أنجزت المجموعة الدولية "Forbidden Stories" ("القصص الممنوعة") بالاشتراك مع عدة صحف عالمية تحقيقاً استقصائياً استمر العمل عليه لأشهر طويلة وتوصل الى كشف عمل شركة اسرائيلية امتهنت "خرق المراسلات والاتصالات وتطبيقات التواصل الاجتماعي المعتقد بأنها الأكثر أمناً"، و"تدبير الافخاخ والايقاع بالأشخاص المناسبين"، وانشاء ألوف الحسابات الوهمية على وسائط التواصل الاجتماعي، أو ما يسميه رئيسها الضابط السابق في القوات الخاصة الاسرائيلية، تال حنان، الذي يقدم نفسه على أنه "خورخي" أو "جويس غامبل"، ويعتبره "تمرساً في الحرب النفسية".
"خدمات" الشركة الاسرائيلية تلاعبت في انتخابات أكثر من 30 دولة، خصوصاً في أفريقيا، واشترك في هذا التخريب عملاء وشركات أخرى حول العالم. "لقد عملنا في أوروبا، وأفريقيا، وجنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية"، وفق ماشي ميدان، شريك خورخي الإسرائيلي في الشركة الذي أنكر فيما بعد ضلوعه بها، والذي وصفه "خورخي" بأنه "أدار بعضاً من أصعب الحملات - الإنجازات في التاريخ".
من هو "فريق خورخي"؟
تحقيق "Story Killers" هذا، جزء من تحقيق أوسع حول صناعة المعلومات المضللة، وقد انخرط فيه مئة صحافيّ من 20 مكتباً تحريريّاً، من ضمنها صحف "لو موند"، و"دير شبيغل"، و"هآرتز" و"ذا ماركر" الاسرائيليتين، وصحيفة "الغارديان" التي سرّب لها ثلاثة صحافيين (من "راديو فرنسا" والصحيفتين الاسرائيليتين) لقطات سرية ووثائق من اللقاءات التي عُقدت لمدة ست ساعات بين تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر 2022 مع "فريق خورخي"، بعد أن تظاهر الصحافيون بأنهم مستشارون يعملون في دول أفريقية غير مستقرّة سياسيّاً، تريد الحصول على مساعدة لتأخير الانتخابات. وأقيمت اللقاءات بين الطرفين عبر مكالمات فيديو واجتماعات مباشرة في مكتب الشركة الذي يقع في منطقة صناعية في مستوطنة "موديعين"، على بعد 20 ميلاً من تل أبيب.
"نحن الآن منخرطون في انتخابات في أفريقيا. لدينا فريق عمل في اليونان وفريق في الإمارات. تدخّلنا في 33 حملة على المستوى الرئاسي، 27 منها كانت ناجحة"، كما أضاف تال حنان أنه شارك في "مشروعين رئيسيين" في الولايات المتحدة، نافياً الانخراط مباشرة في السياسة الأميركية.
يفاخر حنان بفريقه المؤلف من "خريجي جهات حكومية"، يمتلكون خبرة في التمويل وإدارة وسائل التواصل الاجتماعي والحملات، ويعملون من ستة مكاتب حول العالم. وشارك في الاجتماعات أربعة أشخاص، من بينهم شقيقه زوهار حنان، وهو الرئيس التنفيذي للمجموعة.
و"قد لا يكون فريق "خورخي" موجوداً أيضاً" على ما كتبت صحيفة لوموند، في ملاحظتها أنّ "الشركة الوهمية ليس لها موقع إلكتروني أو لوحة مفاتيح أو نموذج اتصال. ولتقديم خدماتها، من الضروري إما مقاربة إحدى الشركات المموّهة التي تغطيها، أو الاتصال بشخص مقرب من "خورخي"، "المرتزق المراوغ الذي لا يقدم نفسه إلا باسم مستعار". وأضافت الصحيفة أن الخدمات ترواح بين حملات التشهير الانتقائي والمعلومات المضللة، بدءاً من اختراق البريد الإلكتروني إلى نشر الشائعات عبر المواقع الإخبارية المزيفة وجيوش الملفات الشخصية المزيفة على الشبكات الاجتماعية.
بين أفريقيا وأميركا: "معارك نفوذ" نووية وسياسية واقتصادية
وفق صحيفة "الغارديان"، كشف "خورخي" أنّ خدماته تستهدف وكالات المخابرات والحملات السياسية والشركات التي أرادت التلاعب بالرأي العام بشكل سري. و"خورخي" (أي تال حنان) مسجّل كرئيس لشركة Sol Energy العاملة في مجال الطاقة، واللافت خصوصاً أنه رئيس لشركة "ديمومان إنترناشونال"، وهي شركة أمنية إسرائيلية تأسست عام 1999 ومتخصصة في "مكافحة الارهاب" والاستخبارات الاقتصادية. ولم تردّ وزارة الدفاع الإسرائيلية على طلبات التعليق التي رفعها الصحافيّون. وأفادت صحيفة الغارديان بأن فضائح "فريق خورخي" قد سببت إحراجاً لإسرائيل التي تعرضت لضغوط دبلوماسية متزايدة في السنوات الأخيرة بسبب تصديرها للأسلحة الإلكترونية.
كما أطْلع حنان العملاء المفترضين على آخر عمليات الشركة: "نحن الآن منخرطون في انتخابات في أفريقيا. لدينا فريق عمل في اليونان وفريق في الإمارات. تدخّلنا في 33 حملة على المستوى الرئاسي، 27 منها كانت ناجحة"، كما أضاف أنه شارك في "مشروعين رئيسيين" في الولايات المتحدة، نافياً الانخراط مباشرة في السياسة الأميركية.
وكشف التقرير ضلوع الشركة الاسرائيلية في عمليات تضليل وتأثير بالغة الخطورة، من الترويج للطاقة النووية في كاليفورنيا إلى دعم الرئيس السنغالي، ماكي سال، لإعادة انتخابه في عام 2019، وتشويه صورة كزافييه جوستو، المواطن السويسري الذي شارك في فضح فضيحة 1MDB الماليزية، وكذلك شن الهجمات ضد شركة يخوت كبرى. وخلال لقائهم بالصحافيين الاستقصائيين، أوضح فريق "خورخي" أنهم كانوا قادرين على البحث بشتى الوسائل عن معلومات خاصة بالمعارضين السياسيين لممارسة أشكال مختلفة من الابتزاز.
أوضح فريق "خورخي" أنهم قادرون على البحث بشتى الوسائل عن معلومات خاصة بالمعارضين السياسيين لممارسة أشكال مختلفة من الابتزاز.
ولتنفيذ "معارك النفوذ" هذه، يطلب "فريق خورخي" من عملائه تحديد هدف سياسي أو اقتصادي دقيق، ونقل أكبر قدر ممكن من البيانات القابلة للاستخدام لمهاجمة الأشخاص المعنيين. وأثناء الموعد، تُفاوض الشركة على التكلفة، التي تتراوح بين بضع مئات الآلاف من الدولارات لعملية صغيرة إلى 15 مليون دولار لمحاولة التأثير على انتخابات رئاسية. وفي هذا المجال، كشفت "الغارديان" أنه خلال اللقاءات، قال خورخي أنّه اخترق عبر "تليغرام" حسابين يعودان إلى كينيين مشاركين في الانتخابات العامة، وقريبين من المرشح آنذاك ويليام روتو، الذي انتهى به الأمر بالفوز بالرئاسة.
أرباح بملايين الدولارات
وفي السياق نفسه، أظهرت رسائل البريد الإلكتروني المسربة أن حنان طلب عام 2015 مبلغ 160 ألف دولار من شركة الاستشارات البريطانية "كامبريدج أناليتيكا" - والتي انتهت صلاحيتها الآن - للمشاركة في حملة استمرت ثمانية أسابيع في إحدى دول أميركا اللاتينية. وعام 2017، تقدم حنان مرة أخرى للعمل مع الشركة البريطانية، هذه المرة في كينيا، لكنها رفضت، حيث إنه طلب بين 400 ألف و600 ألف دولار شهرياً، وهذا مبلغ يتخطى بكثير ما يدفعه عملاؤها. كما كشفت وثائق مسربة أخرى أن "فريق خورخي" عمل جنباً إلى جنب مع الشركة البريطانية للتلاعب في السباق الرئاسي النيجيري عام 2015.
ولفت التحقيق إلى صعوبة التحقق من جميع أقوال الفريق الإسرائيلي في تلك الاجتماعات السرية، وربما كان حنان يتعمد المبالغة لتأمين صفقة مربحة. وتتلقى الشركة الدفع بأساليب متنوعة، بما في ذلك العملات المشفرة مثل البيتكوين أو النقد أو التبرعات لجمعيات وشركات وهمية. وقال "خورخي" إنه سيتقاضى ما بين 6 و15 مليون يورو للتدخل في الانتخابات. وأكّد الفريق الإسرائيلي بأنه قادر على الإخفاء التام لكيفية تمويل خدماته.
"أنا أيضاً" يا ميتافيرس
30-09-2022
وكشف التحقيق أن الشركة الاسرائيلية كانت تدير حملات إلكترونية مزيفة تنطوي في الغالب على نزاعات تجارية، في حوالي 20 دولة بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وألمانيا وسويسرا والمكسيك والسنغال والهند والإمارات.
ولا تمتهن الشركة التلاعب والتخريب في المجال الافتراضي فحسب، بل تقوم بأفعال واقعية، حيث قال "فريق خورخي" أنه أرسل لعبة جنسية عبر "أمازون" إلى منزل أحد السياسيين، بهدف إعطاء زوجته انطباعاً خاطئاً بأنه كان يخونها.
روبوتات "أيمز"... و"سوف أريكم إلى أيّ حد تليغرام آمن"!
تثير الأساليب والتقنيات التي وصفها فريق "خورخي" تحديات كبيرة لتطبيقات التواصل، التي حرصت على سرية معلوماتها ومنع المجموعات المؤذية من نشر الأكاذيب أو خرق الأمن على منصاتها، وأهمها شركة "تليغرام" المعروفة ببياناتها السرية المشفرة. يقول حنان للصحافيين متهكّماً "سوف أريكم إلى أيّ حد تليغرام آمن"، ثم أثبت أنه خرق حساب وزير خارجية كيني على "تليغرام"، مرسلاً رسالة باسمه ثم حذفَها. وكشفت "لوموند" أن الشركة أثبتت خرقها حساب gmail لرجل أعمال إندونيسي ووزير من الموزمبيق.
كشف التحقيق أن الشركة الاسرائيلية أدارت حملات إلكترونية مزيفة تنطوي في الغالب على نزاعات تجارية، في حوالي 20 دولة بما في ذلك المملكة المتحدة والولايات المتحدة وكندا وألمانيا وسويسرا والمكسيك والسنغال والهند والإمارات.
عرف الصحافيون أنّ في عداد الشركة "جيشاً متعدد الجنسيات يضم أكثر من 30 ألف شخصية رمزية، بسجلّات رقمية تعود إلى سنوات". كما عمد الفريق الاسرائيلي إلى قرصنة المعلومات من خلال استغلال نقاط الضعف في نظام اتصالات الاشارات العالمي SS7، والذي يشكو منه الخبراء منذ عقود لاعتباره نقطة ضعف في شبكة الاتصالات العالمية.
ويعتمد "فريق خورخي" حزمة برامج متطورة أهمّها ما يعرف بالـ "أيمز" (Aims) لإدارة الروبوتات، ووسائط الصور الرمزية (Avatars)، متحكماً بجيش ضخم من عشرات آلاف الملفات الشخصية المزيفة على مواقع التواصل الاجتماعي: تويتر، لينكدإن، فيسبوك، تليغرام، gmail، إنستغرام، ويوتيوب، وحتى ملفات التعريف على شبكات Discord وReddit، حتى أنّ بعض الملفات تمتلك حسابات "أمازون" مع بطاقات ائتمان ومحافظ بيتكوين وحسابات Airbnb. وكلّ مستخدم لهذه الحسابات المزيفة لا يشوبه ريب، إذ تُعرَض معلوماته الكاملة بما فيها الاسم مع الشهرة والجنس وتاريخ الميلاد وعنوانه الدقيق، والهدف هو إضفاء مظاهر من الحقيقة والصدقية لهذه الشخصيات المخترعة، أما الصور الشخصية، فعادة ما تكون مسروقة من مستخدمي الانترنت الفعليين الآخرين.
جيش إلكتروني متعدد الجنسيات
تمكن الفريق الاستقصائي من تحديد أكثر من 1700 حساب فبركه "فريق خورخي" على "تويتر" وما يقرب من 250 حساباً مشابهاً على "فايسبوك". وخلال العروض التقديمية للعملاء، يقول "فريق خورخي" أنه يدير أكثر من 39000 صورة رمزية. وتفاعلات هذه الحسابات لا تولِّد أي نشاط حقيقي، مثلها كمثل الفقاعات، حيث تتحدث "الروبوتات" مع بعضها البعض في فراغ.
وعلى هذا النهج تتعدّد وسائط التضليل التي تتبعها الشركة الاسرائيلية، إذ كشف حنان في رسالة إلكترونية أن برنامجاً للمعلومات المضللة يمكّن شركة للمعلومات من إنشاء ما يصل إلى 5000 روبوت لتوصيل "رسائل جماعية" و"دعاية" بأيّ لغة، وقد بثّتها الشركة في 17 انتخابا. وبحلول عام 2022، يظهر أن برنامج إدارة الروبوتات الخاص بالشركة الإسرائيلية نما بشكل كبير، فقد عرف الصحافيون أنّ في عداد الشركة "جيشاً متعدد الجنسيات يضم أكثر من 30 ألف شخصية رمزية، بسجلّات رقمية تعود إلى سنوات".
كما عمد الفريق الاسرائيلي إلى قرصنة المعلومات من خلال استغلال نقاط الضعف في نظام اتصالات الاشارات العالمي SS7، والذي يشكو منه الخبراء منذ عقود لاعتباره نقطة ضعف في شبكة الاتصالات العالمية.
إسرائيل منبت لـ"فريق خورخي"... وغيره
في نتائجها المباشرة، طاولت الفضيحة مقدم البرامج الشهير في شبكة "BFMTV" الفرنسية، المغربي رشيد مباركي، الذي طُرد من القناة لأنه متهم بالخضوع لتأثير هذه المجموعة الاسرائيلية. وكانت هذه القناة – والتي تعتبر في صدارة قنوات الأخبار الفرنسية - قد فتحت تحقيقاً داخلياً بسبب الشبهات التي حامت حول مباركي، لأنه "كان ينشر معلومات منحازة". ومباركي اعترف، رداً على سؤال لموقع "بوليتيكو" بأنه "استخدم معلومات جاءته من مخبرين" من دون أن يتبع "المسار المعتاد للتحرير". وتتعلق المعلومات، حسب "فرانس برنس" بالأثرياء الروس القريبين من السلطة في بلادهم، وبقطر والسودان والكاميرون والصحراء الغربية، لحساب عميل مجهول مرتبط بمصالح في البحرين.
نشاط خرق الأمن السيبراني والتلاعب بالحقائق والمعلومات مجالات خداع رقميّة تتوسع فيها إسرائيل. والمكشوف حتى الآن، سواء عن "فريق خورخي" أو سابقاً عن "مجموعة أرخميدس"، يوحي بظهور الجزء المرئي فقط من جبل الجليد.
أما موقع "فايسبوك"، الذي تلقى من الفريق الاستقصائي قائمة تضم 250 حساباً يتحكم فيها برنامج "أيمز"، وأوضح أنها تابعة للشركة الاسرائيلية، وأكّد "فايسبوك" أنه فكك في عام 2019، عملية مماثلة مرتبطة بشركة إسرائيلية اخرى تدعى "مجموعة أرخميدس"، وأنّ بعض الأشخاص المنتمين إلى هذه المجموعة يحاولون العودة إلى "فايسبوك" بعد حظرهم.
داخل العالم المظلم لتجارة السلاح الإسرائيلي
17-01-2020
السلاح زينة الرجال!
16-12-2021
وتأسيساً على ملاحظة "فايسبوك"، فإنّ نشاط خرق الأمن السيبراني والتلاعب بالحقائق والمعلومات مجالات خداع رقميّة تتوسع فيها إسرائيل. والمكشوف حتى الآن سواء عن "فريق خورخي" أو سابقاً "مجموعة أرخميدس"، يوحي بظهور الجزء المرئي فقط من جبل الجديد. إلا أن ثمة حقيقة لا لبس فيها، ومعهودة، في وقاحة الانتهاكات، وفي الوقت نفسه التبروء من الشرور والأذية، إذ يقول تال حنان: "أنكر ارتكاب أي مخالفات"، رداً على مواجهته من فريق Forbidden Stories. واشترك معه أخوه زوهار في الانكار، مجيباً بأنه عمل دائماً في إطار القانون!
• ملخص من إعداد "السفير العربي" لتقارير اطلع عليها صحافيونا عن التحقيق الاستقصائي Story Killers" منشورة بتاريخ 15-02-2023 في جريدة لوموند الفرنسية وجريدة الغارديان البريطانية...