الصحافة المصرية في عيون صحافيات ومصوّرات (1)

جرى اقتحام نقابة الصحافيين في بداية أيّار/ مايو الماضي من قبل أفراد تابعين لوزارة الداخلية للقبض على صحافييّن معتصمين فيها، وحبس عمرو بدر ومحمود السقا احتياطياً بتهم "نشر أكاذيب" بأن جزيرتي تيران وصنافير، مصريتان. كما تجري محاكمة نقيب الصحافيين يحي قلاش وعضوي مجلس النقابة خالد البلشي وجمال عبد الرحيم على خلفية أحداث النقابة.
2016-07-17

هدير المهدوي

صحافية وباحثة من مصر


شارك
نور بهجت - سوريا

جرى اقتحام نقابة الصحافيين في بداية أيّار/ مايو الماضي من قبل أفراد تابعين لوزارة الداخلية للقبض على صحافييّن معتصمين فيها، وحبس عمرو بدر ومحمود السقا احتياطياً بتهم "نشر أكاذيب" بأن جزيرتي تيران وصنافير، مصريتان. كما تجري محاكمة نقيب الصحافيين يحي قلاش وعضوي مجلس النقابة خالد البلشي وجمال عبد الرحيم على خلفية أحداث النقابة. وشهدت النقابة خلال الشهر الماضي اعتصاماً مفتوحاً، مكوّنه الأساسي الصحافيات والصحافيون الشباب، كما شهد جمعيتين عموميتين طالبتا بعدة أشياء أهمها إقالة وزير الداخلية.
تشير عزة فضالي، المصورة الصحافية بجريدة "المصري اليوم" أن "أصعب فترة تمر بها الصحافة هي "دلوقتي، أنا بفكر مليون مرة قبل ما أصور حاجة، لو واقفة بصوَّر شجرة ممكن يتقبض عليّ عادي، الوضع ده بدأ من تنصيب السيسي في حزيران/ يونيو 2014. بقى في تجبّر وقدرة على اعتراضي واعتراض عملي"..
تقول إيمان عوف، الصحافية بجريدة "المال" والناشطة النقابية "الدولة تريد الإعلام بصوت واحد، هذا بالإضافة إلى قرارات حظر النشر في قضايا الفساد، الأوضاع المادية والمهنية في الجرائد متدنية". تضيف عوف "غالبية الصحافيين غير نقابيين ويتعرضون للخطر من الحبس أو القتل، وبعض الصحافيين مرتباتهم لا تجاوز 300 جنيه. واقتحام النقابة ومحاكمة النقيب وعضوي مجلسها  كان جزءاً من سياق عام لمنع أي صوت معارض، فالنظام واع لتنفيذ سياساته في الصحافة والإعلام وجعل رجاله مسيطرين. والصحافة لا يمكنها العمل بدون مناخ حرّ يتيح النشر، وبدون حقوق توفر حد أدنى من الحياة الكريمة".
أمّا شيماء حمدي، الصحافية في موقع "البديل" فترى الفترة الحالية هي الأصعب بسبب تشويه الصحافة ووصفها وكأنها سبب كل مشكلات البلد، بالإضافة إلى الانتهاكات الأمنية وهي الأكبر منذ 2013. تقول "أنا لا أزال أغطّي بالشارع وآخرها تغطية حادث حريق  منطقة الرويعي الشهر الماضي، ولكنني أصبحت أفكر أكثر من مرة قبل تقديم نفسي بأنني صحافية".
توقفت هبة الخولي، المصورة الصحافية بجريدة "الشروق" عن تغطية الاشتباكات في السنتين الأخيرتين، ففي ذكرى الثورة في 2014، رأت ضابط جيش يطلق الرصاص الحي من رشاش على المتظاهرين. تقول "أصبت بالشلل ولم أستطع التصوير". وفي تشرين الأوّل/ أكتوبر 2014 كانت تغطي مسيرة إخوانية في الدقي، وكان معها زميلها في الشروق محمد نوهان. بدأ إطلاق الغاز والكر والفر، وبدأت إشارات الخطر فانسحبت الخولي، ولكن زميلها أصيب بطلق ناري أثناء التصوير، فكان الأمر حاسماً.  تقول "أنا بفكر دلوقتي هل قتلي أو سجني عدة سنوات زي المصور الصحفي المحبوس شوكان يستحقّ؟ إجابتي إنه لا، لم يعد يستحق الآن، كان يستحق قبل 2013".
في السنوات التالية لثورة "يناير 2011"، زاد عدد الصحافيين والمصورين بشكل ملحوظ في مصر، ومن بينهم الفتيات اللاتي اخترن مهنة المتاعب، وقررن العمل في التغطيات الميدانية، سواء عبر الكتابة أو التصوير. ووفقاً لهن، الثورة فتحت مجالاً واسعاً وغيّرت بهنّ كما غيرت بالمجتمع بأكمله. ولكنهن لم يعد لديهن الحماس نفسه وتجاوز الشعور بالمخاطرة...

إيمان عوف

تخرجت إيمان عوف من كلية آداب عين شمس قسم علم نفس، وهي من مواليد 1980. ولدت في منطقة شبرا الخيمة وتربت وتقيم في بيئة عمالية، فوالدها كان عاملاً في شركة إسكو ثم النشا والجلوكوز، وأصبح نقابيّاً عماليّاً وكان ناشطا في الحراك العمّالي في مصر، واعتقل في إحدى الاحتجاجات بعام 1989 لمدة عام. تربّت عوف على انحيازات واضحة وصريحة: "طول الوقت كنت بعيش في منطقة عمالية، فأنا تربيت بينهم فشفت مشكلاتهم وأزماتهم، وكان عندي رغبة إني أتعلم عشان أعبر عنهم بشكل قوي، عشان كده اخترت الصحافة واخترت العمل على ملف العمال، وبعد الثورة اشتغلت على الأحزاب السياسية والحركات الشبابية".
بدأت عوف عملها في الصحافة منذ 2000، تدربت في عدة أماكن ولكنها لم تدخل النقابة سوى في 2011، كان مهماً بالنسبة لها أن يكون هناك غطاء نقابي للدفاع عن الأفراد، واعتادت المشاركة في الفعاليات النقابية والانتخابات النقابية، لأنها بالنسبة لعوف هي نقابة الرأي ويجب أن يكون لديها حد أدنى من الدفاع عن الحقوق والحريات، وإلّا يمثلها صحافيون موالون للنظام. وهي عضو مؤسس وفاعل في "جبهة الدفاع عن الصحافيين والحريات" المعنية بحرية الصحافة وتطوير المهنة وتحسين أوضاع الصحافيين. تحكي عوف عن مساهمتها في نموذج مهم للعلاقة بين إدارة التحرير والمحررين في  جريدتها "المال"، التي كانت تصدر قبل الثورة بترخيص أجنبي، ولكنها تحولت في لحظة إلى العمل الميداني حين قامت الثورة. كل الصحافيين تواجدوا في الميدان. تقول: "بعد إسقاط مبارك كتبنا ورقة لتحويل الجريدة إلى مصرية وحصلنا على التوقيع من كل العاملين، وتناقشنا مع رئيس التحرير، وقررنا تأسيس لجنة تفاوض بالانتخابات، وتم انتخابي ومعي 6 من زملائي أغلبهم صحافيات، وكتبنا صيغة التعاقد والجريدة طبقته، عملنا على التعيين ومتابعة دخول النقابة وكلّ ما يخص العاملين وعلاقتهم مع الإدارة. والآن لا يوجد صحافي بالجريدة غير نقابي، وحين أصابت الجريدة أزمة مالية أخبرتنا الإدارة بها إتباعا للشفافية بيننا، فحددنا حد أدنى وخصم تدريجي للمرتبات، وتحملنا الأزمة  مشاركة مع الإدارة، بينما في مؤسسات أخرى قاموا بفصل الصحافيين دون معايير".
اعتُقلت عوف أكثر من مرة بسبب نشاطها السياسي وأثناء تغطيها الاحتجاجات الميدانية، وهي تجد أنه من الصعب الفصل بين الاثنين: "أنا أغطي وأشارك، لأنني أتورط في الأمور، فحين أذهب إلى تغطية وقفة للإفراج عن علاء عبد الفتاح، وهو صديقي، ومظلوم، لا استطيع التغطية فقط، فأشارك في الوقفة. أقول لنفسي أنا صحافية ومش هشارك، ده كان قراري في مظاهرة الشورى في تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، ولما بدأت تحذيرات الداخلية وقفتُ وسط المتظاهرين وهتفتُ، ولما شفت زملائي وزميلاتي بيعتقلوا وبيتم الاعتداء عليهم ما قدرتش أقف على جنب، فاتقبض عليّ معاهم". بعد الثورة، كانت عوف تغطي أربع إلى خمس احتجاجات عمالية يومياً، وكانت تفضلها عن الاحتجاجات بميدان التحرير لأنها ترى العمال الأكثر تهميشا واحتياجا وفقراً، وبعد أن كانت هذه الاحتجاجات لا تتجاوز عشرة أشخاص، أصبحت والمئات، وأصبح وعيهم بحقوقهم أكبر.
تواجدت عوف بكثافة في أزمة النقابة الأخيرة مع السلطة، وكانت من المنظِمات للاعتصام والفاعليات وأعلى الأصوات المطالِبة بردود فعل حاسمة من النقابة في مواجهة الانتهاكات، تقول "أنا ما شاركتش عشان المبنى، فالنقابة رمز للمهنة، والمهنة مش نقابة الصحافيين، فهناك آلاف غير أعضاء وهم اللي دافعوا عن النقابة". قبل الأزمة الأخيرة بشهر تقريباً، شاركت عوف في حملة للضغط على النقابة للعدول عن  دعوتها السيسي في الاحتفال باليوبيل الماسي لها، الدعوة التي جاءت في الوقت الذي يعتقل فيه عشرات الصحفيين، ويفصلون تعسفياً، ويمنعون من الكتابة بسبب قرارات حظر النشر. وهي ترى أن أداء النقابة متوتر ومهزوز، وأنه  لو كان أكثر قوة وتماسكا واحتماء بآلاف الصحافيين الذين دعموا المهنة في جمعياتهم العمومية لما استطاعت السلطة محاكمة رموز النقابة، كما أن السماح لجيل الثورة من الصحافيين بدخول النقابة سيحميها ويحمي المهنة ويضمن حريتها واستقلالها.

هبة الخولي

تخرجت هبة الخولي، وهي من مواليد القاهرة وتبلغ ال27 عاماً، من كلية الفنون الجميلة في 2010، وعلى الرغم من دراستها للتصوير الزيتي، وقيامها بمعارض تشكيلية، وإدارتها لدور عرض فنية، إلا إنها قررت العمل في التصوير الصحافي في آذار/ مارس 2012. كانت الخولي كوالدها متابعة جيدة للشأن العام في مصر منذ 2005، وحين اندلعت الثورة في 2011  وجدت نفسها في قلب الثورة، تُصور كل ما تشارك به بكاميرا صغيرة كانت تمتلكها. واكتشفت بعد وقت تأثير الصورة على حياة الناس وقيمتها وقت الثورة، فطلبت من أسرتها كاميرا محترفة، وتعرفت على مصورين في الميدان وتعلمت منهم، وكان هدفها الوحيد توثيق أحداث الثورة.
في شباط/ فبراير 2012 قابلت الخولي المصورة رندا شعث، والتي تعتبرها معلمتها وأستاذتها، وكانت شعث قد درستها في ورشة تصوير صحافي قبل سنوات، وتذكرتها، ورأت في يدها كاميرا احترافية فطلبت منها زيارتها في جريدة "الشروق"، كان الاتفاق تدريب 3 شهور. ولكن الخولي تعمل هناك منذ أربع سنوات الآن، حتى بعد أن تركت شعث الجريدة.  تحكي الخولي أن المنطقة التي تسكن بها (وهي "15 مايو") وكذلك أسرتها مجتمع منغلق لم يمر بمثل ما مرت به، فهي بالنسبة لهم قد اختارت طريقاً يصعب عليهم استيعابه.
في بداية الأمر عانت الخولي هي الأخرى، خاصة حين اعتقلت للمرة الأولى بعد أشهر من بداية عملها كمصورة، أثناء تصويرها اللجان الانتخابية في انتخابات الرئاسة في 2012، وتمّ احتجازها لعدة ساعات، ثم اعتقلت مرة أخرى في اليوم التالي وجرى تهديدها بمصادرة الكاميرا: "بعدين بقيت أكثر جرأة وأكثر ثقة بالتعامل مع المواقف دي من قبل الأمن أو المواطنين. أنا شخصيتي اختلفت تماماً بعد عملي في التصوير الصحافي، طورت أسلحتي في التعامل مع الواقع، قبل كده كنت بعيش في فقاعتي، بقى عندي القدرة على التعامل مع كل الأشخاص وكل المواقف، وعارفة إزاي أحمي نفسي".
الموقف الأصعب الذي واجهته الخولي كان حين وجدت نفسها  في دائرة من دوائر التحرش في ميدان التحرير يوم تولي مرسي الرئاسة في حزيران/ يونيو 2012: "اعتدت قراءة شهادات التحرش في التحرير، وعرفت أن الصراخ بيزيد المتحرشين، فمصرختش وقتها ومسكت شنطة الكاميرا وكنت بزق بيها الناس، ووطيت ونزلت بين الأيادي. لما خرجت بصعوبة وبحاول آخد نفسي، لقيت شخص يقول لي "وسعي" فزعقت فيه، مشيت ووصلت المكتب ما قدرتش أقول أي حاجة لزمايلي الولاد، وسبت الكارت، وروحت البيت، وحكيت لرئيسة القسم شعث، وبعض زميلاتي تاني يوم".
وكانت هناك مواقف صعبة إنسانية أيضا، فهي تحمد الله أنها لم تكلف بتغطية فض اعتصام رابعة في آب/ اغسطس 2013، ولكنها اضطرت لتصوير آثار الفض في ميدان النهضة في اليوم التالي، حيث صورت مبنى كلية الهندسة المحترق المقابل للميدان، وخيم المعتصمين المحترقة، وأدوات الجراحة التي استخدمت في إسعاف المصابين، ودمائهم، ورأت "الخطافين" وهم يسرقون ما تبقى من الخيم، فكان الأمر مؤلما. كان تصوير المشارح والجنازات صعبا عليها أيضا. في الوقت الحالي اختارت الخولي تصوير جلسات المعتقلين بالمحاكم، وكان هذا مهما لها وبمجازفة اقل، فصورت صحافيي الجزيرة في قضية خلية الماريوت ومحاكمات معتقلين آخرين، وشعرت بأن صورتها مهمة ومؤثرة، خاصة مع انتهاء أي تظاهر بالشارع، وفي احدى المرات صورت صديقة لها وهي معتقلة في قفص المحكمة.
أسوأ ما فعلته الثورة في رأي الخولي "أنها خلت العام خاص والخاص عام، ومهنتنا بتزود ده، لأنني على المتابعة دايما، ولو أنا مش موجودة زملائي في خطر. الخطر المشترك والحياة الصعبة خلىّ مجتمع المصورين مجتمع قريب وشخصي بيساند بعضه، حتى بعد ما لجأ كتير منهم لمهن تانية غير التصوير الصحافي، زي الكتابة أو التصوير الفني، أو مهن بعيدة عن الصحافة". في نهاية الأمر، تعطي الخولي نفسها الفرصة للتصوير لعامين أو ثلاثة أخرى، ولكنها ستعود للفن التشكيلي. المهم بالنسبة لها أنها شاركت في توثيق كل حدث في السنوات الأخيرة. وإن لم يكن الحدث فتبعاته. تقول " أنا شاركت بصوري في كتابة هذا التاريخ الصعب والمهم، والصور دي بتثبت عدم تساهلنا وعدم سكوتنا عن الحق، وده موقف شخصي، ولو مكانش موجود مكنتش اشتغلت بالتصوير الصحافي".

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

للكاتب نفسه

خوف الطغاة من الأغنيات

ممنوع التغنّي بالحرية في مصر. هناك حقد من السلطات على مشجعي أندية كرة القدم (الالتراس) كما على الصحافيين والمحامين.. علاوة على السياسيين الذين يمارسون المعارضة أو النقد. ممنوع!