سجينات الرأي في مصر.. أبواب الخروج والعودة

الغالبية العظمى هنّ سجينات على خلفية قضايا سياسية دون أي شبهة تورط في عنفٍ، وأن الظروف القاسية المحيطة بهنّ لا تتعلق فقط بما يعانين منه داخل أماكن الاحتجاز، ولكن بحجم ما خلفنه وراءهنّ من غياب موجع ومدى قدرتهنّ الصحية والنفسية على استكمال الحياة بعد انتهاء تلك التجربة.
2023-01-26

منى سليم

كاتبة وصحافية من مصر


شارك
هافي كهرمان - كردستان العراق

على مدار الأشهر الستة الأخيرة من العام 2022، شهدت مصر حراكاً في ملف إطلاق سراح السجناء السياسيين، وذلك في سياق دعوة رئيس الجمهورية لأحزاب المعارضة من داخل مصر للمشاركة في "حوار وطني" تتفاوت التقديرات حول مدى جديته وجدواه.

ووفق التقديرات المتباينة ومصادر رسمية محدودة، تأتي على رأسها المنصات الإلكترونية لأعضاء لجنة العفو الرئاسي، لم يتخطَ عدد من خرجوا مؤخراً من المعتقلات 1000 معتقل، بينما لم يتجاوز عدد النساء من بينهم أصابعَ اليدين. وفي حين لا تتوفر أرقام مؤكدة حول عدد السجينات السياسيات، إلا أن التقديرات تشير إلى مئات أو حتى ربما آلاف السجينات.

 فلماذا لا يخرجن؟ وما هي حقيقة عددهنّ، والسنوات التي قضينها؟ وكيف يمكن قراءة الأسماء المؤثرة من بينهنّ؟ ولماذا لا تشهد مصر تحركات سياسية او اجتماعية تنصّب على تلك القضية من منطلقات نسوية بشكلٍ خاص؟

سجلات مفتوحة

يوجد في مصر 8 سجون مخصصة للنساء لمختلف الجرائم وأكبرها سجون القناطر الخيرية وبرج العرب ودمنهور. وفق إحصاءات رسمية يصل عدد الغارمات وحدهنّ بتلك السجون، وهنّ السيدات اللاتي يقضين عقوبة بسبب عدم سدادهنّ أموال مشتريات منزلية. نحو 30 ألف سيدة يمثلن ما يقارب 25 في المئة من أعداد السجناء، وهو ما يتوافق مع ما قاله مسؤولون رسميون في العام 2020 من أن عدد السجناء في مصر يُقدر بـ 120 ألف سجين، لتحتل بذلك المركز 172 على مستوى العالم في عدد السجناء. جاء ذلك أثناء افتتاح مجمع سجون وادي النطرون، على مساحة مليوني متر مربع بهدف إغلاق 12 سجناً عمومياً على مستوى مصر ونقل المساجين إليه.

ما سبق يعطي انطباعاً حول الأعداد داخل تلك السجون بشكلٍ عام، أما أعداد من تم الزجّ بهم لأسباب سياسية فلا يمكن اعتماد إحصاءٍ محدد، ولكن جميع التقديرات تشير إلى عشرات الآلاف دون تحديد لنسبة النساء بينهم. هناك بعض الأخبار المتناثرة التي تعطي هي أيضاً مؤشرات لا دلالات: فمع بدء أعمال تطوير وتوسيع عدد من مناطق السجون بداية 2022، راجت أخبار حول نقل 500 سجينة سياسية من سجن القناطر - السجن النسائي الأكبر - وعدد آخر من سجن برج العرب بالإسكندرية إلى مجمع سجون وادي النطرون.

لم يتخطَ عدد من خرجوا مؤخراً من المعتقلات 1000 معتقل، بينما لم يتجاوز عدد النساء من بينهم أصابعَ اليدين. وفي حين لا تتوفر أرقام مؤكدة حول عدد السجينات السياسيات، إلا أن التقديرات تشير إلى مئات أو حتى ربما آلاف السجينات.

اقتصرت المباحثات حول خروج أعداد من السجناء عبر آلية العفو السياسي ووساطة الأحزاب المعارِضة المدنية في مصر، على من هم خارج جماعات الإسلام السياسي. لكن تلك الآلية لم تسمح إلا بمرور أعداد قليلة جداً من النساء بينما لا زالت أسماء أخرى تعاني ظروفاً إنسانيةً قاسية خلف الجدران.

على مدار السنوات التسع الماضية، تحديداً منذ أيلول/ سبتمبر 2013 تواترت الأخبار عن سيدات كنّ أو لا زلن خلف القضبان، تنتمي أغلبهنّ لجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى عدد من الناشطات السياسيات والحقوقيات المنتميات لأحزاب وتيارات مدنية شاركت جميعها في "ثورة يناير". عشراتٌ منهنّ حظين بدرجة حضور وانتشار بينما مئات أخريات ذهبن إلى السجن في قضايا سياسية بصمتٍ أو بالصدفة أو نتيجة مواجهة فرضتها عليهنّ الظروف مثل السيدات المتهمات بمقاومة السلطات خلال تنفيذ قرار هدم بناء سكني مخالف، وغيرها من مواقف محتدمة وملتبسة انتهت بهنّ جميعاً إلى عنابر السجن السياسي وقاعات محاكم ونيابات أمن الدولة العليا.

خرجت أعداد قليلة من الأسماء المعروفة على مدار تلك السنوات، من بينهن العاملة بمجال التنمية "آية حجازي" التي قبعت خلف القضبان على سبيل الاحتياط ثلاث سنوات كاملة باتهامات كبرى من بينها الخطف والتعذيب والإتجار بالبشر وذلك على خلفية إدارتها وزوجها لمؤسسة تنموية تهتم بأطفال الشوارع، ثم اصطحبها الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" على طائرته خلال زيارته لمصر وذلك باعتبارها مواطنة مصرية تحمل الجنسية الأمريكية.

بمتوسط عام ونصف إلى ثلاثة أعوام اعتقال، خرجت كل من الصحافيات إسراء عبد الفتاح وسولافا مجدي وشيماء سامي من السجن. وتبقى المحامية "ماهينور المصري" هي الاسم الأكثر تردداُ في مرات الدخول والخروج من السجن بين ناشطات التيار المدني على مدار السنوات العشر الأخيرة.

أما الأعداد العظمى فينتمي أغلبها للتيار الإسلامي، تمّ القبض على المئات منهنّ خلال مظاهرات عامي 2013 و2014، وبشكل خاص داخل حرم جامعتي الأزهر والإسكندرية. بعضهنّ حصلن على حكم بالحبس يصل إلى 14 عاماً خفف أغلبها فيما بعد إما عبر درجات التقاضي أو بقرارات قليلة بالعفو على مدار السنوات، ووُجهت لهنّ جميعاً تهم الانضمام لجماعة إرهابية والترويج لأفكارها. وهناك أيضاً منهنّ من دخلت وخرجت أكثر من مرة، وكنّ يعانين من ظروف صحية صعبة.

يوجد 8 سجون مخصصة للنساء لمختلف الجرائم، ووفق إحصاءات رسمية، يصل عدد "الغارمات"، وهنّ السيدات اللاتي يقضين عقوبة بسبب عدم سدادهنّ أثمان مشتريات منزلية، الى نحو 30 ألفاً، يمثّلن ما يقارب 25 في المئة من أعداد السجناء. وقد قال مسؤولون رسميون في العام 2020 أن عدد السجناء في مصر يُقدر بـ 120 ألف سجين، ما يجعل مصر تحتل المركز 172 عالمياً. 

على مدار السنوات التسع الماضية، وتحديداً منذ أيلول/ سبتمبر 2013 تواترت الأخبار عن سيدات كنّ أو لا زلن خلف القضبان، تنتمي أغلبهنّ لجماعة الإخوان المسلمين، بالإضافة إلى عدد من الناشطات السياسيات والحقوقيات المنتميات لأحزاب وتيارات مدنية شاركت جميعها في "ثورة يناير".

فكما ذاع صيت السجينة السياسية "آية حجازي" التي اعتصمت في آخر العام 2022 أمام مقر الأمم المتحدة تضامناً مع إضراب المعتقل السياسي علاء عبد الفتاح، يتردد أيضاً اسم السجينة السياسية "آية كمال الدين". آية فتاة تبلغ من العمر 25 عاماً، تم القبض عليها للمرة الأولى في عمر الـ 17 من أحد شوارع الإسكندرية، في القضية المعروفة إعلامياً وقتها باسم "بنات سبعة الصبح" (1)، ومن ثم وُضعت بإحدى دور الأحداث، وبعد شهٍرٍ واحد من اعتقالها حكم عليها بالسجن 11 عاماً. وبعد الاستئناف على الحكم قضت المحكمة بسجنها سنة مع إيقاف التنفيذ.

- أًلقي القبض عليها للمرة الثانية من منزلها بشتاء العام 2020 ، وتمّ إخفاؤها قسرياً لمدة 5 أيام، قبل أن يندرج اسمها في قضية جديدة بتهمة الانضمام لجماعة إرهابية محظورة ونشر أخبار كاذبة. لكن اللافت هو ما تناقله المحامون والأهل من روايات عن تعرضها للإغماء عدة مرات، وعدم تمكن أهلها لفترة طويلة من زيارتها بالسجن، انتهت بإعلانهم عن وصولها لحالة صحية سيئة في ظل انتشار فيروس كورونا وكونها مصابة بشكل شبه دائم بالتهاب رئوي.

ومن الفتيات الصغيرات إلى القياديات كالمحامية هدى عبد المنعم البالغة من العمر 60 عاماً، وعائشة الشاطر ابنة القيادي بالجماعة الاسلامية، وقد دخلت كل منهنّ أكثر من مرة في إضرابٍ عن الطعام احتجاجاً على الأوضاع الصعبة التي يلاقينها في محبسهنّ، كالحرمان من الزيارة والتريض ورفض دخول أغراض أساسية. وقالت ابنة الشاطر أنها أصيبت عدة مرات بنوبات قلبية، وهي تحضر إلى الجلسات على كرسي متحرك. وبعد حوالي 3 سنوات من الحبس الاحتياطي أحلن وأخريات إلى محكمة طوارئ التي قامت بإدانتهنّ.

هذا وتضم القائمة المتداولة والأكثر جدّة عدداً من الصحافيات والإعلاميات مثل هالة فهمي وصفاء كوربيجي ومنال عجرمة.

مساعٍ متجددة

على الرغم من هذا السجل الصعب، فإنّ المباحثات حول خروج أعداد من السجناء عبر آلية العفو السياسي ووساطة الأحزاب المعارضة المدنية في مصر، اقتصرت على من هم خارج جماعات الإسلام السياسي. لكن تلك الآلية لم تسمح إلا بمرور أعداد قليلة جداً من النساء بينما لا زالت أسماء أخرى تعاني ظروفاً إنسانيةً قاسية خلف الجدران.

على سبيل المثال لا الحصر، خرجت كل من الباحثة بمكتبة الإسكندرية "خلود سعيد" في أيار/مايو 2022، ثم مرت ستة أشهر من دون إفراجات عن نساء أخريات. ولا زالت "مروة عرفة" الناشطة الحقوقية خلف القضبان للعام الثالث، على الرغم من تواتر المناشدات بخروجها، فقد ألقي القبض عليها وابنتها الرضيعة لم تكمل بعد عامها الأول، وهكذا مرت ثلاث سنوات دون إدانة ودون عودة ودون معنى بكل تأكيد غير حرمان طفلة من أمها وهي على قيد الحياة. وكذلك الناشطة السياسية "نرمين حسين" رغم أن كلاً منهما على رؤوس قوائم الحركة المدنية.

خرجت أعداد قليلة من الأسماء المعروفة، من بينهن العاملة بمجال التنمية "آية حجازي" التي قبعت خلف القضبان على سبيل الاحتياط ثلاث سنوات كاملة باتهامات كبرى من بينها الخطف والتعذيب والإتجار بالبشر وذلك على خلفية إدارتها وزوجها لمؤسسة تنموية تهتم بأطفال الشوارع، ثم اصطحبها الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" على طائرته خلال زيارته لمصر، باعتبارها مواطنة مصرية تحمل الجنسية الأمريكية.

وما بين هذه وتلك لا زالت أعداد أكبر غير معلومة خلف القضبان، ولا تستطيع أغلب الجهات المهتمة حصرهنّ، ولا يوجد أي يقين حول المصير الذي ينتظر أياً منهنّ.

**

تدفع أغلب الجهات الحقوقية والسياسية باتجاه سردية محددة تقول إننا لا نعلم حقيقة الأعداد والظروف التي تمر بها كل سجينة على حدّة. لكن ما هو موثق، فضلاً عن كونه منطقي، هو أنّ الغالبية العظمى هنّ سجينات على خلفية قضايا سياسية دون أي شبهة تورط في عنفٍ، وأن الظروف القاسية المحيطة بهنّ لا تتعلق فقط بما يعانين منه داخل أماكن الاحتجاز، ولكن بحجم ما خلفنه وراءهنّ من غياب موجع ومدى قدرتهنّ الصحية والنفسية على استكمال الحياة بعد انتهاء تلك التجربة.

فمتى الإفراج؟ 

______________________

 1 - حركة انشأنها نساء وبشكل خاص فتيات صغيرات في السن، وفي الاسكندرية، للتظاهر ضد ما اسمينه "الانقلاب"، وقد اعتقلن عند أول مظاهرة.

مقالات من مصر

ثمانون: من يقوى على ذلك؟

إليكم الدكتورة ليلى سويف، عالمة الرياضيات المصرية بالأصالة، البريطانية بالولادة، على صقيع رصيف وزارة الخارجية في لندن، تُعدُّ بالطباشير – ككل المساجين - أيام اضرابها.

في مصر يمكنك فقط الاختيار بين سجن صغير وآخر أكبر

إيمان عوف 2024-12-09

تحوّل القانون رقم (73) لسنة 2021، الذي يتيح فصل الموظفين المتعاطين للمخدرات، إلى أداة لملاحقة العمال والنشطاء النقابيين العماليين، والنشطاء السياسيين والصحافيين. وعلى الرغم من اعتراض النقابات والجهات الحقوقية على...

للكاتب نفسه

عيش.. حرية.. إلغاء الاتفاقية!

منى سليم 2024-03-29

هل يستقيم ألا تغيِّر الحرب على غزة موازين الأرض؟ أو لا يصير الى صياغة برنامج سياسي مصري ينطلق من إلغاء هذه معاهدة كامب ديفيد، وأن يكون ذلك ركيزة للتغيير الجذري...