استعيدت الفلّوجة من أيدي "داعش". خطوة جبارة، ولكنها واحدة من ألف لاستعادة العراق إلى نفسه بعد كل ما لحق به من مآس خلال نصف قرن. تحرير الفلوجة تحقق في شهر واحد وبأقل الخسائر الممكنة بين المدنيين وفي العمران. ورافقه بالطبع شكاوى من انتهاكات لحقت بالنازحين: تصفيات لموقوفين وتمثيل بالجثث (نسوا توصية "إيّاكم والمِثلة ولو بالكلب العقور" و "أنا وليّ دمي".. تباعاً للرسول والإمام علي حين جُرح جرحاً قاتلاً)، واضطهادٌ للناس بتهمة "التعاطف" مع "داعش"، هذا عدا البشاعة الموضوعية لنزوح 80 ألف إنسان خلال أيام معدودة من بيوتهم وتحت القصف، ما تجاوز إمكانات استقبالهم وإسعافهم بشكل لائق، بحسب هيئة الأمم المتحدة التي تُعنى بهم.
اعتقال الناس خارج أي إطار قانوني جريمة كبيرة، وتصفيتهم ـ حتى لو طال ذلك عدداً محدوداً وأخفض من الشائعات ـ جريمة كبرى. والعراق، بوصفه حجر زاوية المنطقة وبوابتها، عليه أن يتعافى وينهض حتى ننهض من كبوتنا الخطيرة. هذا شرطه ذاك.
وهكذا، فما قيل عن دعوات لتغيير اسم محافظة بابل إلى "محافظة الحسن" تمهيداً لتغييرات في أسماء محافظات أخرى (!) حماقة وتخلّف بأحسن الأحوال، وارتكاب لا يقل خطورة بالعمق عما يقْدِم عليه "داعش". ولو صحّ الخبَر، فهم يتابعون ما قام به الاحتلال الأميركي من وضع معسكر "كامب ألفا" وسط آثار بابل وحشد دباباته وأحذية جنوده لتدميرها، وشركاته لسرقة الآلاف من قطعها.. وما قام به قبل ذلك صدام حسين إذ سوّى مساحات كبيرة منها في جنون عظمته بهدف إعادة بناء "برج بابل"، ثم نقش اسمه على ملايين الأحجار تمهيدا لذلك، وشيّد على أية حال في وسطها أحد قصوره.. بابل مهد الإنسانية وباب الإله (باب ـ إيل)، التي وحّد ملكها العظيم حمورابي تحت سلطانه مدن الفرات الكبرى، "أور" و "أرُك"، وأهدى البشرية شرائعه..
أمام الاستنكار الكبير، من الشيعة العراقيين قبل سواهم، تراجع المُدَّعون، واعتبروه خطأ في التأويل.. سوء فهم وخطأ من موظف صغير. حسناً.. بقي أن يتراجع القتلة عما يرتكبون في الفلّوجة ليمْكن تحرير الموصل وإنهاء الكابوس، وأن يكفّ منتحلو صفة النطق باسم السنّة في العراق (وفي المنطقة) عن هذيانهم الذي لا يقل إجراماً عن الذبح، وأن يتراجع الساسة بكل أطيافهم عن عبَثهم الفاسد والنهّاب تحت مسمى "العملية السياسية" المحاصِصة.. فيُعاد تأسيس العراق.