كُبراهنّ بالطبع هي الصدمة بالحدَث العظيم نفسه، بسقوط البنايات وكأنها من ورق، بانشقاق الأرض تدفن عشرات ألوف البشر أحياء الى أن يموتوا بالسحق أو من البرد. مأساة لا يقوى على مشاهدة صورها إلا البلداء بلادة أصيلة. بالحزن العميق على كل هؤلاء، نساء ورجالاً واطفالاً، وعلى خسارات من "نجا" وهو لم ينجُ إلا كجسد... على الدمار المريع الذي أصاب ما يملكه الناس بينما لا يرضى واحدنا أن يفقد حتى قطعة نقود صغيرة تقع من جيبه، ويعتبر كل ما بحوزته من الأشياء ثميناً غالياً على قلبه.
أيّامُ العجزِ الثقيلة
09-02-2023
صدع في الأناضول: عن زلزال تركيا وسوريا
09-02-2023
وفيما يثرثر بشار الاسد مبتسماً عن تضامن سوريا التاريخي مع الجزائر، في شكر فريق الإنقاذ الجزائري الذي "صادفه" في حلب – وقد وصلها بعد ستة أيام على الكارثة، بعدما "ضمنتْ" مخابراته المحيط وهندست كل اللقاءات – تسأل نفسك عما إذا كان الرجل يتعمد البلاهة، أم هو يتشفَّى - وهذا سيكون أفضل لأنه على الأقل موقف، لا إنساني صحيح، كما وصف هو نفسه الغرب، وإنما موقف محسوب. لماذا لا يُمثّل؟ لماذا لا يرتدي قناع التفجع او الأسى على الأقل؟ ولمن يظن أن في ذلك مجرد انحياز مذهبي، نستدعي مدينة جبلة الصغيرة والمختلطة مذهبياً، على الرغم من أن معظم ضحاياها من العلويين (مع الاعتذار عن هذه الفجاجة في التعبير)، وهو لم يجد ما يوجب عليه زيارتها، أو زيارة اللاذقية التي تعرضت هي الأخرى لأذى الزلزال مع انهيار بناية هائلة سُمح لمتعهدها ببنائها في العام الماضي على أرضٍ زراعية بالغة الرطوبة في "المشروع العاشر". هو مجرم صحيح، قال في معرض جوابه على تشريد نصف الشعب السوري، أن من بقي هو "سوريا النافعة"، في محاكاة مخجلة تماماً لقولٍ سبقه إليه الجنرال الفرنسي ليوتي، المستعمِر الذي غزا المغرب، هذا إذا لم نذكر الأرقام المهولة لضحايا القصف التدميري الذي قام به هو وحلفاؤه لمدن سوريا وقراها، ومئات ألوف المعتقلين الذين تعرض قسم كبير منهم إلى تعذيب يفوق الخيال، وصولاً إلى الموت. لكن ذلك كان في إطار الصراع السياسي، وأما الزلزال فشأن آخر.
الصدمة الكبيرة الثالثة تخص بعض الضحايا، وبالأخص احتفاء بعض الناس بهؤلاء: يتكرر أنها لم ترضَ أن تخرج من تحت الانقاض بلا منديل "يستر" شعرها، لم ترضَ أن يمسها رجال الإنقاذ وأشارت إليهم بأنها بخير، طلب الرجل المسن ماء للوضوء وهو ما زال بين الأنقاض... وهكذا. ماذا أيها القوم المحتفِلون بهذه الظواهر، هل تدفعون الناس إلى الكفر؟ هل تظنون أنها تقوى تثير الاعجاب؟ لعله سيكون صادماً القول: إنما هو استدعاء لعري في غير محله، للخيال البورنوغرافي، الشائع كثيراً في العالم وفي بقاعنا كذلك، وربما بشدة أكبر (بحيث أن النصوص التي تحكي عن الجنس مثلا تحصد قراءات بأرقام مذهلة)!
الصدمة الرابعة تخص هؤلاء الذين يُحمّلون الله تبعات الزلزال. عقوبة أو تذكيراً بالآخرة، متعاملين معه وكأنه عز وجل، بشرٌ مثلهم، بجنوحاتهم وقسوتهم وانتقاماتهم، متّبعين مفهوماً بدائياً للإيمان، على مقاس عقولهم، وكأن المسألة أذان وقداديس وطقوس لعلها أُهملت، وليست أن غاية الدين المعاملة أي الارتقاء بالإنسان وبعلاقته بأخيه، سلوكاً وأحاسيس، ذاك الذي سجدت له الملائكة إلا إبليس.
وأما ما لا يمكن تجنب الكلام عنه، ولو هو يمثل صدمة صغيرة ولكنها كبيرة الدلالة ومتسعة المجال في تجسيد الذاتية المريضة – الداء بالغ الشيوع هو الآخر - فتخص هؤلاء الناس الذي حكوا لنا في العلن، على وسائط التواصل الاجتماعي – وليس فقط للأقارب والجيران - كيف اهتز سريرهم، وما كان شعورهم ساعتها، وماذا فعلوا.. بتفصيل ممل لا يقل بلادة عن البصّاصين على صور الأشلاء. والأنكى منهم هؤلاء الآخرون الذين يعبّرون عن خوفهم بينما هم في أماكن بعيدة وآمنة ودافئة: وماذا لو حدثت هزات أخرى؟ أي نعم، يمكن أن تحدث هي وسواها من كوارث جماعية، فماذا؟
ويبقى التآمريون الذين يرون في ذلك الزلزال المريع تدبيراً بشرياً غامضاً، وهؤلاء فالج لا تعالج!