جدل امتحان المحاماة في المغرب: اتهامات بتكريس الطبقية والمحاباة

أوائل كانون الثاني/ يناير من هذا العام الجديد 2023، أفرج عن نتائج اختبارات المحامين، ونشرت لوائح الناجحين، وهي تضم أسماء نجل وزير العدل وأقارب له، وأبناء لمحامين ومسؤولين في وزارة العدل، إضافة إلى برلمانيين سابقين وحاليين. كما أن عدداً من الناجحين يحملون ألقاباً عائلية متشابهة تنتمي إلى عائلات نافذة لمسؤولين سياسيين وقضاة ومحامين. فكان هاشتاج #مباراة المحاباة وليس المحاماة!
2023-02-02

سعيد ولفقير

كاتب وصحافي من المغرب


شارك
محمد الشرقاوي - البحرين

"خاص إكون باك برلماني. باك محزب. باك ولد المهنة... باش نوصلو احنا لهاد المهنة"

(يجب أن يكون أبوك برلمانياً، أو منتمياً لحزب نافذ، أو ابن المهنة لكي نصل نحن إلى هذه المهنة).
بصوت مبحوح بالاحتجاج تحدثت مريم عما وصفته بـ "مهزلة" امتحان الأهلية الخاص بمزاولة مهنة المحاماة، مشكِّكة كسواها من الراسبين والمحتجين على نتائج الاختبارات التي تنم بحسبهم عن "محاباة" لفئة معينة دون غيرها.

أبناء محامين ومسؤولين ونافذين

تعود خلفيات هذه القضية إلى أوائل كانون الثاني/ يناير من هذا العام الجديد 2023، حين أفرج عن نتائج اختبارات المحامين، وكُشف عن لوائح الناجحين، وهي تضم أسماء نجل وزير العدل عبد اللطيف وهبي وأقارب له، وأبناء لمحامين ومسؤولين في وزارة العدل، إضافة إلى برلمانيين سابقين وحاليين. كما أن عدداً من الناجحين يحملون ألقاباً عائلية متشابهة تنتمي إلى عائلات نافذة لمسؤولين سياسيين وقضاة ومحامين، إضافة إلى حضور اسم مسؤول في وزارة العدل ضمن لائحة الناجحين، على الرغم من أن القانون يمنعه من اجتياز الامتحان لوجوده في حالة تنافٍ، وصدور قرار على مستوى الوزارة نفسها ينص على عضوية مديري الإدارة المركزية ضمن لجنة الإشراف على الاختبار.

تظل المحاماة مهنة حرة، إذ لا يُعتبر التوظيف فيها من اختصاصات الدولة، لكن من حيث المبدأ، تسهر هذه الأخيرة على الجانب التنظيمي فقط، إذ أن وزارة العدل تقوم بتنظيم اختبارات منح الرخص لممارسة المهنة، بالتعاون مع القضاة والمحامين، وتعيّن اللجنة المشرفة على تلك الاختبارات، كما تحدد في كل مرة تجري فيها تلك الاختبارات عدد الرخص التي ستُمنح للمحامين الجدد، والتي أثير بشأنها الجدل هذه المرة.

خطاب طبقي يُغْضبُ الراسبين

لم تطفُ القضية على السطح إلا بعد أن قام وزير العدل بحركة إعلامية أثارت حنق قطاع واسع من المغاربة، إذ تحدث بشكل وُصفَ بالمستفِز عن ابنه الذي نجح في الامتحان، الحاصل على إجازتين (2 بكالوريوس)، والدارس في كندا، وأن والده "المرفه" (أي الوزير) قد وفر له الظروف المالية، علاوة على حديثه بشكل تحقيري عن أساليب تدريس القانون في المغرب، وطعنه وتشكيكه في معايير الولوج إلى كليات الحقوق.

وَلّدت تصريحات وزير العدل احتجاج وغضب فئات واسعة من الأسر الفقيرة والمتوسطة، إذ ربَط أهلية مزاولة المحاماة بالدراسة في الخارج، والتي لا تتوفر في الغالب إلا للمرفهين.

خطاب الوزير الطبقي تسبب في تنامي الاحتجاج على السوشال ميديا، إذ قام رافضو هذه النتائج بتوسيع حملتهم على هذه الوسائط عبر هاشتاج #مباراة المحاباة وليس المحاماة، مشككين في نتائج الامتحانات، ومستنكرين ما أسموه بمحاولات "توريث" مهنة المحاماة لأبناء العائلات المتنفذة في البلاد، في وقت يتم فيه إقصاء أبناء الطبقات الفقيرة، حتى وإن كانوا من المتميزين.

في هذا السياق، طالب المرشحون الراسبون في امتحان أهلية المحاماة بفتح تحقيق في نتائج الامتحانات، وإلغائها وإعادة تصحيح الأوراق في حال ثبوت التهم، علاوة على المساءلة القضائية لوزير العدل.

لم تطفُ القضية على السطح إلا بعد أن قام وزير العدل بحركة إعلامية أثارت حنق قطاع واسع من المغاربة، إذ تحدث بشكل وُصفَ بالمستفِز عن ابنه الذي نجح في الامتحان، الحاصل على إجازتين (2 بكالوريوس)، والدارس في كندا، وأن والده "المرفه" (أي الوزير) قد وفر له الظروف المالية، علاوة على حديثه بشكل تحقيري عن أساليب تدريس القانون في المغرب، وطعنه وتشكيكه في معايير الولوج إلى كليات الحقوق.

منظمات حقوقية ومدنية ذهبت في خط معارضي النتائج نفسه، إذ دعا كل من "المركز المغربي لحقوق الإنسان" و"العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان" إلى فتح تحقيق حول الخروقات التي عرفها الامتحان. كما أن مسألة إعادة إجرائه باتت "ضرورية"، بعد "ورود معلومات تفيد بتسريب أسئلة الاختبار".

"لستُ إزاء جريمة!"

"لستُ إزاء جريمة لكي أفتح تحقيقاً"، يرد وزير العدل على المحتجين، مؤكداً أن تصحيح أوراق الاختبارات تمّ بشكل آلي وليس من طرف أشخاص. وأضاف أن "هناك اسماً عائلياً يحمله 25 شخصاً، تقدموا لإجراء المباراة (الامتحان)، وفقط 4 منهم نجحوا"، مؤكداً أن "هناك أسماء متشابهة وتتكرر دون صلة بينها وليس من حقي التدخل". وأشار الوزير إلى أن "المرشحين الذين أجروا تدريبات في مكاتب المحاماة أو في المحاكم كانت نتائجهم جيدة، سواء كانوا أبناء محامين أم لا، لكن لا أحد حصل على المعدل المطلوب ولم ينجح".

وبرر وزير العدل تصريحاته بأنها جاءت -هي الأخرى - "في حالة استفزاز"، بعد أن تعرض كلامه للاجتزاء من طرف بعض المواقع، وقال: "جرى التلاعب بما قلته.. وإن كان كلامي فُهم خطأ فأنا أعتذر".

وعلى خط الوزير نفسه، أكد المدافعون عن نتائج الاختبارات أن ما قاله المشككون بهذه النتائج لا دليل عليه سوى أن هناك عدداً من الناجحين ينتمون لعائلات محامين ومسؤولين نافذين. كما أنه - بحسبهم – لا وجود لأي مانع من تنافس أبناء هذه الفئة مع بقية المترشحين، ولا يدل بأي حال من الأحوال بأنهم غير أكفاء، بل قد يدل على أنهم اجتازوا الامتحانات عن استحقاق.

من ناحية أخرى، رفض الناجحون في هذه الاختبارات المثيرة للجدل، ما سموه بـ " الاتهامات الخطيرة" الموجهة لهم، واعتبروا أن "قَرَابة مرشح بمسؤول أو قاضٍ أو محامٍ ليست من موانع اجتياز الامتحان ولا نافية للكفاءة العلمية، ولا ماسة بالأخلاق الحميدة، ولا خارقة للنظام العام".

أما "هيئات المحامين بالمغرب" التي تصفها أصوات معارِضة بأنها مقربة من وزير العدل، فأكدت في بيانها على "نزاهة" اختبارات مزاولة مهنة المحاماة، كما رفضت ما وصفته بـ "استغلال" نتائج الاختبارات لـ "استهداف المهنة وَكَيْلُ الاتهامات للمؤسسات المهنية والطعن في مصداقيتها".

مجرد قضية عابرة؟

يظل الإشكال المطروح في هذه القضية هو حضور واستمرار توريث هذه المهنة من قبل أقلية من النافدين والعائلات المرتبطة بشبكة علاقات قوية مع السلطة السياسية، وهذا بحد ذاته تجسيد لإعادة إنتاج طبقي يحرم فئات واسعة من محدودي ومتوسطي الدخل من ممارسة المحاماة، التي من المفروض أن تكون خطاً أمامياً في مواجهة الفساد والظلم والدفاع عن قيم العدالة والمساواة.

وحتى لا تتكرر هذه القضية من جديد، توصي أصوات حريصة على نزاهة اختبارات المحاماة وممارستها بأن تلزم الحكومة (ممثلة في وزارة العدل) هيئات المحامين بتخفيض أو إلغاء مصاريف الانخراط في لائحة التمرين (تصل إلى 10 آلاف دولار في بعض المناطق)، كما أنها ملزمة بالتقيد بما هو تنظيمي كاختيار لجان متخصصة تمتاز بالكفاءة العلمية والتقنية، وتحديد عدد الأهليات المفترض منحها، مع ضمانها لطابع الشفافية للامتحان.

رفض الناجحون في هذه الاختبارات المثيرة للجدل، ما سموه بـ " الاتهامات الخطيرة" الموجهة لهم، واعتبروا أن "قَرَابة مرشح بمسؤول أو قاضٍ أو محامٍ ليست من موانع اجتياز الامتحان ولا نافية للكفاءة العلمية، ولا ماسة بالأخلاق الحميدة، ولا خارقة للنظام العام".

الإشكال المطروح في هذه القضية هو حضور واستمرار توريث هذه المهنة من قبل أقلية من النافدين والعائلات المرتبطة بشبكة علاقات قوية مع السلطة السياسية، وهذا بحد ذاته تجسيد لإعادة إنتاج طبقي يحرم فئات واسعة من محدودي ومتوسطي الدخل من ممارسة المحاماة 

في نهاية المطاف، لا يبدو أن أي حل جذري لهذه القضية يلوح في الأفق القريب، إذ لم يقدم وزير العدل تنازلاً يخص هذا الملف، ولم يفتح تحقيقاً جاداً فيما جرى. فهل ستتحول إلى مجرد موجة/ترند فيسبوكية عابرة تطفو انفعالاتها ثم تنطفئ شرارتها كسواها من القضايا؟ 

مقالات من المغرب

الناجح: لا أحد

نحتار ونحن نَطّلع على مؤشرات التعليم في المغرب خلال العقدين الأخيرين، بين مستوى المدارس والتعليم حسبَ ما نعاينه فعلياً من جهة، وما تقوله من جهة ثانية الإحصاءات الدّولية حول التعليم،...

للكاتب نفسه