التغيّر المناخي: لقد آن الأوان!

تقدِّم لنا النصوص التسعة التي ننشرها هنا عيّنات لما يجري اليوم في منطقتنا، وهو شديد الفداحة ولكنه ما زال "أقل سوءاً" مما يجري الآن، وأمام ناظرينا، في الهند وباكستان وأجزاء من إفريقيا السوداء. لقد آن الأوان للتحرك، وإلاّ يلوح الفناء!
2022-12-20

نهلة الشهال

أستاذة وباحثة في علم الاجتماع السياسي، رئيسة تحرير "السفير العربي"


شارك
| en
غسان غائب - العراق

تم انتاج هذا المقال بدعم من مؤسسة روزا لكسمبورغ. يمكن استخدام محتوى المقال أو جزء منه طالما تتم نسبته للمصدر.

التغير المناخي لم يقع فجأة ولا منذ بضع سنوات. هو عملية تراكمية بدأت ببطء مع "الثورة الصناعية"، وتتسارع وفقاً لقوانين الرياضيات، وبحكم التصاعد المتغوِّل لاستغلال الطبيعة ومواردها من قبل الشركات الكبرى من كل نوع، واستخفافها الإجرامي بالتلويث ابتغاءً لأعلى أرباح ممكنة. وهي في كل ذلك تتمتع بتغطية السلطات لارتكاباتها باعتبار أن الدائرتين متداخلتان فعلاً. وقد جرى تجاهل الكارثة طالما كانت تمس بالدرجة الأولى بلداناً فقيرة وأحياناً مستعمَرة، وبعيدة عن المراكز الرأسمالية الكبرى، حيث تمّ تلويث التربة ومجاري المياه والهواء بحجة أن تلك البلدان "تحتاج" لمشاريع ولتشغيل أيديها العاملة. ولكن وبما أن البشر يعيشون على كوكب واحد، وبما أن السلوك الاستغلالي لا يعرف ضوابط ولا يرتدع أمام المعطيات الكارثية، على الرغم من أنها معلنة (1)، فقد راحت آثار التغيّر المناخي تطال الجميع وإنْ بنسب ما زالت متفاوتة. وهي تهدد الحياة على الكوكب وليس أقل من ذلك. وقد بدأ العلماء يتحدثون عن موجة "الفناء" السادسة لنسبة كبيرة من المخلوقات الحية، كاحتمال بات مجسَّداً، وينبشون سيناريوهات (2) الفناءآت الخمسة التي تعاقبت على الأرض قبل مئات ملايين السنين، ولكنها كانت تجري من غير أن يكون فعل البشر هو المسبِّب لها (3).

تُظهِر النصوص التسعة التي تخص بلدان منطقتنا والتي يحتويها هذا الدفتر الأول عن آثار التغيّرات المناخية، فداحة ما يجري. فهل يُعقل أن يتحول العراق إلى صحراء قاحلة بسبب نضوب الماء فيه؟ للسدود العديدة المنشأة من قبل السلطات التركية والإيرانية على نهري دجلة والفرات وعلى تفرعاتهما قبل وصولها إلى النهرين، دور كبير في نقص المياه المهول الذي تعاني منه "أرض الرافدين"، وجفاف مساحات واسعة من أهوارها واختفاء بحيرات كبرى في مناطق مختلفة من البلاد، كانت هناك منذ بضع سنين. وللاستخدام الجائر والفوضوي للمياه الجوفية أثره كذلك، ولوجود منشآت نفطية وغازية تبث سمومها في التربة والهواء وترفع درجات التلوث والحرارة دورها في هذه الحلقة المتصلة، والتي تؤدي أيضاً إلى حرائق متلاحقة تأتي على ما تبقى من الأشجار. وللحروب كذلك التي وقعت على العراق مكانها في هذا المشهد المأساوي لِما تسببت به من دمار ومن تخريب لبناه التحتية، وما خلّفته من ألغام في الحقول ومن قذائف مشعة وسامة تُؤدّي إلى أمراض خطيرة وإلى تشوّه للأجنة ما زال يتكرر... وللفساد المريع القائم حصته لجهة النهب الدائم لموارد العراق ومعه بالطبع ما يرافق ذلك من إهمال تام لأي تدابير أو مشاريع ضرورية للحياة. والنتيجة نزوحات بشرية كبيرة وفناء للزراعة وللثروة السمكية والحيوانية.

وإنْ كان مثال العراق الذي تكاثرت عليه النوائب، متطرفاً، فإن باقي النصوص، وكلّ واحدٍ منها يخص بلداً من بلدان المنطقة، تقول كيف أن تداخل عدد من العوامل المشار إليها في حالة العراق – وإنْ لم يكن كلها معاً - يؤدي إلى خراب يطال الفئات الأكثر هشاشة في المجتمع، وبشكل خاص الفلاحين الذين يعانون من تراجع كمي حاد لمحاصيلهم ومن تعرّضها لآفات شتى، ما يهدد الحد الأدنى من توفر الغذاء في هذه البلدان. كما تقول هذه النصوص كيف تتعاظم مشكلة المياه في أماكن – كالمغرب مثلاً – كانت بعيدة عن هذه المعاناة.

يقول الفيلسوف وعالم الاجتماع الفرنسي برونو لاتور (4) "لا توقف! وكل يوم يتكرر المشهد. مرةً الفيضان، ومرةً أخرى عقم التربة، وبعد ذلك يشار إلى الزوال المتسارع للغطاء الجليدي، وفي نشرة المساء الإخبارية - وبين جريمتي حرب - يقال لنا أن آلاف الأنواع ستختفي حتى قبلما يجري إحصاؤها. وكل شهر يُظهِر قياس ثاني أوكسيد الكربون في الهواء أنه يزداد سوءاً وأنه ينمو بوتيرة أسرع من البطالة نفسها. وكل عام يمر يُعلَن عنه كالأشد سخونة منذ عُرِفت محطات قياس المناخ. وترتفع مستويات البحار، وتُنخَر الشواطئ وتتهددها عواصف الربيع. وأما المحيط فكل اختبار لمستوى حموضته يجده أسوأ من سابقه...".

العراق مهدد بالتصحر الكامل خلال سنوات قليلة قادمة وقد بدأ مسير ذلك. بلاد "ما بين الرافدين"، دجلة والفرات، وأرض الخصوبة وأساطير شجرة آدم وحواء في منطقة "القرنة" شمال البصرة، وموئل "الأهوار" بنباتاتها وحيواناتها وطيورها النادرة والمصنفة كـ"تراث عالمي" ولم تحصَ كلها بعد، وموطن الحضارات البشرية الأولى. مصر، ركيزة التاريخ و"أم الدنيا"، مهدَّدة بغرق منطقة الدلتا كلها ومعها مدينة الاسكندرية، وبنقص مهول في الغذاء يواجهه 110 مليون إنسان... وهكذا وهلم جرا. تروي لنا النصوص التسعة ما يجري اليوم في منطقتنا، وهو ما زال "أقل سوءاً" مما يجري الآن وأمام ناظرينا في الهند وباكستان وأجزاء من إفريقيا السوداء. لقد آن الأوان! 

محتوى هذه المقال هو مسؤولية السفير العربي ولا يعبّر بالضرورة عن موقف مؤسسة روزا لكسمبورغ.

______________________

نصوص دفتر "التغيّر المناخي: لقد آن الأوان!":

-سوريا: هل من ناجٍ أخير؟  
-تطور المناخ في الجزائر وآثاره  
-تغيّر المُناخ وأزمة المياه في العراق: مؤشرات الهشاشة وحِدَّة الأثر البيئي  
-التغير المناخي يهدد حلم السودان بأن يصبح سلة غذاء  
-التغير المناخي في مصر يَطال الماء والهواء ومصائر البشر  
-التغير المناخي: ما الذي سيحدث في السودان؟  
-لبنان: ترتفع درجة الحرارة وتزداد التهديدات  
-بين المخاطر و الحلول: كيف حال مناخ المغرب؟  
-اليمن.. عدم الاستقرار يطال المناخ أيضاً

______________________

1- شاهدوا الفيلم الرائع والمرعب في الآن نفسه لديفيد أتنبورو (َAttenborough David ( "كوكبنا" (Our Planet) - https://bit.ly/3GbJ7xX
2- في رواية "الإلهة والتاجر" للكاتب البنغالي العالمي "أميتاف غوش" (Amitav Ghosh)، التي يمتزج فيها واقع التلويث الكثيف في خليج البنغال - من قِبل شركات استخراج النفط وأخرى متعددة الجنسيات والصناعات، تُلوِّث بعيداً عن بلدانها - مع أساطير تلك الناحية من العالم، يَرد تحليلٌ لما وقع في القرن السابع عشر ولم يتنبه له "التنويريون"، من حروب ومن تغيّرات مناخية طالت كل أرجاء الكوكب، ووُصفت أحياناً ب"العصر الجليدي الصغير"، وأنها ستجري على امتداد مئات السنين، وقد وصلت اليوم إلى ذروتها. (ص135- 137 من النسخة الفرنسية déesse et le marchand » La " الصادرة عن دار Actes Sud، باريس 2021)
3- كارتطام نيازك عملاقة بالأرض وظهور العصور الجليدية ووقوع ثورات البراكين أو الزلازل العنيفة...   
4- في مؤلفه " Face à Gaïa " الصادر عن دار نشر La Découverte ، باريس 2015


وسوم: العدد 530

للكاتب نفسه

ماذا الآن؟

وقعتْ إسرائيل في خانة المستعمِر، واهتزت بقوة "شرعيتها" المصنوعة بتوأدة. حدث ذلك بفعل مقدار منفلت تماماً من همجيتها في الميدان وصل إلى التسبب في الصدمة للناس، وكذلك بفعل التصريحات والخطب...