شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي في ليل 7 نيسان / أ بريل 2023، سلسلة غارات جوية ضد أهداف في قطاع غزة، معلناً أنها رداً على إطلاق صواريخ من لبنان على شمال فلسطين المحتلة حيث وجهت "إسرائيل" أصابع الاتهام إلى حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تتخذ القطاع مركزاً لها. والتزم الرد الإسرائيلي بـ"قواعد الاشتباك" مع المقاومة بغزة.
قواعد الاشتباك في قطاع غزة صاغتها تفاهمات ضمنية حكمت العلاقة بين مقاومته والاحتلال منذ سيطرة "حماس" عليه عام 2007، وقيادتها للفصائل الفلسطينية هناك. ونتيجة السياسات التراكمية التي صنعها الميدان عقب دورات العدوان المتكررة ضد هذا الشريط الساحلي المحاصَر، وتشكلت أبرز ملامحها بعد عدوان 2014.
كذلك في الجنوب اللبناني، جاء الرد الإسرائيلي على الصواريخ بالمحدودية نفسها التي طبعت الرد بغزة، ما أعطى انطباعاً أن الحكومة الإسرائيلية الحالية تتجنب التصعيد إلا بـ"القدر الذي يحفظ لها ماء وجهها أمام جمهورها والمعارضة". وفي عصر اليوم التالي للهجوم، سارع جيش الاحتلال إلى إعلان عودة "الحياة الطبيعية" في مناطق التوتر الحدودية في فلسطين المحتلة!
وجهتا نظر في "إسرائيل" تفسران مسارعة الجيش إلى إعلان عودة الحياة الطبيعية: الأولى أنّ جولة الرد "انتهت"، أما الثانية فترى أنّ ما جرى مجرد مناورة عسكرية لـ"تخدير العدو" أي جعله يظن أنّ الجولة انتهت فيخفض من جهوزيته، قبل أن يعيد جيش الاحتلال مهاجمته بغتة .
كيف نفهم "صواريخ غزة" الأخيرة؟
11-03-2023
شمول الرد الإسرائيلي المحدود غزة ولبنان، إقرار ضمني جديد بترابط الجبهات واتساع نطاقها، بإضافة ساحات شمال فلسطين المحتلة إلى ساحات غزة والضفة، بما فيها القدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، خلافًا لإعلان العدو الإسرائيلي المتكرر تبنيه العمل على تفكيك الترابط بين الجبهات (1) منذ جولة القتال مع غزة في 2021 ("سيف القدس")، في حين أنّ محدودية الرد تتوافق مع محاولته تولي زمام المبادرة بالهجوم.
قواعد الاشتباك في قطاع غزة صاغتها تفاهمات ضمنية منذ سيطرة "حماس" على القطاع عام 2007، وقيادتها للفصائل الفلسطينية هناك. وهي نتيجة لسياسات تراكمية صنعها الميدان عقب دورات العدوان المتكررة ضد هذا الشريط الساحلي المحاصَر، وتشكلت أبرز ملامحها بعد عدوان 2014.
المبادرة بالهجوم سُلبت من جيش الاحتلال الإسرائيلي مؤخراً مرتين، الأولى حين بادرت المقاومة في غزة الى إطلاق الصواريخ عام 2021 وخالفت بذلك تقديراته، والثانية عندما أطلقت الصواريخ من جنوب لبنان في 6 نيسان / ابريل الجاري على نحو فاجأ القيادة في "إسرائيل"، ولعل هذا ما يفسّر اضطرارها إلى الرد بشكل محدود، في ظل احتفال الإسرائيليين بعيد الفصح اليهودي في الفترة بين 15 - 21 نيسان/أبريل الجاري.
ظهرت الرغبة لدى "إسرائيل" في تولي زمام المبادرة بالهجوم للرد على ترابط الجبهات في آب/ أغسطس 2022، حيث تولى جيش الاحتلال بقيادة الوزير "بيني غانتس" المبادرة بشن هجومٍ مباغتٍ استهدف "حركة الجهاد الإسلامي"، وتركز في قطاع غزة بعد ساعات من تهديدها بالانتقام لاعتقال القائد في الحركة بسام السعدي في جنين شمال الضفة الغربية.
تذرعت "إسرائيل" بأن هجوم آب/ أغسطس كان وقائياً لإحباط مخطط الذراع العسكري للجهاد في تنفيذ هجوم مضاد للدروع في المنطقة الحدودية شرق القطاع، فاندلعت جولة قتال سريعة ومحدودة النطاق بين "الجهاد" وجيش الاحتلال استمرت لنحو 66 ساعة. اللافت فيها: 1- إعلان "إسرائيل"، بقيادة حكومة نفتالي بانيت/ يائير لابيد، أنها تستهدف الذراع العسكري للجهاد حصراً. 2- امساك الذراع العسكري لحركة "حماس" عن المشاركة في القتال.
ملامح سياسة الرد الإسرائيلي على ترابط الجبهات عقب جولة القتال عام 2021 صاغها عاملان: الأول سعي جيش الاحتلال لاستعادة زمام المبادرة في الهجوم ضد المقاومة، الثاني خلق انفصال بين فصائل المقاومة ظهر في استهداف "الجهاد" والامتناع عن ضرب أيّ أهدافٍ لـ"حماس" في عدوان آب/ أغسطس 2022، وتكرر في التمييز بين "حزب الله اللبناني" وفصائل المقاومة الفلسطينية في الغارات الأخيرة على جنوب لبنان.
يشكّل قطاع غزة إحدى الحلقات الضعيفة في ترابط الجبهات الأخير الموسّع، لذا يعيش منذ فجر الرد المحدود حالة ترقب وحذر من احتمالية مبادرة جيش الاحتلال الإسرائيلي بتنفيذ هجوم استباقي جديد ضده يتجاوز "قواعد الاشتباك" المعمول بها في الميدان، وعبّر عن هذا الترقّب رئيس حركة "حماس" في غزة يحيى السنوار، في معرض كلمته خلال إحياء فعاليات الذكرى الـ44 ليوم القدس العالمي، بالإشارة إلى أنّ هدف قادة الاحتلال من الرد المحدود هو الجنوح إلى "التبريد التكتيكي"، لاجتياز شهر رمضان، الذي أضحى تسخين الجبهات فيه عادةً سنوية، محذراً من "سياسات (إسرائيلية) عدوانية أشد خطورة بعد رمضان" وهجوم يرمي إلى"استعادة الردع" (2).
كما عبّرت عن هذا الترقّب وزارة الخارجية الفلسطينية بالتحذير من عدوان عسكري وشيك ضد غزة، بعد انتهاء الأعياد اليهودية، يقوده رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو لانقاذ نفسه سياسياً، في محاولة لكسب المعارضة في "إسرائيل" إلى جانبه أو إضعافها بـ"استعادة سياسة الاغتيالات بحق القيادات الفلسطينية" في غزة. وطالبت العالم بمواقف مسبقة للجم العدوان (3) المحتمل.
وجهتا نظر في "إسرائيل" تفسران مسارعة الجيش الى إعلان عودة الحياة الطبيعية: الأولى أنّ جولة الرد "انتهت"، أما الثانية فترى أنّ ما جرى هو مجرد مناورة عسكرية لـ"تخدير العدو"، أي جعله يظن أنّ الجولة انتهت فيخْفض من جهوزيته، قبل أن تعيد "اسرائيل" مهاجمته بغتة .
المؤشرات من داخل "إسرائيل" تدلل على أنّ حكومة الاحتلال ما زالت تسعى إلى الانتقام. إذ دعا نتنياهو زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد لتحديثات أمنية متتالية في 8 و9 نيسان/ ابريل الجاري وهو ما يشي بأنّ الحكومة تخطط للاقدام على خطوة أمنية تتطلب دعم المعارضة لها.
وعلى الرغم من أنّ الرد الإسرائيلي المتزامن في غزة ولبنان يصب في مساعي المقاومة لتحقيق ترابط الجبهات، إلا أنّ محدودية الرد واقترانه بالتهديد بعدوان مستقبلي واسع، مع المؤشرات الإسرائيلية عليه، يضع القطاع الساحلي المحاصَر - كإحدى الحلقات الضعيفة في جبهات المقاومة المترابطة - تحت ضغط ترقّب العدوان، بالنظر إلى المساعي الإسرائيلية الرامية إلى تكريس تولي جيش الاحتلال زمام المبادرة والمباغتة لشن الهجوم للرد على وقائع ترابط الجبهات.
1- المقاومة الفلسطينية والاحتلال: بين ربط الجبهات وفكها، السفير العربي، 28/4/2022: https://bit.ly/41t4CBV
2- كلمة رئيس "حماس" بغزّة يحيى السنوار في مهرجان "الضفة درع القدس"، وكالة خبر عبر "يوتيوب"، 14/4/2023: https://bit.ly/43MSL3I
3- "الخارجية" تحذر من تداعيات أي عدوان إسرائيلي وشيك على أهلنا في قطاع غزة، وكالة الأنباء الرسمية (وفا)، 9/4/2023: https://bit.ly/3GLjmEe