أنهار المغرب تنبع من قلبه

تنبع أنهار المغرب من قلبه لا من معدة الجيران. لا يواجه المغرب خطراّ مثل سد النهضة الإثيوبي على النيل، وسدود تركيا على دجلة والفرات، مما يضر بالعراق وسوريا. وهذا القلب هو جبال الأطلس التي تقسم لثلاث سلاسل يبلغ علو قممها أربعة آلاف متر، تكسوها الثلوج ويضمن ذوبانها على مدار السنة عدم جفاف الأنهار العشرة الرئيسية.
2016-06-17

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
نهر أم الربيع

تنبع أنهار المغرب من قلبه لا من معدة الجيران. لا يواجه المغرب خطراّ مثل سد النهضة الإثيوبي على النيل، وسدود تركيا على دجلة والفرات، مما يضر بالعراق وسوريا. وهذا القلب هو جبال الأطلس التي تقسم لثلاث سلاسل يبلغ علو قممها أربعة آلاف متر، تكسوها الثلوج ويضمن ذوبانها على مدار السنة عدم جفاف الأنهار العشرة الرئيسية. وهي جبال محاطة بمنخفضات تقصدها الأنهار التي تعبر السهول الشاطئية وصولا للبحر الأبيض المتوسط أو المحيط الأطلسي.
ومن هذه الأنهار "سبو" ويمتد 458 كلم ويبلغ متوسط صبيبه 167 متراً مكعباً في الثانية. ينبع من جبل الأطلس المتوسط ويعبر سهل سايس وهضبة زمور وسهل الغرب ويصب بالمحيط الأطلسي قرب مدينة القنيطرة شمال الرباط. وعلى النهر سدود كثيرة كسدي "علال الفاسي" و "الوحدة" وهو أكبر سد في المغرب، كلّف حوالي مليار دولار ويمكنه تخزين أربعة مليارات متر مكعب من الماء. وقد أعلنت وزيرة الماء في بداية 2016 عن مشروع بناء سدّين جديدين على النهر.
النهر الثاني حسب الأهمية هو "أم الربيع"، يمتد على 600 كلم ومتوسط صبيبه 137 متراّ مكعّباً في الثّانية. ينبع من الأطلس المتوسط، ويخترق سهول الشاوية ودكالة، وأقيم عليه أحد عشر سداً، ويصبّ في المحيط الأطلسي جنوب الدّار البيضاء.
النهر الثالث هو "ملوية" وطوله 600 كيلومتر ينبع من الأطلس المتوسط والكبير، يجري شمال شرق المغرب، وأقيمت عليه عدة سدود مثل سدّ "محمد الخامس" وسد "مشرع حمادي".. ويصب بالبحر الأبيض المتوسط.
النهر الرابع، "تانسيفت، يجري على مسافة 450 كلم وهو ينبع من شرق الأطلس الكبير ويعبر السهول المجاورة لمراكش ويصب بالمحيط شمال الصويرة.
النهر الخامس هو "أبو رقراق" وطوله 240 كلم وينبع من الأطلس المتوسط ويصب في المحيط الأطلسي قرب الرباط .
النهر السادس "واد سوس" ويمتد 190 كلم يمر عبر سهول أولاد تايمة ويصب في المحيط الأطلسي، وقد بنيت مدينة أغادير في مصبّه. وعلى النهر سدود كثيرة منها سدّا "يوسف ابن تاشفين".
سابعاً، نهر "درعة" ويمتد على طول 1200 كلم وهو يعبر مناطق جافة كثيرة ويسقي واحات كثيرة تصل مساحاتها إلى 26000 هكتار..
يستقبل المغرب 154 مليار متر مكعب من الأمطار سنوياً، خزنت منها السدود تسعة مليارات متر مكعب في آذار/مارس 2016. وهذه الكمّية جزء من ثمانية عشر مليار متر مكعب تقدر وزارة الماء بأنّها حجم المياه السطحية بالمغرب. والمياه المخزنة موزعة على أكثر من 140 سدّاً بين كبير وصغير ومتوسط. وهذه السدود موزّعة جيدا وليست متجمّعة في مكان واحد، ويمكِّن انتشارها من التزود بالماء من أقرب نقطة لكل مدينة.
كانت هذه المعلومات ثمرة جلسات طويلة مع مدرّسي جغرافيا في الثانوي. لنر الآن أثر هذا وكيف بدأ:
تقول التلفزة المغربية أنّ الحسن الثاني تبنّى سياسة السدود لتطوير المغرب الذي لم ينخرط في سياسة تصنيع لا يملك مؤهلاتها ولا سوقها. وكان خصوم الملك الراحل يزعمون أنه تخصص في زراعة الطماطم. والآن تنافس الطماطم المغربية بشدة في سوق الاتحاد الأوروبي.
رغم السدود فالأنهار تأخذ إلى البحر مليارات الأمتار المكعبة، ومع ذلك فالبحر لا يمتلئ. السد مفيد للسقي ولتوليد الكهرباء، يطعم ويضيء. تبنى السدود في مواقع جبلية وبذلك تخرج مناطق كثيرة من العزلة. السد مفيد في الأعوام الممطرة والأعوام الجافة. في الفيضانات يقلّل الخسائر (فهو يحمي البنى التحتية والسكان حتى لو تسبب انجراف التربة في أسفل السد بتقليل تخزينه للماء)، وفي الجفاف يسقي الزرع والضرع ومفيد حتى لغايات أخرى. فآخر سد دشنه الملك محمد السادس في 2014 اسمه "أبو العباس السبتي" وهو ولي صالح كان مقربا من البلاط الموحّدي بمراكش في العام 1200.
للتاريخ أرسلت فرنسا الرحالة شارل دوفوكو ليرسم خريطة مائيّة للمغرب سنة 1883. وقد كان يسجل ملاحظاته عن خصوبة التربة ويحصي العيون ويقف على الأنهار يقيس عرضها وعمقها. وأثمر ذلك كتاب "التعرّف على المغرب". وبفضل هذا البحث الاستعماري، احتلت فرنسا المغرب وهي تعرف أين ستستثمر. وقد بدأت سياسة السدود في منتصف القرن الماضي لزيادة المساحات المروية. كمثال، في 1949 انتقلت المساحات المروية من 2800 هكتار إلى 17800 هكتار في منطقة تادلة وسط المغرب. وهناك بني سد بين الوديان وهو السد الذي نشأت حوله السوسيولوجيا المغربية التي حللت تحول الرحل والفلاحين إلى بروليتاريا. قبل السد كانت قنوات الري الترابية تتسبب في تسرب المياه، مما حول الحقول إلى مستنقعات. وقد تم استبدالها بقنوات إسمنتية.
حسب وزير سابق للماء، فموارد المغرب المائية تتجدد سنويا بما قدره 29 مليار متر مكعب من الماء وأنّ 85 في المئة منها تخصص للسقي و12 في المئة للشرب. تصل تغطية مياه الشرب إلى 98 في المئة بالمدن وسبعين في المئة بالبوادي. من ضمن 8 ملايين و800 ألف هكتار صالحة للسقي، لا يسقي المغرب إلا مليون ونصف، وفي ثلث المساحة المروية يُستخدم نظام الري الموضعي بهدف اقتصاد الماء.
يسقي المغرب نسبة خمسة عشر بالمئة فقط من سهوله، لكن المساحة المروية تساهم بـ45 في المئة من الإنتاج وتساهم بثلاثة أرباع التصدير حسب أرقام وزارة الفلاحة. فكل السكّر المغربي ينتج في حقول مسقية، والفلاحة المروية توفر 120 مليون يوم عمل.. وقد ارتفع الناتج الداخلي الخام في القطاع الفِلاحي بمعدل 44 في المئة بين سنتي 2008 و2014.
أنثروبولوجـياً، كيف ينعكس الماء على المغاربة وأفكارهم؟
أوصى ابن خلدون ببناء المدن قرب الأنهار من أجل ماء حلو. في المغرب توجد المقابر في مواقع استراتيجية بجانب كل مصب. تقع مراكش على نهر وهي محاطة بسهول شاسعة. تقع مدينة الرباط على مصب نهر "أبي رقراق". تقع الدار البيضاء في مصب نهر "بوسكورة". تصب الأنهار في أفضل شواطئ المغرب. والسبب في ذلك أن المدن بنيت في المجرى المائي كما هو حال أغادير. بل إن أرقى أحياء الدار البيضاء، كالمعاريف وعين الدياب، بُنيت في المجرى الذي جف مرحلياً. كثير من المناطق توجد كلمة "فم" في اسمها، مثل "فم الواد".
تقول جدتي: الماء أخطر من النار. ويقول المختصون بأنّ ذاكرة النّهر قوية وهو يعرف مجراه. وفي فترات الوفرة المائية تقع فيضانات وتمر من الطريق نفسها التي ألفتها ولو مرت 100 سنة على آخر فيضان. يتبع التيار المنخفضات ليصل بسرعة. من يسير ضد التيار ينكسر. ذاكرة الجغرافيا قوية وذاكرة الإنسان ضعيفة، لذلك يبنى في مجرى النهر.. وعياً من السلطات في المغرب لهذا الخطر النائم حول الدار البيضاء، شُرع في بناء قناة تحت - أرْضية لصرف مياه الفيضان.
تؤثّر وفرة الماء على الغذاء. تباع أفضل الخضر الطازجة في ضواحي المدن. توجد علاقة بين الفلاحة والطّبخ، والنتيجة هي شهرة الطّبخ المغربي. لم يعد الافتخار بالطّبخ المغربي مخجلا لليساريين خاصة، وقد كانوا يعتبرون هذا الافتخار سلوكا فولكلوريا. هذا الماء هو الذي جعل المغاربة شعبا برياً يأكل من الحرث ولا يأكل من البحر الذي تمتد شواطئه على 3500 كلم. كلّما زاد الطلب على الأكل ستزيد المساحات المروية. تصوّروا لو سقى المغرب نصف سهوله، بربع الماء الذي تأخذه الأنهار للبحر!

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه