رجلٌ في مهمة

تلخصت في "رؤية 2030" التي يقف وراءها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تعلن أنها تهدف، من ضمن أشياء أخرى، إلى "إنهاء إدمان السعودية على النفط" الذي شكل مصدر الدخل الأساسي للدولة السعودية، ومكّنها من الوفاء بعقد اجتماعي قوامه توفير احتياجات المواطنين من دون مساءلتها سياسياً.
2016-05-22

السر سيد أحمد

كاتب صحافي من السودان مختصّ بقضايا النفط


شارك
أحمد ماطر - السعودية

في مطلع الشهر المقبل سيلتقي في فيينا وزراء النفط من منظمة الأقطار المصدرة للنفط (أوبك). الاجتماع دوري يحمل الرقم 169، ولا يُتوقع له أن يأتي بجديد، خاصة في ضوء التغييرات الهيكلية التي تمر بها السوق النفطية، مما دفع المنظمة، أو بصورة أدق الأعضاء النافذين فيها بقيادة السعودية، إلى التخلي عن مسعى العمل على دعم الأسعار، وهو الخط الذي لا يزال متبعا منذ أواخر العام 2014، مما أدى إلى تراجع كبير للأسعار التي كانت تجاوزت المئة دولار للبرميل إلى معدل يتذبذب حول أربعين دولاراً في الوقت الحالي.
لكن رغم ذلك، فإن متابعي الاجتماع ووسائل الإعلام ستولي اهتماماً بالوجه الجديد في قاعة الاجتماع، رئيس الوفد السعودي خالد الفالح، الذي حل محل المهندس علي النعيمي "صاحب" المنصب منذ العام 1995 وظل صوتاً معبراً عما يجري في الصناعة النفطية. وذلك الاهتمام لا يعود فقط إلى الرغبة في التعرف على الفالح ومقارنته بما كان عليه النعيمي، خاصة بما يتعلق بالعلاقة بين بلاده وبقية الأعضاء في المنظمة، وإنما أيضا لما يعكسه من تغييرات تجري داخل السعودية تلخصت في "رؤية 2030" التي يقف وراءها ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي تعلن أنها تهدف، من ضمن أشياء أخرى، إلى "إنهاء إدمان السعودية على النفط" الذي شكل مصدر الدخل الأساسي للدولة السعودية، ومكّنها من الوفاء بعقد اجتماعي قوامه توفير احتياجات المواطنين من دون مساءلتها سياسياً.
ليس سراً أنّ النّعيمي البالغ من العمر 81 عاما كان تواقاً للتقاعد بعد أن أمضى 70 عاما في الصناعة النفطية بدأها صبيا متدربا وهو في الحادية عشرة من عمره، وتدرّج في مختلف المناصب حتى أصبح أول سعودي يتولى رئاسة شركة أرامكو، وفيما بعد قيادة وزارة البترول. وطوال هذه الفترة تمتع بقدر من الاستقلالية في إطار التوجّهات العامة، ومن ذلك التوافق على تخلّي السّعودية رسميا عن دور المنتج المرجّح واستخدام قدرتها الإنتاجية الكبيرة لإحداث توازن في السوق مع غض الطرف عن تجاوزات هنا وهناك، والسعي ما أمكن لإبعاد التأثيرات السّياسية المباشرة عن القرارات النفطية.

نهاية مرحلة

على أنّ ما حدث في الدوحة في منتصف الشهر الماضي كان مؤذِنا بانتهاء هذه المرحلة. فالانخفاض الحاد في أسعار النفط بدأ يلقي بظلاله حتى على كبار المنتجين مثل السعودية وروسيا، مما دفع الجميع إلى تبنّي اقتراح بتجميد الإنتاج عند مستويات شهر كانون الثاني/يناير، مع تفاهم ضمني أن تستثنى إيران من هذا القرار لأنها وبسبب العقوبات كانت تنتج أقل من حصتها، وليست لها القدرة على زيادة إنتاجها بصورة مؤثّرة خلال هذا العام. لكن عندما التقى وزراء النفط من داخل وخارج أوبك في الدوحة للتوقيع على الاتفاق، جاءت الإشارة من الرياض بأن يشمل الاتفاق إيران أو لا يكون.
الفالح، البالغ من العمر 56 عاما، يتمتع بخلفية النعيمي نفسها، فإلى جانب دراسته الهندسة في الولايات المتحدة، فهو ثالث سعودي يتولى إدارة أرامكو التي حافظت في عهده على تقليد معاونة الدولة في تنفيذ مشروعات كبيرة تتجاوز مجالات الصناعة النفطية، وذلك للاستفادة من خبرتها الإدارية الثّرية والموارد البشرية التي تتمتع بها. وقد أصبح الفالح واحداً من المجموعة التي يعتمد عليها الأمير محمد بن سلمان، بل كلّفه بتولّي مسؤولية وزارة الصحة ابتداءً قبل التعديل الوزاري الأخير الذي يهدف أساسا إلى وضع الإطار التنفيذي لرؤية 2030.
ولإعطاء رسالة واضحة لهذا التعديل تمّ سحب كلمة البترول من اسم الوزارة فأصبحت "وزارة الطاقة والصناعة والثروة المعدنية"، وهي تستوعب بداخلها الصناعة والكهرباء التي كانت وزارة قائمة بذاتها في وقت من الأوقات، كما أنّ الفالح بصفته الوزير سيكون رئيساً لمجلس إدارات سبع من المؤسسات، بعضها يمكن أن يكون وزارة قائمة بذاتها مثل "الهيئة الملكية للجبيل وينبع" التي تحتضن منشآت الصناعة البتروكيماوية وتنتج قرابة 10 في المئة من الإنتاج العالمي من البتروكيماويات الأساسية، و "مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية" و "مدينة الملك عبد الله للطاقة الذرية والمتجددة" وغيرها.. وباختصار، فإن أكثر من نصف قوة السعودية الاقتصادية أصبحت تحت إشراف هذه الوزارة. ويبدو أن الفكرة تقوم على أساس أنه ليس أفضل من شخص له خبرة في الميدان النفطي لكي يُسخّر خبرته تلك في مسعى تقليل اعتماد السعودية على النّفط، وبالتالي تقليل انشغال الرّياض بأوبك وسياساتها واجتماعاتها.
في مطلع هذا الشهر شهدت رئاسة المنظمة في فيينا اجتماعا دوريا للمحافظين، ومن المعلومات التي تسربت من ذلك الاجتماع أنّ مندوب السعودية تحدث بكل وضوح عن التغييرات الهيكلية التي أصبحت تطال السوق النفطية، وان الأمر لم يعد مثل السّابق في حالة دورات من ارتفاع الطلب وانخفاضه، ما كان يتطلب تدخّل المنظّمة عبر آلية رفع الإنتاج وخفضه للحصول على حدٍّ معقول من العائدات. فعدد المنتجين من خارج المنظمة يتزايد ومعه إنتاجهم كما في حالة روسيا، وأهمّ من ذلك بروز تقنيات جديدة جعلت من الممكن استخراج النفط الصخري كما في الولايات المتحدة أو نفط الرّمال في كندا أو من المياه العميقة كما في البرازيل.. لذا لن تستطيع أوبك لوحدها القيام بدور الدفاع عن الأسعار.
ومع تضعضع فكرة تجميع منتجي النفط للحصول على عائد مجزٍ، يصبح الهمّ الأساسي هو الحفاظ على الحصة في السوق، وهو هدف يمكن أن ينزلق ببساطة إلى الملعب السياسي، ومن ثمّ استخدام عامل زيادة الإنتاج وسيلة للإضعاف المادي، وهي الرسالة التي فُهمت على هذا الأساس إثر لقاء الدوحة الفاشل.

الكلفة العالية

اجتماع أوبك الشهر المقبل سيستعرض حالة السوق والتوقعات بشأن العرض والطلب. خلال الأسبوعين الماضيين، صدرت التقارير الدورية لكل من الوكالة الدولية للطاقة، وأوبك نفسها، وإدارة معلومات الطاقة الأميركية. ورغم بعض التباينات البسيطة، إلّا أنّ الاتجاه العام لهذه التقارير يقول إنّ التخمة التي تشهدها السوق في الوقت الحالي يُتوقع لها أن تستمر ربّما حتى نهاية العام، خاصة مع استمرار الأعضاء في أوبك في الإنتاج بأقصى ما لديهم، مما رفع حجم إنتاج أوبك إلى 32.4 مليون برميل يوميا خلال الشهر الماضي، بزيادة 188 ألف برميل يوميا عن إنتاج آذار/ مارس المنصرم، وهو أعلى معدل إنتاج لأوبك منذ العام 2008. وتبع هذا التّطوّر تراجع معدل الإمدادات من خارج أوبك بأكثر من 700 ألف برميل يوميا. وهذا التّطوّر يعتبر مؤشّرا على أن الاستراتيجية التي دفعت بها السعودية منذ عامين بالحفاظ على حصة أوبك في السوق بدأت تؤتي أكلها خاصة في الولايات المتحدة الأميركية التي تراجع إنتاجها من القمّة التي وصلها قبل عام وهي 9.7 ملايين برميل يوميّا، (وهي الأعلى منذ فترة السبعينيات)، إلى 8.6 ملايين مطلع هذا الشهر ويتوقع له أن يتراوح في المتوسط في حدود 8.2 ملايين في العام المقبل.
لكنّ هذا التراجع الطفيف الذي تقابله الكلفة العالية لانخفاض الأسعار يوضح بجلاء أنّ عملية إخراج المنتجين من المناطق ذات الكلفة العالية ليست يسيرة، خاصة مع أخذ جانب التطوّر التقني في الحسبان، وهو الذي سمح بتفجّر ثورة النّفط الصخري على الساحة الأميركية مثلا. هذا التفجر مرشّح لتحقيق نتائج أفضل مع زيادة فاعلية التقنية المستخدمة وتراجع كلفتها بمرور الوقت.
وهذا ما عزز من الاتجاه إلى تنويع القاعدة الاقتصادية والسعي إلى إنهاء حالة الإدمان على النفط، وهو خيار يتم اللجوء إليه دائما عندما تنخفض الأسعار، لكن تتم العودة عنه عندما تتحسن أوضاع السوق. هذه المرة يبدو الوضع مختلفا بتزايد القناعة أنّ السوق تمر بحالة متغيرات هيكلية قد تطول معها فترة تعافيها.
يبقى أنّ أمام الفالح تحديين رئيسيين أحدهما آني والثاني له طبيعة استراتيجية. فإلى أي مدى يمكن أن تتعايش السعودية مع استمرار خفض الأسعار؟ فكلما طالت هذه الفترة انعكس ذلك على الاستثمارات في الصناعة النفطية. وهناك تقديرات تشي بأنّ التّراجع الحالي للأسعار أسهم في خفض الاستثمارات في الميدان النفطي وأدّى إلى تأجيل أو إلغاء مشروعات كان يمكن أن تضيف خمسة ملايين برميل يوميا، الأمر الذي يضع الأساس لتلبية طفرة مستقبلية في الطلب قد لا يمكن السيطرة عليها، وتأثير ذلك على الاقتصادات العالمية والمحلية، بما فيها السعودية.
وأيضا فإنّ الرّياض اتّبعت هدف الاحتفاظ بطاقة إنتاجية فائضة تتراوح بين مليون إلى مليوني برميل يوميا تعزيزاً لوضعيتها الاستراتيجية ضامنة للإمدادات في السوق العالمية. ولهذه الخطوة تبعاتها وكلفتها المالية، فهل ستستمر أرامكو في تحمّل هذا العبء بعد طرح جزء من أسهمها إلى التداول؟ وحملة الأسهم يهمهم العائد المادي المباشر، لا الخيارات السياسية الاستراتيجية.

مقالات من السعودية

خيبة م ب س الاقتصادية

كان النزاع المدمر على سوق النفط، ودور السعودية - وبخاصة محمد بن سلمان- في تأجيجه، مقامرة وحماقة في آن. فإن كانت السعودية تخسر 12 مليون دولار يومياً مقابل كل دولار...

للكاتب نفسه

أوبك وعودة مختلفة لأجواء السبعينات

في الخامس من الشهر الجاري، تشرين الأول/ أكتوبر، اجتمعت "أوبك بلس" وقررت تقليص الإنتاج بمقدار مليوني برميل يومياً، وهي الخطوة التي استفزت واشنطن ودفعت ببايدن إلى التهديد بأنه ستكون لها...