الوزير في الزاوية

حج وزير سابق إلى الزاوية يبحث عن بركة الشيوخ بالتلاوة والذكر والصدقة، وقد ظهرت عليه فوائد الزيارة وكتب على صفحته في فايسبوك "تألمت فتعلمت فتغيرت"، وأضاف مخاطبا من صدّقه "أنا مريض أدعوا لي بالراحة". سخر المعلقون من كون الله هداه فجأة في سن السابعة والسبعين. وردّاً على الأعداء، رحب به أبناء المنطقة التي ينتمي لها. ومع صورة الترحيب تعليق ودود "مرحبا بك في بلاد أمك. تستاهل كل خير عمو".
2016-05-08

محمد بنعزيز

كاتب وسينمائي من المغرب


شارك
كريم رسن - العراق

حج وزير سابق إلى الزاوية يبحث عن بركة الشيوخ بالتلاوة والذكر والصدقة، وقد ظهرت عليه فوائد الزيارة وكتب على صفحته في فايسبوك "تألمت فتعلمت فتغيرت"، وأضاف مخاطبا من صدّقه "أنا مريض أدعوا لي بالراحة". سخر المعلقون من كون الله هداه فجأة في سن السابعة والسبعين. وردّاً على الأعداء، رحب به أبناء المنطقة التي ينتمي لها. ومع صورة الترحيب تعليق ودود "مرحبا بك في بلاد أمك. تستاهل كل خير عمو".

من يريد الشر بعمو؟

يتعلق الأمر بوزير الطاقة الجزائري الأسبق، شكيب خليل، المتهم بالفساد والذي شرع يزور الزوايا غرب الجزائر في نيسان/ أبريل 2016 ويحظى بتكريمات الشيوخ والأعيان. إذاً اللعنة على ما يروَّج في العاصمة التي لا تحترم "عمو".
حصل شيء قريب من هذا في منطقة تبعد 300 كيلومتر إلى الغرب من هذه الزاوية. شرق المغرب، عندما حج وزير إلى الزاوية البودشيشية بعد أن أعفي من منصبه بسبب شراء أربعة آلاف دولار شوكولاتة لعقيقة ابنه من المال العام. عادة يشتري الشوكولاتة لضيوف مكتبه وهذا قانوني. لكن أراد أن يذوق أهله الحلاوة مجاناً، فانكشف، وجعلته الصحافة موضوع سخرية يومية. وللترويح عن نفسه في أجواء التقوى والذكر، لجأ للزاوية التي تقع في منطقة ولادته. هكذا يتضح أنّ الزوايا والأضرحة لا تكتفي بعلاج الفقراء من سوء الطالع وتأخر الزواج والعقم ومس الجن والجنون، بل إنها في خدمة الوزراء الفاسدين بفضل التسامح الصوفي والعفو عما سلف.
اعتكف الوزير الشاب نسبياً ــ 44 سنة ــ في الزاوية ورفض الحضور إلى الرباط للمشاركة في حفل تسليم السلطات. وكتبت الصحف بأن الوزير شوهد بين المريدين في الزاوية البودشيشية وهو "في حالة خشوع وخضوع"، وقد ندد المريدون بالطريقة المُهينة التي أخرج بها من الحكومة.

من يريد الشر بابن العم؟

يعتبر الوزير المغربي عبد العظيم الكروج خروجه من الحكومة مؤامرة من قيادة حزبه، لأن زعيم الحزب (وسنّه ثلاثة وسبعون عاما) حصل حينها على منصب وزير الشباب في حكومة عبد الإله بنكيران المعدلة للمرة الثالثة.
الوزيران المتهمان واثقان بأن انتماءهما للزاوية والشرفاء يمحوان الخطيئة. تمحو هذه الممارسات الفعلية جل الأفكار الشريرة حول الزوايا. يقول المؤرخ الإسباني دييوغو دي طوريس ــ زار مراكش سنة 1546 ــ في كتابه "تاريخ الشرفاء" بأن "من يتخذ لقب شريف وصالح بإمكانه أن يفعل ما يشاء في المغرب".

 هذا طبيعي في المغرب حيث لم يخبُ صوت الزوايا قط. أما في الجزائر، فحاربت السلطة الاشتراكية بقيادة هواري بومدين الزوايا وهدمت بعضها وسجنت بعض شيوخها، لكنها استعادت دورها إبان العشرية السوداء 1991-2002 لمحاربة الإرهاب. وهذه وصية أميركية حميدة.

 بخلاف هاتين الحالتين، هذا مثال مضاد: استقال وزير الصناعة والطاقة والسياحة الإسباني بعد أن ورد اسمه في أوراق بنما. واعترف الوزير: "لم يكن لديّ علم بكل المعلومات التي وقعت في السنوات العشرين الماضية.. هذه الأنشطة التجارية لم تكن أبداً متصلة بنشاطي السياسي، لكن مع ذلك، وبسبب الإساءة الواضحة التي سببتُها للحكومة ولحزبي ولرفاقي ولمن صوتوا لي، قرّرت الاستقالة من منصبي".

 لم يلجأ الوزير للدير والكنيسة بل اتخذ قرارا سياسياً، محترِماً من صوتوا له. يبدو أن الوزير الإسباني يتصرف ضمن منظومة معرفية وقيمية مخالفة لما لدى نظيريه المغربي والجزائري. لا يرى الوزير الإسباني فوائد علاجية في الأديرة.

لم يعترف الوزير المغربي المخلوع في شبابه، ولم يخجل بل وجد في الزاوية الراحة الروحية التي لم يجدها في الحقل السياسي. وقد قرر أعضاء الحزب بالجهة الاحتجاج على إهانة الوزير التابع لقبيلتهم ووليهم. لو لم يكن ينتمي لمنطقته بالولادة لما احتج هؤلاء. وهذا مثال لصمود مؤسستي القبيلة والزاوية في مواجهة الدولة. للإشارة، سبق لأتباع الزاوية الكتانية في 1912 أن لعبوا دورا كبيرا في خلع سلطان وتنصيب آخر.

 مع مثل هذه الوقائع، لا يحق للمرء أن يندهش من آلاف الكتب التي تعرضها الخزانات المغربية عن الأولياء والتصوف. يبدو ذلك أمراً غريبا في القرن الواحد والعشرين. لكنّ ما جرى بعد الربيع العربي أكّد بشكل حاسم حيويّة الجسم الصوفي. إنّه حي ويعمل بل ويهجم. فلم يتعرض أي ضريح مغربي لضرر صغير، بينما جرى نسف أضرحة في دول أخرى، وحاليّا تتم إعادة بنائها في جمهورية مالي. لم يفقد الرأسمال الرمزي للصوفي وزنه تماما. وقد استمرت الاحتفالات بمواسم الأولياء وصارت تحت كاميرات التلفزيون. استنتاج: إن رواج كتب التصوف ومختلف الأشكال التعبيرية المستخدَمة في المجال تستجيب لحاجة اجتماعية.

 منذ قرأت في كتاب ليفي بروفنسال "تاريخ الشرفاء" (1922) عن وجود ألفَي وليٍّ صالحٍ في المغرب وأنا قلق من قدرة المغرب على دخول عصر الحداثة وهو يحمل ذهنية لاهوتية تعود للعصر الوسيط. تخبرنا سير الصلحاء التي تمتلئ بها المكتبات بالأمراض التي يعالجها الأولياء، فهم يسهّلون عيش الناس بالبركة، يعالجون الأمراض مثل العقم وموت الأطفال والجنون. وأشهر ولي مغربي، وهو "بويا عمر"، يعالج الجنون.

 في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الواحد والعشرين كثر الأطباء، لكن لم يفقد الأولياء وظيفتهم. ويبدو أن الولي تفوق على الطبيب في علاج جنون الوزراء. ويقوم الوزراء مع المريدين بحركات جذب ورقصات تخلصهم من غمتهم ومن طاقتهم الزائدة.

يفسر السوسيولوجيون المغاربة ظهور الزوايا بالبؤس الذي عرفه المغرب في القرنين 15 و16 ميلادي. ويفترضون أن البؤس زال، وبالتالي فإن الأشباح التي خرجت من الزوايا يجب أن تزول. يبدو أن البؤس لم يزل. قد يكون حال الوزير جيّداً اقتصاديا، لكن يبدو أنّ البؤس في جمجمته.

 لكن هذا لا يعني غياب القديسين في ثقافته. فالمعجم الهاجيوغرافي يعرض سيرة حوالي ستة آلاف قديس مسيحي، كانوا يعالجون العقم والجنون ومس الجن والبرص.. لكن الوزير الإسباني لم يقصدهم.. لأنهم في إسبانيا غادروا المنظومة المعرفية للعصور الوسطى. في المغرب لم نقطع مع معايير التصديق وما زالت المنظومة المعرفية لذلك العصر تملي ردود الأفعال، خاصة في الأزمات.

 والغريب أنّ الوزيرين، الجزائري والمغربي، درسا في أميركا لكنها لم تحررهما من الحاجة لأبناء العم والبركة بعد أن اتهمتهما دولتاهما بالفساد.

مقالات من المغرب

أنا وليالي الضّوء في الغابات

لم أتوقف عن الرسم، لأنني تعلّمتُ نقش الحناء بسرعة بعدها، لوجود جمهور متحمس، مع إمكانية الاختراع، وانجذاباً إلى رائحة الحناء، وتدرجات اللون البني على الأصابع والراحات والأكفّ. كنتُ أخترع بنفسي...

للكاتب نفسه