أثّرت الحرب بصورة سلبية كبيرة على طلاب مرحلة التعليم الثانوي، من مختلف الجوانب الأخلاقية والفكرية والاجتماعية والنفسية والجسدية، وهي ستترك تداعيات خطيرة على صعيد القيم الإنسانية للمجتمع بكل مكوناته المتنوعة، ولاسيما في المواقف التي ستتخذها الأجيال الجديدة من القضايا القومية والسياسية، ومن إعادة فهم مكونات الهوية السورية، وأساليب الاندماج والانتماء لجغرافيا موحدة، غير مقسّمة.
التعليم الثانوي قبل الأزمة
حققت وزارة التربية السورية مجموعة من الخطوات في مجال إصلاح منظومة التعليم، أبرزها التغييرات الجذرية في المناهج الدراسية (عام2010 )، وتصميمها "وفق معايير وطنية تتصف بقابليتها للقياس والمقارنة"، وإنشاء لجنة مشتركة مع الاتحاد الأوروبي لتطوير التعليم في هذه المرحلة بهدف "الارتقاء بمستوى المعايير إلى مستوى الجودة في المنتج التربوي". وعلى صعيد الخطوات التقنية، فقد تمّ إحداث المدرسة الإلكترونية السورية، وتنفيذ مشروع الربط الشبكي الإلكتروني بين العديد من المدارس الثانوية، على مستوى المحافظات جميعها. ولعلّ الأبرز بدء استثمار التكنولوجيا ودمجها بالتعليم لتمكين طلبة المرحلة الثانوية من تطوير مهارات التفكير الناقد والتحليل والتركيب، لاستعمالها في مجالات الحياة اليومية.
كما وُضعت خطط طموحة لبناء العديد من المدارس الثانوية في مختلف المحافظات السورية، بهدف الحدّ من التأثيرات السلبية للدوام النصفي وتجاوزها بحلول العام الدراسي 2014-2013، بما يحقق التطبيقات التعليمية الأمثل للمناهج الجديدة. وتشير بيانات وزارة التربية إلى أنّ نسبة الطلبة المقبولين في المرحلة الثانوية لعام 2011 بلغت 70 في المئة من مجموع الطلبة الناجحين في شهادة التعليم الأساسي.
ولكن وعلى الرغم من أهمية هذه الخطوات، فثمّة أسئلة :هل استطاعت المناهج الجديدة تجاوز القطيعة السائدة بين المدرسة ومؤسسات العمل؟ وهل استطاعت أن تعرّف بمختلف المشكلات التي بدأت تنخر بُنيان المجتمع السوري كالتصحّر وشحّ المياه، وارتفاع معدلات البطالة، وتزايد الهجرة من الريف إلى المدن الكبيرة؟ وهل تعاملت تلك المناهج على أساس أنّ الطلاب شركاء حقيقيون في عملية التنمية؟ وهل شمل دمج التكنولوجيا بالتعليم المحافظات الشمالية والشرقية الأكثر فقراً (إدلب، ريف حلب، الرقة، دير الزور، الحسكة )، أم أنه اقتصر على المدن الكبيرة فقط؟
محنة الأهداف
تتكوّن الأهداف العامة في مرحلة التعليم الثانوي من ستة وعشرين هدفاً كانت قد وُضعت عند المباشرة في مشروع تطوير المناهج الدراسية. غير أنها لم تختلف في إطارها العام عن الأهداف العامة للمناهج الدراسية القديمة، كما لم يطرأ عليها أيّ تغييرات جوهرية، بعد 2011، ولاسيما أنّ أجيالاً شابة فقدت حقها في التعليم لنزوحها عن أماكن سكنها الساخنة وعن مدارسها، وأخرى اضطرت إلى العمل لتأمين لقمة عيش أسرتها، أو لحمل السلاح تحت ظروف قاسية.
وقد رد في بعض الأهداف العامة "احترام الرأي الآخر والتنوع في المجتمع، واتخاذ الحوار سبيلاً للتفاهم" (الهدف 5)، " تعزيز حب اللغة العربية، والاعتزاز بها" (الهدف 7)، " تعميق الوعي بحقوق الإنسان والطفل والمرأة واحترامها" (الهدف 14)، "ممارسة الحرية الفكرية الهادفة" (الهدف 20)، "ترسيخ أهمية الوحدة الوطنية والإيمان بأهداف الأمة العربية، والانتماء للوطن والأمة، وممارسة أسس العيش المشترك بين أبناء الوطن الواحد "(الهدف 1) ، "فهم حقوق المواطنة وواجباتها" (الهدف 2)، "تعزيز القيم الروحية النابعة من الديانات السماوية" (الهدف 4)، "الإسهام في تحقيق السلم العالمي القائم على الحق والعدل والمساواة" (الهدف 10)...
تداعيات الأزمة
توقّف دعم الاتحاد الأوروبي لمشروع تطوير التعليم الثانوي نتيجة العقوبات التي فُرضت على سوريا (عام 2012)، وتأثر مشروع دمج التكنولوجيا بالتعليم، فبقي محصوراً على نطاق ضيق، وفي المناطق الآمنة. ويُلاحظ أنّ العديد من المنظمات الأهلية العاملة في مجال التعليم، في المناطق المعارضة، وفي دول الجوار، تستخدمه بشكل أساسي في دروسها وفي أنشطتها. كما أنّ قرابة خمسة آلاف مدرسة أمست خارج الخدمة نتيجة التدمير والتخريب، أو نتيجة تحوّلها إلى مراكز لإيواء الأسر النازحة، وتعاني اليوم المدارس الثانوية داخل سوريا وخارجها من اضطراب كبير في النظام التعليمي، ولاسيما في المناهج الدراسية المختلفة الصادرة عن وزارتي التربية بلبنان والأردن، وعن "الهيئة السورية للتربية والتعليم" في تركيا، وعن "ديوان التعليم في ولاية الرقة "..
ويشير تقرير "سورية، مواجهة التشظّي"، الذي صدر مؤخراً ببيروت عن "المركز السوري لبحوث السياسات" (شباط / فبراير 2016)، إلى أنه تمّ استغلال التعليم من قبل أطراف النزاع "كجزء من الآلة الدعائية" التي تروّج للأفكار السياسية لكل طرف، ونشر ثقافة الكراهية والعنف ضد الآخر، فأفقد المدرسة وظيفتها الأساسية في تحقيق "الاندماج الثقافي والاجتماعي" . كما يشير التقرير إلى تدهور كبير في معدلات عدم الالتحاق بالمدارس، التي وصلت إلى 45.2 في المئة في العام الدراسي 2014-2015، وإلى قرابة 50 في المئة في العام الدراسي الحالي، ممّا يعني أنّ نصف طلبة سوريا خارج منظومة التعليم..