيحية أو العكس. ويفسّر أن العلاقات والممارسات الطائفية لا تقتصر في حضورها على المجتمع، ولكنها تمتد إلى ما يفترض أنه مجال سيادة الدولة المنظم وفقًا للقواعد الحديثة في ممارسة السلطة. هكذا يصبح الإطار التشريعي المنظِّم لعلاقة الدولة بالمجتمع هو نفسه عاملًا من عوامل إعادة انتاج الطائفية.
تعددت المحاولات لتقديم مشروعات بقانون لدور العبادة الموحد، خاصة بعد "ثورة يناير 2011"، فكانت هناك محاولة من مجلس الوزراء في حزيران/ يونيو 2011، وتكررت بعد أحداث ماسبيرو. إلا أن المحاولتين لاقتا جدلاً ورفضا من مؤسسات الأزهر والأوقاف وبعض التيارات الإسلامية، تحت دعوى عدم توحيد بناء الكنائس والمساجد في قانون واحد، والاقتصار على قانون يخص الكنائس فقط. رغم أن الدساتير المصرية المتعاقبة تنصّ على المساواة وعدم التمييز على أساس الدّين، وخاصة الدستور الصادر في 2014، في المادة 253، التي طالبت البرلمان القادم بتشريع هذا القانون. وتعود القوانين المنظِّمة لبناء الكنائس إلى عصر الدولة العثمانية، تحديدًا إلى الخط الهمايوني 1856، ويعطي السلطان العثماني وحده الحق في إعطاء التصاريح لبناء دور العبادة والمقابر لغير المسلمين. واستمرّ العمل بالخط الهمايوني حتى 1934 إلى أن جاء وزير الداخلية آنذاك، محمد عزبي، وأصدر قانوناً يشتمل على عشرة شروط لبناء الكنائس.
من ضمن هذه الشروط كان ابتعاد الكنيسة، التي تطالب طائفة بعينها ببنائها عن أقرب مسجد أو ضريح بمسافة معينة، وضمان قدر من التناسب بين عدد السكان المسيحيين التابعين للطائفة المذكورة وبين مساحة الكنيسة المرغوبة، وكذلك ضمان عدم وجود أي اعتراضات من المجتمع المحلي في حال كانت الأغلبية من المسلمين. أقرَّتْ المحاكم المصرية كذلك هذه الترتيبات في سلسلة من أحكام القضاء الإداري المبكرة في 1952، ثم في منتصف ستينيات القرن الماضي، وذلك على الرغم من اعتراف الدساتير المصرية المتعاقبة، حتى دستور 1971، بمبدأي حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية بدون قيود. ووفقاً للباحث بـ "المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" د.عمرو عبد الرحمن، فلقد أصبح القرار النهائي بشأن بناء وترميم الكنائس في أيدي جهات الإدارة، ثم تحول لأيدي الجهات الأمنية عملياً.
كان مبارك قد أصدر القرار رقم ‏453 ‏ لسنة ‏1999 الذي يفوض المحافظين بإعطاء تراخيص الهدم والبناء للكنائس، لكنه لم ينفذ، وفي 2005 أصدر قرارا آخر أكثر تفصيلاً بتفويض المحافظين الموافقة على بناء أو إقامة أو إجراء تعديلات أو توسيعات في كنيسة قائمة‏،‏ ووجوب بتّ طلب الترخيص ـ بعد أخذ رأي الجهات المعنية ـ خلال ثلاثين يوما من تاريخ تقديمه مشفوعا بالأوراق اللازمة‏. ولا يجوز رفض الطلب إلا بقرار مسبّب‏. ولكن في شباط/ فبراير 2013 أصدر القضاء الإداري حكماً بإلغاء هذا القرار الجمهوري لأن هدم وبناء الكنائس ليس من صلاحيات رئيس الجمهورية بالاساس لتفويضه للمحافظين، وتقتصر صلاحيات الرئيس فقط في الترخيص للكنائس الجديدة وليست القائمة بالفعل، وذلك وفقاً لدراسة للباحث عمرو عزت من المبادرة المصرية للحقوق الشخصية صادرة في نهاية 2014.
ينتظر الأقباط المصريون منذ عقود حقوقهم الدستورية في ممارسة الشعائر وعدم التمييز بينهم وبين الغالبية المسلمة، ويلقون وعوداً مستمرة من الدولة، خاصة بعد الثورة، في تصحيح الوضع مقابل دعمهم للأنظمة السياسية المتعاقبة، ورغم مخاوفهم المشروعة نتيجة سنوات من العنف الطائفي، بمسؤولية من الدولة والتيارات الدينية المتطرفة، وهجرة الكثير منهم خاصة أثناء فترة حكم الإخوان المسلمين، إلّا أنهم ينتظرون من النظام الحالي الذين دعموه بقوة في مواجهة الاخوان حقوقهم في الإنصاف والمساواة والمواطنة، في دولة تقوم شرعيتها بالأساس على محاربة الإرهاب والتطرّف!

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

خوف الطغاة من الأغنيات

ممنوع التغنّي بالحرية في مصر. هناك حقد من السلطات على مشجعي أندية كرة القدم (الالتراس) كما على الصحافيين والمحامين.. علاوة على السياسيين الذين يمارسون المعارضة أو النقد. ممنوع!